المقصود بمكان الحضانة الموطن الذي وقع فيه النكاح ، وأقام الزوجان فيه ، وقت قيام الزوجية بينهما ، وإقامة الحاضنة بمكان الحضانة فيه تفصل علي النحو التالي :
1 ـ إذا كانت الأم هي الحاضنة لأبنها وقت قيام الزوجية بينهما وبين أبيه ، فإنه يتعين عليها أن تحضن صغيرها بالمكان الذي تقيم به مع زوجها ، ولا يجوز أن تنتقل به إلي مكان قريب أو بعيد إلا بإذن من الزوج فإذا انتقلت الأم بالمحضون إلي مكان غير مكان الزوجية بدون إذن زوجها ولم تعد إليه إذا طلبها الزوج للعودة إلي مسكن الزوجية فإنها تعتبر ناشزاً ، ويسري في شأنها ما سبق بيانه بشأن نشوز الزوجة الحاضنة ، وسبب ذلك إن للزوج علي زوجته حقوق الزوجية ومنها حقه في طلبها لطاعته ، وبهذا الطلب يتحقق عودة الصغير إلي أبيه مع أمه .
وما يسري علي الأم الحاضنة من أحكام ، يسري أيضاً إذا طلقت وحتي تنقضي عدتها من مطلقها ، لأنه له طليقها إلي محل العدة ، فإذا انقضت عدة المطلقة الحاضنة وأرادت أن تنتقل بالصغير إلي مكان غير مكان الحضانة ، وبينهما تفاوت فليس لها إلا بإذن الزوج ، لأنها أصبحت ولا سبيل للأب عليها ، وغير أهل لطلبها
أما إذا أرادت أن تنتقل إلي وطنها الذي عقد عليها فيه ، فإذا كان قريباً بحيث يستطيع الأب أن يري أبنه ويعود لأهله نهاراً جاز لها ذلك بدون إذن الأب ، أما إذا كان البلد بعيداً بحيث لا يتمكن الأب من رؤية أبنه المحضون والرجوع لأهله في نهاره ، فلا يجوز لها الانتقال بالمحضون إلا بإذن الأب .
2 ـ إذا كانت الحاضنة غير الأم  ، فليس لها أن تنتقل بالمحضون من بلد أبيه إلي بلد آخر إلا بإذنه ، وقد علل الفقهاء ضرورة الأذن بالضرر الذي يلحق الأب من بعده عن ولده وتحمله المشقة في رؤيته ، ومنع الحاضنة من الانتقال بالصغير من مكان الحضانة ليس أمراً تعبدياً لنفس المكان ، وإنما عدم الانتقال مفروض في حالة ما إذا كان الأب مقيماً في مكان الحضانة ، حتي تتحقق علة المنع من الانتقال إلي المكان البعيد وهي تمكن الأب من مطالعة ولده والعودة نهاراً في يومه ، بدليل قول الفقهاء للحاضنة إذا أرادت الانتقال " اتركي الولد واذهبي حيث شئت " حينما تريد الانتقال إلي مكان ليس لها حق الانتقال إليه ، وليس معني هذا إلا إنها تترك المحضون عند والده المقيم في مكان الحضانة ، ولا يقال لها سلمي الولد واذهبي حيث شئت إذا لم يكن والده مقيماً في مكان الحضانة .
والمقصود بانتقال الحاضنة هو انتقالها من مكان الحضانة إلي مكان آخر بنية الإقامة فيه ، هذا الانتقال وان كان مخالفاً لأحكام الحضانة ، إلا إن هذه المخالفة لم يرتب الفقهاء عليها شرطاً جزائياً فضلاً عن إنه غير مسقط لحق الحضانة ، فانتقال الحاضنة بالمحضون ليس من مسقطات الحضانة .
غير إن الفقهاء بينوا إنه إذا كان الانتقال إلي مكان بعيد ـ بدون إذن الأب ـ فإن القاضي يأمر الحاضنة بالعودة إلي مكان الحضانة وهذا القدر فقط هو الذي يمكن أن يسلكه القاضي مع الحاضنة إذا تركت مكان الحضانة ، إذ ليس للقاضي ـ ولا لأي فرد آخر ـ أن يلزم الحاضنة بالإقامة في بلد معين ، بل لها أن تختار محل إقامتها كما تشاء ، غير أن الحاضنة وإن كانت لها حرية اختيار نحو إقامتها ، إلا إن حريتها ليست مطلقة في إبقاء المحضون بأي مكان تشاء هي ، لأن إقامة المحضون ليست ملكاً خالصاً لها تتصرف فيها كما تريد ، إذ يتعلق بهذه الإقامة حق للغير هو الأب ـ أو غيره من العصبات ـ من رؤية الصغير ، والتعرف علي حاله ، وحق للمحضون أن يري هو أباه أو عصبته .
