بسم الله
الرحمن الرحيم



باسم الشعب


مجلس
الدولة



المحكمة
الإدارية العليا



بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ
المستشار/ محمد حامد الجمل. رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف
محمد ومحمد عبد الغنى حسن وعبد القادر هاشم النشار ود. منيب محمد ربيع.
المستشارين.






* إجراءات
الطعن






فى يوم الأحد 10/7/لسنة 1988، أودع الأستاذ /
جلال يوسف الشكعة المحامى بالنقض، بصفته وكيلا عن الطاعن، تقرير طعن قيد بجدولها
برقم 2648 لسنة 34ق عليا، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، دائرة منازعات
الأفراد والهيئات، بجلسة 28/6/1988 فى الدعوى رقم 3749 لسنة 41 ق. المقامة من
الطاعن ضد المطعون ضده. وذلك فيما قضى به من قبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا
وإلزام المدعى بالمصروفات.



وطلب الطاعن فى ختام تقرير طعنه – وللأسباب
المبينة به – الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع ما
يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.



وفى يوم الاثنين 8/8/ لسنة 1988، أودع الأستاذ
المستشار/ رئيس هيئة مفوضى الدولة تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 3004 لسنة
34ق. عليا فى ذات الحكم المشار إليه وطلب فى ختام تقرير طعنه – وللأسباب المبينة
به – الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار
المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقد أعلن الطعنان على الوجه المبين
بالأوراق.



وقدم الأستاذ المستشار/ عادل الشربينى، مفوض
الدولة تقريرا بالرأى القانونى لهيئة مفوضى الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعنين
شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من
آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.



وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، على
النحو المبين بمحاضر جلساتها حيث قررت الدائرة، بجلسة 6/1/ لسنة 1992، ضم الطعنين
لتصدر فيهما حكماً واحداً وبجلسة 17/2/ لسنة 1992، قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى
هذه المحكمة.



وقد تم نظرهما أمام هذه المحكمة على النحو
الثابت بمحاضرها، وتداول أمامها بالجلسات وناقشت المحكمة أدلتهما التفصيلية حيث
قررت بجلسة 29/10/ لسنة 1992 إصدار الحكم فيهما بجلسة 27/12/لسنة 1992 مع مذكرات
خلال ثلاثة أسابيع لمن يشاء، ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم
28/2/ لسنة 1993 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.






* المحكمة





بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة
والمداولة.



ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا إجراءات قبولهما
الشكلية، ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – فى أن
المدعى قد أقام الدعوى 3749 لسنة 41ق. بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء
الإدارى بتاريخ 5/5/ لسنة 1987، وطلب فى ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ
القرار الإدارى القاضى بعرض البرامج – الفوازير ألف ليلة وليلة وزهور من نور – عقب
الإفطار ليالى شهر رمضان المبارك لما تحويه من رقص خليع وتصرفات مشينة تتعارض مع
ابسط ما يجب أن يتوافر لهذا الشهر الكريم من تقدير وتقديس يرتفع به إلى مكانته
كشهر القرآن والفضائل فى دولة إسلامية وينص دستورها على ضرورة التقيد بأحكام
الشريعة الإسلامية والتزام أخلاقها ومبادئها، فضلا عما تسببه هذه البرامج بما
تحويه من السيئ من الأمور والتصرفات من إفساد للأخلاق واهدار للقيم ومساس بجوانب
العقيدة الإسلامية. وأضاف المدعى قوله أنه فضلا عما تقدمه فالملاحظ لكل مشاهد أن
هذه البرامج تذاع فى أوقات بعينها تعاصر صلاة العشاء والتراويح أو عقب صلاة المغرب
مما يصرف النشئ والشباب عن متابعة إقامة ليالى رمضان بالذكر والعبادة.



كما أن هذه البرامج، بما يتضح فيها من إسراف
وتبذير فى ملابس الفنانين والديكورات وسائر التجهيزات، تعرض على أبناء شعب
غالبيتهم من متوسطى الحال وذوى الحاجات الذين لا يجد غالبيتهم قوت يومهم مما
يدفعهم إلى انحراف مؤكد وتبرم واضح وإفساد لا يمكن تدارك آثاره السلبية على مدى
حرص الشباب على العقيدة وتمسك الآخرين بالمبادئ والقيم.



وإذا توافرت فى الدعوى شروط قبولها فإنه يكون
من المتعين الحكم للمدعى بطلباته وبجلسة 28/6/ لسنة 1988، أصدرت محكمة القضاء
الإدارى حكمها المطعون فيه والقاضى بقبول الدعوى شكلا وبرفضها موضوعا وإلزام
المدعى بالمصروفات.



وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من
الأوراق أن التليفزيون يقوم بحكم رسالته الإعلامية الشاملة- بعرض نوعيات مختلفة من
البرامج على قنواته الثلاثة منها الإخبارية والاجتماعية والعلمية والدينية
والثقافية والرياضية........ فضلا عن العديد من الأفلام العربية والأجنبية. وكل من
هذه البرامج أو تلك الأفلام لا تعرض قبل أن تعرض على لجنة فعالة الأداء من
المتخصصين كل فى مجاله لضمان عدم مساس أى منها بالقيم الدينية أو الأخلاقية وعدم
خروجها على الآداب العامة أو تضمنها لمشاهد أو عبارات من شأنها إيذاء مشاعر جمهور
المشاهدين.



