وقد يقوم اشخاص – عن
قصد – بإتيان أفعال لا تعتبر في حد ذاتها من الافعال المكونة للركن المادي
للجريمة، ولكنها على جانب من الخطورة والأهمية بحيث لولاها، لما امكن للفاعل
الاصلي أن يرتكب جريمته، كما لو تدخل شخص وقدم للفاعل الاصلي سلاحا أو ادوات أو
إرشادات مما يساعد على إرتكاب الجريمة، ومن المتصور أيضا أن يتخذ التعاون الإجرامي
شكلا آخر وهو التحريض على إرتكاب الجريمة كما هو الحال حين يحرض شخص شخصا آخر على
إرتكاب جناية أو جنحة .



وعلى ذلك، فإن المساهمة
الجنائية (2) يمكن أن تقع في صور متعددة، حين توزع الادوار بين الشركاء، فيقوم كل
منهم بالدور المادي الموكل إليه، ويكون لكل منهم إرادته الإجرامية التي تتجه نحو
الإعتداء على الحق الذي يحميه القانون، اي نحو تحقيق الجريمة وابرازها إلى حيز
الوجود .



ويعتبر التحريض من اخطر
صور النشاط الاجرامي، لان المحرض غالبا ما يكون هو المدبر لإرتكاب الجريمة والمخطط
لها والمسؤول الرئيسي عن تنفيذها، وهذا ما دعا بعض التشريعات إلى آخراج التحريض من
نطاق المساهمة الجنائية، والنص عليه بصفة مستقلة، واعتبار المحرض في حكم الفاعل،
ولو امعنا النظر في المحرض، لما امكن وصفه بأنه فاعل للجريمة لانه لا يساهم في
تنفيذها، كما لا يسوغ القول بأن نشاط المحرض تبعي بالنسبة لنشاط فاعل الجريمة
الاصلي، لأن هذا المحرض هو الذي يخلق التصميم الاجرامي في ذهن الفاعل (3) وعليه،
فإن بعض التشريعات – ومنها المشرع الأردني – تقرر مسؤولية المحرض وفقا لقصده
الجرمي، وهي تعتمد في ذلك على فكرة الفصل بين مسؤولية المحرض ومسؤولية "
الفاعل".



وقد تنأول المؤتمر
السابع الذي نظمته " الجمعية الدولية لقانون العقوبات " في أثينا سِنّه
1957، موضوع " الاتجاه الحديث في فكرة الفاعل أو الشريك والمساهمة في الجريمة
" ومن ضمن توصيات هذا المؤتمر أن قواعد المساهمة الجنائية التي يقررها كل
نظام قانوني يجب أن تضع في اعتبارها الفروق بين أفعال المساهمة التي تصدر عن كل
مساهم في الجريمة من ناحية، والفروق بين المساهمين من حيث الخطيئة الشخصية وخطورة
الشخصية من ناحية آخرى. كما اوصى المؤتمر بأنه يعتبر " فاعلا
Auteur" من يحقق بسلوكه العناصر
المادية والشخصية المكونة للجريمة، واذا كانت الجريمة " جريمة امتناع "
اعتبر فاعلا من يحمله القانون التزاما باتيان الفعل، كما يعتبرون " فاعلين
Co- auteurs " من يرتكبون سويا
الاعمال التنفيذية للجريمة بقصد مشترك متجه إلى إرتكابها، ويعتبر " فاعلا غير
مباشر
Auteur mediat " من
يدفع إلى إرتكاب الجريمة منفذا لا يجوز تقرير مسؤوليته عنها، ويعتبر " محرضا
Instigateur " من يحمل عمدا شخصا على
إرتكاب جريمة، ولا يجوز توقيع عقاب على المحرض إلا إذا بدأ الشخص الذي اتجه
التحريض إليه في تنفيذ جريمته، ومع ذلك، فإنه يجوز توقيع الجزاء على المحرض إذا
كان التحريض غير متبوع بأثر على أن يحدد هذا الجزاء وفقا للشروط التي يحددها
القانون وفي ضوء الخطورة الاجرامية للمحرض (4) .



