محكمة القضاء الإدارى

برئاسة المستشار حمدى ياسين عكاشة،

الدعوي الرفوعه من

المتنصر ماهر المعتصم بالله الجوهرى
ضد

وزير الداخلية بصفته


الموضوع

إلزام وزارة الداخلية لمصلحة الأحوال المدنية بتغيير خانة الديانة من مسلم إلى مسيحى


المحكمة










أولاً:
إن حرية العقيدة ضمن المنظور الدستورى يتعين فهمها فى ضوء أمرين مهمين،
أولهما أن جمهورية مصر العربية ليست دولة مدنية تماماً، وإنما هى دولة
مدنية ديمقراطية، والإسلام فيها دين الدولة ومبادئ الشرعية الإسلامية
المصدر الرئيسى للتشريع وفقاً لحكم المادة "2" من الدستور، وثانيهما أن
مبدأ المواطنة المقرر بالمادة (1) من الدستور هو مبدأ حاكم للنسيج الوطنى
للعقائد والأديان السماوية بما يعنيه من العضوية الكاملة والمتساوية فى
المجتمع لجميع المواطنين الذين يعيشون فوق تراب الوطن فى الحقوق والواجبات
دون أدنى تمييز قائم على أى معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو
المستوى الاقتصادى أو الانتماء السياسى والموقف الفكرى، وبما يترتب على
التمتع بالمواطنة من سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على قيم أربع محورية
هى: قيم المساواة والحرية والمشاركة والمسئولية الاجتماعية، ومن ثم فإن
تغيير الديانة ضمن نطاق حرية العقيدة، ولأن كان لا يثير مشكلة فى الدول
ذات الطابع المدنى الكامل، فإن الأمر جد مغاير فى مصر لما يترتب عل تغيير
الديانة من آثار قانونية مهمة فى مسائل الأسرة كالزواج والطلاق والميراث
وهى آثار تختلف حسب الديانة أو الملة.



ثانياً:
أن الاتفاقيات الدولية المنظمة للحقوق والحريات ولأن كانت تعد جزءاً لا
يتجزأ من النظام القانونى المصرى لدى إبرامها والتصديق عليها ونشرها، إلا
أن نفاذها وأعمال كامل مقتضاها منط بمراعاة ما ورد بها من قيود وضوابط من
جهة، وبمدى وحدود الموافقة والتصديق عليها من الدولة من جهة ثانية،
وبمضمون ومدى تحفظها على ما تضمنته من أحكام من جهة ثالثة، ولذلك فإن
الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة
للأمم المتحدة فى 16/12/1966، والتى وقعت عليها جمهورية مصر العربية فى
4/8/1967 حين أتاحت المادة 18 منها لكل فرد الحق فى حرية الفكر والوجدان
والدين، وحريته فى الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره وحريته
فى إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم،
بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده، قد اعترفت فى البند 3 من
المادة ذاتها بعدم جواز إخضاع حرية الإنسان فى إظهار دينه أو معتقده، إلا
للقيود التى يفرضها القانون والتى تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو
النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم
الأساسية، كما أن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 536 لسنة 1981
بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها لم يطلق الموافقة بلا قيد أو شرط،
وإنما أكد فى المادة 1 منه على أن الموافقة على تلك الاتفاقية الدولية
يكون مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها
وذلك مع التحفظ بشرط التصديق.



