الركن الثاني: المحل في عقد البيع :
 المحل في واقع الأمر ركن في الالتزام لا في العقد، ولما كان البيع عقداً ملزماً للجانبين، فإنه ينشئ التزامات في جانب البائع محلها هو المبيع، وينشئ التزامات مقابلة في جانب المشتري محلها الرئيسي هو الثمن، لذلك يكون للبيع محلان رئيسيان هما المبيع والثمن. (السنهوري ص161)


أولاً: المبيــع :

 لم يرد في نصوص التقنين المدني شروط خاصة بمحل التزام البائع فيجب الرجوع إذن في شأنها إلى ما تقضي به القواعد العامة فيجب أن يكون المبيع موجوداً أو قابلاً للوجود في المستقبل؛ ويجب أن يكون المحل ممكناً وأن يكون مشروعاً وفي النهاية فإنه يجب أن يكون معين أو قابل للتعيين ، وسوف نتناول هذه الشروط بالتفصيل على النحو التالي :
 

شــروط المبيــع :

(1) أن يكون المبيع موجوداً أو قابلاً للوجود في المستقبل: يجب أن يكون المحل موجوداً. والمقصود بالوجود هو أن يكون المبيع موجوداً وقت إبرام العقد أو قابلاً للوجود في المستقبل. فإذا لم يكن الشيء المبيع موجوداً وغير قابل للوجود في المستقبل، فلا يصح البيع. وقد تنصرف إرادة المتعاقدين عند إبرام العقد إلى بيع شيء موجود في الحال، ثم يبين بعد ذلك عدم وجوده مع قابليته للوجود في المستقبل. فلا ينعقد البيع في هذه الحالة أيضاً طالما أن إرادة الطرفين لم تتجه إلى بيع مال مستقبل.

وتنص المادة 131 من التقنين المدني على جواز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً. ومع ذلك فإن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو برضاه يعتبر باطلاً. فلا يجوز إذن التعامل في التركات المستقبلة لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، إلا في الأحوال التي أجاز القانون فيها ذلك. فالأصل هو جواز بيع الأشياء المستقبلة بشرط أن يكون قابلة للوجود في المستقبل. وبيع الشيء المستقبل على هذا النحو كثير الوقوع في التعامل، فكثيراً ما يبيع مالك الأرض الحاصلات الزراعية قبل نضجها، وقد يبيع المؤلف مؤلفه قبل أن يتمه، بل قبل أن يشرع في تأليفه. ومثل هذا التعامل كما قلنا الآن يقع صحيحاً. (محمد علي عمران وأحمد عبد العال ص92)

(2) أن يكون المحل ممكناً : يجب كذلك أن يكون المحل ممكناً فتنص المادة 132 مدني على أنه "إذا كان محل الالتزام مستحيلاً في ذاته كان العقد باطلاً" والاستحالة التي يترتب عليها عدم إمكانية المحل قد تكون استحالة نسبية أو استحالة مطلقة. والاستحالة المطلقة هي التي تؤدي إلى بطلان العقد. ويقصد بها الاستحالة التي تقوم بالنسبة للمدين وممكناً بالنسبة لغيره، فليس من شأن هذه الاستحالة بطلان العقد . (منصور مصطفى منصور فقرة 32)

وحتى يترتب على الاستحالة المطلقة بطلان، فإنه يجب أن تتعاصر هذه الاستحالة مع وقت إبرام العقد، وأما إذا كانت الاستحالة لاحقة على الانعقاد فليس من شأنها أن تؤدي إلى البطلان، بل إنها تؤدي إلى انقضاء العقد بعد وجوده إذا كانت ناتجة عن سبب أجنبي لا يد للمدين فيه، وأما إذا كانت هذه الاستحالة راجعة إلى خطأ للمدين نفسه، فإن العقد لا ينقضي، غير أنه لا يمكن إجبار المدين على تنفيذ التزامه عيناً، ولا يكون للدائن سوى المطالبة بالتعويض.