وبالرجوع إلى نصوص
قانون العقوبات الأردني، نجد أن المادة /80/أ منه تنص على انه يعد محرضا من حمل أو
حأول أن يحمل شخصا على إرتكاب جريمة باعطائه نقودا أو بتقديم هدية له أو بالتأثير
عليه بالتهديد أو بالحيلة والخديعة أو بصرف النقود أو بإساءة الإستعمال في حكم
الوظيفة. كما أن الفقرة /ب من المادة نفسها تنص على أن تبعة المحرض مستقلة عن تبعة
المحرض على إرتكاب الجريمة، ويتبين من قراءة هذا النص أن المشرع الأردني يعاقب على
التحريض ولو لم يترتب عليه أثر، وذلك على اعتبار أن التحريض جريمة مستقلة، وهذا
يعني أن التحريض على إرتكاب الجريمة " جناية أو جنحة " هو في حد ذاته
جريمة سواء قبل الشخص الذي وجه إليه هذا التحريض أن يقوم بما طلب منه أو رفضه.
وتأكيدا لذلك فإن المادة /81 /3 من قانون العقوبات تنص على انه إذا لم يفض التحريض
على إرتكاب جناية أو جنحة إلى نتيجة خفضت العقوبة المبينة في الفقرتين السابقتين
من هذه المادة إلى ثلثها وعليه فإن المشرع الأردني يجعل من التحريض غير المتبوع
بأثر جريمة مستقلة عقوبتها اخف نسبيا من عقوبة الجريمة المحرض عليها، بل وأخف من
عقوبة التحريض فيما لو استجاب المحرض وارتكب الجريمة التي طلب إليه تنفيذها (5).



ولأن التحريض على
إرتكاب الجريمة هو عبارة عن خلق فكرتها في ذهن المحرض، وتوجيه ارادته إلى
إرتكابها، ودفعه إلى ذلك بوسائل التأثير التي نص عليها القانون في المادة /80/أ،
فينبغي أن يكون الشخص الذي وجه إليه التحريض اهلا لتحمل المسؤولية الجنائية سيء
النية حتى يعد فاعلا اصليا للجريمة التي جرى تحريضه على إرتكابها. أما إذا كان هذا
الشخص عديم المسؤولية لانعدام الادراك أو التمييز ـ كالصغير والمجنون، أو كان حسن
النية لعدم توافر القصد الجرمي لديه، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى افلات المحرض من
العقاب، ولا شك أن هذه النتيجة غير منطقية، وهي بذلك غير مقبوله وكان لا بد من وضع
حل لعلاج مثل هذا الموقف، فظهرت نظرية الفاعل المعنوي التي تتوسع في مفهوم فاعل
الجريمة، وتعتبر كل من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا فاعلا اصليا للجريمة، وقد أخذ بهذا
الحل كل من الفقه والقضاء في المانيا (6). إلا أن هذا الاتجاه لم يصادف قبولا لدى
الفقه والقضاء في فرنسا، حيث ينادي هؤلاء بالابقاء على فكرة أن التحريض هونشاط
ثانوي وتابع لنشاط الفاعل الاصلي مع العدول عن مبدأ التبعية المطلقة للشريك، وجعل
هذه التبعية مقيدة فلا يشترط سوى أن يكون الفعل المحرض على إرتكابه غير مشروع، بغض
النظر عن مدى مسؤولية الفاعل عنه، وبحيث يمكن معاقبة من حرض شخصا غير مسؤول أو حسن
النية (7).



وقد أثار موضوع الفاعل
المعنوي للجريمة الكثير من الجدل والنقاش الفقهي، فمن مؤيد لفكرة الفاعل المعنوي
ومن معارض لها كما أن التشريعات العقابية قد تباينت في مواقفها حيال هذا الموضوع،
فهناك من التشريعات من ينص صراحة على الأخذ بهذه الفكرة وهناك من لم يأت على ذكر
الفاعل المعنوي، وكأنما ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته فيه وفقا للظروف والملابسات
التي تحيط بإرتكاب الجريمة .



ولم ينص المشرع الأردني
صراحة على الفاعل المعنوي للجريمة، وانما اقتصر على ذكر أن فاعل الجريمة هو من
ابرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في
تنفيذها(المادة/75 من قانون العقوبات)، مما يعطي لهذا الموضوع أهمية خاصة، لتوضيح
معنى الفاعل المعنوي وبيان حكمه في القانون الأردني والمقارن مع عرض لموقف الفقه
العربي والأجنبي من هذه الفئة من الجناة .