فضلا عن أن التليفزيون يعمل دائما على امتداد
المساحة الزمنية المخصصة للبرامج الدينية خلال شهر رمضان عن مثيلاتها فى الأشهر
الأخرى ولا يتصور بحال أن يقتصر التليفزيون على عرض هذه النوعية من البرامج
الدينية خلال هذا الشهر.



ولما كان الثابت أن البرامج موضوع الدعوى تخضع
كغيرها من البرامج للمتابعة والرقابة من الأجهزة المتخصصة قبل عرضها لكفالة عدم
مساس أى منها بالمشاعر أو القيم الدينية فإن قرار عرضها يكون قد قام على صحيح سنده
من القانون حريا برفض الطعن عليه بالإلغاء.



وأضافت المحكمة تباينا لحكمها أنه حيث إن ما
أثاره الطاعن عن ما تمثله هذه البرامج من إسراف مالى دون مبرر فإن الواقع يخالف
ذلك حيث إنه من المحقق أن هذه النوعية من البرامج تدر أرباحا ودخلا يعتمد عليه فى
الإنفاق على سائر البرامج.



وخلصت المحكمة إلى إصدار حكمها برفض الدعوى.


ومن حيث إن مبنى الطعن فى كل من الطعنين، أن
الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفا لصحيح أحكام الدستور والقانون وأخطأ فى تطبيقا
وتفسيرها حيث ذهب إلى عدم إيقاف هذه البرامج مع ما تتضمنه من خلاعة ورقص وإسفاف
يخرج بها عن صحيح قيم المجتمع ومبادئه مما يمثل تعارضا مع صحيح أحكام المادة
الثانية من الدستور التى تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها
الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.



كما تنص المادة (12) من الدستور على أن يلتزم
المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها وقد توج المشرع الدستورى مبادرته بحماية قيم
المجتمع وأخلاقياته ودعم ما يحفظها ونبذ ما يمسها أو يسئ أليها وحظر أية دعوى
تغايرها أو تعمل ضد تأكيدها.



كما أن القانون رقم (13) لسنة 1979 فى شأن
اتحاد الإذاعة والتليفزيون يهدف إلى تحقيق رسالة الإعلام الإذاعى المسموع والمرئى
سياسة وتخطيطا تأكيدا لأداء خدمة إعلامية جماهيرية.



كما أن التليفزيون كجهاز إعلامى مؤثر، وبحكم
رسالته يلتزم بأن تكون برامجه مرتبطة بالقيم ولأخلاق والمبادئ التى تغرس فى نفوس
النشء والشباب، بل بأبناء السر جميعا كبيرهم وصغيرهم على أسس من سلامة الذوق
واحترام الذات بدلا من خليع البرامج أو التافه من المعلومات التى لا تفيد ولا تنفع
فإذا سايرت المحكمة غير ما تقدم من ادعاءات حول رسالة التليفزيون وحقيقتها
وأهدافها، فإنه يكون حكمها خليقا بالإلغاء ويتعين الحكم بإلغاء قرار إذاعة البرامج
موضوع الدعوى خاصة فى شهر رمضان المبارك وخلال مواقيت الصلاة.



ومن حيث أن مقطع النزاع فى هذا الطعن هو مدى
توافر القرار الإدارى الذى يؤثر فى المركز القانونى للطاعن من عدمه.



ومن حيث انه قد جرى قضاء هذه المحكمة على انه
وغن كان للخصوم حق تحديد طلباتهم وصياغة عباراتهم بما يتفق مع نيتهم فى تحديد ما
يقصدونه من الطلبات وسندهم فيها قانونا. فإنه يتعين على المحكمة أن تحدد على نحو
موضوعى الطلبات وفقا لحقيقة ما يقصده الخصوم من تقديمها وصحيح إرادتهم بشأنها مما
يمكنها من إنزال حكم القانون الصحيح على هذه الطلبات، وبصفة خاصة فيما يتعلق
بولاية القضاء الإدارى بنظرها، أو اختصاص محكمة من بين محاكم مجلس الدولة بذلك، أو
بعدم قبول الدعوى شكلا سواء فيما يتعلق بميعاد رفعها أو غير ذلك من سائر الشروط
الشكلية لقبولها وتتولى المحكمة ذلك من تلقاء نفسها. ولو دون طلب من الخصوم لما فى
تحديد طلبات الخصوم وتكييفها وتحديد طبيعة المنازعة من ارتباط حتمى بالأصول العامة
للتنظيم القضائى وبصفة خاصة ولاية محاكم مجلس الدولة التى حددتها المادة (172) من
الدستور وأحكام قانون تنظيم مجلس الدولة .



