بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.
من تمام رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً, وجعل بينهم مودة ومحبة, قال تعالى: + " [الروم: 21].
فرغب الإسلام في الزواج للمعاني العظيمة التي من أجلها شُرع, ومنها حصول المودة والرحمة.
ومن كمال الشريعة أنها جاءت بالأحكام التي تعالج هذه الرابطة عند فقدان المودة بين الزوجين, فشرع للزوج الطلاق بإرادته المنفردة عند رغبته عدم استمرار هذا العقد, وكذلك شرع الله للمرأة أن تزيل الضرر الواقع عليها بالعيش مع من تبغضه أو مَنْ لا يقوم بحقوقها, وذلك بالخلع.
قال تعالى: + " [البقرة: 229].
وقد تكلم الفقهاء عن الخلع, وما يتعلق به من أحكام شرعية, وفروع فقهية, ومسائل علمية. ومن أهم مسائل الخلع التي كثر فيها اختلاف الفقهاء, أحكام أخذ العوض فيه, لذلك أحببت إفراد هذه الأحكام بهذا البحث الذي يتكون من تمهيد, وأربعة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
التمهيد: وفيه التعريف اللغوي, والاصطلاحي للخلع, والمقصود بأخذ العوض في الخلع, والحكمة من مشروعية الخلع.
المبحث الأول: دعوى نسخ أحكام الخلع ونسخ أخذ العوض فيه.
المبحث الثاني: حكم أخذ العوض بسبب كراهية الزوجة.
المبحث الثالث: حكم أخذ العوض بسبب عضل الزوج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم أخذ العوض بالعضل ظلماً.
المطلب الثاني: حكم أخذ العوض بالعضل بسبب إتيان الفاحشة.
المبحث الرابع: حكم أخذ العوض في الخلع حالة الوفاق بين الزوجين.
الخاتمــة: وفيها أهم نتائج البحث.
وسلكت في هذا البحث المنهج التالي:
1- عزو الآيات القرآنية إلى سورها في المتن نفسه.
2- تخريج الأحاديث وبيان ما ذكره أهل العلم في درجتها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما.
3- تخريج الآثار الواردة في البحث.
4- لم أعرف بالأعلام تلافياً للإطالة.
5- أعرض أقوال الفقهاء في المسألة مع ذكر أهم ما وقفت عليه من أدلة, ثم أرجح ما يعضده الدليل.
6- توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب, والاعتماد على أمهات المصادر والمراجع.
هذا, والله أسأل التوفيق والسداد, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
التمهيــــــد: في تعريف الخلع وأخذ العوض فيه والحكمة من مشروعيته
أولاً : تعريف الخُلع في اللغة:
في الصحاح: (خَلَعَ ثوبه ونعله وقائده خَلْعاً. وخَلَعَ عليه خلعة, وخالع امرأته خُلْعاً بالضم)( ).
قال ابن فارس: (الخاء واللام والعين أصل واحد مطرّد, وهو مُزايلة الشيء الذي كان يشتمل به أو عليه, تقول: خلعت الثوب أخلعه خُلْعاً, وخُلع الوالي يُخلع خلعاً.
وهذا لا يكاد يقال إلا في الدون ينزل من هو أعلى منه, وإلا فليس يقال: خلع الأمير واليه على بلد كذا, ألا ترى أنه إنما يقال: عزله. ويقال: طلق الرجُل امرأته, فإن كان ذلك من قبل المرأة يقال: خالعته وقد اختلعت؛ لأنها تفتدي نفسها منه بشيء تبذله له)( ).
قال الأزهري: (وسمي ذلك الفراق خلعاً لأن الله ـ عز وجل ـ جعل النساء لباساً للرجال, والرجال لباساً لهن, فقال تعالى: + " [البقرة: 187].
وهي ضجيعته وضجيعُه, فإذا افتدت المرأة بمال تعطيه لزوجها ليبينها منه فأجابها إلى ذلك فقد بانت منه, وخلع كل واحد منهما لباس صاحبه, والاسم من ذلك الخُلع, والمصدر الخلع)( ).
