الحضانة وهي تربية الصغير ، وملاحظته ، ليست إلا عملاً من الأعمال تقوم به الحاضنة لحساب والد المحضون ، وهذا العمل لا يختلف باختلاف الحاضنات متي قام الدليل علي صلاحية الحاضنة الثابتة للحضانة ، ولذلك يقابل هذا العمل أجر يلزم به من تجب عليه نفقة الصغير .
وأجرة الحضانة ـ غير أجرة الرضاع ـ لأنها جزاء احتباس الحضانة لأجل الصغير ومصالحه ، ولذلك فيها معني المئونة ، وتجب بمجرد القيام بالعمل الذي هو مطلق الحضانة .
والتعاقد علي الحضانة ـ بين الأم الحاضنة وبين والد المحضون ـ قائم ضمناً بالزوجية والولادة ، وثابت فعلاً بكون المحضون في يد أمه وهو في سن الحضانة ، سواء أوجد تعاقد عليها أم لم يوجد ، فالحضانة أثر من آثار الزوجية ، ونتيجة من نتائج عقد الزواج الذي حصل بينهما علي أحكام الشريعة الإسلامية ، التي جعلت من حق الأم حضانة وليدها إلي أن يبلغ سناً معينة ، يستغني فيه عن خدمة النساء ، وحق الأم في الحضانة ثابت لها ولو لم يرض الأب بذلك ، فالأم مسلطة علي الحضانة من قبل الشارع " أنت أحق به ما لم تتزوجي " ولذلك فهي تستحق الأجر إن قامت بالحضانة ، ومن تاريخ قيامها بها بعد الطلاق وانقضاء عدتها من والد المحضون .
استحقاق الأم أجر حضانة يفرق فيه بين فترتين :
الفترة الأولي : هي فترة قيام الزوجية بين الأم الحاضنة ووالد المحضون في هذه الفترة لا تستحق الأم أجرة حضانة صغيرها لوجوب الحضانة عليها ديانة ، لأن الأب في هذه الفترة يقوم بالإنفاق علي زوجته ـ الحاضنة ـ حقيقة في الزواج ، أو حكماً في أثناء العدة فإذا كانت الأم حاضنة لصغيرها في أثناء عدتها من أبيه فإنها لا تستحق محضة بل هي أجرة فيها معني المئونة لأنها جزاء الاحتباس لأجل الصغير ، ولهذا لا تجب للزوجة أجرة بسبب حضانة ولدها ، لوجوب نفقتها علي الأب بسبب الزوجية والاحتباس قائم بسببها أثناء قيام الزوجية ، وليس بسبب حضانتها لصغيرها
الفترة الثانية : هي فترة ما بعد الطلاق وانقضاء العدة ، في هذه الفترة تستحق الأم الحاضنة أجرة حضانة صغيرها ، في مقابل قيامها بالحضانة ، واحتباسها نفسها لها ، ما دام المحضون في يدها ، فالمقرر شرعاً إن أم الصغير تستحق أجرة حضانته بعد الطلاق من تاريخ انقضاء عدتها .
وإن قضي القاضي إذا جعل للأم أجرة حضانة ، وأمر من وجبت عليه بدفعها لها ، فتزوجت ولم يعترض من له حق الحضانة بعدها ، لم يبطل الفرض وسبب ذلك إن الصغير في يدها .
انقضاء العدة ـ في استحقاق الأم المطلقة أجر حضانة صغيرها ـ سببه إن المطلقة لها علي مطلقها نفقة عدة ، وهذه النفقة سببها إن الزوجية قائمة حكماً بعد الطلاق ، وما دامت الزوجية قائمة ـ ولو حكماً ـ فإن احتباس الزوجة المطلقة لحق الزوج قائم ، وما دام الاحتباس هنا ليس من أجل المحضون ، وإنما من أجل قيام الزواج حكماً ، والمادة 389 من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية نصت علي إنه " إذا كانت أم الطفل هي الحاضنة له وكانت منكوحة أو معتدة لطلاقي رجعي فلا أجر لها علي الحضانة ، وإن كانت مطلقة بائناً أو متزوجة بمحرم للصغير أو معتدة له فلها الأجر ، وإن أجبرت عليها ، وإن لم يكن للحاضنة مسكن تمسك فيه الصغير الفقير فعلي أبيه مسكناً لهما جميعاً وإن احتاج المحضون إلي خادم وكان أبوه موسراً يلزم به ، وغير الأم من الحاضنات بها الأخوة " .
وأجر الحضانة واجب علي المحضون له شرعاً سواء كان هذا الأجر نفقة أو شبه نفقة ، فقد نصت المادة 18 مكررا ثانيا من القانون رقم 25 لسنة 1929 علي إنه " إذا لم يكن للصغير مال فنفقة علي أبيه " وأجر الحضانة بالنسبة للأب فيه شبهة النفقة ، فصار كالنفقة الواجبة علي الأب إذا لم يكن للصغير مال خاص به والمقرر شرعاً إن نفقة الولد علي أبيه إن كان فقيراً ، وفي ماله إن كان غنياً .