ثالثاً:
أنه وفقاً للتصور الإسلامى لحرية العقيدة فى ضوء ما قررته المادة الثانية
من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فقد
كانت حرية الفكر هى الطريق إلى الحق، ومن ثم استبعد الإسلام صور القيود
المختلفة عن حرية الفكر، فكان قوله سبحانه وتعالى: "قل الحق من ربكم فمن
شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، الكهف 29، كما افترض وجود الحرية كجزء لا
يتجزأ من بنية المجتمع، ليس فحسب لأن الإيمان بالعقيدة لا يمكن أن يتم إلا
فى بيئة حرة، وبعد اقتناع كامل، ولكن أيضا لأن الإسلام يبنى الحياة
الإنسانية بصفة عامة على أساس أنها اختبار واختيار بين الخير والشر، وهذا
بدوره يفترض ويتطلب وجود قوى الشر والغواية، وحرية الإنسان فى الانسياق أو
المقاومة، لذلك فقد ذكر القرآن الكريم قوله تعالى لإبليس: "قال اذهب فمن
تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك
وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم
الشيطان إلا غروراً * إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً" صدق
الله العظيم. ومن جهة أخرى فإن كفالة حرية العقيدة فى الشريعة الإسلامية
قد سبقت الدساتير جميعها منذ أربعة عشر قرناً ونيف، فهذا قوله تعالى: "ولو
شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً" صدق الله العظيم. يونس 99، وقوله
تعالى لرسوله الكريم: "ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
ظالمون" صدق الله العظيم، آل عمران 128، وقوله تعالى: "وإن كان كبر عليك
إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقاً فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم
بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين" صدق الله
العظيم، الأنعام 35. كما قال تعالى: "إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى
من يضل وما لهم من ناصرين" صدق الله العظيم، النحل 37. وكذا قوله تعالى:
"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء" صدق الله العظيم، القصص
56. وأكدت الآيات الكريمة فى مجال حرية الاعتقاد أن الإيمان هداية
والاختلاف قضاء وأن جميعه من عند الله، لذلك فقد أمر الله تعالى نبيه بأن
"يعرض" عن المشركين والجاهلين لأنه لا إكراه فى الدين فمن آمن فلنفسه، ومن
ضل فعليها، وأن الله تعالى وحده هو الذى سيحكم بين الناس فيما كانوا فيه
يختلفون، كما وجه الله تعالى نبيه بقوله "لست عليهم بمسيطر" الغاشية 22،
وقوله تعالى: "وما أنت عليهم بوكيل" الأنعام 107، وقوله تعالى: "أفأنت
تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 99. وكذلك قوله تعالى: "لا إكراه فى
الدين قد تبين الرشد من الغى" البقرة 256. إلا أنه ومن وجهة أخرى فإن
القرآن الكريم لا يقبل أن يكون الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم من يريد
الدخول، ثم يخرج منه غدا من يريد على طريقة بعض اليهود الذين قالوا:
"آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون"
صدق الله العظيم، آل عمران 72.



رابعاً:
أن الوضع التشريعى الحاكم لأمر تغيير بيانات خانة الديانة، وفقاً لحكم
المادة الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 143 لسنة 1994 فى شأن
الأحوال المدنية ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 1121
لسنة 1995 المعدلة بقرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 جعل إجراء
التغيير أو التصحيح فى الجنسية أو الديانة أو المهنة أو فى قيود الأحوال
المدنية المتعلق بالزواج أو بطلانه أو التصادق أو الطلاق أو التطليق أو
التفريق الجسمانى أو إثبات النسب بناء على أحكام أو وثائق صادرة من جهة
الاختصاص دون حاجة إلى استصدار قرار من اللجنة المشار إليها.

وقد
ورد حق تغيير بيانات خانة الديانة مطلقاً دون تحديد من المشرع، إلا أن
المشروع استوجب مجموعة من الإجراءات والشروط والضوابط والمستندات التى
يتعين توافرها حتى تتخذ جهة الإدارة إجراءات إصدار قرار بتغيير الديانة
والاسم بشهادة الميلاد وبطاقة تحقيق الشخصية، وهى شروط لا تتعلق بإثبات
العقيدة والتى تظل مطلقة بين العبد وربه لا تحتاج لإثبات، ولكنها شروط
تتعلق بمقتضيات التنظيم القانونى لإثبات البيانات المحددة بالأوراق
الثبوتية للمواطن لترتيب الآثار القانونية للتعالم مع الغير فى العلاقات
المتعلقة بمسائل الأسرة كالزواج والطلاق والميراث وهى آثار تختلف حسب
الديانة أو الملة، وهذه الشروط هى:
1ـ تقديم طلب تغيير الديانة على النموذج المعد لذلك بمعرفة صاحب الشأن إلى قسم السجل المدنى المختص.