ثانياً: تعريف الخُلع اصطلاحاً:
اختلف الفقهاء في تعريف الخلع لاختلافهم في شروط الخلع والأحكام المترتبة عليه على ما يلي:
1ـ الحنفية:
عرفه الزيلعي بأنه: (أخذ المال بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلع)( ).
وعرفه ابن الهمام بأنه: (إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع)( ).
وعرفه ابن نجيم بأنه: (إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو ما في معناه)( ).
2ـ المالكية:
عرفه ابن شاس بأنه: (عبارة عن خلع العصمة بعوض من الزوجة أو من غيرها)( ).
وعرفه الرصاع: (بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بعوض)( ).
وعرفه محمد بن جزي الغرناطي بأنه: (بذل المرأة أو غيرها للرجل مالاً على أن يطلقها أو تسقط عنه حقّاً لها عليه)( ).
الشافعية:
قال الرافعي: (وفسر الخلع في الشريعة بالفرقة على عوض يأخذه الزوج)( ).
وقال محمد الشربيني: (هو في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع)( ).
وعرفه ابن قاسم الغزي بأنه: (فرقة بعوض مقصود)( ).
4ـ الحنابلة :
قال ابن قدامة: (معناه: فراق الزَّوج امرأته بعوض)( ).
وعرفه الفتوحي بأنه: (فراق زوجته بعوض, بألفاظ مخصوصة)( ).
وعرفه إبراهيم بن ضويان بأنه: (فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها, أو من غيرها بألفاظ مخصوصة)( ).
عند التأمل في تعريفات الفقهاء السابقة للخلع نجد أن اختلاف عباراتهم يعود إلى ما يلي:
أ ـ بعض الفقهاء يرى أن الخلع يعد طلاقاً؛ لذلك نجد تعريفاتهم تتضمن عبارة «إزالة ملك النكاح», ومن يرى من الفقهاء أن الخلع فسخ لا يذكر الألفاظ التي تدل على إزالة ملك النكاح, إنما يذكر ألفاظاً تدل على الفسخ دون الطلاق.
(وتظهر فائدة هذا الخلاف في الخلع الواقع بينهما, بعد أن طلق الرجل طلقتين, فعند الجمهور طلقة الخلع ثالثة, فلا تحل لمخالعها إلا بعد زوج, وعند ابن عباس وأحمد بن حنبل وإسحاق ومن وافقهم لا تعد طلقة, ولهما أن يعقدا نكاحاً مستأنفاً)( ).
ب ـ كثير من الفقهاء يشير إلى العوض في الخلع ويجعله شرطاً لصحته, ويرى بعضهم الآخر صحة الخلع بدون عوض.
جـ ـ بعض الفقهاء يرى أن الخلع لا يقع إلا بألفاظ مخصوصة, والصحيح أن الخلع يقع بالألفاظ الصريحة له, أو بما يدل على إرادة الخلع مثل ألفاظ الكناية.
يقول شيخ الإسلام: (فالفرق بين لفظ ولفظ في الخلع قول محدث لم يعرف عن أحد من السلف لا الصحابة, ولا التابعين ولا تابعيهم)( ).
ولعل التعريف الراجح للخلع هو:
فراق الزوج زوجته بلفظ الخلع أو ما يدل عليه بعوض غالباً.
فقول: (فراق)؛ لأن الخلع أحد نوعي الفرقة.
وقول: (بلفظ الخلع أو ما يدل عليه)؛ لأن ألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح كالمفاداة والخلع والفسخ, وكناية كالمبارأة والمباينة والمفارقة.
قال ابن قدامة: (وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية, فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له العرف, والمفاداة لأنه ورد به القرآن بقوله سبحانه: + " [البقرة: 229], وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه, فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية, وما عدا هذه مثل بارأتك, وأبرأتك, وأبنتك فهو كناية)( ).
قال ابن رشد: (واسم الخلع والفدية والصلح والمبارأة كلها تؤل إلى معنى واحد, وهو بذل المرأة العوض على طلاقها, إلا أن اسم الخلع يختص ببذلها له جميع ما أعطاها, والصلح ببعضه, والفدية بأكثره, والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه)( ).