واستحقاق اجر الحضانة يثبت من وقت القيام بها ، لأنه يدور مع القيام بها وجوداً وعدماً ، فالحصانة عمل ، وطالما كان المحضون في يد الحاضنة فالعمل قائم ، ومقابلة بالنسبة للحاضنة فيه معني المئونة ، ودفع الحاجة ، أي فيه معني رزقها عن عملها .
وقد اختلف فقهاء الأحناف في أمر وجوب اجر الحضانة عن المدة السابقة علي المطالبة به ، فقال البعض إن الحاضنة تستحق الأجر عن الحضانة عن المدة السابقة بدون تعاقد عليها ، بينها وبين المحضون له ، وذلك قياساً علي أجر الرضاع في الحكم ، فقد ورد في كتب الفقه أن للأم أجر الرضاع بلا عقد إيجاره عليه ، وإنها تستحق الأجر في المدة مطلقاً ـ أي مدة الرضاع ـ قال تعالي " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن " وقد جري عمل المحاكم في شأن أجر الحضانة علي هذا الرأي ، وهو استحقاق الحاضنة أجر الحضانة عن المدة الماضية بدون اشتراط التعاقد عليها مسبقاً ، والمقصود بالمدة الماضية هي المدة التي ابتدأت فيها حضانتا للصغير وحتي طلبها أجر الحضانة .
وأجرة الحضانة واجبة في مال الصغير المحضون أو مال غيره ممن يلزمه نفقته .
طبيعة أجر الحضانة :
أجر الحضانة بالنسبة للحاضنة ليس بنفقة ، وإنما هو أجرها عن عمل أدته لحساب والد المحضون ، وفيه معني المئونة لها ، فهو جزاء احتباسها لأجل الصغير ، ولذلك فهو خالص حقها ، ولها أن تتصرف فيه بكل أنواع التصرف المشروعة .
فإذا كانت الأم قد تكفلت بحضانة حملها عند انفصاله حياً مدة الحضانة نظير حصولها علي الطلاق من أبيه ـ ووقع الطلاق علي هذا ـ كان التحمل بأجر الحضانة صحيحاً ، وجائزاً شرعاً ، فتعامل الحاضنة بمقتضاه لأنها تحملت بمعين ـ بتعيين الحمل ـ فإذا وقع الطلاق علي هذا ، فإنها تكون قد استوفت العوضي ـ  وهو الطلاق ـ بما يمنعها من المطالبة ـ بعد ذلك بأجر الحضانة عند وضع حملها
وقد قضي بأن الطلاق نظير عوض يصح فيه إن يكون العوض مالاً ، ويجوز فيه أن يكون العوض متعلقاً بصغير موجود حين المعاوضة ، يكون أيضاً متعلقاً بحمل لم يولد حين الالتزام بهذا العوض ، والعوض إذا ألتزم به من التزامه التزاماً صحيحاً شرعاً ، كان حقاً لازماً يجب أداؤه أو القيام به أو دفع بدله ، كما إن أجرة الحضانة لا ترد لو خرجت الحاضنة من أهلية الحضانة ، لأنها أجر عن عمل ، وقد دفع هذا الأجر مقابل العمل فلا ترد لاندفاع حاجة الصغير .
وإذا تبرعت الحاضنة بأجر الحضانة أو أسقطته عن المحضون له ، كان تصرفها صحيحاً لأن الفقه في هذا الخصوص يقضي بأن الحاضنة إذا تبرعت بأجر الحضانة أو أسقطته والتزمت بحضانة الصغير مجاناً من غير مقابل ، فليس لها المطالبة بأجر الحضانة بعد ذلك ، وكذلك الحال فيما إذا تصالحت الحاضنة علي أجر الحضانة ، فإنه لا يصح لها أن تطلب زيادته ، لأن الصلح عقد بين طرفيه اتفقا فيه علي أن تحضن الحاضنة الصغير نظير أجر معين ، وهذا العقد كسائر عقود الإيجارة لا يصح طلب زيادة قيمتها قبل انتهاء مدتها إلا برضاء الطرفين .
كما إن للحاضنة إن تبرئ المحضون له من الأجرة ـ بعد العقد عليها ـ وقبل استيفاء المنفعة ، وذلك بلا خلاف ، لأن سبب الوجوب وهو العقد موجود ، فقيام مقام الحضانة والإبراء منه وإسقاطه بكافة التصرفات التي تؤدي إلي إبراء المحضون له من هذه الأجرة . ومن هذا يظهر بوضوح إن أجر الحضانة ليس نفقة ولا شبه نفقه بالنسبة للحاضنة ، وإنما هو خالص حقها تستحقه في مقابل عملها وهو حضانة الصغير لمصلحة أبيه .