(3) أن يكون المحل مشروعاً : الشرط الثالث من شرط المبيع هو أن يكون مشروعاً. تنص المادة 135 مدني على أنه "إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة كان العقد باطلاً" والبطلان هنا بطبيعة الحال مطلق لتعلقه بالنظام العام فلا تصححه إجازة لاحقة. وقد يرجع عدم المشروعية إلى خروج محل التزام البائع عن دائرة التعامل بطبيعته أو إلى خروجه عن دائرة التعامل بحكم القانون. فمن الأشياء ما يخرج عن دائرة التعامل بطبيعته كالماء والهواء، إذ أنها لا تصلح في ذاتها أن تكون محلاً للتعاقد. ويرجع ذلك إلى استحالة تملكها. بيد أنه إذا حاز شخص جزءاً من هذه الأشياء، كالهواء المضغوط أو حيازة جزءاً من ماء البحر، فإنه يجوز في هذه الحالة بيعها. وقد لا يخرج الشيء عن دائرة التعامل بطبيعته، بل قد يخرج عن دائرة التعامل بحكم القانون، كما هو الشأن في منع بيع الأموال الموقوفة أو منع الإتجار في المواد المخدرة.

 ومع ذلك فما تجب ملاحظته أن الشيء بذاته لا يكون مشروعاً أو غير مشروع، بل إن شرط المشروعية ينصرف إلى ما يجب على المدين القيام به، وبمعنى آخر فإن شرط المشروعية ينصرف إلى محل التزام البائع. فإذا كان بيع المواد المخدرة بغرض تعاطيها، فإن هذا البيع يعتبر غير مشروع، وأما إذا كان بيعها بغية استخدامها في بعض الأغراض الطبية، ٍفإن المحل في هذا الفرض يكون مشروعا. فالذي يخرجه المشرع إذن عن دائرة التعامل ليس هو الشيء بذاته، بل إن الذي يخرج عن دائرة التعامل هو بعض ما يتعلق بهذا الشيء من تصرفات. (عبد الرازق فقرة 227 – منصور مصطفى منصور فقرة 27)

وقد قضت محكمة النقض بأن "يشترط لصحة عقد البيع أن يكون التعامل غير محظور لأمر متعلق بالنظام العام أو الآداب ومؤدى نص المادة 30 من القانون 127 لسنة 1955 أن عقد بيع الصيدلية – وهو عقد ناقل للملكية بطبيعته – إلى غير صيدلي باطل بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام، كما أن بيع الصيدلية إلى صيدلي موظف أو صيدلي يملك صيدليتين أخريين يعتبر كذلك باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته النظام العام، وإذ كان عقد البيع محل النزاع تضمن بيع محل تجاري (صيدلية) بكافة مقوماته المادية والمعنوية، وكان الثابت تملك الطاعن صيدليتين أخريين خلاف الصيدلية المبيعة محل النزاع، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر عقد البيع المشار إليه باطلاً بطلاناً مطلقاً يكون قد صادف صحيح القانون، وإذ كان الشروع في بيع إحدى الصيدليتين بعد إبرام عقد البيع الباطل بطلاناً مطلقاً ليس من شأنه تصحيح هذا العقد، وكان عدم رد الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس 024/4/1980 الطعن رقم 385 لسنة 44ق)، وبأنه "مؤدى نص المادتين التاسعة والعاشرة من القانون 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء المعدل بالقانون رقم 222 لسنة 1953 يدل على أنه يترتب على مجرد صدور القرار بالموافقة على التقسيم إلحاق الطرق وغيرها من المرافق العامة التي عددتها المادة التاسعة بأملاك الدولة العامة، وأن جواز التصرفات – البيع والتأجير والتحكيم – التي عناها الشارع مرهون بشروط ثلاثة أولها: صدور القرار بالموافقة على التقسيم وثانيها: إيداع الشهر العقاري صورة مصدقاً عليها منه وثالثها – إيداع قائمة الشروط لما كان ذلك وكانت المادة العاشرة لم تنص على الجزاء المترتب على مخالفة أي شرط من الشروط الثالثة التي عددتها فإنه يتعين للوقوف على نوع هذا الجزاء بيان مدى تعلق كل شرط منها بالنظام العام، وإذ كان مقتضى حظر التصرف قبل صدور القرار بالموافقة على التقسيم هو حظر عام – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أخذاً بما أوضحته المذكرة الإيضاحية ودعت إليه الاعتبارات التي أفصحت عنها وكلها اعتبارات تتعلق بالصالح العام – ومقتضاه ترتيب البطلان المطلق وإن لم يصرح به لما فيه من مصادرة بإلحاق الطرق وغيرها من المرافق العامة بأملاك الدولة العامة وهو ما يسمى التخطيط العمراني أما حظر التصرفات التي تتم بعد صدور القرار بالموافقة على التقسيم – وقد تحقق بصدوره الصالح العام بإلحاق المرافق العامة بأملاك الدولة العامة وقبل إيداع الشهر العقاري صورة مصدقاً عليها منه من قائمة الشروط فهو حظر لا يتعلق بالصالح العام الذي تحقق وإنما هو حظر قصد به حماية المصالح الخاصة للأغيار ممن له حق أو تلقى حقاً على العقار المتصرف فيه حتى يكون على بينة قبل إقدامه على إبرام التصرف ومقتضاه أن يكون التصرف قابلاً للبطلان لمصلحة من شرع الحظر لمصلحته إذا ما تمسك به وليس منهم بائع العقار" (جلسة 10/12/1975 مجموعة أحكام النقض لسنة 29 ص6614)

