[td:a78c colspan="3" style="width: 459pt; border-right: 1pt solid white; border-width: medium 1pt 1pt; border-style: none solid
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد

المبحث الأول : الركن
المادي :


سنتناول بالدراسة عناصر الركن
المادي في الجريمة التامة ثم دراسة الشروع في الجريمة0


المطلب الأول : الجرائم التامة :

يقوم الركن المادي في الجريمة
التامة على ثلاثة عناصر هي : السلوك الإجرامي والنتيجة الضارة وعلاقة السببية
بين السلوك والنتيجة0



أولا - السلوك الإجرامي
:


ماهيته : السلوك الإجرامي هو النشاط الإرادي الخارجي
الذي يصدر عن الجاني ليحقق النتيجة الإجرامية التي يعاقب عليها القانون0
فالجريمة تبدأ بفكرة في ذهن الجاني قد يصرف النظر عنها وقد يصمم على تنفيذها،
والمشروع الجنائي لا يعاقب على النوايا الآثمة والمقاصد الشريرة مالم تخرج الى
حيز الوجود في شكل سلوك مادي ملموس0 بل ان المشرع الجنائي لا يعاقب على الأفعال
التي تعد من قبيل الأعمال التحضيرية وهي الأعمال المادية التي يباشرها الجاني
استعدادا لتنفيذ الجريمة كإعداد الجاني السلاح الذي ينوي استخدامه في الجريمة0
ويرجع عدم العقاب على الأعمال التحضيرية لكونها لا تشكل خطرا يهدد المجتمع
ولتشجيع الفاعل على العدول عن تنفيذ مشروعه الاجرامي0


واستثناء قد يرى المشرع تجريم بعض
صور التصميم على الجريمة والتحضير لها ، من ذلك : جريمة محاولة قلب نظام الحكم
في الدولة (م 174 و 189 ع0 إ) وجريمة تكوين عصابة لمهاجمة طائفة من السكان او
مقاومة رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين (م 186 ع0إ) ، فالمشرع يعاقب على
هذه الجرائم باعتبارها جرائم مستقلة قائمة بذاتها لا بوصفها مرحلة في الجريمة
المراد ارتكابها0


صور السلوك الإجرامي : ان السلوك الإجرامي قد
يكون في صورة ارتكاب فعل يحظره القانون وهو الأمر في الجرائم الإيجابية، وقد
يكون في صورة عدم القيام بفعل يأمر به القانون وهو الأمر في الجرائم السلبية0


الفعل الإيجابي : هو كل حركة عضوية
إرادية تصدر من الجاني ليتوصل بها الى ارتكاب جريمته، وهذه الحركة قد يؤديها
بيده او ساقه او فمه او غير ذلك من أعضاء جسمه0 ويستوي في نظر القانون ان تقع
هذه الحركة العضوية بأية كيفية او باستخدام اداة تنفذها او دون استخدام اية
اداة، فمثلا القتل قد يقع بوسيلة قاتلة بطبيعتها كسلاح ناري، وقد يقع بوسيلة غير
قاتلة بطبيعتها ولكن تؤدي الى إحداث الوفاة بحسب قصد الجاني منها وطريقة
استخدامه لها كركل المجني عليه في مقتل ، بل ان القتل قد يقع حتى ولو لم يلامس
الجاني جسم المجني عليه مباشرة كأن يضع له في فراشه ثعبانا ساما0 غير ان الحركات
العضوية لا تكفي في الفعل لكي يكتسب قيمته الجنائية بل يلزم توافر عنصر اخر نفسي
يتمثل في الإرادة التي تسبب الحركة العضوية، فإذا صدرت الحركة العضوية بغير قوة
الإرادة فإنها حركة آلية لا تنسب الى صاحبها، فإذا أصيب شخص بإغماء مفاجئ فسقط
على طفل فأصابه بجراح فان فعل الإصابة لا يسند اليه بل الى قوة الجاذبية
الارضية0


والأصل ان المشرع لا يعتد بوسائل
السلوك الإجرامي ولا بزمانه ولا مكانه الا انه استثناء قد يأخذ المشرع هذه
الامور في الاعتبار.