وأمر القاضي الحاضنة بالانتقال بالمحضون إلي مكان الحضانة هو في الواقع أمر للمحضون بالعودة إلي مكان الحضانة لتعلق حق والده في ذلك ، وما توجيه الأمر إلي الحاضنة ، إلا لأن المحضون في يدها فهي مسلطة في ذلك شرعاً ، وهي تمثل المحضون بسبب هذه اليد ، بل والمحضون له لا يباشر حقوقه بالنسبة للمحضون إلا من خلال حاضنته بسبب يدها عليه ، وتمثيلها له في هذه الفترة التي أذن لها الشارع بها .
ومكان الحضانة الذي يتعلق به العاصب ، هو محل إقامته الذي ثبت له وقت مطالبته الحاضنة بالانتقال إلي هذا المحل ، فإذا غير العاصب محل إقامته بعد ذلك ، وطلب من الحاضنة الانتقال إلي هذا المكان الآخر ـ الذي انتقل هو إليه ـ كان للحاضنة أن تدفع هذا الطلب بعدم أحقية العاصب فيه ، لأن حقه قد ثبت في محله معينة ، وتغييرها لا يلزم الحاضنة بذلك ، لأن كثرة تغيير محل إقامة العاصب فيه ضرر ومشقة علي صاحبه حق الحضانة التي في يدها المحضون ، والضرر يزال إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام .
انتقال الأب بالمحضون :
لا يجوز للأب أن ينقل المحضون الذي في سن الحضانة بعيداً عن الأم الحاضنة إلا برضاها ـ ما دام الصغير في سن الحضانة ـ سواء أكان المكان الذي ينقله إليه بعيداً أم قريباً ، بحيث يمكنها أن تبصر صغيرها ثم ترجع إلي مكانها في اليوم نفسه ، لأنه إذا كان للأم حق الحضانة ، فإن الأب يمنع من اخذ المحضون منها ، فضلاً عن إخراجه من محل إقامتها .
ويري الفقهاء إنه يجوز للأب إخراج المحضون من بلد الحاضنة الأم ولو قام بها مانع من الحضانة ، وذلك قبل تجاوز المحضون أقصي سن الحضانة ، لاحتمال أن تعود إليها الحضانة بزوال المانع منها ، ومكان حضانة الأم هو محل إقامة الزوجية بينها وبين زوجها وقت الفرقة ، أما مكان الحضانة بالنسبة لغير الأم ، فهو مكانها بالنسبة لهذه الحاضنة .
كما إن الفقهاء يقررون إن الأب لا يخرج بصغيره من محل إقامته قبل استغنائه عن حضانة أمه ، كما إنه إذا خرج الأب بالصغير مع أمه ثم ردها لأي سبب ثم طلقها فعليه أن يرد صغيرها إليها ، لأنه وإن أخرجها إلا إنها لما خرجت مع الأب لم تكن راضية بفراق صغيرها ، فإذا ردها ثم طلقها لزمه رد صغيرها إليها لكي تباشر حقها ، ولكي يحصل الصغير علي حقه في أن تحضنه أمه في فترة حضانته
والقول بعدم جواز الانتقال بالصغير إلي مكان بعيد إنما هو خاص بالمطلقة والأب فقط .
عمل الحاضنة وأثره علي حقها في الحضانة :
في ثبوت حق الحضانة للحاضنة ، قال الفقهاء ، تثبت الحضانة للأم بعد الفرقة ، إلا أن تكون مرتدة ، أو فاجرة ، أو غير مأمونة علي المحضون ، بأن تخرج من دارها كل وقت ، والمحضون ضائعاً بمعني أن تكون كثيرة الخروج من مسكن الحضانة ، ولا يلقي المحضون ـ عندها ـ حظه من حضانتها ، فيضيع عندها بسبب عدم اكتراثها به ، أو بوجوده في يدها لتحضنه ، الأمر الذي يترتب عليه ترك الولد يضيع ، وهو في حكم الأمانة عند حاضنته ، ومضيع الأمانة لا يستأمن .
ومؤدي ذلك إن الفقهاء لم يذكروا من مسقطات الحضانة ، كون الأم الحاضنة صاحبة حرفة ـ أو صنعه ـ أو عمل تتكسب منه لأن الاحتراف في ذاته ليس جريمة أو نقصاً في أهلية الحاضنة تعاقب عليه بسقوط حقها في الحضانة ولا يمكن أن تنظر الشريعة الإسلامية مثل هذه النظرة ، لأن في أحكامها من المرونة والسعة ما يلائم جميع الظروف والأحوال ، فإذا كانت الحاضنة المحترفة لا يضيع عندها المحضون ، فلا يقال إذن أن الاحتراف مانع من الحضانة .
ومن هذا يبين إن احتراف العمل في حد ذاته ليس مسقطاً لحق الحضانة ، وإنما المسقط لهذا الحق في مجال الحضانة ، هو ضياع المحضون وإهماله عند حاضنته
وإذا كانت ظروف الحاضنة التي تقوم بالتدريس تسمح بإرضاع صغيرها في الأوقات الواجبة ، وكان لها مع ذلك خادم يقوم بخدمة هذا الرضيع وحفظه اعتبرت الحاضنة قادرة علي صيانة الرضيع طبقاً لما تشير إليه نصوص الفقهاء في باب الحضانة ، كما قضي بأن الشريعة الإسلامية لا تمنع المرأة من الاحتراف لطلب القوت إذا كانت مطلقة ولا عائل لها ، ولا مانع يمنع الأم من حضانة ولدها ، وهي محترفة لتجلب قوتها ، ولو كانت حرفتها صغيره ، ما دام الولد مصوناً ، غير ضائع عندها .