ولما كان الطعن سواء المقدم من رئيس هيئة مفوضى
الدولة أو من الطاعن قد استند فى تجريح الحكم المطعون فيه إلى انه قد خالف الدستور
والقانون رقم (13) لسنة 1979 بشان اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعدم إلغاءه لقرار
لجنة مراقبة البرامج بالتليفزيون باعتماد عرضه برنامج "فوازير رمضان"
"وحلقات ألف ليلة وليلة" استنادا إلى ما تتضمنه من خروج على قيم ومبادئ
المجتمع فضلا عن سوء اختيار إذاعتها على خريطة الإرسال بتوقيتها خلال شهر رمضان
المعظم وبصفة خاصة خلال إقامة صلاة العشاء وصلاة القيام.



ومن حيث انه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن
القضاء الإدارى هو تصرف قانونى يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة ملزمة لينشئ
مركزا قانونيا جديدا، أو يؤثر فى مركز قانونى قديم لفرد محدد أو لعدد من الأفراد
محددين أو موصوفين. أو هو- وعل حد ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- قرار تفصح به
الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناء على سلطتها العامة بمقتضى القوانين
واللوائح حيث تتجه تلك الإرادة نحو إنشاء مركز قانونى، وتتولى محاكم مجلس الدولة
أو القضاء الإدارى بصورة عامة رقابة الشرعية وسيادة القانون عن طريق وقف تنفيذ
وإلغاء القرارات الإدارية التى بها عيب مخالفة القانون أو التعسف فى استعمال
السلطة. وتكون الإدارة ملزمة بتنفيذ أحكام القضاء الإدارى الصادرة فى هذا الشان
عملا بحجية الأمر المقضى به والتى هى مطلقة بالنسبة لأحكام الإلغاء التى تنص قانون
تنظيم مجلس الدولة صراحة على أنها حجة على الكافة. كما يلزم فى القرار الإدارى أن
يكون محله هو المركز القانونى الذى تتجه إرادة مصدر القرار إلى إحداثه إلزاما
وحتما بإرادته المنفردة والثر القانونى الذى يترتب عليه حالا ومباشرة، وهذا الثر هو
إنشاء حالة قانونية معينة أو تعديلها أو إلغاؤها بالإرادة المنفردة الملزمة للسلطة
الإدارية والتى لا تتقيد قراراتها بالقوة والإكراه إذا اقتضى الأمر ذلك.



وهذا المبدأ هو الذى أرست مبادئه هذه المحكمة
باعتبارها قمة قضاء المشروعية والشرعية والحامية لحمى سيادة الدستور والقانون
والمبادئ والحقوق والحريات العامة والخاصة للمواطنين وفقا لما حددتها أحكام
الدستور ونظمتها القوانين واللوائح المختلفة، وهى المبينة على الالتزام من الجهات
الإدارية بمبدأ الشرعية وسيادة القانون الذى نص الدستور صراحة فى المادة (64) منه
أنه أساس الحكم فى الدولة- كما أكد هذه السيادة والعلو للشرعية وسيادة القانون على
كل إرادة فى الدولة ما نص الدستور عليه فى المادة 065) من انه تخضع الدولة للقانون
واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات- فهذه المحكمة
واجبها أن تنزل حكم الدستور والقانون على ما يعرض أمامها من طعون ومسئوليتها كفالة
حق أى من المواطنين فى كفالة مركزه القانونى من أى عدوان جبرى من قرارات أو من
تصرفات الإدارة ومن المؤكد مسئوليتها عن حماية الحق فى كل ما يمثل مساسا بالتقيد
أو المنع من أحد الحقوق الدستورية للمواطنين والتى تتصل بالمواطن وتكون حقا مقدسا
له باعتباره كذلك بما يكفل أن لا تزايله أى من هذه الحقوق إلا على النحو الذى يحكم
الدستور أو القانون تنظيمه وبيانه.



فالمنازعات المتعلقة بحق من الحقوق الدستورية
العامة وفى مقدمتها حق الطعن ومهما اصطبغت مثل هذه الطعون وبحكم اللزوم بالصبغة
الخاصة بالمنازعات الإدارية، بحسبانها فى ظاهرها منازعات تمثل الجهة الإدارية أحد
أطرافها، فإنه يتعين أن تقوم قانونا فى أساسها على طلب دفع عدوان إلزامى أو جبرى
بإرادة الإدارة المنفردة على الأفراد، وإعلاء الشرعية بإلزام الإدارة المنفردة على
الأفراد، وإعلاء الشرعية بإلزام الإدارة العاملة المطعون فى قراراتها بأحكام
الدستور والقانون.



والعدوان الإدارى على الشرعية وسيادة القانون
يجب لوجوده أن يمس القرار مركزا قانونيا للأفراد أو لفرد بذاته، مما يتوافر له معه
الحق فى الاعتراض عليه بالطعن أمام محاكم مجلس الدولة لوقف تنفيذه أو إلغاؤه
وإزالة الجبر غير المشروع له على المركز أو الوضع القانونى الذى يتمثل فى محل
القرار.



ومن حيث أن المادة الثانية من الدستور تنص على
أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة
الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع".



وتنص المادة (12) على أن "يلتزم المجتمع
برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة. وعليه مراعاة المستوى
الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية والتراث التاريخى للشعب والحقائق
العلمية والسلوك الاشتراكى والآداب العامة وذلك فى حدود القانون.