قال أبو عمر بن عبد البر: (قال مالك رحمه الله: المختلعة هي التي اختلعت مع جميع ما لها, المفتدية هي التي افتدت ببعض ما لها, والمبارئة هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت: قد أبرأتك مما كان يلزمك من صداقي ففارقني قال: وكل هذا سواء هي تطليقة بائنة.
قال أبو عمر: قد تدخل عند غيره من أهل العلم بعض هذه الألفاظ على بعض فيقال: مختلعة وإن دفعت بعض ما لها, وكذلك المفتدية ببعض ما لها وكل ما لها, وهذا توجيه اللغة)( ).
وقال ابن القيم: (والصواب أن كل ما دخله المال فهو فدية بأي لفظ كان, والألفاظ لم ترد لذواتها ولا تعبدنا بها, وإنما هي وسائل إلى المعاني, فلا فرق قط بين أن تقول: اخلعني بألف أو فادني بألف, لا حقيقة ولا شرعاً ولا لغة ولا عرفاً)( ).
والقول: (بعوض غالباً) إشارة إلى أن الخلع يقع بدون عوض, لكن الغالب أن يكون بعوض عند الفقهاء.
ثالثاً: أخذ العوض في الخلع:
المقصود من عوض الخلع: ما يأخذه الزوج من زوجته أو غيرها مقابل خلعه لها, وهذا العوض يجوز أن يكون مالاً معيناً, أو موصفاً, أو دينا للمرأة على الزوج تفتدي به نفسها, ويجوز أن يكون منفعة, وعند بعض الفقهاء يجوز أن يكون العوض بالمجهول, وبعض الفقهاء يرى عدم اشتراط العوض (بدل الخلع) لصحة عقد الخلع( ).
رابعاً: الحكمة من مشروعية الخلع:
من رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إذا كانت كارهة لزوجها راغبة عنه. وذلك مقابلة لما بيد الرجل من الطلاق, فإذا لم يستطع الرجل العيش بسعادة مع زوجته, ولم يجد لذلك علاجاً, أوقع الطلاق, وكذلك المرأة إذا كانت كارهة لزوجها ولا تستطيع العيش معه, فإن الله سبحانه شرع لها الخلع لتفتدي نفسها من زوجها.
يقول سيد قطب: (وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس, ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها, ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها, وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه)( ).
كذلك في الخلع رفع للضرر, ومن قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر يزال.
يقول ابن قدامة: (والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها ـ أي المرأة ـ بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه)( ).
ومن حكمة الشريعة في شرعية الخلع التيسير على الزوجة عند امتناع الزوج من طلاقها مع إساءة العشرة، فشرع الخلع تيسيراً للزوجة ورفع للمشقة حين لم يجعل الشرع الطلاق بيدها.
قال الحافظ صلاح الدين العلائي: (شرعية الخلع والافتداء جعل تيسيراً على الزوجة عند امتناع الزوج من طلاقها؛ لإساءة عشرتها لما في ذلك من المشقة عليها، فخفف الشارع عنها ذلك بشرعية الخلع لها. وكذلك كل موضع شرع فيه للزوجة خيار الفسخ؛ إنما كان تيسيراً عليها، لما في صبرها على الحالة المقتضية لشرعية الخيار من المشقة حين لم يجعل الشرع الطلاق بيدها)( ).
ومن حكمة الشريعة في الخلع أن أحكام الشرع وضعت وسائل لفسخ كل عقد تبين فساده أو عدم المصلحة الشرعية في إبقائه.
قال الطاهر بن عاشور: (قد جعلت الشريعة لكل آصرة وسيلة إلى انحلالها إذا تبين فساد تلك الآصرة أو تبين عدم استقامة بقائها, فانحلال آصرة النكاح بالطلاق من تلقاء الزوج وبطلاق الحاكم وبالفسخ, والمقصد الشرعي فيه ارتكاب أخف الضرر عند تعسر استقامة المعاشرة, وخوف ارتباك حالة الزوجين, وتسرب ذلك إلى ارتباك حالة العائلة)( ).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد.