فقد يشترط المشرع لقيام بعض الجرائم
ان يكون وقوعها بوسائل معينة فمثلا يلزم استعمال النار في تخريب الأموال الثابتة
او المنقولة (م 304 عقوبات اتحادي) واستخدام الطرق الاحتيالية في النصب (م 399
ع0 إ)0


وقد يعتبر المشرع الزمن الذي يرتكب
فيه الفعل عنصرا يدخل في تكوين الجريمة مثل الإخلال العمدي بتنفيذ كل الالتزامات
التي يفرضها عقد مقاولة او نقل او توريد او أشغال عامة مرتبط بها شخص مع الحكومة
لحاجات القوات المسلحة فلا تعد جريمة الا اذا وقعت زمن الحرب (م 164/1 ع0 إ)0


أما عن مكان السلوك الإجرامي فقد
يعتبره المشرع عنصرا يدخل في تكوين الجريمة كالسب والقذف العلني إذ يستلزم
وقوعها في مكان علني (م 372 ع0 إ)0


الامتناع (الشكل السلبي
للسلوك) :


الامتناع هو إحجام الجاني عن القيام
بعمل إيجابي يفرضه عليه القانون في ظروف معينة وعلى ذلك فان الامتناع يقوم
بتوافر عناصر ثلاثة هي :


الإحجام عن أداء عمل إيجابي : لا
يتألف الركن المادي في جرائم الامتناع من مجرد إحجام الجاني مجردا وإنما من ذلك
الامتناع الذي يترك فيه الجاني أداء عمل معين يلزمه القانون بالقيام به ، ففي
مقام التجريم يستوي لدى المشرع ان يقع اعتداء على الحق او المصلحة المحمية
بارتكاب الفعل المجرم او بالتخلي عن أداء العمل الواجب، مثال ذلك امتناع الشاهد
عن الإدلاء بشهادته أمام القاضي (م 261 ع0 إ)0


وجود واجب يفرضه القانون : ان
الامتناع المؤثم في قانون العقوبات هو ذلك الذي يرتب عليه المشرع الجنائي آثارا
جنائية ، فإذا لم يكن هناك واجب قانوني يفرضه قانون العقوبات فلا جريمة في حق من
أحجم عن الفعل، كمن يشاهد طفلا يعبث بأسلاك كهربائية عارية فلا يحذره حتى يصعقه
التيار فيقتله0


الصفة الإرادية للامتناع : مصدر
الامتناع الإرادة والصفة الإرادية في الامتناع لا تقتصر على توجيه الإرادة الى
عدم القيام بالالتزام الذي يفرضه القانون بل تنصرف الى عدم توجيهها للقيام به مع
القدرة على ذلك، لان الإرادة تتطلب القدرة على التنفيذ حيث لا تكليف بمستحيل0


ثانيا - النتيجة :

تردد الفقه الجنائي بين مدلولين
للنتيجة : مدلول مادي وآخر قانوني0


1- المفهوم المادي
للنتيجة
: هي عبارة عن التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك
الإجرامي، فإذا ترتب على الجريمة عدة آثار مادية في العالم الخارجي فان المشرع
لا يعتد الا بأثر واحد يشترط تحققه لتمام الجريمة وهذا هو المقصود بالنتيجة.


فمن يرتكب فتلا يحدث اثر يتمثل في
وفاة إنسان حي 0 ولا يلزم ان تتوافر النتيجة بمدلولها المادي في كل الجرائم حيث
توجد طائفة من الجرائم يكفي لقيامها حدوث السلوك الإجرامي ، ولذلك تنقسم الجرائم
الى :


جرائم ذات النتائج : هي الجرائم التي ينطوي
ركنها المادي على نتيجة معينة مثل القتل0


جرائم شكلية : هي جرائم السلوك
المجرد وتتميز بانعدام النتيجة فيها مثل جرائم إحراز وحمل السلاح دون ترخيص0


ثانيا : المفهوم
القانوني للنتيجة
: هي الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون سواء أدى هذا الاعتداء
الى الإضرار بالمصلحة المعتدى عليها او تهديدها بالخطر0 فالنتيجة في القتل هي
الاعتداء على حق الإنسان في الحياة ، وفي السرقة هي الاعتداء على حق الملكية
والحيازة0 والنتيجة بهذا المفهوم ليست ضررا ماديا ينجم عن سلوك إجرامي وإنما
عبارة عن ضرر معنوي يقع على حق يحميه القانون، ويترتب على ذلك ان لكل جريمة
نتيجة، غاية الأمر ان هناك جرائم تكون لنتائجها مظهر ملموس كما هو الحال في
القتل، وجرائم ليس لها مظهر ملموس ولكنها تمثل ضررا معنويا يقع على مصلحة يحميها
القانون مثل جريمة امتناع الشاهد عن الحضور وأداء الشهادة التي تتمثل النتيجة
فيها في اعتداء الفاعل على حق المجتمع في الاستعانة بفرد من أفراده في كشف الحقيقة0
ولذلك قسم الفقه الجرائم وفقا للمفهوم القانوني للنتيجة الى جرائم ضرر وجرائم
خطر :


جرائم الضرر : هي التي تتمثل
النتيجة فيها في تحقق ضرر فعلي على المصلحة التي أراد المشرع حمايتها0


جرائم الخطر : النتيجة فيها تتمثل
في مجرد خطر يهدد المصلحة التي يحميها القانون، فهذا الجرائم تستهدف حماية
المصلحة من احتمال التعرض للخطر دون استلزام الإضرار الفعلي0


ثالثا - علاقة السببية :


لا يثير بحث العلاقة السببية اية
صعوبة اذا كان سلوك الجاني هو العامل الوحيد الذي أدى الى النتيجة المعاقب عليها
كمن يطلق عيارا ناريا على اخر فيقتله ، فيكفي لقيام السببية إسناد الفعل الى
الجاني 0 الا انه غالبا ما تنضم الى فعل الجاني عوامل متعددة اخرى مستقلة عنه
فتشترك معه في إحداث النتيجة الإجرامية، وتختلف العوامل التي تتضافر في إحداث
النتيجة الإجرامية فمنها ما هو سابق على السلوك الإجرامي كأن يتم الاعتداء على
شخص مصاب بمرض القلب مما يساعد على وفاته، ومنها ما يكون معاصرا كأن يطعن الجاني
المجني عليه بسكين في ذات اللحظة التي يطلق فيها عليه اخر النار فيقتله، ومنها
ما يكون لاحقا على السلوك الإجرامي كأن يطلق شخص النار على المجني عليه فيصيبه
ولكن المصاب يهمل في العناية بإصابته مما يؤدي الى وفاته0


فهل تظل علاقة السببية قائمة بين
فعل الجاني والنتيجة الإجرامية على الرغم من تدخل عوامل اخرى؟ للإجابة على هذا التساؤل وجدت عدة نظريات في
علاقة السببية .


أولا - نظريات السببية :

1- نظرية تعادل الأسباب : ان جميع
العوامل التي تساهم في إحداث النتيجة الإجرامية تعتبر عوامل متكافئة متعادلة،
فكل واحد يعتبر سببا في إحداث النتيجة التي لولاه لما كانت لتقع وبغض النظر عن
قيمة كل سبب منفردا0 فعلاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة تعتبر قائمة ما
دام سلوكه أحد العوامل اللازمة لتحقيقها بالإضافة الى الأسباب الأخرى التي ساهمت
معه، فسلوك الجاني هو السبب الأول الذي أدى الى سير الامور على النحو الذي انتهت
اليه ولولاه لبقيت العوامل الأخرى عاجزة عن تحقيق النتيجة0 فلو طعن شخص اخر
فأصابه ونقل الى المستشفى وهناك شب حريق أدى الى موته حرقا ، تنسب الوفاة الى
سلوك الجاني لانه هو السلوك الأول الذي أدى الى سير الامور على الوجه الذي انتهت
اليه0


أما اذا كان انتفاء سلوك الجاني لم
يكن ليؤثر على تحقيق النتيجة فان رابطة السببية لا تقوم بين سلوكه والنتيجة التي
تحققت0


وقد انتقدت نظرية تعادل الأسباب على
النحو التالي :


أنها غير منطقية لأنها تؤدي الى
توسع غير مقبول في علاقة السببية إذ تحمل الجاني نتائج العوامل الأخرى التي
ساهمت مع فعله في إحداث النتيجة0


أنها تناقض نفسها حيث أنها تقر ان
الأسباب كلها متعادلة في إحداث النتيجة ثم تعود وتختار نشاط الجاني وحده لتلقي
عليه وحده مسئولية النتيجة0


2- نظرية السبب الأقوى او الفعال :
يسأل الجاني عن النتيجة متى كان نشاطه هو السبب الفعال او الأقوى في حدوثها، أما
العوامل الأخرى التي ساعدت في إحداث النتيجة تعتبر ظروفا لا أسبابا لان فعل
الجاني كان كافيا لوحده لإحداث النتيجة، فإذا قام بالدور الفعال عامل اخر سابق
على فعل الجاني او لاحق عليه فان هذا العامل يعتبر سببا لوفاة المجني عليه ،
ويعد فعل الجاني مجرد ظرف0 ولذلك فان السببية تتطلب ارتباطا ماديا ومباشرا بين
الفعل والنتيجة0


اخذ على هذه النظرية أنها وضعت معيارا
غامضا يحتاج الى تحديد فمتى يعتبر فعل الجاني عاملا فعالا او أساسيا - كما أنها
تضيق من نطاق السببية وبالتالي المسئولية الجنائية0


3- نظرية السببية الملائمة : لا
يعتبر نشاط الجاني سببا لوقوع نتيجة إجرامية معينة الا اذا تبين ان هذا النشاط
صالح لإحداث تلك النتيجة وفقا للسير العادي للامور0 فيعتبر نشاط الجاني سببا في
النتيجة ولو ساهمت معه في إحداثها عوامل اخرى ما دامت هذه العوامل متوقعة
ومألوفة0


أما اذا تضافر مع نشاط الجاني في
إحداث النتيجة عامل شاذ غير متوقع فانه ينفي رابطة السببية بين الوفاة وبين نشاط
الجاني، ويسأل عن شروع في القتل اذا توافر لديه القصد0 ويقاس التوقع بمعيار
موضوعي هو ما يتوقعه الشخص العادي اذا وجد في مثل ظروف الجاني0 ومن أمثلة
العوامل المتوقعة المألوفة التي لا تقطع علاقة السببية ان يهمل المجني عليه في
علاج نفسه إهمالا ينتظر عادة ممن كان في مثل ظروفه وبيئته ، او ان يخطئ الطبيب
المعالج خطأ يسيرا في علاجه0 ويعد من قبيل العوامل الشاذة غير المألوفة التي
تقطع علاقة السببية ان يتعمد المجني عليه عدم معالجة نفسه بقصد تسويء مركز
المتهم، وخطأ الطبيب في علاج المجني عليه خطأ جسيما0


ثانيا - بيان السببية في
الحكم :


لما كانت محكمة الموضوع ملزمة ببيان
الواقعة في الحكم فانه يجب تضمين الحكم توافر علاقة السببية بين فعل الجاني
والنتيجة فإذا خلا الحكم من بيان رابطة السببية فانه يكون مشوبا بالقصور في
التسبيب متعينا نقضه0 ويعد الدفع بانتقاء علاقة السببية دفعا جوهريا يجب في حالة
رفضه ان ترد عليه المحكمة بما يفنده والا كان حكمها قاصرا0 ويقدر قاضي الموضوع
من وقائع الدعوى توافر علاقة السببية من عدمه ولا رقابة لمحكمة النقض في ذلك الا
من حيث فصله في ان أمرا معينا يصلح قانونا لان يكون سببا لنتيجة معينة او لا
يصلح0


ثالثا - معيار السببية
في قانون العقوبات الاتحادي :


نص المشرع الاتحادي في المادة 32
عقوبات على تحديد ضابط لعلاقة السببية وقد اخذ
بمعيار السبب الملائم


المطلب الثاني : الجريمة
الناقصة (الشروع في الجريمة)


في الجرائم ذات النتائج قد لا يتوصل
الجاني الى تحقيق الجريمة كاملة اي إحداث النتيجة المقصودة وذلك بان يوقف نشاطه
الإجرامي او يخيب أثره بسبب خارج عن إرادته، وعندئذ لا يكون هذا النشاط الناقص
إجراميا الا اذا اتخذ صورة الشروع المعاقب عليه0


أولا : مراحل ارتكاب
الجريمة :
لا ترتكب الجريمة ذات النتيجة دفعة واحدة وإنما يمر الجاني في سبيل
ارتكابها بمراحل متتالية :


مرحلة التفكير في
الجريمة والتصميم عليها
: تبدأ الجريمة بفكرة تراود الجاني حتى
تثبت في ذهنه فيصمم على ارتكابها، ولما كانت هذه المرحلة نفسية محضة ليس لها اي
وجود مادي خارجي ملموس ، فانه لا عقاب على ما يأتيه الجاني في هذه المرحلة ، وقد
نص قانون العقوبات الاتحادي على عدم العقاب على هذه المرحلة في المادة 34/3
عقوبات0


ويلاحظ ان المشرع اذا قدر ان بعض
صور إعلان النية الإجرامية والعزم عليها تنطوي على خطر معين كما هو الحال في
الاتفاق الجنائي او التهديد الكتابي او الشفوي بارتكاب جريمة (المواد من 315 الى
353 ع0 إ ) فانه يعاقب عليها بوصفها جريمة قائمة بذاتها0


مرحلة التحضير للجريمة : ان الجاني متى عقد
العزم على ارتكاب جريمة معينة فانه لا ينفذها على الفور وإنما يبدأ في إعداد ما
يلزم لارتكابها كشراء السلاح او تجهيز المادة السامة او تجهيز الأدوات اللازمة
لكسر الخزائن ، ويشمل التحضير التواجد في المكان الذي يمكن معه تنفيذ الجريمة
كالسير في الطريق الموصل الى المكان المراد سرقته 0 والقاعدة انه لا عقوبة على
هذه الأعمال لتشجيع الفاعل على العدول و عدم التمادي في مشروعه الإجرامي، كما ان
الأعمال التحضيرية ذاتها غالبا ما تكون غامضة ولا تكشف عن النية الإجرامية
للفاعل فشراء السلاح قد يكون لغرض الدفاع عن النفس او الصيد وليس لغرض الاعتداء0
وقد نص المشرع الاتحادي في (المادة 34) على عدم العقاب على الأعمال التحضيرية0
ومع ذلك فان القانون قد يعاقب على الأعمال التحضيرية باعتبارها جرائم قائمة بذاتها اذا كانت تشكل خطورة تهدد
مصلحة المجتمع او كانت تدل على خطورة خاصة لدى مرتكبها مثل تجريم إحراز السلاح
بدون ترخيص0 وقد يجعل المشرع الأعمال التحضيرية ظرفا مشددا لبعض الجرائم، فحمل
السلاح اذا ضبط مع الجاني أثناء ارتكاب جريمة السرقة فان العقاب يشدد عليه0 وقد
يجعل المشرع الأعمال التحضيرية وسيلة اشتراك في الجريمة بطريق المساعدة كمن يسلم
سلاحا لاخر لاستخدامه في القتل فيسأل عن جريمة القتل باعتباره شريكا فيها
بالمساعدة0


مرحلة البدء في التنفيذ : بعد الانتهاء من
الإعداد للجريمة يبدأ الجاني في تنفيذ الركن المادي لها ، وهنا يتدخل المشرع
بالعقاب لان البدء في التنفيذ يهدد الحق او المصلحة التي يحميها القانون. وعندما
يبدأ الجاني في التنفيذ قد يتمكن من تحقيق النتيجة الإجرامية فتقع الجريمة تامة
، وقد يعجز عن تحقيق النتيجة التي أراد تحقيقها لسبب خارجي لا دخل لإرادته فيه ،
وعندئذ نكون بصدد الشروع في الجريمة الذي يعاقب عليه المشرع ، وقد يعدل الجاني
باختياره عن المضي في تنفيذ نشاطه الاجرامي0 وهنا يرى المشرع عدم توقيع العقاب
تشجيعا للجاني على عدم التمادي في ارتكاب الجريمة الا اذا كان سلوكه يكون جريمة
اخرى مستقلة فيعاقب عليها0