إرفاق المستندات المؤيدة لطلب تغيير الديانة والتى تحددت قانوناً بأحد
مستندين: إما حكم بتغيير الديانة من المحكمة المختصة، أو وثيقة تغيير
ديانة صادرة من جهة الاختصاص.



خامساً:
الواقع التشريعى لا يعرف تنظيماً لمحكمة مختصة بتغيير الديانة ولم ينظم
إجراءات لحصول هذا التغيير، ذلك أن المحاكم بدرجاتها المختلفة قد تحدد
اختصاصها على سبيل الحصر دون أن تتضمن اختصاصاً لمحكمة مختصة بإصدار حكم
أو أحكام بتغيير الديانة.



سادساً:
أن تغيير الديانة فى مجال حرية العقيدة وعلاقة العبد بربه لا تحتاج
لإثبات، ذلك أن الاعتقاد الدينى مسألة نفسية وهى من الأمور التى تبنى
الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان، والتى لا يسوغ لقاضى الدعوى
التطرق إلى بحث جديتها أو بواعثها ودواعيها، بينما تغيير الديانة وفقاً
لنظام الدولة وأوضاعها التشريعية وما يتصل بحقوق الغير والآثار المترتبة
على التغيير فى بيانات قيود الأحوال المدنية، فهو دوماً فى حاجة إلى
إثبات، إذ إنه عمل إرادى يحكمه النظام القانونى المقرر تشريعياً لتغيير
الديانة والذى يحدد الجهة المختصة المنوط بها إجراء هذا التعديل وإصدار
الشهادات أو الوثائق الرسمية، بما يمثله هذا التغيير من خروج من دين ودخول
فى غيره، وفى ضوء ما تسمح به قواعد النظام العام للمجتمع.



سابعاً:
أن واقع الطوائف والهيئات الدينية المعترف بها قد قصر طوائف الأرثوذكس على
أربعة طوائف، لكل طائفة منها بطريركاً يقوم على شئونها عُين بأداة قانونية
سليمة، ومن ثم تعددت الجهات الدينية بتعدد الطوائف والهيئات، وتشعبت
اختصاصات كل منها، وبالنسبة لطائفة الأقباط الأرثوذكس فى مصر بقيت الكنيسة
الأرثوذكسية دون سواها هى المعترف بها، حيث اعترفت لها الدولة بالشخصية
الاعتبارية كما ظلت رئاستها لبابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية
وفقاً للقانون رقم 20 لسنة 1971 بشأن الأحكام الخاصة بانتخاب بابا
الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، واعتبرت البطريرك
الذى يرأس المجلس العمومى لهذه الطائفة هو النائب والممثل القانونى لها
دون سواه، وإن الكنائس والقساوسة العاملين بتلك الكنائس يخضعون لتبعية
وإشراف البطريرك وأن علاقة الكاهن لدى الهيئة الكنسية للأقباط الأرثوذكس
هى علاقة عمل، إلا أن اختصاصها ليس اختصاصاً عاماً غير محدود وإنما يقتصر
على ما وسدته لها القوانين واللوائح ذات الصلة، بحسبان أن للكنيسة
ورئاستها وظائف واختصاصات دينية وسدت لهم بمقتضى التشريعات المصرية تتعلق
بمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين من أتباع هذه الطائفة، والثابت أن
بطريركية الكنيسة المرقسية تتعلق بمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين من
أتباع هذه الطائفة، والثابت أن بطريركية الكنيسة المرقسية، ولئن كان لها
إصدار شهادات تتعلق بالشئون الدينية للمنتمين لطائفة الأقباط الأرثوذكس
ومن يغير طائفته من إحداها إلى سواها، إلا أنها ليست جهة اختصاص فى اتخاذ
أى إجراء من أى نوع لتغيير ديانة المسلم إلى الديانة المسيحية، كما أنها
ليست جهة اختصاص فى إصدار أية شهادات بحصول هذا التغيير، حيث لم تقرر
القوانين أو اللوائح الكنسية أى اختصاص فى هذا الشأن، وعلى ذلك لا يكون
المشرع قد حدد جهة مختصة بإصدار وثيقة بتغيير الديانة من الإسلام إلى
المسيحية، إذ إنه ولئن كان للبطريركية سلطة الاعتراف الكنسى لمن يمارسون
الطقوس الدينية، إلا أنه لا سلطة لها فى تغيير الديانة بإخراج معتنق
لعقيدة ما من دينه وفق ديانة غير مسئولة عنها، ولو وفقاً لرغبته، وإدخاله
فى ديانة أخرى هى مسئولة عنها ما لم يوسد لها القانون هذا الاختصاص.