من تمام رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجاً, وجعل بينهم مودة ومحبة, قال تعالى: + " [الروم: 21].
فرغب الإسلام في الزواج للمعاني العظيمة التي من أجلها شُرع, ومنها حصول المودة والرحمة.
ومن كمال الشريعة أنها جاءت بالأحكام التي تعالج هذه الرابطة عند فقدان المودة بين الزوجين, فشرع للزوج الطلاق بإرادته المنفردة عند رغبته عدم استمرار هذا العقد, وكذلك شرع الله للمرأة أن تزيل الضرر الواقع عليها بالعيش مع من تبغضه أو مَنْ لا يقوم بحقوقها, وذلك بالخلع.
قال تعالى: + " [البقرة: 229].
وقد تكلم الفقهاء عن الخلع, وما يتعلق به من أحكام شرعية, وفروع فقهية, ومسائل علمية. ومن أهم مسائل الخلع التي كثر فيها اختلاف الفقهاء, أحكام أخذ العوض فيه, لذلك أحببت إفراد هذه الأحكام بهذا البحث الذي يتكون من تمهيد, وأربعة مباحث وخاتمة على النحو التالي:
التمهيد: وفيه التعريف اللغوي, والاصطلاحي للخلع, والمقصود بأخذ العوض في الخلع, والحكمة من مشروعية الخلع.
المبحث الأول: دعوى نسخ أحكام الخلع ونسخ أخذ العوض فيه.
المبحث الثاني: حكم أخذ العوض بسبب كراهية الزوجة.
المبحث الثالث: حكم أخذ العوض بسبب عضل الزوج.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم أخذ العوض بالعضل ظلماً.
المطلب الثاني: حكم أخذ العوض بالعضل بسبب إتيان الفاحشة.
المبحث الرابع: حكم أخذ العوض في الخلع حالة الوفاق بين الزوجين.
الخاتمــة: وفيها أهم نتائج البحث.
وسلكت في هذا البحث المنهج التالي:
1- عزو الآيات القرآنية إلى سورها في المتن نفسه.
2- تخريج الأحاديث وبيان ما ذكره أهل العلم في درجتها إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما.
3- تخريج الآثار الواردة في البحث.
4- لم أعرف بالأعلام تلافياً للإطالة.
5- أعرض أقوال الفقهاء في المسألة مع ذكر أهم ما وقفت عليه من أدلة, ثم أرجح ما يعضده الدليل.
6- توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب, والاعتماد على أمهات المصادر والمراجع.
هذا, والله أسأل التوفيق والسداد, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
التمهيــــــد: في تعريف الخلع وأخذ العوض فيه والحكمة من مشروعيته
أولاً : تعريف الخُلع في اللغة:
في الصحاح: (خَلَعَ ثوبه ونعله وقائده خَلْعاً. وخَلَعَ عليه خلعة, وخالع امرأته خُلْعاً بالضم)( ).
قال ابن فارس: (الخاء واللام والعين أصل واحد مطرّد, وهو مُزايلة الشيء الذي كان يشتمل به أو عليه, تقول: خلعت الثوب أخلعه خُلْعاً, وخُلع الوالي يُخلع خلعاً.
وهذا لا يكاد يقال إلا في الدون ينزل من هو أعلى منه, وإلا فليس يقال: خلع الأمير واليه على بلد كذا, ألا ترى أنه إنما يقال: عزله. ويقال: طلق الرجُل امرأته, فإن كان ذلك من قبل المرأة يقال: خالعته وقد اختلعت؛ لأنها تفتدي نفسها منه بشيء تبذله له)( ).
قال الأزهري: (وسمي ذلك الفراق خلعاً لأن الله ـ عز وجل ـ جعل النساء لباساً للرجال, والرجال لباساً لهن, فقال تعالى: + " [البقرة: 187].
وهي ضجيعته وضجيعُه, فإذا افتدت المرأة بمال تعطيه لزوجها ليبينها منه فأجابها إلى ذلك فقد بانت منه, وخلع كل واحد منهما لباس صاحبه, والاسم من ذلك الخُلع, والمصدر الخلع)( ).
