باسم الشعب



المحكمة الدستورية العليا




بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم الأحد 9يونيو سنة 2002 الموافق 28 ربيع الأول
سنة 1423 ه .



برئاسة السيد
المستشار الدكتور / محمد فتحى نجيب
رئيس
المحكمة



وعضوية السادة المستشارين : عبد الرحمن
نصير وماهر البحيرى ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد
الله وعلى عوض محمد صالح .



وحضور السيد
المستشار / سعيد مرعى
عمر
رئيس هيئة المفوضين


وحضور
السيد / ناصر إمام محمد
حسن
أمين السر

أصدرت الحكم الآتى




فى
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 56 لسنة 22
قضائية " دستورية ".


المقامة من




(1) السيدة / منتهى محمد على


(2) السيد
/ السيد أحمد على التلبانى



(3) السيد
/ حسام السيد أحمد على التلبانى



(4) السيدة
/ هناء السيد أحمد على التلبانى



(5) السيدة
/ هبة السيد أحمد على التلبانى


ضد




(2) السيد
/ رئيس الجمهورية



(2) السيد
/ رئيس مجلس الوزراء



(3) السيد
/ هانى عونى عياد



(4) السيد
/ رئيس مجلس إدارة شركة مصر للتأمين


الإجراءات





بتاريخ الثامن من مارس سنة 2000 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى
الماثلة ، طالبين الحكم بعدم دستورية ما تضمنته المادة الخامسة من القانون رقم 652
لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات
من قصر التأمين فى السيارة الخاصة على الغير دون الركاب .




قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى ،
واحتياطياً برفضها .




وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .




ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة حيث قررت المحكمة بجلسة 14/4/2002 حجز
الدعوى للحكم بجلسة 9/6/2002 ، وصرحت لهيئة قضايا الدولة بتقديم مذكرات خلال
أسبوعين .




وبتاريخ 24/4/2002 تقدمت هيئة قضايا الدولة بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى
لعدم اتصالها بالمحكمة وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها .


المحكمة





بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .




حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل فى أن المدعين
كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 1312 لسنة 1999 مدنى ، أمام محكمة جنوب القاهرة
الابتدائية ضد المدعى عليه الثالث وآخرين ، طالبين الحكم بإلزامهم متضامنين بأن
يؤدوا لهم مبلغ مليون جنيه ، تعويضاً مادياً وأدبياً وموروثاً عن وفاة مورثهم
المرحوم الدكتور / حاتم السيد التلبانى . وقالوا بياناً لدعواهم ، أن المدعى عليه
الثالث كان قد تسبب فى وفاة مورثهم إثر حادث تصادم السيارة الخاصة التى كانا
يستقلانها بقيادة الأول ، وقد قيدت ضده الجنحة رقم 10313 لسنة 1997 ، قُضِىَ فيها
بتغريمه مائتى جنيه والمصروفات ، وبتعويض مؤقت قدره 501 جنيه ، وتأيد الحكم
استئنافياً ، وإذ ثبت خطأ المدعى عليه الثالث ، مما ألحق بالمدعين ضرراً يستوجب
تعويضهم ، فقد أقاموا تلك الدعوى طالبين الحكم لهم بطلباتهم آنفة البيان . وبجلسة
31/7/1999 قضت محكمة الموضوع بإلزام المدعى عليهما الثالث والرابع بأن يؤديا
بالتضامم إلى المدعيين الأول والثانى مبلغ خمسة عشر ألف جنيه يقسم بالسوية بينهما
، ومبلغ ثلاثة آلاف جنيه لكل واحد من باقى المدعين تعويضاً أدبياً ، وبأن يؤديا
إلى المدعيين الأول والثانى مبلغ تسعة آلاف جنيه تعويضاً موروثاً يقسم بينهما حسب
الفريضة الشرعية على أن يخصم من المبلغ المقضى به مبلغ 501 جنيه قيمة التعويض
المؤقت . وإذ لم يرتض المدعون ، والمدعى عليهما الثالث والرابع هذا القضاء فقد
أقاموا الاستئنافات أرقام 13218 و12683 و13481 لسنة 116 قضائية على التوالى طعناً
عليه أمام محكمة استئناف القاهرة التى قررت ضمهم لنظرهم معاً وليصدر فيهم حكم واحد
، وأثناء نظرهم دفعت المدعى عليها الرابعة بأن قانون التأمين الإجبارى رقم 652
لسنة 1955 لا يغطى المسئولية المدنية عن الإصابات التى تحدث لركاب السيارة الخاصة
، فدفع المدعون بعدم دستورية هذا النص ، وإذ قدرت محكمة الاستئناف جدية دفعهم ،
وصرحت لهم بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقاموا الدعوى الماثلة .




وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة من وجهين ، أولهما : عدم
اتصالها بالمحكمة وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها ، ذلك أن الدعوى الماثلة
ما هى إلا طلب تفسير لنص المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 على نحو
يسمح بأن يُلحق بهذا النص ، البيان الوارد بالمادة السادسة من القانون رقم 449
لسنة 1955 على الرغم من إلغائه ، وصولاً إلى القضاء بعدم دستوريته ، الأمر الذى
يعنى أن طلب الفصل فى دستورية النص الطعين وطلب تفسيره مطروحان فى الدعوى الماثلة
، وإذ قُدِّم طلب التفسير عن غير الطريق التى حددته المادة 33 من قانون المحكمة
الدستورية العليا ، فإنه يكون غير مقبول . وثانيهما : أن المدعين ليس لهم مصلحة
شخصية فى إبطال النص الطعين ، ذلك أن المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955
بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات قد خلت من
بيان الحالات التى يلتزم فيها المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة
أو عن أية إصابة بدنية تنتج عن حوادث السيارات ، وأحالت فى ذلك إلى المادة السادسة
من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور ، وإذ أُلغى القانون
الأخير برمته اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 66 لسنة 1973 بإصدار
قانون المرور ، فإن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات الخاصة أضحت غير
محددة بنطاق معين ، وأصبح التزام المؤمن شاملاً تغطية المسئولية المدنية الناشئة
عن الوفاة أو الإصابة البدنية التى تلحق أى شخص متى نتجت عن حادثة سيارة خاصة داخل
جمهورية مصر العربية سواء كان من ركابها أو من الغير .




وحيث إن هذا الدفع مردود ، ذلك أن مناط استنهاض ولاية هذه المحكمة بالرقابة على
دستورية القوانين واللوائح ، هو ادعاء تعارض بين نص تشريعى وحكم فى الدستور ، وحتى
تستظهر هذه المحكمة قيام هذا التعارض أو انتفاءه ، فإن الأمر يقتضى منها تحديداً
لماهية النص المدعى مخالفته للدستور فإن كانت عبارة النص واضحة لا لبس فيها ، تصدت
لمراقبة دستوريته بحالته ، وإن كان النص قد لحق بعبارته ثمة غموض ، فإن المحكمة
تستعين على تحديد ماهيته بتفسيرها إياه ، حتى تتمكن من إعطاء النص مدلوله القانونى
الصحيح الذى يدفع به إلى نطاق الرقابة الدستورية عليه ، والمحكمة إذ تفسر النص فى
هذا الإطار ، فإنها تفسره فى إطار يغاير ويتمايز عن مباشرتها لاختصاصها بالتفسير
التشريعى الملزم المنصوص عليه فى المادة 26 من قانونها ، إذ كان ذلك وكان المقرر
أن هذه المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى ، هى التى تعطيها وصفها الحق ،
وتكييفها القانونى الصحيح ، وكان البين من الأوراق أن طلبات المدعين فيها تتمثل فى
الحكم بعدم دستورية ما تضمنه نص المادة 5 من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن
التأمين الإجبارى من قصر التأمين فى السيارة الخاصة على الغير دون الركاب ،
تأسيساً على مخالفة هذا النص لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور
، فإن دعواهم تغدو طعناً بعدم دستورية هذا النص ، ويصبح الدفع بعدم قبولها
قولاً بأنها فى حقيقتها طلباً لتفسير خليقاً بالرفض .




وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطاً لقبول
الدعوى الدستورية ، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى
الموضوعية ، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات
الموضوعية المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع . متى كان ذلك ، وكان النزاع
الموضوعى يتعلق بطلب المدعين تعويضهم عن الأضرار التى لحقت بمورثهم نتيجة حادث
تصادم السيارة الخاصة التى كان يستقلها مرافقاً لقائدها ، وقد دفعت المدعى عليها
الرابعة ( شركة التأمين ) الدعوى بأن المادة 5 من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن
التأمين الإجبارى لا تغطى المسئولية المدنية عن الإصابات التى تحدث لركاب السيارة
الخاصة ، فقد أصبح للمدعين مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن بعدم دستورية هذا النص
فيما تضمنه من قصر التأمين فى السيارة الخاصة على الغير دون الركاب ، باعتبار أنه
يمثل العقبة القانونية فى امتداد مظلة التأمين لتشمل ركاب السيارة الخاصة .




وحيث إن المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من
المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات تنص على أن ( يلتزم المؤمن بتغطية
المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو عن أية إصابة بدنية تلحق أى شخص من حوادث
السيارة إذا وقعت فى جمهورية مصر وذلك فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة 6 من
القانون رقم 449 لسنة 1955 ، ويكون التزام المؤمن بقيمة ما يحكم به قضائياً من
تعويض مهما بلغت قيمته ، ويؤدى المؤمن مبلغ التعويض إلى صاحب الحق فيه .




وتخضع دعوى المضرور قبل المؤمن للتقادم المنصوص عليه فى المادة 752 من القانون
المدنى ) .