ومن حيث أن المادة الثانية من القانون رقم (13)
لسنة 1979 فى شان اتحاد الإذاعة والتليفزيون تنص على أن "يهدف الاتحاد إلى
تحقيق رسالة الإعلام الإذاعى المسموع والمرئى، سياسة وتخطيطا وتنفيذا فى إطار
السياسة العامة للمجتمع ومتطلباته الإعلامية. أخذا بأحدث ما تصل إليه تطبيقات
العلم الحديث. وتطوراته فى مجالات توظيف الإعلام المرئى والمسموع لخدمة المجتمع
وبلوغ أهدافه.



وفى سبيل ذلك يعمل الاتحاد على تحقيق الأغراض
الآتية:



1- أداء الخدمة الإذاعية المسموعة والمرئية
بالكفاءة المطلوبة. وضمان توجيهها لخدمة الشعب والمصلحة القومية، فى إطار القيم
والتقاليد الأصيلة للشعب المصرى، وفقا للمبادئ العامة التى نص عليها الدستور.



2-
................................................................................



3- العمل على نشر الثقافة وتضمين البرامج
الجوانب التعليمية والحضارية والإنسانية، وفقا للرؤية المصرية والعربية والعالمية
الرفيعة لخدمة كافة فئات الشعب وتكريس برامج خاصة للطفولة والشباب والمرأة العاملة
والعمال الفلاحين إسهاما فى بناء الإنسان حضاريا وعملا على تماسك الأسرة.



ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على انه
طبقا لأحكام الدستور والقانون فإن رقابة القضاء الإدارى ومحاكم مجلس الدولة على
القرارات الإدارية، هى رقابة مشروعية، تسلطها على القرارات المطعون فيها لتزنها
بميزان الدستور والقانون والشرعية والمصلحة العامة فتلغيها أو توقف تنفيذها لو
تبين صدورها مخالفة لأحكام القانون بصفة عامة، أو انحرافها عن الغاية الوحيدة التى
حددها الدستور والقانون لسلامة قرارات وتصرفات الإرادة العاملة وهى تحقيق الصالح
العام، إلى تحقيق غير ذلك من أغراض تخرج عن صحيح ما استهدف تحقيقه من صالح عام،
الدستور أو القانون المنظم للنشاط الإدارى. كما أن مجلس الدولة لا تلتزم محاكمة فى
مباشرة رقابتها للمشروعية على قرارات وتصرفات الجهة التنفيذية بالإدارة العامة فى
أدائها لواجباتها بغير أحكام الدستور والقانون وسيادة القانون، وعلو المصلحة
العامة التى يلزم أن تكون الغاية الوحيدة لكل ممارسة للسلطة العامة وسند مشروعية
هذه الممارسة ومبررها، ولا تجاوز سلطة ولاية محاكم مجلس الدولة إعلاء الشرعية
وسيادة القانون بالنسبة للقرارات الإدارية المخالفة للقانون الحكم بوقف تنفيذها أو
إلغائها فولاية محاكم مجلس الدولة باعتبارها ولاية رقابة للمشروعية، ولاية بعدية
تنصب على تصرف أو قرار إدارى يصدر من الجهة الإدارية المختصة ولا شان للقضاء
الإدارى أى محاكم مجلس الدولة بتوجيه الجهات الإدارية المسبق وإلزامها بتصرف محدد
أو معين ولو كان سند ذلك أحكام تجد أساس الشرعية فى الدستور أو القانون، فهذه
المحاكم لا تحل محل الجهات الإدارية المختصة فى أدائها لوظيفتها الإدارية فى تسيير
وإدارة المرافق العامة بانتظام واضطراد فى مجال الخدمات أو الإنتاج وذلك بحكم
استقلال السلطة القضائية التى تباشرها المحاكم عموما ومحاكم مجلس الدولة بينها عن
السلطتين التنفيذية أو التشريعية بحكم صريح فى مواد الدستور، الذى يقوم على احترام
مبدأ استقلال السلطات الثلاث فى الدولة مع خضوعها لسيادة القانون (المواد 64 ،65
،68 ،165 ،166 ،167 ،172 من الدستور) فكما أنه لا سلطان على القضاة المستقلين فى
قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أو فى تحقيق العدالة
فلا تتدخل محاكم مجلس الدولة أو قضاتها عند أداء وظيفتهم ومباشرة رسالتهم فى الفصل
فى المنازعات الإدارية فى سير النشاط الإدارى أو تتولى توجيهه وتسييره بدلا من
الإدارة التى تقوم بذلك على مسئوليتها السياسية والإدارية والمدنية والجنائية وفقا
لأحكام الدستور والقانون.