ثانياً: تعريف الخُلع اصطلاحاً:
اختلف الفقهاء في تعريف الخلع لاختلافهم في شروط الخلع والأحكام المترتبة عليه على ما يلي:
1ـ الحنفية:
عرفه الزيلعي بأنه: (أخذ المال بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلع)( ).
وعرفه ابن الهمام بأنه: (إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع)( ).
وعرفه ابن نجيم بأنه: (إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو ما في معناه)( ).
2ـ المالكية:
عرفه ابن شاس بأنه: (عبارة عن خلع العصمة بعوض من الزوجة أو من غيرها)( ).
وعرفه الرصاع: (بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بعوض)( ).
وعرفه محمد بن جزي الغرناطي بأنه: (بذل المرأة أو غيرها للرجل مالاً على أن يطلقها أو تسقط عنه حقّاً لها عليه)( ).
الشافعية:
قال الرافعي: (وفسر الخلع في الشريعة بالفرقة على عوض يأخذه الزوج)( ).
وقال محمد الشربيني: (هو في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع)( ).
وعرفه ابن قاسم الغزي بأنه: (فرقة بعوض مقصود)( ).
4ـ الحنابلة :
قال ابن قدامة: (معناه: فراق الزَّوج امرأته بعوض)( ).
وعرفه الفتوحي بأنه: (فراق زوجته بعوض, بألفاظ مخصوصة)( ).
وعرفه إبراهيم بن ضويان بأنه: (فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها, أو من غيرها بألفاظ مخصوصة)( ).
عند التأمل في تعريفات الفقهاء السابقة للخلع نجد أن اختلاف عباراتهم يعود إلى ما يلي:
أ ـ بعض الفقهاء يرى أن الخلع يعد طلاقاً؛ لذلك نجد تعريفاتهم تتضمن عبارة «إزالة ملك النكاح», ومن يرى من الفقهاء أن الخلع فسخ لا يذكر الألفاظ التي تدل على إزالة ملك النكاح, إنما يذكر ألفاظاً تدل على الفسخ دون الطلاق.
(وتظهر فائدة هذا الخلاف في الخلع الواقع بينهما, بعد أن طلق الرجل طلقتين, فعند الجمهور طلقة الخلع ثالثة, فلا تحل لمخالعها إلا بعد زوج, وعند ابن عباس وأحمد بن حنبل وإسحاق ومن وافقهم لا تعد طلقة, ولهما أن يعقدا نكاحاً مستأنفاً)( ).
ب ـ كثير من الفقهاء يشير إلى العوض في الخلع ويجعله شرطاً لصحته, ويرى بعضهم الآخر صحة الخلع بدون عوض.
جـ ـ بعض الفقهاء يرى أن الخلع لا يقع إلا بألفاظ مخصوصة, والصحيح أن الخلع يقع بالألفاظ الصريحة له, أو بما يدل على إرادة الخلع مثل ألفاظ الكناية.
يقول شيخ الإسلام: (فالفرق بين لفظ ولفظ في الخلع قول محدث لم يعرف عن أحد من السلف لا الصحابة, ولا التابعين ولا تابعيهم)( ).
ولعل التعريف الراجح للخلع هو:
فراق الزوج زوجته بلفظ الخلع أو ما يدل عليه بعوض غالباً.
فقول: (فراق)؛ لأن الخلع أحد نوعي الفرقة.
وقول: (بلفظ الخلع أو ما يدل عليه)؛ لأن ألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح كالمفاداة والخلع والفسخ, وكناية كالمبارأة والمباينة والمفارقة.
قال ابن قدامة: (وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية, فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له العرف, والمفاداة لأنه ورد به القرآن بقوله سبحانه: + " [البقرة: 229], وفسخت نكاحك لأنه حقيقة فيه, فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية, وما عدا هذه مثل بارأتك, وأبرأتك, وأبنتك فهو كناية)( ).
قال ابن رشد: (واسم الخلع والفدية والصلح والمبارأة كلها تؤل إلى معنى واحد, وهو بذل المرأة العوض على طلاقها, إلا أن اسم الخلع يختص ببذلها له جميع ما أعطاها, والصلح ببعضه, والفدية بأكثره, والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه)( ).