ثامناً:
أن الشهادة الأولى المقدمة من المدعى بحافظة مستندية بجلسة 4/4/2009 وهى
عبارة عن شهادة بعنوان (وثيقة بيانات المعمد) مقدمة من (الكنيسة المقدسة ـ
القدس يؤانيس ) التابعة للمطرانية المقدسة بمدينة (ليميسوس) بقبرص، تضمنت
بيانات المدعى واسم ولقب الأشبين (بامبوس خر الأمبوس)، وتاريخ العماد
(20/9/2005)، واسم الكاهن المعمد (أنطونيوس بابانيقوليس)، وهى شهادة محرر
باللغة اليونانية ومرفق بها ترجمة عرفية باللغة العربية، وهى فى مجملها
وعمومها، بعيداً عن ما قد يمثله العماد من أثر دينى فى علاقة المعمد بربه،
شهادة ساقطة وفاقدة لكل قيمة قانونية فى إحداث أثر تغيير الديانة فى مجال
التنظيم القانونى بالمفهوم السالف بيانه


للأسباب التالية:

السبب الأول: لكونها بحسب عنوانها وثيقة عماد، صادرة عن كنيسة فرعية لإحدى المطرانيات الأجنبية.

السبب
الثانى: لدلالة إجراء العماد خارج الوطن دون إجرائه بالكنيسة المصرية بما
قد يحمله من عدم موافقته الأخيرة على إتمام ذلك الإجراء بمعرفتها وهو ما
يلقى بالكثير من الظلال حول وسيلة إعداد هذه الورقة وأهدافها.

السبب
الثالث: لما تضمنته الوثيقة ذاتها من إقرار بأنها (وثيقة لا يعتد بها) حيث
ورد بالبند (1) منها ما نصه: (هذه الوثيقة لا يعتد بها كشهادة عماد حتى
تقدم إلى مكاتب المطرانية المقدسة بليميسوس خلال خمسة عشر يوماً لاستخراج
شهادة العماد الرسمية التى ستقيد بالسجلات)، وإذا صدرت الورقة بتاريخ
20/9/2005 ومضت الخمسة عشر يوماً المشار إليها بتاريخ 5/10/2005 ولم
يستخرج المدعى شهادة العماد الرسمية من مكاتب المطرانية المذكورة ولم تقيد
بسجلاتها ومن ثم تضحى تلك الشهادة والعدم سواء.

تاسعاً:
إن الشهادة المقدمة من المدعى ضمن حافظة مستنداته بتاريخ 11/4/2009، فهى
ورقة مؤرخة 8/4/2009 صادرة عن (مطرانية شبين القناطر وتوابعها للأقباط
الأرثوذكس) تضمنت طلباً من المدعى، بناء على شهادة العماد المنعدمة السالف
الإشارة إليها، بقبوله بطائفة الأقباط الأرثوذكس تحولاً من (طائفة الروم
الأرثوذكس)، وقد صدرت عن كاهن يدعى (القمص ميتاس نصر منقريوس) وتضمنت "أنه
تأكد من إيمان وصحة معتقد المذكور"، وهى شهادة كسابقتها ساقطة وعديمة
الأثر فى مجال تغيير الديانة للأسباب التالية:

السبب الأول: لأن
الكاهن المشار إليه لا يختص بتغيير ديانة أى شخص على أى نحو، ولأنه لا
يمثل البطريرك الذى تتبعه جميع الكنائس والقساوسة العاملين بها وإنما يخضع
لإشرافه واعتماده فيما يناط به من اختصاصات قررتها القوانين واللوائح
والأوامر العليا.