(4) أن يكون المبيع معنياً أو قابلاً للتعيين :  يجب أن يكون الشيء المبيع معنياً أو قابلاً للتعيين. فإذا وقع المبيع على شيء معين بالذات، وجب أن يوصف الشيء وصفاً مانعاً من الجهالة الفاحشة. فإذا باع شخص داراً، وجب أن بين موقعها وأوصافها الأساسية التي تميزها عن الدور الأخرى، وإذا باع أرضاً وجب تحديد موقعها وبيان مساحتها وتعيين حدودها. وإذا باع آلة ميكانيكية وجب أن يعين نوعها وأوصافها المميزة، وقد رأينا فيما قدمناه أن المشتري يجب أن يكون أيضاً عالماً بالمبيع علماً كافياً، ويعتبر العلم كافياً إذا اشتمل العقد على بيان المبيع وأوصافه الأساسية بياناً يمكن من تعرفه (م 419 مدني) .

 أما إذا لم يكن محل الالتزام معنياً في العقد وجب أن يتضمن العقد على الأقل بياناً بالأسس التي يتم بمقتضاها هذا التعيين في المستقبل وتختلف الطريقة التي يتم بمقتضاها هذا التعيين بحسب ما إذا كان المبيع من الأشياء القيمية أو المثلية. فالشيء القيمي يعين بذاته، أي أنه يعين عن طريق تحديد معالمه، فإذا كان المبيع أرضاً زراعية، فإنها تعين عن طريق تحديد معالمها وبيان حدودها، وإذا كان المبيع منزلاً فإنه يعين مثلاً عن طريق تحديد موقعه ولا يلزم في التعيين ذكر الأوصاف الأساسية للمبيع، بل يكفي ذكر معالمه وحدوده. أما إذا كان المبيع من المثليات، فإنه لا يعين بذاته لكونه مثلياً، بل يعين بجنسه ونوعه ومقداره، كأن يذكر في عقد البيع مثلاً إذا كان البيع وارداً على كمية من القطن نوع هذا القطن ومقداره. وإذا كان الشيء من المثليات التي تتفاوت فيها درجة الجودة، ولم يتضمن العقد بياناً أو تحديداً لدرجة الجودة، وجب على المدين أن يسلم الدائن شيئاً من صنف متوسط (المادة 133/2 مدني) فإذا لم يكن المحل معيناً في العقد  على هذا النحو، ولم يتضمن العقد بياناً بالأسس التي يتم بمقتضاها التعيين في المستقبل بطل العقد بطلاناً مطلقاً (المادة 133/1 مدني).

وقد قضت محكمة النقض بأن "يدل النص في المادتين 133/1، 149/1 على أنه إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني على شيء وجب أن يكون هذا الشيء معيناً أو قابلاً للتعيين، فإذا وقع العقد على شيء معين بالذات وجب أن تكون ذاتية الشيء معروفة لطرفيه سواء بوصفه في العقد وصفاً مانعاً من الجهالة الفاحشة أو بإمكانهم استخلاص العناصر الناقصة لتعيين المبيع من النية المشتركة للمتعاقدين وقت إبرام العقد ومن الكيفية التي تم بها تنفيذها له" (طعن رقم 151 لسنة 61ق جلسة 30/6/1992).

(5) ملكية الشيء المبيع : حتى يكون البيع صحيحاً منتجاً لآثاره، لا يكفي أن تتوافر لدى البائع والمشتري الأهلية اللازمة لإبرامه، وأن تتوافر الشروط الخاصة بالمحل من وجو د وإمكان ومشروعية، بل يجب أن يكون البائع مالكاً للشيء المبيع حتى يترتب على عقد البيع آثاره، وخاصة ما يتعلق منها بنقل الملكية من البائع إلى المشتري فيجب إذن أن يكون البائع مالكاً للشيء المبيع سواء أكان المبيع منقولاً أو عقاراً، وسواء سجل العقد أم لم يسجل فإذا لم يكن البائع مالكاً لما يبيع، فإن البيع يكون قابلاً للإبطال لمصلحة المشتري. وبالإضافة إلى ذلك فإنه لا ينفذ في مواجهة البائع الحقيقي (المادة 466 من التقنين المدني).