قال أبو عمر بن عبد البر: (قال مالك رحمه الله: المختلعة هي التي اختلعت مع جميع ما لها, المفتدية هي التي افتدت ببعض ما لها, والمبارئة هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت: قد أبرأتك مما كان يلزمك من صداقي ففارقني قال: وكل هذا سواء هي تطليقة بائنة.
قال أبو عمر: قد تدخل عند غيره من أهل العلم بعض هذه الألفاظ على بعض فيقال: مختلعة وإن دفعت بعض ما لها, وكذلك المفتدية ببعض ما لها وكل ما لها, وهذا توجيه اللغة)( ).
وقال ابن القيم: (والصواب أن كل ما دخله المال فهو فدية بأي لفظ كان, والألفاظ لم ترد لذواتها ولا تعبدنا بها, وإنما هي وسائل إلى المعاني, فلا فرق قط بين أن تقول: اخلعني بألف أو فادني بألف, لا حقيقة ولا شرعاً ولا لغة ولا عرفاً)( ).
والقول: (بعوض غالباً) إشارة إلى أن الخلع يقع بدون عوض, لكن الغالب أن يكون بعوض عند الفقهاء.
ثالثاً: أخذ العوض في الخلع:
المقصود من عوض الخلع: ما يأخذه الزوج من زوجته أو غيرها مقابل خلعه لها, وهذا العوض يجوز أن يكون مالاً معيناً, أو موصفاً, أو دينا للمرأة على الزوج تفتدي به نفسها, ويجوز أن يكون منفعة, وعند بعض الفقهاء يجوز أن يكون العوض بالمجهول, وبعض الفقهاء يرى عدم اشتراط العوض (بدل الخلع) لصحة عقد الخلع( ).
رابعاً: الحكمة من مشروعية الخلع:
من رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إذا كانت كارهة لزوجها راغبة عنه. وذلك مقابلة لما بيد الرجل من الطلاق, فإذا لم يستطع الرجل العيش بسعادة مع زوجته, ولم يجد لذلك علاجاً, أوقع الطلاق, وكذلك المرأة إذا كانت كارهة لزوجها ولا تستطيع العيش معه, فإن الله سبحانه شرع لها الخلع لتفتدي نفسها من زوجها.
يقول سيد قطب: (وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس, ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها, ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها, وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه)( ).
كذلك في الخلع رفع للضرر, ومن قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر يزال.
يقول ابن قدامة: (والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها ـ أي المرأة ـ بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه)( ).
ومن حكمة الشريعة في شرعية الخلع التيسير على الزوجة عند امتناع الزوج من طلاقها مع إساءة العشرة، فشرع الخلع تيسيراً للزوجة ورفع للمشقة حين لم يجعل الشرع الطلاق بيدها.
قال الحافظ صلاح الدين العلائي: (شرعية الخلع والافتداء جعل تيسيراً على الزوجة عند امتناع الزوج من طلاقها؛ لإساءة عشرتها لما في ذلك من المشقة عليها، فخفف الشارع عنها ذلك بشرعية الخلع لها. وكذلك كل موضع شرع فيه للزوجة خيار الفسخ؛ إنما كان تيسيراً عليها، لما في صبرها على الحالة المقتضية لشرعية الخيار من المشقة حين لم يجعل الشرع الطلاق بيدها)( ).
ومن حكمة الشريعة في الخلع أن أحكام الشرع وضعت وسائل لفسخ كل عقد تبين فساده أو عدم المصلحة الشرعية في إبقائه.
قال الطاهر بن عاشور: (قد جعلت الشريعة لكل آصرة وسيلة إلى انحلالها إذا تبين فساد تلك الآصرة أو تبين عدم استقامة بقائها, فانحلال آصرة النكاح بالطلاق من تلقاء الزوج وبطلاق الحاكم وبالفسخ, والمقصد الشرعي فيه ارتكاب أخف الضرر عند تعسر استقامة المعاشرة, وخوف ارتباك حالة الزوجين, وتسرب ذلك إلى ارتباك حالة العائلة)( ).