السبب الثانى: لأن الشهادة لا تتعلق بتغيير ديانة
وإنما تتعلق ـ إن كان لها ثمة قيمة قانونية ـ بتغير الطائفة، حيث البون
شاسع بين هذا وذاك، فالديانة تعنى الرسالة الموحى بها من السماء عن طريق
الأنبياء والرسل، بينما الطائفة فهى وحدة اجتماعية داخل الدين والملة
الواحدة، وبالتالى لا يعتبر التغيير فى الطائفة تغييراً فى الديانة، ويعد
التغيير فى الطائفة وارداً على غير محل طالما لم يثبت تغيير الديانة
ابتداءً وفقاً لما تقرره القوانين.

السبب الثالث: لأنه من المقرر
أن تغيير الطائفة مثله كتغير الملة لم يتم ولا ينتج أثره بمجرد إبداء
الطلب أو الرغبة فيه لأى من الكهان، وإنما يتعين أن يتم ذلك بالدخول فى
الطائفة أو الملة الجديدة بموجب عمل إرادى من جانب الجهة الدينية المختصة
التى يرغب الشخص الدخول فى طائفتها أو ملتها، ويكون قبول الانضمام إليه
صادراً من رئاستها الدينية المعتمدة (البطريرك) وهو ما لم يتم على هذا
النحو.

السبب الرابع: لأن الشهادة صدرت من الكاهن اعتماداً على
شهادة عماد ليست هى شهادة العماد الرسمية، وفقاً لما هو منصوص بها من أنه
(لا يعتد بها كشهادة عماد ما لم تقدم إلى مكاتب المطرانية المقدسة
بليميسوس خلال خمسة عشر يوماً لاستخراج شهادة العماد الرسمية التى ستقيد
بالسجلات)، وهو ما لم يتقدم به المدعى لا إلى هذه المحكمة ولا إلى الكاهن
المذكور.

السبب الخامس: لأن الشهادة لم يوقعها سوى الكاهن المذكور
وجاء مكان توقيع كل من صاحب النيافة الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر
خالياً من التوقيع، كما جاء مكان توقيع القمص أومانيوس جمال وكيل مطرانية
شبين القناطر وتوابعها خالياً كذلك من التوقيع، فضلاً عن عدم اعتمادها على
ما تقدم من الرئاسة الدينية المعتمدة.
السبب السادس: لأن هذه الشهادة
لم تقدم إلى السجل المدنى المختص قبل رفع الدعوى الأولى التى أقيمت فى
4/8/2008 أو قبل رفع الدعوى الثانية التى أقيمت فى 21/2/2009، وإنما قدمت
لأول مرة أمام هذه المحكمة بتاريخ 11/4/2009، ومن ثم لا تصلح تلك الشهادة
سنداً لإثبات تغيير الديانة على النحو المتطلب قانوناً.



وقد انتهت المحكمة فى ضوء ما تقدم إلى أنه:
((
ومتى كانت الشهادتان المشار إليهما قد وردتا فاقدتين لكل قيمة قانونية بما
لا يجعل لأى منهما ثمة أثر أو قيمة فى إثبات تغيير الديانة وفقاً للتنظيم
القانونى القائم، فإنه وترتيباً على ما تقدم ، يكون قرار الجهة الإدارية
برفق الاعتداد بتغيير ديانة المدعى من الإسلام إلى المسيحية، قد صدر
صحيحاً قائماً على سنده من أحكام القانون، لتخلف الشروط الشكلية
والإجرائية والضوابط الموضوعية التى استلزمها القانون لإثبات تغيير
الديانة، وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (47) من قانون الأحوال
المدنية المشار إليه، والبندين أولاً 1 وثانياً 1 وثالثاً 3 وثانياً 6 من
المادة (30) من اللائحة التنفيذية للقانون ذاته. ومن ثم يكون طلب المدعى
الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من رفض اتخاذ إجراءات تغيير
خانة الديانة بشهادة الميلاد والرقم القومى للمدعى من مسلم الديانة إلى
مسيحى الديانة فاقداً سنده وأساسه من صحيح حكم القانون خليقاً بالرفض".