 
ثانياً: الثمــن : والثمن هو مبلغ من النقود يلتزم المشتري بدفعه إلى البائع نظير نقل ملكية المبيع إليه وهو محل التزام البائع ومن ثم محلا في البيع أي ركنا لانعقاده وهو بهذه المثابة يتعين أن تتوافر فيه شروط المحل بصفة عامة وهي المشروعية والوجود (أو المكان) والتعيين كما يشترط فيه فوق ذلك أن يكون مبلغاً من النقود وأن يكون حقيقياً جدياً. ويعتبر شرطا المشروعية والوجود متوافرين دائماً في الثمن لأنه من النقود، ومن ثم يمكن القول بأنه يشترط في الثمن توافر ثلاثة شروط أولها أن يكون مبلغاً من النقود وثانيهما أن يكون معيناً وثالثهما أن يكون حقيقياً جدياً (محمد كمال عبد العزيز ص60).


شروط الثمــن : (1) يجب أن يكون الثمن نقدياً: وهذا هو ما نص عليه المشرع المصري صراحة في المادة 418 مدني بقوله في تعريفه للبيع بأنه هو الذي يتم فيه نقل الملكية مقابل ثمن نقدي. وأما إذا كان المقابل المتفق عليه بين البائع والمشتري شيئاً آخر ليس بنقود، فلا يكون العقد بيعاً، بل إنه قد يكون مقايضة. وإذا كان المقابل الذي يلتزم به المشتري قبل البائع هو مجرد عمل أو امتناع عن عمل فإن العقد لا يكون في هذه الحالة بيعاً، بل يكون عقداً غير مسمى، ولا تنطبق عليه الأحكام الخاصة بعقد البيع.
وقد قضت محكمة النقض بأن "متى كان الحكم إذ قضى برفض الدعوى التي أقامها مورث الطاعن بطلب بطلان العقد الرسمي الصادر منه إلى المطعون عليها الأولى ببيع منزل على أساس أن هذا العقد في حقيقته وصية قد أقام قضاءه على (أن التصرف هو عقد بيع صحيح ناجر وليس ما يمنع قانوناً من أن يكون الثمن مشترطاً وفاؤه كإيراد مرتب لمدى حياة البائع ولو أتيح القول بأن الثمن منعدم فالعقد يظل على هذا الفرض عقداً صحيحاً قانوناً ناقلاً للملكية لأنه يكون بمثابة هبة قد تضمنها عقد رسمي والهبة تصح قانوناً إذا صيغت في صورة عقد بيع أو عملت بعقد رسمي). متى كان الحكم قد أقام قضاءه على هذا الأساس فإنه لا يبطله إغفاله طلب الطاعن إحالة الدعوى على التحقيق ليثبت أن أجرة مثل المنزل تزيد على الإيراد المقرر مدى حياة البائع كمقابل للبيع. إذ على فرض أن هذا الإيراد هو دون ربع المنزل وأن ذلك يجعل الثمن معدوماً فيعتبر العقد باطلاً كبيع فإن الحكم قد أقام قضاءه على أساس أن العقد يعتبر في هذه الحالة هبة صحيحة شكلاً لإفراغها في قالب رسمي وما قرره الحكم في هذا الخصوص صحيح قانوناً ذلك أن مورث الطاعن قد أقام دعواه على أساس أن العقد في حقيقته وصية أي تبرع مضاف إلى ما بعد الموت وقد أثبت الحكم بالأدلة السائغة التي أوردها أن التصرف صدر ناجزاً فيكون هبة صحيحة في عقد رسمي ومن ثم فإن الطعن عليه بالقصور وبمخالفة القانون يكون على غير أساس" (جلسة 5/4/1941 مجموعة القواعد القانونية في الـ 25 عام بند 42 ص350)
(2) أن يكون الثمن جدياً : لا يكفي أن يكون الثمن الذي يلتزم به المشتري مبلغاً من النقود، بل يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون الثمن جدياً sérieuxs  ، بمعنى أن تتجه إرادة كل من البائع والمشتري إلى إلزام المشتري بالوفاء بالثمن فعلاً إلى البائع. فلا يكون الثمن المتفق عليه في العقد جدياً إذا لم تتجه إرادة طرفي العقد إلى إلزام المشتري بالوفاء به. ومثال ذلك أن يكون الثمن صورياً، فإذا كان الثمن صورياً فإن العقد لا يكون بيعاً، بل إنه قد يعتبر هبة .
وقد قضت محكمة النقض بأن "تصرف الأب بالبيع المنجز في عقار يملكه إلى ابنه القاصر يعتبر تصرفاً صحيحاً سواء كان في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في صورة عقد بيع وبتسجيله تنتقل ملكية العقار المبيع إلى القاصر، ولا يترتب على ثبوت صورية الثمن سوى إعفاء الأب من تقديم حساب عن هذا العقار ومن الحصول على إذن من محكمة الأحوال الشخصية عند تصرفه فيه بصفته ولياً شرعياً على ابنه القاصر" (جلسة 19/5/1980 لسنة 48ق، جلسة 23/12/1980 لسنة 49ق)، وبأنه "إذا كان بين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف بصورية عقد البيع الصادر من والدته إلى باقي أولادها صورية مطلقة ودلل على هذه الصورية بعدة قرائن منها أن العقد تضمن أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى – وهو ما يطابق أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث – وأن المتصرف إليهم لا يستطيعون أداء الثمن وأن العقد لم يظهر إلى حيز الوجود إلا بعد وفاة المتصرفة، كما طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت هذه الصورية بالبينة على أساس أن رابطة الأمومة التي ترتبط المتصرفة بأولادها المتصرف إليهم والظروف التي تم فيها هذا التصرف تعتبر مانعاً أدبياً من الحصول على دليل كتابي، وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري والرد عليه فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه" (جلسة 9/1/1973 مجموعة أحكام النقض السنة 24 ص46)، وبأنه "إذا كان التصرف منجزاً فإنه لا يتعارض مع تنجيزه، عدم استطاعة المتصرف إليه دفع الثمن المبين بالعقد؛ لأن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استمد في شكله القانون" (جلسة 6/2/1973 مجموعة أحكام النقض السنة 24 ص151، جلسة 21/6/1972 الطعن 411 لسنة 34ق س 23 ص1142)، وبأنه "متى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص في حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود الطرفين ومن المستندات التي كانت بين يديه أن ثمن الأطيان موضوع عقد البيع هو مبلغ ...... وأن المطعون ضده أوفى بهذا الثمن كاملاً ورتب على ذلك توافر ركن الثمن في عقد البيع، وانتهى إلى صحته ونفاذه، وكان استخلاصه في هذا المقام سائغاً فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً، يخرج عن رقابة محكمة النقض" (جلسة 25/6/1975 مجموعة أحكام النقض السنة 26 ص 1287، جلسة 29/3/1979 الطعن 843 لسنة 44ق س 29 ص891، جلسة 30/1/1990 الطعن 2353 لسنة 57ق)
ومما يقطع في صورية الثمن أن يبرئ البائع في عقد البيع نفسه المشتري من الثمن المذكور في العقد، أو أن يهبه فإن هذا معناه أن البائع ليس في نيته أن يتقاضى الثمن، وإنما يريد أن يسبغ على العقد صورة البيع، وفي هذه الحالة لا يكون العقد بيعاً، وإذا اعتبر هبة فإنه يكون هبة مكشوفة لا مستترة، فيجب لانعقادها أن تكتب في ورقة رسمية في الأحوال التي تشترط فيها الرسمية في الهبة. ولا يقال أن البيع يكون باطلاً ويتحول إلى هبة صحيحة، بل العقد هبة مكشوفة رأساً . (الأستاذ جميل الشرقاوي ص 106)
وقد قضت محكمة النقض بأن "إذا ذكر الثمن في عقد البيع مع إيراد المشتري منه أو هبته إياه، فإن العقد في هذه الحالة لا يصح أن يكون ساتراً لهبة، لأن القانون وإن أجاز أن يكون العقد المشتمل على الهبة موصوفاً بعقد آخر، إلا أنه يشترط أن يكون هذا العقد مستوفياً الأركان والشرائط اللازمة لصحته" (نقض مدني 9 يونية سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 130 ص400).
أما إذا كان المقصود بالصورية في هذا الشأن هو التحايل على بعض أحكام القانون فيما يتعلق على سبيل المثال بذكر ثمن أقل من الثمن الحقيقي للتهرب من الرسوم الحقيقية للتسجيل فإن مثل هذه الصورية لا تنفي عن الثمن صفته الحقيقية ويظل العقد بيعاً. كما أنه إذا تم عقد البيع بذكر ثمن جدي فيه، ثم بعد ذلك أبرأ البائع المشتري من الثمن أو هبه إياه، فإن البيع يبقى صحيحاً فقد سبق أن انعقد بثمن جدي، وإبراء البائع المشتري من الثمن أو هبته له بعد ذلك ليس من أسباب البطلان (السنهوري ص316 – أنور سلطان ص159 – سليمان مرقص ص97 – جميل الشرقاوي فقرة 105 – منصور مصطفى منصور فقرة 28 – عبد المنعم البدراوي فقرة 144)