ومن حيث إنه بناء على ما سلف الإشارة إليه من
الحكام الواضحة المعنى والغاية فى مواد الدستور وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون،
التى تحدد وتقرر المبادئ والأصول العامة الحاكمة لحدود رقابة مشروعية القضاء
الإدارى على القرارات الإدارية من خلال بيانها لأهدافها وغايتها على وجه القطع
واليقين فإنه لاشك أن نشاط اتحاد الإذاعة والتليفزيون يجب أن يهدف إلى تأكيد أن
الإنتاج الفنى أو العمل المذاع مرئيا أو مسموعا إنما يكون لتأكيد تحقيق هذا العمل
أو ذلك النشاط الارتقاء بالمستوى الفنى وليكون مستهدفا العمل على تأكيد قيم
المجتمع الدينية والروحية والخلقية ومساهما فى تنمية الثقافة العامة والمهارات
الخاصة لأى من فئات الشعب على اختلاف طبقاته وأنماط سلوكه محققة فى ذلك على القيم
الدينية التى تتحدد على أساسها مبادئ وحدود الآداب العامة والحفاظ على النظام فى
إطار الشرعية وسيادة الدستور والقانون وحماية النشء من الانحراف.



ومن حيث انه يتعين أن تبين المحكمة أن مفهوم
الأخلاق والآداب العامة يخرج عن مجال النظام العام المادى المحسوس والممثل للحالة
المناقضة للاضطراب، وباعتبار أن القيم والمبادئ والخلاق إنما هى تعبير عن أفكار
ومعتقدات وأحاسيس يلزم أن يكون لها تأثير ذو مظهر ونشاط خارجى يبرر التدخل لرقابته
وتقرير مدى مشروعيته.



ومن ثم فإن مضمون النظام العام الخلقى ومبادئه
الاجتماعية تؤكد أن الدستور والقانون لا يتضمن فقط الإشارة إلى أى منها بل إلى
بيان وتأكيد الهدف منها وهو حفظ الفضيلة والتى تتحدد من خلال مفهوم المجتمعات
نفسها لهذا المعنى من خلال موقفها ومدى تقبلها لعمل ما خضوعا واتفاقا مع العادات
والتقاليد المستقرة التى تعارف عليها المجتمع قبولا أو رفضا فى الغالبية العظمى من
أفراده، وليس بحسب معيار أو رؤية محددة لقلة منه وفى هذا النطاق فانه يتعين
الالتزام بحماية الاحتشام العام
Publique de Cens
أى القيم والمبادئ الأخلاقية العامة التى يتقبلها المجتمع بالأغلبية الساحقة
ويعتبرها من تقاليده التى تحمى مصالحه وهى بالتالى تصل إلى الاهتمام العام
بالأخلاق العامة بما يتحقق للمجتمع عامة والنشء والقصر من صغار السن وخاصة قيم
ومبادئ عليا تتمثل فى إطار من العقيدة وتقاليد المجتمع وهذه كلها مقيدة فى إطار من
المفهوم المحلى للمجتمع وقد أدى هذا المفهوم إلى صدور العديد من القوانين الرقابية
والمبادئ القضائية التى تنظم منع عرض المطبوعات التى تصف الجرائم والفضائح وكذلك
عرض الأفلام اللا أخلاقية
Les
films Immoraux

التى تصف الإثارة وتعرض البذىء من الألفاظ أو المثير من الحركات واتسام هذه
التشريعات بترك سلطة تقديرية واسعة للسلطات القائمة على الرقابة لتحديد المجال
المحمود للأخلاق وأنماط حماية المجتمع وعاداته فى المجال الاجتماعى، ويؤكد ذلك أحكام
الدستور المصرى وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون المشار إليه الذى يوضح أن الغاية
والهدف هى أن تأدية الرسالة الإعلامية المسموعة أو المرئية يلزم أن تكون موجهة
وفقا للقواعد العامة للشريعة الإسلامية ومبادئها القائمة على رعاية الأخلاق
والتقيد بالتقاليد المصرية الأصيلة ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم
الخلقية والوطنية والتراث التاريخى للشعب والآداب العامة وضمانا لتأكيد خدمتها
للشعب ومصالحه القومية بجميع طوائفه، وفى إطار من القيم والتقاليد الأصيلة له
إسهاما فى إنماء حضارته وتأكيدا لقيمه وعملا على تماسك السر الخلية الأساسية
للمجتمع وأساس وجوده وقوامه الدين والأخلاق والوطنية، والتى يتعين أن تحرص الدولة
بجميع أجهزتها وفى جميع أنشطتها وعلى قمتها الإذاعة المسموعة والمرئية التى تتولى
إدارتها والهيمنة عليها على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل
فيها من قيم وتقاليد وحماية للأمومة والطفولة، ورعاية النشئ والشباب وتوفير الظروف
المناسبة لتنمية مواهبهم (المادة 9، 10 من الدستور)



وقد تواترت هذه المبادئ العامة فى سائر
القوانين بالاتفاق مع أحكام الدستور بحكم اللزوم.



وفيما يخص موضوع هذا الطعن فإن القانون رقم
(430) لسنة 1955 وتعديلاته بشأن الرقابة على المصنفات الفنية والقانون رقم (109)
لسنة 1971 بشأن نظام هيئة الشرطة قد تضمنت النصوص والأحكام التى تقرر اختصاص هيئات
الضبط الإدارى بحماية النظام العام والآداب وكفالة الاحتشام العام.