مرحلة إتمام الجريمة : تقع الجريمة تامة اذا
اكتملت أركانها وعناصرها كما نص عليها القانون وذلك بتمام النشاط الإجرامي ووقوع
النتيجة الإجرامية التي ارادها0


ثانيا : أركان الشروع :

عرف الشرع الاتحادي الشروع في
المادة (34 ع0 إ) بقوله " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة
اذا أوقف او خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها " 0 ويتضح من ذلك
ان الشروع لا يكون الا بالنسبة للجرائم ذات النتائج كالقتل او السرقة، ولا يتصور
وجوده في الجرائم الشكلية او جرائم السلوك حيث يتكون ركنها المادي من مجرد سلوك
تتم الجريمة بارتكابه او لا يقع فلا تقوم الجريمة مثل جريمة السب و القذف0 كما ان الشروع يقتصر على الجرائم العمدية
التي يسعى فيها الجاني الى تحقيق نتيجة
معينة، لان الجاني في الجرائم غير
العمدية يريد السلوك ولا يريد النتيجة ولا يسعى اليها ولذلك لا يتصور
الشروع فيها0 ومن التعريف الذي أورده المشرع يتضح ان الشروع يقوم على أركان
ثلاثة هي :


البدء في تنفيذ فعل0

القصد الجنائي0

عدم ارتكاب الجريمة لأسباب لا دخل
لإرادة الجاني فيها0


أولا : البدء في التنفيذ
:


معيار البدء في التنفيذ : لم يضع المشرع معيارا
للتفرقة بين ما يعد من الأعمال التحضيرية وما يعد من الأعمال التنفيذية رغم
أهمية التفرقة بينهما حيث يدخل النوع الأول في نطاق الأعمال المباحة بينما يدخل
النوع الثاني في نطاق الأعمال المعاقب عليها0 وتعرض في الواقع حالات واضحة لا
يثار بشأنها اي صعوبات فيسهل التمييز بينها، كمن يشتري سلاحا او يعد خنجرا للقتل يعد عملا تحضيريا، أما ضبط الجاني وهو
يطلق السلاح الناري على المجني عليه وإصابته في غير مقتل فانه يعد بدء في تنفيذ
القتل اي شروعا فيه0 ولكن هناك حالات لا تعرض دائما بهذا الوضوح، وتتأرجح بين
العمل التحضيري والبدء في التنفيذ مما استدعى ضرورة البحث عن معيار واضح يميز
بينهما ، واختلفت الآراء بشأنه الى مذهبين :


المذهب الموضوعي : يرى أنصار هذا
الاتجاه ان الضابط في تحديد العمل التنفيذي من العمل التحضيري هو الفعل المكون
للجريمة كما ورد في النموذج القانوني لها، وبناء عليه فان الجاني لا يعد شارعا
في جريمة السرقة الا اذا وضع يده على المال المراد سرقته اي بدأ في تنفيذ فعل
الاختلاس الذي يقوم به ركنها المادي، أما الأفعال السابقة على ذلك فتدخل في
الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها بوصف الشروع مثل كسر الخزانة التي تحتوي
على الأشياء المسروقة0


وعلى الرغم من وضوح هذا المعيار
وسهولة تطبيقه الا انه عيب عليه انه يضيق من نطاق الشروع في الجريمة مما يؤدي
الى إفلات كثير من الجناة من العقاب رغم خطورة ما ارتكبوه من افعال0 وإزاء شعور
أنصار هذا المعيار بنقصه حاولوا التوسع فيه وقالوا ان البدء في التنفيذ يتوافر
اذا حقق الجاني بسلوكه ما يعتبر ظرفا مشددا للجريمة، وعليه يعتبر شروعا في جريمة السرقة حالة ما
اذا ضبط الجاني وهو يتسلق سور المنزل باعتباره ظرفا مشددا لجريمة السرقة0