 ويلحق بالثمن الصوري الثمن التافه؛ فكما لا يتم البيع بثمن صوري كذلك لا يتم بثمن تافه. والثمن التافه هو الثمن الذي يصل في عدم تناسبه مع قيمة المبيع حداً يبعث على الاعتقاد بأن البائع لم يتعاقد للحصول عليه وإن كان قد حصل عليه فعلاً كأن يبيع الشخص داراً قيمتها ألفي جنيه بعشرين جنيهاً، وفي ذلك يختلف الثمن التافه عن الثمن البخس الذي لا يهبط عدم تناسبه مع قيمة المبيع إلى هذا الحد وإن كان ينطوي على الغبن ومن ثم ينعقد به البيع وإن كان يجوز الطعن فيه بالغبن في الأحوال التي يجوز فيها ذلك.
ورغم ذلك ورغم اختلاف الثمن التافه عن الثمن الصوري في أنه ثمن حقيقي قصد البائع أن يتقاضاه إلا أنه لفرط تفاهمه يأخذ حكمه فيعتبر غير موجود ومن ثم لا ينعقد به البيع غير نه على خلاف الثمن الصوري غير التافه لا يجعل البيع ساتراً لهبة بل يجعله هبة مكشوفة لا تنعقد إلا إذا أفرغت في محرر رسمي ويلحق بالثمن التافه أن يكون مرتباً مدى حياة البائع يقل عن ريع المبيع إلا إذا ظهر من الظروف أن هذا الريع غير مستقر وعرضة للنقصان، وأن البائع أراد أن يضمن إيراداً مستقراً (السنهوري بند 216، محمد كمال عبد العزيز ص63).
وقد قضت محكمة النقض بأن "لا يشترط أن يكون المقابل في عقد البيع (الثمن) متكافئاً مع قيمة المبيع بل كل ما يشترط فيه أن لا يكون تافهاً، فالثمن البخس يصلح مقابلاً لالتزامات البائع" (جلسة 8/2/1951 مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض قاعدة 13 ص 346)
(3) أن يكون الثمن مقدراً أو قابلاً للتقدير: لما كان الثمن هو أحد محلي البيع، فيجب كما هو الأمر ي كل محل للالتزام، أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين. وتعيين الثمن أو قابليته للتعيين يجب أن يكون متفقاً عليه بين المتبايعين، فلا يستقل به أحدهما دون الآخر. لا يستقل به البائع؛ لأنه قد يشتط فيغبن المشتري، ولا يستقل به المشتري؛ لأنه قد يبخس الثمن فيغبن البائع؛ فلابد إذن أن يكون تعيين الثمن أو قابليته للتعيين متفقاً عليه بين المتبايعين . (السنهوري ص304)
وقد قضت محكمة النقض بأن "الثمن وإن كان يعتبر ركناً أساسياً في عقود البيع إلا أنه وعلى ما يستفاد من نص المادتين 423، 424 من القانون المدني، لا يشترط أن يكون الثمن معيناً بالفعل في عقد البيع بل يكفي أن يكون قابلاً للتعيين باتفاق المتعاقدين صراحة أو ضمناً على الأسس التي يحدد بمقتضاها فيما بعد" (جلسة 28/1/1980 الطعن 1051 لسنة 45ق س 31 ص318)، وبأنه "إذا ما خلا العقد المكتوب من قيمة الثمن مع تضمنه إقرار طرفيه بأن البيع قد تم نظير ثمن نقدي دفعه المشتري وقبله البائع فلا يبطل البيع لأن إقرار طرفيه بذلك يعني إقرارهما باتفاقهما على ثمن نقدي معين وهو ما يكفي لانعقاد البيع باعتباره عقداً رضائياً" جلسة 9/5/1991 طعن رقم 526 لسنة 55ق)، وبأنه "متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد رأت – في سبيل الحصول إلى حقيقة ما انعقدت عليه إرادة الطرفين بشأن تحديد ثمن المبيع، وذلك في حدود سلطتها التقديرية – أن تحدد الثمن الصفقة بمجموع ما دفعه المشتري "الطاعن" سواء عند تحرير العقد الابتدائي أو بعد ذلك وبما بقي من الثمن عند تحرير العقد النهائي وحصلت من ذلك الثمن الذي اتفق عليه الطرفان بعد تحرير العقد الابتدائي، وكان هذا الاستخلاص مستمداً من عناصر ثابتة بأوراق الدعوى فإن النعي على الحكم بتشويه الوقائع أو مخالفة الثابت بالأوراق يكون في غير محله" (جلسة 10/5/1962 الطعن رقم 359 لينة 26ق س 13 ص629).
 