عاشراً:
وعن طلب تعويض المدعى بمبلغ عشرة ملايين جنيه عما يدعيه من أضرار مادية
وأدبية فقد رأت المحكمة: ((أن الثابت من الوراق أن الطعن على قرار الجبهة
الإدارية يرفض اتخاذ إجراءات تغيير خانة الديانة بشهادة الميلاد والرقم
القومى للمدعى من مسلم الديانة إلى مسيحى الديانة وخانة الاسم من ماهر
أحمد المعتصم بالله إلى بيتر إثناسيوس قد انتهى إلى سلامة ومشروعية القرار
المطعون فيه والقضاء يرفض المدعوين، ومن ثم لا وجه لنسبة أى خطأ إلى
الإدارة يمكن أن يترتب عليه ثمة ضرر، وبالتالى تنهار المسئولية الموجبة
للتعويض، دون حاجة لبحث ركنى الضرر وعلاقة السببية الأمر الذى يضحى معه
طلب التعويض غير قائم على سند من صحيح حكم القانون خليقاً بالرفض)).


حادى
عشر: إن المحكمة قد أكدت، وهى تعلى قيمتى الحق والقانون، على أن حرية
العقيدة لها قدرها من السمو والرفعة بما لا يجوز معه أن تكون محلاً
للتلاعب، أو سعياً لتحقيق مآرب دنيا، أو إذكاء لصراع بين الحضارات، أو
انتصاراً لديانة على أخرى، أو ضرباً للجذور الراسخة للوحدة الوطنية
للبلاد، أو اتجاهاً لإحداث ما سمى "الفوضى الخلاقة" بإحداث فوضى طائفية
هدامة، فوحدة عنصرى الأمة المصرية، فرضتها الأديان السماوية وقدستها
العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية، وتمثلت فى هذا الوطن المصرى
البديع الذى اتسع تاريخياً وإنسانياً ليحتضن على أرضه وفى أعماقه دينين
تجاورا لقرون عديدة، وأسهما معاً فى صياغة هويته الحضارية الفردية وفى
إثراء تراثه الإنسانى العريق، هذا الوطن هو موضوع السعادة المشتركة لكل
أبنائه، ينميه ويستمتع بفصائله كل من شارك مخلصاً فى رفعته وكل من أسهم
مبدعاً بفكرة وعرقه ونضاله فى تقدمه، وطعن صيغت ملامحه السياسية والثقافية
والحضارية فى العصر الحديث، على أيدى كوكبة من البنائين العظام صانعى جسور
التواصل الإنسانى الخلاق بين العقيدة والوطن، وبين العقل والوجدان، وبين
المحلى والعالمى، وبين ما هو مطلق ومقدس، وبين أن يفقدوا بوصلة الانتماء
الصحيح إلى الوجدان المشترك لهذا الوطن العظيم، فى سماحة ترفض الإقصاء
وتنبذ الفرقة، وتحترم النوع وتدين التعصب المقيت.