غير ان الأخذ بهذا الرأي يؤدي الى
نتائج غير مقبولة ، حيث توجد بعض الجرائم ليست لها ظروف مشددة كجريمة النصب ،
وبعض الظروف المشددة كظرف الليل والخدمة في جريمة السرقة لا يتصور البدء في
التنفيذ بالنسبة لها0


ولذلك ذهب أصحاب هذا المذهب الى
القول بمعيار ثالث مؤداه ان الفعل يعتبر بدء في التنفيذ اذا كان دالا بذاته على
اتجاه إرادة الجاني الى ارتكاب جريمة معينة كتصويب سلاح ناري على شخص0 أما اذا
كان الفعل غير قاطع في دلالته على ارتكاب جريمة معينة إذ قد يصح ان يكون مقصودا
به تحقيق أغراض أخرى تحمل التأويل فانه يعد عملا تحضيريا لا عقاب عليه ، كما هو
الحال بالنسبة لشراء سلاح او حمله0


ولقد اخذ على هذا الرأي انه من
النادر ان يكون للفعل دلالة واحدة مما يؤدي الى إفلات الكثير من الأفعال الخطرة
من العقاب على أساس أنها لا تمثل شروعا، فدخول منزل الغير بقصد السرقة لا يعد
شروعا في هذه الجريمة لان واقعة الدخول في منزل الغير تحتمل التأويل 0


المذهب الشخصي : لا يعتمد أنصار هذا
الاتجاه على ماديات الفعل الإجرامي للتفرقة بين البدء في التنفيذ والعمل
التحضيري، وإنما ينظر الى الأفعال التي يأتيها الجاني والتي تكشف على خطورة
الجاني وعزمه الأكيد على بلوغ النتيجة الإجرامية 0 وقد اختلف أنصار المذهب
الشخصي في صيغة هذا الضابط0 ولعل افضل الصيغ هو الذي قال به الفقيه الفرنسي
"جارو" والذي يرى ان الجاني يعتبر قد بدأ في التنفيذ اذا ارتكب سلوكا
يؤدي


حالا ومباشرة الى الركن المادي للجريمة
كما وصفه نموذجها في القانون ، ولو لم يكن السلوك قد حقق بالفعل بداية هذا الركن
المادي، ولذلك لا يلزم لقيام الشروع في السرقة ان يضع الجاني يده بالفعل على
المال المراد سرقته بل يكفي ان يكون قد أتى فعلا يكون من شأنه ان يؤدي الى ذلك
حالا ومباشرة0


وقد اخذ على هذا الرأي ان اشتراطه
ان يكون الفعل مؤديا حالا الى الركن المادي للجريمة قد يؤدي الى إفلات
عدد من صور السلوك الخطرة والتي لا تتحقق النتيجة فيها الا بعد فترة طويلة نسبيا
، كمن يحفر نفقا تحت خزائن بنك لسرقتها، لذلك استبعد لفظ حالا من معيار البدء في
التنفيذ ويكتفي في تعريف الشروع بأنه " الفعل المؤدي مباشرة الى ارتكاب
الجريمة"0


مذهب قانون العقوبات
الاتحادي
: تبنى المشرع الاتحادي معيارا
مختلطا يجمع بين المذهبين المادي والشخصي ويستفاد ذلك من نص المادة (34 ع0 إ)
التي نصت على انه " ويعد بدء في التنفيذ ارتكاب فعل يعتبر في ذاته جزء من
الأجزاء المكونة للركن المادي للجريمة او يؤدي اليه حالا ومباشرة".


ثانيا : القصد الجنائي
في الشروع
: ان الركن المعنوي في الشروع
يتمثل في قصد ارتكاب الجريمة في صورة تامة الا ان نتيجتها لا تتحقق بسبب خارج عن
إرادة الفاعل حال في اللحظة الأخيرة دون وقوعها0 ولذلك فان القصد الجنائي يتوافر
في الشروع على نفس النحو الذي يتوافر فيه في الجريمة التامة فيتمثل في انصراف
إرادة الجاني الى ارتكاب النشاط الإجرامي والى تحقيق النتيجة الإجرامية مع العلم
بعناصر الجريمة القانونية.