ثالثاً: ركن السبب : لا يتميز البيع في خصوص السبب بأية خصوصية وتنطبق في شأنه القاعدة العامة التي نص عليها المشرع في المادة 136 من التقنين المدني بقوله: "إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الآداب، كان العقد باطلاً" ومن ثم نحيل إلى القواعد العامة في دراسة سبب عقد البيع ( عزمي البكري ص177).
 
إثبات عقد البيع :
يخضع عقد البيع للقواعد العامة فهو بحسبانه عقداً رضائياً يتم بمجرد اتفاق طرفيه، فلا يلزم لانعقاده إفراغ هذا الاتفاق في محرر مكتوب أو شكل رسمي. فإذا زادت قيمة المبيع عن نصاب الإثبات بالبينة وجبت الكتابة لإثباته إلا إذا أعفى منها الإقرار أو اليمين. (محمد كمال عبد العزيز ص44)
والمعلوم أن قواعد الإثبات مما لا يتعلق بالنظام العام ويجب الدفع بها من الخصم. ويجوز للطرفين الاتفاق على أن يكون إثبات العقد بالكتابة، وعندئذٍ يكون من الواجب إثباته بالكتابة، ولو كانت قيمة العقد تقل لا تجاوز خمسمائة جنيه. (عزمي البكري ص78)
وقد قضت محكمة النقض بأن "إذا رأت المحكمة أن العبارة المحررة في مفكرة المدعى والموقع عليها من المدعى عليه، المتضمنة التزام الموقع بأن يبيع للمدعي الصنف المبينة أنواعه وأوصافه فيها ومقدار كل نوع منه وثمنه، تشمل كل البيانات اللازمة لتوافر أركان عقد البيع، ولو أنها مذيلة بعبارة "وهذا لحين تحرير الشروط"، ثم عرضت لتنفيذ هذا الاتفاق فرأت أن نية المتعاقدين فيما يتعلق بباقي شروط البيع ودفع ثمنه قد توضحت من الطريقة التي بينتها في حكمها وقالت أنهما اتبعاها طوال مدة تنفيذ هذا العقد، فإنها إذ استظهرت توافر أركان التعاقد من التعهد المأخوذ على البائع ومن تنفيذه جزئياً، وإذ استكملت شروط الاتفاق من العناصر الأخرى القائمة في الدعوى تكون قد استخلصت ذلك مما ينتجه، فلا تصح مناقشتها فيه أمام محكمة النقض لتعلقه بسلطة محكمة الموضوع في تقدير الوقائع" (جلسة 13/5/1943 مجموعة القواعد القانونية في الـ 25 عام بند 2 ص 342)، وبأنه "إذا كان الراسي عليه مزاد الأطيان المنزوعة ملكيتها من المدين قد أعطى المدين وصولاً بتسلمه مبلغاً من ثمن الأطيان المنزوعة منه والتي رسا مزادها عليه بتاريخ كذا على أن يخصم هذا المبلغ من كامل الثمن الذي رسا به المزاد واستخلصت المحكمة من هذا الوصول وجود تعاقد بين الراسي عليه المزاد وبين المنزوعة ملكيته عن الأطيان المنزوعة، فهذا الاستخلاص يكون مستمداً من ورقة من شأنها أن تفيده، ولا يصح النعي على المحكمة أنها أخطأت إذ اعتبرت هذا الوصول تعاقدا" (جلسة 13/2/1947 مجموعة القواعد القانونية في الـ 25 عام بند 3 ص345).
كما قضت بأن "متى انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن عقد البيع محل النزاع تصرف منجز وأنه لو صح أن ثمناً لم يدفع فإن العقد لا يعدو هبة منجزة فإن ذلك صحيح في القانون" (جلسة 25/1/1962 – مجموعة أحكام النقض لسنة  13 ص 147)، وبأنه "لا مانع من أن يعتمد الحكم في البحث عن حقيقة عقد البيع محل الدعوى على إقرار وقعه المشتري في تاريخ لاحق يدل على أن المشتري لم يكن في هذا العقد إلا اسماً