وسوف تقسم دراستنا هذه
إلى أربعة مباحث، حيث نخصص المبحث الأول منها لبيان مفهوم فكرة الفاعل المعنوي
للجريمة، وندرس في المبحث الثاني الأساس القانوني لفكرة الفاعل المعنوي ونبين في
المبحث الثالث مجال تطبيق فكرة الفاعل المعنوي، وفي المبحث الرابع سوف نستعرض فكرة
الفاعل المعنوي للجريمة في التشريع والفقه المقارن، ثم ننهي هذا البحث بخاتمة تبرز
من خلالها أهم الأفكار والنتائج المتعلقة بهذا الموضوع .



المبحث الأول : مفهوم
فكرة الفاعل المعنوي للجريمة



لبيان مفهوم الفاعل
المعنوي للجريمة، لا بد من التعريف به أولا (المطلب الأول) ثم تمييزه عن غيره من
المساهمين في الجريمة(المطلب الثاني).



المطلب الأول : التعريف
بالفاعل المعنوي للجريمة



الفاعل المعنوي للجريمة
(Cool هو كل من دفع - بأية وسيلة – شخصا آخر على تنفيذ الفعل المكون للجريمة، إذا
كان هذا الشخص غير مسؤول جزائيا عنها لاي سبب من الاسباب، وعليه فإن الفاعل
المعنوي للجريمة هو كل من يسخر غيره في تنفيذها ويكون هذا الغير مجرد أداة في يده
لكون المنفذ للجريمة حسن النية أو لكونه غير اهل لتحمل المسؤولية الجزائية،
كالمجنون والصبي غير المميز (9).



والفاعل المعنوي لا
يرتكب الجريمة بيديه، أي انه لا ينفذ بنفسه العمل المادي المكون لهذه الجريمة،
ولكنه يدفع بشخص آخر حسن النية أو غير ذي اهلية جزائية، إلى إرتكاب الجريمة وتحقيق
العناصر المكونة لها (10). ومن الامثلة على ذلك، من يقوم بتسليم حقيقة ملابس اخفى
بينها كمية من المواد المخدرة إلى شخص آخر حسن النية، لكي يقوم هذا الاخير
بتوصيلها إلى شخص ثالث في مدينة آخرى، وكذلك من يسلم شخصا طعاما أو شرابا مسموما
ويطلب منه أن يقدمه للمجني عليه فيفعل ذلك وهو يجهل وجود المادة السامة في الطعام
أو الشراب، فتقع جريمة التسميم .



ويلاحظ أن نظرية الفاعل
المعنوي للجريمة تقتصر على الحالة التي يكون فيها منفذ الجريمة حسن النية أو غير
ذي اهلية جزائية، ويرى بعض الفقه أن هذا التعريف ضيق ومن شأن ذلك أن يصيب النظرية
بالقصور، ولتجنب ذلك فإن اصحاب هذا الاتجاه يضعون تعريفا واسعا للفاعل المعنوي،
بحيث يعتبر فاعلا معنويا للجريمة من حرض آخر على إرتكاب الجريمة إذا كان تحريضه قد
بلغ في تأثيره إلى حد خلق فكرة الجريمة في ذهن المنفذ المادي، بحيث انه لولا هذا
التحريض ما اقدم على إرتكابها، بغض النظر عن كونه حسن النية أو سيء النية (11)،
وبغض النظر ايضا عن كون المنفذ المادي للجريمة غير ذي أهلية جزائية أو متمعا بها
(12). بل أن المحرض لشخص حسن النية أو لغير ذي اهلية جزائية يعتبر فاعلا ماديا
للجريمة وليس فاعلا معنويا لها طالما أن من نفذها كان مجرد أداة في يده، لان
المشرع لا يفرق بين الادوات التي تستخدم في إرتكاب الجريمة فيستوي مثلا أن يتم
إرتكاب جريمة القتل بإستعمال مادة سامة أو بتسخير شخص مجنون لإطلاق النار على
المجني عليه، أو خنقه بيدي الفاعل، ففي كل هذه الفروض يكون الفاعل فاعلا حقيقيا
وليس فاعلا معنويا، والمنفذ ليس سوى أداة في يده (13). ولا شك أن ما ذهب إليه
اصحاب فكرة التعريف الموسع للفاعل المعنوي للجريمة، فيه مبالغة كبيرة لانها تشمل
صورا هي ابعد ما تكون عن فكرة الفاعل المعنوي، كما أن مثل هذا التعريف الموسع يلغي
التفرقة بين الفاعل المعنوي للجريمة والمحرض على إرتكابها، ونحن نميل إلى الأخذ
بما يذهب إليه اغلب الفقه من أن الفاعل المعنوي هو الذي ينفذ الجريمة بواسطة غيره
الذي لم يكن سوى آله في يده وقد حركها للوصول إليه إلى مأربه (14)، فالفاعل
المعنوي يستغل حسن النية لدى منفذ الفعل المادي للجريمة أو يستغل عدم ادراكه
للامور، كأن يكون عديم الاهلية لصغر سِنّه أو لعلة في عقله، اذ ليس من المتصور
تحريض مثل هؤلاء الاشخاص على ارتكاب الجريمة لذا فإن من يدفع أحدهم على تنفيذ
الركن المادي للجريمة يكون فاعلا معنويا لها، وتطبيقا لذلك، فقد ذهبت محكمة النقص
المصرية في حكم لها إلى انه إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن فتاة صغيرة لها
ثماني سنوات من العمر، عثرت على محفظة نقود، فأخذها المتهم منها مقابل قرش واحد،
فإن ذلك منه لا يعتبر اخفاء لشيء مسروق، بل يعد سرقة، إذ أن المتهم يعتبر انه هو
الذي عثر على المحفظة وحبسها، بنية تملكها، والفتاة البريئة لم تكن إلا مجرد أداة
في يده (15) .