ومؤدي ذلك إن القضاء قيد احتراف الزوجة بألا يكون هذا الاحتراف مؤدياً إلي المساس بحقوق المحضون عليها أو يكون فيه مضارة له ، وبالتالي لا يكون الاحتراف في حد ذاته خروجاً علي أحكام الحضانة ، مانعاً من القيام بها .
حقوق المحضون علي حاضنته :
قرر فقهاء الشريعة الإسلامية إن مدار الحضانة علي نفع المحضون ونفع المحضون يتعلق به حقوقه ، فمتي تحقق نفعه وجب المصير إليه ، وتعلق به حقه ، فإذا صار المحضون في يد حاضنته ترتبت له حقوق عليها وهذه الحقوق منها :
1 ـ حقه في حفظه ، وإلا يترك حتي يهلك أو يضيع
فالحضانة مقررة لمصلحة الصغير وهي من نوع الولاية عليه ، وهي ولاية نظر ورعاية . وما دامت هذه الولاية قد قررت للحاضنة في مرحلة معينة ، فقد وجبت عليها واجبات نحو المحضون ، وهذه الواجبات هي حقه في الحفظ والتربية اللائقة به ، والإشراف عليه في مدة معينة .
2 ـ الإنفاق علي الصغير .
قرر فقهاء الشريعة الإسلامية إن ولاية الإنفاق علي الصغير تعتمد اليد الممسكة له شرعاً ، والحاضنة لها يد علي المحضون ، وهذه اليد قائمة بحكم الشرع ، ولذلك قرر الفقهاء للحاضنة الحق في أن تخاصم والد المحضون في نفقته ، وتطلب بأداء النفقة لها ما دام المحضون في يدها .
3 ـ حق الصغير في رؤية والديه ، وحقهما في رؤيته .
حق رؤية الصغير وهو في سن الحضانة ـ أو في مرحلة ضمه لعاصبه ـ نظمت المادة 20 من القانون 25 لسنة 1929 بعض أحكامه ، فنصت الفقرة الثانية منها علي " إن لكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة ، وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين " ، ونصت الفقرة الثالثة علي أنه " إذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقاً نظمها القاضي ، علي أن تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً " ونصت الفقرة الرابعة علي انه " لا ينفذ حكم الرؤية قهراً ، ولكن إذا امتنع من بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر انذره القاضي ، فان تكر منه ذلك ، جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتاً إلي من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها " .
وسوف نفرد للرؤية فصلاً مستقلاً فى نهاية الكتاب .
انتهاء الحضانة :
نصت المادة 20 من القانون 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون 4 لسنة 2005 على أنه : ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة بعد سن الخامسة عشر ، ويخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن فى البقاء فى يـد الحاضنة دون أجر وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة .
ولكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين .
وإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقاً ، نظمها القاضى على أن تتم فى مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً .
ولا ينفذ حكم الرؤية قهراً , ولكن إذا امتنع من بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضى فإن تكرر ذلك جاز للقاضى بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتاً إلى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها.
ويثبت الحق فى الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء , مقدماً فيه من يدلى بالأم على من يدلى بالأب ومعتبراً فيه الأقرب من الجهتين على الترتيب التالي :
الأم , فأم الأم وأن علت , فأم الأب وأن علت , فالأخوات الشقيقات , فالأخوات لأم , فالأخوات لأب , فبنت الأخت الشقيقة , فبنت الأخت لأم , فالخالات بالترتيب المتقدم فى الأخوات , فبنت الأخت لأب , فبنات الأخ بالترتيب المذكور , فالعمات بالترتيب المذكور ، فخالات الأم بالترتيب المذكور , فأم الأم وأن علت ، فأم الأب وأن علت ، فالأخوات الشقيقات ، فالأخوات لأم ، فالأخوات لأب ، فبنت الأخت الشقيقة ، فبنت الأخت لأم ، فالخالات بالترتيب المتقدم فى الأخوات ، فبنت الأخت لأب ، فبنت الأخ بالترتيب المذكور ، فخالات الأب بالترتيب المذكور ، فعمات الأم بالترتيب المذكور ، فعمات الأب بالترتيب المذكور .
فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء النساء أو لم يكن منهن أهل للحضانة أو انقضت مدة حضانة النساء ، انتقل الحق فى الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق فى الإرث , مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الأخوة
فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء , انتقل الحق فى الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصبات على الترتيب الأتي:
الجد لأم , ثم الأخ لأم , ثم أبن الأخ لام , ثم العم ثم الخال ثم الشقيق , فالخال لأب فالخال لأم .