وبناء على ذلك فان الشروع يتوافر في
الجرائم العمدية ولا يتصور أبدا في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ لان إرادة
الجاني فيها تتجه الى السلوك الإجرامي دون إرادة تحقيق النتيجة التي تقع بسبب ما
يشوب السلوك من إهمال او عدم حيطة0 وكذلك لا شروع في الجرائم المتعدية القصد كما
هو الشأن في جريمة الضرب المفضي الى عاهة مستديمة فالجاني لما باشر الضرب لم
يقصد إحداث العاهة المستديمة والا اعتبرت العاهة عمدية ومن ثم فانه لا يتصور
الشروع بالنسبة لنتيجة لم يقصدها الجاني0


ثالثا : عدم تمام
الجريمة لسبب غير إرادي :




أولا : صور الشروع :

الجريمة الموقوفة : هي الصورة التي يبدأ
الجاني فيها نشاطه الإجرامي الا ان هذا النشاط يوقف و لا يكتمل بسبب لا دخل
لإرادة الفاعل فيه ، ومن ثم لا تحدث النتيجة التي كان يسعى الى تحقيقها ، مثال
ذلك من يصوب سلاحه نحو المجني عليه بقصد قتله فيتدخل شخص ثالث ويمسك السلاح ويطلق على هذه الحالة الجريمة الموقوفة0


الجريمة الخائبة : يستنفذ الجاني في هذه
الصورة كل نشاطه الإجرامي في سبيل ارتكاب الجريمة وتحقيق النتيجة ولكن رغم ذلك
لا تتحقق هذه النتيجة لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه ، مثال ذلك من يطلق عيارا
ناريا على شخص بقصد قتله ولكنه يخطئه او يصيبه في غير مقتل ويشفى بعد علاجه0
ولأن اثر الجريمة خاب رغما عن الجاني تسمى هذه الصورة بالجريمة الخائبة0


الجريمة المستحيلة : هي الجريمة التي
يستنفذ فيها الجاني كل نشاطه الإجرامي ومع ذلك لا تحقق النتيجة لاستحالة وقوعها
أصلا 0 فالجريمة المستحيلة تشبه الجريمة الخائبة من حيث ان الجاني استنفذ كل
نشاطه الإجرامي لتحقيق النتيجة الإجرامية ، ولكنها تختلف عن الجريمة الخائبة ،
فهذه الأخيرة ممكنة الوقوع وكان من الممكن ان تتحقق نتيجتها لولا تدخل أسباب
طارئة ، فلو نفذت الجريمة بمعرفة شخص اخر اكثر دراية لتحققت النتيجة0 أما
الجريمة المستحيلة فهي جريمة غير ممكنة الوقوع أصلا لاستحالة تحقق النتيجة وقت
مباشرة الجاني نشاطه، كمن يطلق الرصاص على شخص بقصد قتله فإذا به ميت قبل ذلك.


وقد ترجع الاستحالة الى وسيلة تنفيذ
الجريمة كاستخدام مادة غير سامة في القتل، وقد تتعلق بمحل الجريمة كما لو كان
المجني عليه مات قبل إطلاق النار عليه 0


وقد اختلف الفقه بشأن الجريمة
المستحيلة وهل تعتبر نوعا من الجريمة الخائبة او أنها تنفرد بحكم خاص؟


عدم العقاب على الجريمة
المستحيلة :
ذهب البعض الى عدم العقاب على الجريمة المستحيلة سواء أكانت الاستحالة
تتعلق بالوسيلة المستعملة ام بموضوع الجريمة، لان القانون يتطلب للعقاب على
الشروع البدء في تنفيذ الفعل ، فإذا كانت الجريمة مستحيلة كان البدء في تنفيذها
مستحيلا، وبذلك يتعذر قيام الركن المادي للجريمة فتنتفي الجريمة وينتفي الشروع
فيها0


وقد انتقد هذا الرأي على أساس انه
يؤدي الى تهديد مصلحة المجتمع بعدم العقاب على أفعال رغم دلالتها على خطورة
الجناة0