وقد يحدث أن يكون
المنفذ المادي للجريمة هو المجني عليه نفسه، فالشخص الذي يغري طفلا على القيام
بلمس سلك يسري فيه تيار كهربائي ذو ضغط عال وهو عالم بذلك، ويقصد قتل هذا الطفل،
فيقوم هذا الاخير بلمس السلك ما يؤدي إلى أن يصعقة التيار، فإن هذا الشخص يعتبر
فاعلا معنويا لجريمة القتل المقصود في نظر جانب من الفقه (16)، بينما يرى جانب آخر
من الفقه أن من حرض المجني عليه على الإمساك بالسلك الكهربائي ذي الضغط العالي ليس
فاعلا معنويا لجريمة القتل، وانما هو فاعل مادي لهذه الجريمة، وفقا لمعيار
السببية، بالاضافة إلى صفة الاتجاه المباشر نحو تحقيق النتيجة غير المشروعة (17).
ونحن نميل للأخذ بهذا الرأي واعتبار مثل هذا الشخص فاعلا ماديا للجريمة لا فاعلا
معنويا لها، وذلك لقيامه بأفعال مقصودة أدت إلى نتيجة سعى اليها الفاعل وهي ازهاق
روح المجني عليه .



المطلب الثاني : تمييز
الفاعل المعنوي للجريمة عن غيره من الفاعلين والشركاء



من خلال تعريفنا للفاعل
المعنوي الذي ينفذ الجريمة بواسطة غيره، حين يدفع شخصا لا يمكن مساءلته جزائيا نحو
إرتكابها، نجد أن مثل هذا الفاعل المعنوي يتميز عن الفاعل المادي للجريمة، وعن
الفاعل مع غيره، وعن المحرض على إرتكابها .



فالفاعل المادي للجريمة
هو من يرتكب الجريمة وحده، أي أنه يأخذ على عاتقه القيام بتنفيذ مشروعه الاجرامي
من خلال سلوك إرادي من جانبه، فيترتب على هذا السلوك نتيجة جرمية هي تلك التي أراد
تحقيقها فاعل الجريمة، كما هو الحال حين يطعن الجاني غريمه بخنجر في صدره فيرديه
قتيلا، والسارق الذي يستولي على مال الغير المنقول إخراجه من حوزته خلسة، فينشئ
لنفسه أو لغيره حيازة جدية على هذا المال بقصد إخراجه من حوزته خلسة، فينشئ لنفسه
أو لغيره حيازة جديدة على هذا المال بقصد تملكه (18)، أما الفاعل المعنوي، فإنه لا
يحقق من الجريمة سوى ركنها المعنوي، بينما يقوم شخص آخر بتنفيذ الركن المادي فقط،
أي أنه ليس لهذا الأخير سوى الدور المادي الذي نفذ من خلاله الجريمة دون أن يتوافر
في حقه الركن المعنوي، لجهله بصفة عدم المشروعية التي تتصف بها الافعال التي
اقترفها، فهو لا يسأل عن هذه الافعال ويلاحق الفاعل وحده كفاعل للجريمة (19) .