مستعاراً" (جلسة 20/4/1950 مجموعة القواعد القانونية في الـ 25 سنة بند 152 ص44)، وبأنه "الإيصال المعطى من البائع لمن استرد منه عقد البيع الذي كان قد أودعه إياه يجوز للمشتري أن يعتمد عليه في إثبات حصول البيع له متى كان قد حصل عليه برضاء المودع لديه" (طعن رقم 37 لسنة 10ق جلسة 5/12/1940)، وبأنه "إذا كان عقد البيع قد حرر باعتباره صادراً من كل الورثة عن جميع المنزل موضوع العقد، وكان بعض الورثة لم يوقعه فإن من أمضى منهم العقد يصبح مرتبطاً قبل المشتري عن حصته التي يملكها، وللمشتري أن يطالبه دائماً بنفاذ البيع في حصته ولا يجوز له أن يتحلل من هذا الارتباط بناء على امتناع باقي الشركاء عن التوقيع. وإقرار البائعين في العقد بتضامنهم في نفاذ البيع وصحته ليس معناه أن الواحد منهم يبيع أكثر من حصته، ولا أن انعقاد البيع فيها لا يتم إلا إذا باع باقي الشركاء حصصهم، بل معناه أن الواحد منهم ضامن صحة البيع ونفاذه في حصته ثم في حصص الآخرين أيضاً. وإذن فتكييف المحكمة مثل هذا العقد بأنه مشروع بيع لم يتم مع دلالة ظروف الدعوى وأوراقها على أن طرفيه قد اعتبراه عقد بيع بات ملزم لهما وترتيبها على هذا أنه لا تصح فيه الشفعة. ذلك منها يكون خطأ" (طعن رقم 55 لسنة 14ث جلسة 1/3/1945)، وبأنه "لما كان إثبات عقد البيع يخضع للقواعد العامة فهو بحسبانه عقداً رضائياً يتم بمجرد اتفاق طرفيه فلا يلزم لانعقاده إفراغ هذا الاتفاق في محرر مكتوب أو شكل رسمي، وكان الطلب الذي يقدم إلى الشهر العقاري لشهر بيع العقار يصلح دليلاً كتابياً على إبرام البيع متى كان مستوفياً أركان انعقاده وكان موقعاً من الطرفين أو من أحدهما الذي يعتبر توقيعه دليلاً على الإيجاب من قبله واقترنت به واقعة قاطعة الدلالة على قبول الطرف الآخر للبيع قبل أن يسقط الإيجاب، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية لطلب شهر البيع المقدم إلى الشهر العقاري وطلب تجديده أن بياناتهما تضمنت أسماء البائع والمشتريين والمتبرعة بالثمن ومساحة الأطيان المبيعة وموقعها وحدودها والثمن المتفق عليه وتوقيع مورث الطاعنين بصفته بائعاً وبصفته ولياً طبيعياً على ولديه المشتريين وهي بيانات تتضمن أركان البيع بما يكفي لانعقاد البيع بالشروط والالتزامات التي تنظمها نصوص القانون المدني المتعلقة بأحكام البيع باعتبار أنها مكملة لإرادة الطرفين طالما أنهما لم يتفقا على ما يخالفها، وإذ خالف الحكم المطعون هذا النظر وحمل قضاءه على ما أنبأ به من أن طلب الشهر وطلب التجديد المشار إليهما لا يتضمنان شروط البيع والتزامات الطرفين ورتب على ذلك عدم انعقاد البيع فإنه يكون مشوباً بمخالفة الثابت بالأوراق فضلاً عن مخالفة القانون بما يوجب نقضه" (طعن رقم 1351 لسنة 57ق جلسة 21/6/1989)، وبأنه "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن دفع المشتري الثمن كاملاً إلى البائع وتسلم العقد الموقع عليه منه وتمسكه به في مواجهته وإقامة الدعوى عليه بصحته ونفاذه مؤداه قبول المشتري للبيع ويغني عن توقيعه على العقد" (الطعن رقم 1473 لسنة 57ق جلسة 15/1/1992).