ويتعين التأكيد على أنه مع التسليم – على أساس
معيار موضوعى يتعلق بالأغلبية العظمى لأفراد المجتمع – بوجود نظام عام خلقى
للمجتمع حسبما يقر فى ضمير وعقيدة الأغلبية العظمى من أفراده فإنه لا يعنى الإطلاق
فى التصرف أو التقييد كما أن ذلك لا يمنع من التبصر بحقيقة وصعوبة الفصل المطلق
بين ما هو خلقى وذاتى وخاص فى فهم الفرد وشعوره وما هو قانونى ومشروع حسبما يتضمن
النظام القانونى للجماعة وما يترتب على ذلك من إزالة الحواجز بين ما يعتبر من
"الفضيلة" وما يتصف "بالمشروعية" وهو إذ ينطوى على خطر جسيم
على الفكر والفن وحرية التعبير فى كل صورها يتجسد فى عدم إمكانية التحديد الدقيق
الموضوعى العام لمضمون ماهية الأخلاق تحديداً جامعاً مانعاً بين التوسع فى مضمونها
بما يوسع المجال وتفتحه أمام الرقابة من الإدارة لتتغول وتفرض وصايتها ورؤيتها
ووجهة نظرها على كل عمل فكرى أو علمى أو فنى بدعوى حماية القيم الخلقية لمن يقومون
بالرقابة باسم سلطة الدولة أو لمن يجعلون أنفسهم رقباء أو أوصياء على المجتمع فى
مجال تطبيق القانون ومبادئ الشريعة وبالتالى يصبح كل فكر ورأى وفن من أى نوع
مجالاً لطغيان الإدارة والمواقف الشخصية حيث يحل فيه افراد أنفسهم وفقا لآرائهم
ورؤيتهم الخاصة التى تعبر عنهم أو عن قلة لا تتفق مع الجماعة العامة محل سلطة
الدولة فى التقدير، ويقيمون من القواعد والمعايير الشخصية التى يشرعونها لأنفسهم
تحديدا لماهية الأخلاق والقيم والمبادئ التى يحميها الدستور، وينهضون إلى فرض ذلك
مباشرة، أو قسرا من خلال القضاء أو غيره من السلطات العامة فى الدولة على المجتمع،
وعلى جمهور المواطنين، ولذلك فإن هذه الرقابة تجد حدها الطبيعى فى رقابة القضاء
وفقا لما يحددها المشرع وأحكام القانون من ماهية المجال الأخلاقى والأدبى فى
تناوله له باعتبار أن القاعدة القانونية التى بها الحكم الموضوعى الذى يحكم
الشريعة، وبين غير القانونى وغير المشروع إنما يمثل الحد الأدنى للفضيلة ذات الأثر
الحميد التى يجب على الجميع أن ينتهجوها، والذى يكون له مضمون موضوعى حدده الشارع
ونقاط تدور عليه الأحكام خاصة وأن المجتمع فى تطوره وتقدمه يجب أن يقوم على مبادئ
حقيقية من الأخلاق القويمة التى يحددها القانون بواسطة ممثلى الشعب الذين يشرعون،
ويهدف إلى تأكيد المبادئ الأخلاقية ورعايتها فى المجتمع دون إزالة الحدود ما بين
القانون والأخلاق حيث الأخلاق تمثل الغاية الرفيعة من الدين وهى مسئولية الفرد قبل
خالقه وقبل المجتمع خارجه، واله وحده الرقيب على الضمائر وهو العليم بالسرائر وقد
استقرت لذلك آراء الفقه وأحكام القضاء وأن المفهوم الأخلاقى هو ذلك الذى يطابق
الحد الأدنى للفكرة الأخلاقية السائدة والمقبولة من الأفراد ومن حيث أن ما سبق كله
إنما يتصل بوجوب منع السلوك الخارجى للإنسان الذى يمثل بتصرف منه خروجاً على
المألوف وتقاليد المجتمع وإحراجا للمشاهد ويعتبر فعلا مؤثما كجريمة جنائية أو
إدارية ترتب المسئولية القانونية لمن تثبت عليه أو المطلع عليها.



ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه فإنه يلتزم
اتحاد الإذاعة والتليفزيون بمراعاة ما يقدمه من برامج وبصفة خاصة فى حلقات فوازير
رمضان أو حلقات ألف ليلة وليلة بصحيح وواقع القيم الخلقية السائدة فى المجتمع
والقيم الدينية الخلقية الرفيعة التى يقوم عليها نظام الأسرة أفرادها وتوقير شهر
رمضان المعظم الذى له منزلته فى قلوب المسلمين كافة وبينهم غالبية أبناء هذا الوطن
باعتباره الشهر المبارك الذى أنزل الله فيه القرآن دستوراً وهدى لحياة البشرية
جمعاً، ولكونه جزءا من عقيدتهم الإسلامية التى تعتبر الدين الرسمى للدولة بمقتضى
النص الصريح لدستور هذه الشريعة التى ما أنزل الله القرآن فيها على رسوله إلا
ليتمم مكارم الأخلاق وهى التى تحترم الأديان والعقائد السماوية بين أبناءها وما
يتطلبه ذلك من مراعاة شعائرهم والتزامها بتمكينهم من أداء هذه الشعائر وفق أصولها
الدينية وما يتفق مع عادات وتقاليد أغلبية الأفراد ولا شك انه بناء على كل المبادئ
الدستورية العامة والقيم الخلقية للنظام العام الخلقى الإسلامى الذى جعله الدستور
أساساً ومنهاجاً للدولة وتصرفاتها ولسلوك المجتمع وأفراده على جميع فئاتهم
وتجمعاتهم يفرض على أخطر الأجهزة الإعلامية الوطنية المصرية تأثيراً فى تثقيف
وتربية وتوجيه المصريين بل وجميع مشاهديه من الناطقين باللغة العربية فى الدول
العربية والعالم، وهو التليفزيون أن يقوم بدوره المؤثر الهام والخطير فى حياة
المجتمع وتطوره والمحدد له وفقاً لأحكام القانون واللوائح مسئولية كبرى توجب على
المسئولين عن تخطيط وتدعيم برامجه مراعاة القيم الدينية والخلقية التى يقوم عليها
النظام العام للمجتمع، وأن يحافظوا على حرية تمكين الأفراد من أدائهم مناسك صيامهم
وعبادتهم فى جو من التقديس والتوقير المتلازمين مع ممارسة أى شعيرة دينية وبصفة
خاصة خلال شهر رمضان المعظم، وذلك على مسئوليتهم الإدارية والسياسية والجنائية
حسبما نظمها الدستور والقانون حيث أن الوزير المسئول عن الإعلام والمشرف على أداء
التليفزيون والإذاعة مسئول سياسيا ودستورياً أمام مجلس الشعب عن طريق الاستجواب
والسؤال وطرح الثقة وهى وسائل الرقابة البرلمانية عن أى خلل فى سياسات البرامج
التى تحيد عن التعبير بحق وصدق عن قيم المجتمع الدينية والخلقية، التى تهبط عن
المستوى الرفيع للثقافة الجيدة والترفيه بالفنون الراقية بالذوق والحس الإنسانى
الذى ينمى قدرات المصرى على التقدم والنهوض إلى التقدم والقوة والرخاء بهذا الوطن،
كما أن العاملين فى أجهزة الإذاعة والتليفزيون خاضعون طبقا لقوانين ولأنظمة
العاملين السارية بشأنهم للمحاسبة اداريا وتأديبياً عن أى خروج فى أى عمل أو تصرف
أو أداء للبرامج تخطيطاً وتنفيذاً عن الشرعية وعن القيم الخلقية والثقافية
والجمالية الرفيعة التى نص عليها الدستور وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون وجرى
عليها باستقرار العرف الثقافى والفنى الإذاعى المسموع والمرئى فى اتحاد الإذاعة
والتليفزيون المصرى الذى عليه فى هذا الإطار العمل والنشاط لتحقيق السياسة
الاعلامية بجميع أهدافها تحت اشراف ورئاسة المسئولين والرؤساء المتخصصين ورقابة
أجهزة الرقابة الداخلية والخارجية المختصة وكلهم موظفون عموميون وخاضعون للمحاسبة
تأديبياً عن أخطائهم.



كذلك فإن ما يرد فى البرامج من الخروج على
النظام العام أو الآداب العامة يمثل جرائم جنائية يعاقب مرتكبوها وفقا لأحكام
قانون العقوبات، وتتولى رفع الدعوى العمومية قبلهم النيابة العامة بناء على أية
شكوى من أى مواطن أو من السلطات الرئاسية المسئولة فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون،
وهذا كله مقرر بصفة خاصة وفقا لأحكام المواد (171) ، (187)، (269)، (287) من قانون
العقوبات، ومنت حيث إنه بمراعاة ما سلف بيانه من تحديد للمبادئ والقيم الخلقية
والإنسانية والوطنية الرفيعة والنبيلة التى يلتزم بها اتحاد الإذاعة والتليفزيون
والعاملين فى إدارته وتسيريه وفقا لأحكام الدستور والقانون وكذلك تعدد أوجه
المسئوليات السياسية والإدارية والجنائية التى يخضعون لها ويمكن لأى مواطن تحريكها
من خلال أعضاء المجلس الشعبى سياسياً أو النيابة الإدارية وجهات التحقيق الداخلية
إدارياً أو النيابة العامة والمحكمة الجنائية جنائياً، فإن مقطع النزاع فى هذا
الطعن وهو وجود قرار إدارى ملزم للطاعن أو لغيره من المواطنين بصفته متفرجا بما
يحدده المختصون فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون من برامج تعرض على الشاشة فى قنواته
المختلفة ومدى تأثير القرارات الداخلية بالاتحاد بشأن هذه البرامج – فى المركز
القانونى للفرد – ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن قرار لجنة اتحاد الإذاعة
والتليفزيون بعرض برنامج بعينه ليس سوى قرار تنظيمى داخلى ملزم قانونا فقط للأجهزة
المختصة فنيا وإداريا فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون لتحديد الخريطة الإذاعية
للإرسال المرئى.



وهذه القرارات الداخلية غير ملزمة بمقتضى
السلطة الإدارية المنفردة للجهة المختصة باتحاد الإذاعة والتليفزيون لأى فرد من
الأفراد من المنتفعين بخدمات الإذاعة والتليفزيون وبرامجهما بل انها موجهة
للقائمين على وضع البرامج وملزمة لهم إداريا وفنيا بصلاحية إنتاج وعرض هذه البرامج
على المشاهدين وهو أمر منبت الصلة قانونا بأى من مشاهدى التليفزيون حيث لا يترتب
على ذلك أى التزام قانونى وحتمى لأى منهم بمشاهدة هذه البرامج، ومن حيث إنه من
البديهى أنه مادام أن قرار اتحاد الإذاعة والتليفزيون بإذاعة برنامج معين لا ينطوى
بذاته على إلزام أو قهر أى من المواطنين أو إجباره على مشاهدة هذا البرامج خاصة
وأن الإنسان المشاهد هو صاحب السلطة القانونية والفعلية فى ذات الوقت التى تجعله
وحده المسيطر على جهاز الاستقبال وليس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون أو لأى سلطة فى
الدولة اكراه أى فرد من الأفراد على فتح الجهاز على قناة معينة وفى موعد محدد
لرؤية برنامج بذاته وفى مكنة كل فرد وقدرته الحرة فى إطار من العقل والضمير والذوق
الذى يحدد له قيمة ومستوى ما يقبله علقه ومستوى ما يرضى نفسه ويحقق له قيمة ويرضى
ضميره أن يختار ما يرضيها دون رقابة أو التزام بأى برنامج من برامج التليفزيون
الداخلى بل وأصبح له أيضاً أن يختار بالتقدم التكنولوجى والعلمى أى برنامج خارجى
بطريق الأقمار الصناعية.



ومن حيث أنه وفقا لما تقدم فإن قرار اتحاد
الإذاعة والتليفزيون بعرض البرنامج موضوع الدعوى والحكم محل هذا الطعن إنما يمثل
اعتمادا وتعليمات داخلية بإذاعة برامج معينة وتوجيها للجهات القائمة على إعداد
البرامج اليومية بإدراج هذه البرامج ضمن البرامج المختلفة والمعتمد إذاعتها.



ولا تملك سلطات اتحاد الإذاعة والتليفزيون ولا
غيرها من السلطات العامة فعلا وعملا بمقتضى دستورنا وقانونا إلزام اى أحد من الناس
بالمشاهد لأى برنامج لا يرضاه – الأمر الذى ينتفى معه وجود ما يعد وفقا لما جرى
عليه قضاء هذه المحكمة وإجماع الفقه والفقهاء الإداريين – كيان القرار الإدارى
النهائى الجائز قانونا الطعن عليه بالإلغاء أمام احدى محاكم مجلس الدولة المختصة
طبقا لأحكام المادة (172) من الدستور وأحكام المادة (10) خامسا من القانون رقم
(47) لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة مما كان يتعين معه على محكمة أول درجة الحكم
بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى المطعون عليه وحيث أن الحكم المطعون فيه
قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد جاء مخالفاً لصحيح أحكام القانون حريا والحال
هذه بإلغائه والقضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى النهائى الذى يدخل
فى ولاية محاكم مجلس الدولة رقابة مشروعيته والنظر فى وقف تنفيذه وإلغائه.



ومن حيث أنه لا يفوت المحكمة أن تؤكد أنه
للطاعن ولغيره من الأفراد الذين لهم رؤية وتوجيه فى البرامج محل الطعن فضلا عن
حرية الاختيار لمشاهدة ما يرونه من البرامج على المستوى الخلقى والثقافى والدينى
الذى يرضيهم فى أية قناة أو برنامج يذاع من اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو من
الخارج بواسطة الأقمار الصناعية دون التزام أو إجبار لأى منهم بمشاهدة أى برنامج
من البرامج التى لا تتفق مع رؤيتهم الأخلاقية فإن لكل منهم أيضا وفى ذات الوقت لكل
فرد الحق فى أن يلجأ بالطريق القانونى إلى سلطات الرقابة السياسية ممثلة فى مجلس
الشعب صاحب الرقابة السياسية على السلطات التنفيذية والى وسائل الاعلام المكتوبة
بل إلى سلطات الإشراف والرقابة الإدارية الداخلية المتولية أمر اتحاد الإذاعة
والتليفزيون أو إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامى بحسب الأصول لتحريك
المسئولية السياسية أو التأديبية أو الجنائية قبل من لا يلتزم من المسئولين أو
العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون فى برنامج محدد أو عمل محدد بالمبادئ والأسس
الدستورية العامة والقانونية التى تحدد النظام العام الخلقى للمجتمع المصرى
الإسلامى الذى يلتزم به المجتمع متمثلا فى كل مصرى وكل سلطة من سلطات الدولة فى
إطار اختصاصها وولايتها وفقا لأحكام الدستور والقانون.



وحيث إن من خسر دعواه يلزم بمصروفاتها وفقا
لأحكام المادة (184) من قانون المرافعات.






* فلهذه
الأسباب






حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم
المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى القرار الإدارى، وألزمت الطاعن بالمصروفات 7140
شكلا لانتفاء.