طبيعة يد الحاضنة علي المحضون :
المحضون أمانة في يد حاضنه ، وهذه الأمانة من فعل الشارع ، فهو الذي سلط الحاضنة علي المحضون وجعل لها يداً عليه لمصلحته ، وليس لمصلحة أبيه ، ولا لمصلحة شخص آخر ، بل للصالح العام ، الذي ينظر دائماً إلي جيل جديد ، تتوافر فيه كل الصفات الطيبة ، وأولها أن تكون تربيته الأولي تربية صحيحة ، ولذلك فالصغير عند حاضنته أمانة من نوع خاص ، غير الأمانات التي يعبر عنها بالوديعة ، التي هي تسليط المالك غيره علي ماله ، وهي التي يعتبر الامتناع عن ردها لمالكها غصباً والصغير ليس مالاً مملوكاً لأبيه ، ولا هو أودعه يد حاضنته .
تسليط الشارع الحاضنة علي المحضون ، قصد به مصلحة الصغار الذين يتحتم رعايتهم والقيام بتربيتهم إلي أن يتمكنوا من الاستقلال برعاية شئونهم بأنفسهم ، ومن هذا المنطق جعلت الشريعة الغراء حضانة الصغار للنساء منذ ولادتهم إلي سن معينة .
وقد حدد فقه الشريعة الحاضنات وترتيبهن ، حتي يمكن تنظيم يدهن علي المحضون وجعلها تدور حول حفظه ورعايته ، وتعهده ، فإذا تجاوزت يد الحاضنة هذا الحق الممنوح لها في حضانة الصغير ، فلا يقال أنها اغتصبت لأن الغصب شرعاً هو إزالة يد محقة ، واثبات يد مبطلة في مال محترم .
فالغصب لا يكون إلا في الأموال المحترمة ، والصغير ليس مالاً فلا يتصور فيه الغصب بالمعني الشرعي ، كما إن تجاوز الحاضنة حقها في حضانة الصغير ، لا يقال عنه إنها أخلت بالأمانة ، أو إن يدها تغيرت صفتها علي النحو الذي يعرفه قانون العقوبات ، وإنما يقال إن الحاضنة أتت عملاً ينافي مصلحة الصغير ، ولا جزاء لهذا العمل إلا أن يتضرر صاحب الحق علي الوجه الذي حدده القانون ، بأن يثبت تجاوز الحاضنة حقها في حضانة الصغير ، ومن ثم يسقط حقها في حضانة المحضون ، ويطلب ضمه إليه ، وقد قضي بأن الأم إذا امتنعت عن تسليم الصغير إلي أبيه بعد الحكم عليها بضمه إليه حكم بكفها عن المطالبة بنفقته المقررة ، لأن الأصل أن ينفق الوالد علي ولده المستحق للنفقة ، سواء أكان في يده أم في يد من له حضانته ، كما قضي بأن الشريعة راعت مصلحة الصغار ، وحقوق العصبة ، فإذا طلب الوالد إلي الحاضنة أن تسلمه ابنه بعد استغنائه عنها حسبما شرع الله ، فإن أبت عليه ذلك فهي ظالمة ، ويدها يد عارية كيد المودع إذا امتنع عن رد الوديعة إلي صاحبها ، فيده تصير يداً غاصبة ، والغاصب إذا انفق من ماله علي المغصوب فلا يرجع بما انفق علي المغصوب منه ، ولو أمره القاضي بذلك لبطلان يده .
 
نشوز الزوجة لا يمنع حقها في حضانة صغيرها :
النشوز شرعاً هو خروج الزوجة من منزل زوجها ، ومنعها نفسها منه وهو أمر وجودي يمكن البرهان عليه بأي طريق من طرق الإثبات الشرعية .
والنشوز معصية لا تقر الزوجة عليه ، ولا تستحق المفروض لنفقتها ما دامت كذلك ، لأن الوجه الشرعي يقضي بمنع الناشز من المقرر لنفقتها حتي تعود لطاعة زوجها ، وصدر الحكم بالطاعة في دعوي النشوز ليس شرطاً لثبوته ، وإنما يعتبر دليلاً علي تحقيق عناصر النشوز من وقت صدور الحكم .
والنشوز لا يمنع حق الحضانة متي كانت الزوجة الناشز أن تقيم في المكان الذي تعين للحضانة ـ أي يمكن لوالد المحضون أن يراه ويعود لأهله دون مشقة عليه ، أما إذا انتقلت الحاضنة الناشز إلي مكان يشق علي والد المحضون رؤيته فيه فإنها تؤمر بالعودة إلي المكان الذي تعين للحضانة ، فإذا لم تعد ، فان هذا الامتناع ـ عن العودة ـ يفقدها أهليتها للحضانة ، ويسقط حقها فيها بسبب عدم العودة إلي مكان الحضانة ، وليس بسبب النشوز .