ثانى
عشر: إن المحكمة قد تكشف لها وجود قصور تشريعى، يقصر عن تحقيق الحماية
الفعالة لحرية العقيدة، ومواجهة التلاعب بالأديان، لذلك فقد أهابت بالمشرع
أن ينهض إلى تحمل التزاماته التشريعية فى ضوء أن تغيير الدين قد تصاحبه
الكثير من الضغوط والإغراءات الداخلية والخارجية، كما قد تصاحبه ظروف
نفسية واجتماعية يمر بها طالب التغيير، كما قد ينطوى على التلاعب
بالأديان، لذلك فقد أهابت بالمشرع أن ينهض إلى تحمل التزاماته التشريعية
فى ضوء أن تغيير الدين قد تصاحبه الكثير من الضغوط والإغراءات الداخلية
والخارجية، كما قد تصاحبه ظروف نفسية واجتماعية يمر بها طالب التغيير، كما
قد ينطوى على التلاعب بالأديان تحقيق أغراض دنيوية دنيا، فاختلاف العقائد
حقيقة إنسانية، فضلاً عن كونها مشيئة إلهية، فإن من يعمل على تصادمها
كأديان أو ملل فالأديان لا يجوز أن تكون ألعوبة للعابثين، كما أن القضاء
لا يجوز أن يكون ساحة للمعتصمين، وحلبة لمشيعى الفتن ما ظهر منهم وما بطن،
مما يستوجب أن يكون محط اهتمام المشرع، فالحاجة ماسة إلى تشريع يحمى
الأديان من الازدراء أو السخرية ليكون أساساً لحرية العقيدة وحرية
الانتقال من دين إلى دين بمراعاة عدم التعارض مع مقتضيات النظام العام،
ويبين الجهة القانونية التى يتم فيها إشهار الدين الجديد وشروط هذا
الانتقال من ناحية السن والحالة العقلية واتحاد الأبوين فى الدين أو
اختلافهما، وما إذا كانت هناك ضغوط تمثل الإكراه أو إغراءات تمثل الزيف،
على أن تقرر عقوبة تحول دون هذا العبث، وأن تشدد العقوبة على من كان يسعى
إلى الاستقواء بالأجنبى أو الحصول على منفعة من مال أو عمل أو زواج أو
طلاق أو موارث عن طريق الاتجار أو التلاعب بالأديان، وأن تراعى ظروف من
إصابتهم الحيرة من اختلاف الأبوين فى الدين أن تكون العقوبة فى كل حالة من
الأحوال المتقدمة منفصلة عن الحق فى تغيير الدين، وألا تقع بسبب عودته
لدينه الأول، بل على دخوله عابثاً مستهتراً فى دين غير مؤمن به، وذلك
درءاً لفتنة لا تفتأ أن تطل برأسها علينا من حين إلى حين.




فبناء عليه


أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعويين، وباختصاصها.

ثانياً:
بقبول تدخل كل من الأساتذة سعيد فايز وسمير خلف وهويدا العمرة وأشرف
إدوارد كيرلس خصوماً متدخلين انضمامياً للمدعى، وقبول تدخل كل من الأساتذة
عبد المجيد العنانى وأحمد ضياء الدين مصطفى وحامد صديق سيد مكى ومنصور
غيضان عبدالغفار ومحمود محمد شعبان وحسن محمد حسن وسعيد محمد عبد الله
سليمان وعبد الله عبد العليم عطية عبد الله الجندى والمشير أحمد على مكى
خصماً متدخلين انضمامياً إلى الجهة الإدارية.

ثالثاً: بعدم قبول
الدعوى بالنسبة لكل من رئيس جمهورية مصر العربية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس
المجلس القومى لحقوق الإنسان لرفعها على غير ذى صفة.

رابعاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعويين لرفعهما من غير ذى صفة أو مصلحة.

خامساً:
برفض الدفع بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل فى الدعوى الدستورية المتعلقة
بمدى دستورية الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 143 لسنة 1994
بشأن الأحوال المدنية.

سادساً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى، وبقبولها.

سابعاً:
بالنسبة لطلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار الجهة الإدارية برفض اتخاذ إجراءات
تغيير خانة الديانة بشهادة الميلاد والرقم القومى للمدعى من مسلم الديانة
إلى مسيحى الديانة وخانة الاسم من ماهر أحمد المعتصم بالله إلى بيتر
أثناسيوس بقبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعاً وألزمت المدعى مصروفات هذا
الطلب.

ثامناً: بالنسبة لطلب التعويض، بقبوله شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت المدعى مصروفاته.