واذا كان الركن المادي
للجريمة يتكون من عدة افعال، فإن كل مرتكب لواحد من هذه الافعال يعد منفذا ماديا
للجريمة، ويسأل عن هذه الجريمة تماما كما لو ارتكبها وحده طالما كان هناك اتفاق
مسبق بين الشركاء على تحقيق النتيجة الجرمية، فوزعوا الادوار فيما بينهم لإبراز
النتيجة الجرمية(التي ارادوها جميعا) إلى حيز الوجود. أما إذا اقتصر دور هؤلاء
الفاعلين على اتيان الركن المادي ولم يكن لدى اي منهم اي قصد جرمي لكونهم غير
مسؤولين جزائيا لصِغَرِِ السن أو لجنون أو بسبب كونهم حسني النية فإن الفاعل
المعنوي الذي سخر هؤلاء واستخدمهم كأداة في يده لتنفيذ الجريمة هو الذي يسأل عنها
كفاعل لها .



وفي الصورة التي تقع
فيها الجريمة بعدة أفعال من اشخاص متعددين، فإن من يرتكب منهم أحد هذه الأفعال بعد
فاعلا للجريمة، كما لو اتفق شخصان على تزوير ايصال عمد احدهما إلى كتابة العبارة
الواردة في صلبه، وقام الآخر بتقليد الامضاء الذي وقه به عليه، فكل منهما فاعلا
اصليا لجريمة التزوير (20). ويلاحظ من هذا المثال أن هناك فارق واضح بين الفاعل
المعنوي والفاعل مع غيره، فالفاعل المعنوي – كما اشرنا – انفا يستعين بشخص يسخره
كأداة لتنفيذ جريمته، أما الفاعل مع غيره، فإنه يتعاون مع شخص له ارادته وله
اهليته ومسؤوليته الجزائية، وكل فاعل للجريمة مع غيره هو ند لشريكه الفاعل الآخر،
وهما صنوان في قيام كل منهما بجزء من الركن المادي، وفي تحمل المسؤولية ايضا. أما
منفذ الجريمة حسن النية أو عديم الاهلية فمركزه دون مركز فاعلها المعنوي (21) .



ويميز بعض الفقه بين
الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة، ويرى انه وان كان هناك تشابه بينهما في أن كلا
منهما يستخدم غيره في إرتكاب الجريمة، إلا أن بينهما فروق جوهرية هي أن الافعال
التي يقوم بها الفاعل المعنوي تنحصر في التحريض، بينما هي تتسع بالنسبة للفاعل
بالواسطة لكل صور الاشتراك الجرمي من اتفاق وتدخل وتحريض هذا بالاضافة إلى أن من
يقع عليه التحريض لا بد وان يكون شخصا حسن النية أو غير اهل لتحمل المسؤولية
الجزائية، وذلك على خلاف الفاعل بالواسطة الذي يدفع شخصا بالغا رشيدا لتنفيذ
جريمته، ويقر اصحاب فكرة التمييز بين الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة انه كثيرا
ما يحصل خلط بينهما، على الرغم من اوجه الاختلاف بينهما (22). ونحن لا نرى فروقا واضحة
بين الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة بل أن بعض الفقه قد اطلق تسمية الفاعل
بالواسطة على الفاعل المعنوي للجريمة، ويرى هذا الراي بحق أن الفاعل بالواسطة هو
من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا لتنفيذ الجريمة، وتفرض الجريمة في هذه الحالة وجود
فاعلين احدهما فاعل مادي قام بتنفيذ الجريمة دون أن تتوافر لديه المسؤولية
الجزائية وثانيهما فاعل معنوي قام بتسخير الأول نحو القيام بهذا التنفيذ واستعمله
كأداة لتحقيق هذا الغرض (23) .



وفي حالة ما إذا استخدم
شخص اسلوب الاكراه المادي لحمل آخر على تنفيذ الفعل المادي الذي تقوم به الجريمة،
فلا مجال لتطبيق نظرية الفاعل المعنوي، لان الفعل الجرمي لا ينسب للشخص المكره،
وانما ينسب لمن مارس هذا الاكراه، فهو يعتبر فاعلا مباشرا للجريمة وليس فاعلا
معنويا لها (24) ،وان كان بعض الفقه يرى بأن مدلول الفاعل المعنوي يتسع ليشمل كل
الحالات التي ينعدم