وتنص المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور على أن
( إذا أثبت الفحص الفنى صلاحية السيارة فعلى الطالب أن يقدم وثيقة تأمين من حوادث
السيارة عن مدة الترخيص صادرة من إحدى هيئات التأمين التى تزاول عمليات التأمين
بمصر .




ويجب أن يغطى التأمين المسئولية المدنية عن الإصابات التى تقع للأشخاص وأن يكون
التأمين بقيمة غير محدودة .




ويكون التأمين فى السيارة الخاصة والموتوسيكل الخاص لصالح الغير دون الركاب ولباقى
أنواع السيارات يكون لصالح الغير والركاب دون عمالها
…… )
.




وحيث إن المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار إليه ، قضت بالتزام
المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن وفاة أى شخص أو إصابته فى بدنه متى
كان ذلك ناتجاً عن إحدى حوادث السيارات التى تقع داخل البلاد ، وذلك فى الأحوال
المنصوص عليها فى المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد
المرور . وقد أوردت المادة (6) من القانون الأخير الأحوال التى يغطى فيها التأمين
المسئولية المدنية عن حوادث السيارات ، وفرقت فى ذلك بين نوعين من السيارات ،
الأولى السيارات والموتوسيكلات الخاصة والتى أوجبت أن يكون التأمين فيها لصالح
الغير دون الركاب ، والثانية باقى أنواع السيارات ويكون التأمين فيها لصالح الغير
والركاب دون عمال السيارة .




ومؤدى ما تقدم أن قانون التأمين الإجبارى على السيارات رقم 652 لسنة 1955 حينما
أحال إلى البيان الوارد بنص المادة (6) فإنه قصد إلى إلحاق هذا البيان بأحكامه ،
منتزعاً إياه من إطاره التشريعى الخاص بالقانون رقم 449 لسنة 1955 ، جاعلاً منه
لبنة من بنيانه ، مندمجاً فيه خاضعاً لما تخضع له باقى أحكام القانون رقم 652 لسنة
1955 ، إذ كان ذلك وكان القانون رقم 66 لسنة 1973 لم يتعرض بالإلغاء أو التعديل
لنص المادة (5) من القانون رقم 652 لسنة 1955 ، فإن هذا النص بكامل أجزائه بما فى
ذلك البيان الذى أُلحق به من نص المادة (6) من القانون رقم 449 لسنة 1955 يكون
قائماً وسارياً ويقبل أن يَرد على حكمه الطعن بعدم الدستورية .




وحيث إن المدعين ينعون على نص المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 المشار
إليه بعد أن أصبح البيان المحدد الوارد بالمادة 6 من القانون رقم 449 لسنة 1955
جزءاً لا يتجزأ منه أنه إذ يقضى بعدم شمول مظلة التأمين ركاب السيارة الخاصة فإنه
يكون قد أحدث تمييزاً لا يستند إلى أسس موضوعية بين ركاب السيارة الخاصة وركاب
باقى أنواع السيارات ، بالمخالفة لحكم المادة 40 من الدستور .




وحيث إن هذا النعى سديد ، ذلك أن مبدأ المساواة أمام القانون وعلى ما جرى به قضاء
هذه المحكمة يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى
تنال منها أو تقيد ممارستها ، وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية
المتكافئة التى لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فى
الدستور ، بل ينسحب مجال إعمالها إلى الحقوق التى يقررها القانون العادى ويكون
مصدراً لها . ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز
القانونية التى تتماثل عناصرها . إذ كان ذلك ، وكان النص الطعين قد مايز بين فئتين
من ركاب السيارات ، إحداهما فئة ركاب السيارات الخاصة ، وأُخراهما فئة ركاب باقى
أنواع السيارات بأن اختص الفئة الأخيرة بمعاملة تأمينية متميزة تتمثل فى شمول مظلة
التأمين لركاب هذا النوع ، فى حين حجب عن الفئة الأولى هذه الميزة ، حال أن جميع
هؤلاء الركاب فى مركز قانونى متماثل ، فهم جميعاً ينطبق فى شأنهم وصف الركَّاب ،
كما أنهم ليسوا طرفاً فى عقد التأمين المبرم بين شركة التأمين ومالك السيارة ، وهم
يتحدون فى عدم مسئوليتهم عن وقوع الحادث ، كما يتحدون فى أن أضراراً لحقت بهم من
جرّائه ، وكان يلزم ضماناً للتكافؤ فى الحقوق بين هاتين الفئتين أن تنتظمهما قاعدة
موحدة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها . وإذ أقام النص الطعين
ذلك التمييز التحكمى بين هاتين الفئتين ، فإنه يكون مناقضاً للمساواة التى فرضتها
المادة 40 من الدستور .


فلهذه
الأسباب





حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن
التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات فيما تضمنته من
قصر آثار عقد التأمين فى شأن السيارات الخاصة على الغير دون الركاب ، وألزمت
الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .