قال الله تعالى : ] ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء [
(سورة البقرة : 235 ).






عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا،
ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، وتسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ
ما في إنائها
) متفق عليه
.





الخطبة لغة :


قال ابن
منظور في لسان العرب :



والخِطْبُ: الذي يَخْطُب المرأَةَ.
وهي خِطْبُه التي يَخْطُبُها،
والجمع أَخطابٌ؛ وكذلك خِطْبَتُه وخُطْبَتُه، الضمّ عن كُراع، ..... والخِطْبُ: المرأَةُ الـمَخطوبة، كما يقال ذِبْح
للمذبوحِ. وقد خَطَبها خَطْباً،
كما يقال: ذَبَحَ ذَبْحاً. الفرَّاءُ في قوله تعالى: من خِطْبة
النساءِ؛ الخِطْبة مصدر بمنزلة الخَطْبِ، وهو بمنزلة قولك: إِنه لحَسَن القِعْدة
والجِلْسةِ. ......
.


وقوله في الحديث:
نَهَى أَن يَخْطُبَ الرجلُ على خِطْبةِ أَخيهِ. قال: هو أَن يخْطُب
الرجلُ المرأَةَ فَترْكَنَ إِليه ويَتَّفِقا على صَداقٍ



معلومٍ، ويَترَاضَيا،
ولم يَبْقَ إِلاّ العَقْد؛ فأَما إِذا لم يتَّفِقَا ويَترَاضَيا، ولم يَرْكَنْ
أَحَدُهما إِلى الآخر، فلا يُمنَع من خِطْبَتِها؛
وهو خارج عن النَّهْي. وفي الحديث: إِنَّه لحَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ
أَنْ يُخَطَّبَ أَي يجابَ إِلى خِطْبَتِه . اهـ
.





الخطبة شرعاً وعرفاً : تقدم أهل العريس لأهل العروس والموافقة


وفي الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي :


الخطبة بكسر الخاء هي : إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة وإعلام المرأة
وليها
بذلك
وقد يتم الإعلان مباشرة من الخاطب أو بواسطة أهله.






فالخطبة مقدمة للزواج،
وتمهيد لحصوله، فكتب اللغة جميعًا تفرق بين كلمتي الخطبة والزواج.



والعرف يُميِّز جيدًا بين رجل خاطب، ورجل
متزوج.



والشريعة فرَّقت بين الأمرين تفريقًا
واضحًا، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة، أما الزواج
فعقد وثيق، وميثاق غليظ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره.



إذن الخطبة هي وعد بالزواج وليست عقد زواج، والفقهاء
قرروا أن عقد الزواج لا يتم بقبض أي شيءٍ على حساب المهر أو بقبول الهدية أو ما
يسميه الناس اليوم ( قراءة الفاتحة ) فكل ذلك لا
يعتبر عقداً للزواج ولذلك فلكل من الخاطب
والمخطوبة العدول عن الخطبة ، ولكن هذا الرجوع يكره إن لم يكن لغرض صحيح شرعي كما
لو تبين للمخطوبة أو وليها في الخاطب ما يدعو إلى رد خطبته، أو رأى الخاطب في
مخطوبته ما يدعو إلى الرجوع عن خطبته، على أن يكون ذلك الرجوع من الطرفين لسبب
سائغ شرعاً.



وبناءً على ذلك
فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الاختلاط دون وجود
محرم.



وما يفعله كثير من
الناس اليوم مخالف للشرع ، بالسماح لهما بالخروج معاً إلى الأماكن العامة والجلوس
على انفراد والذهاب والإياب معاً، فكل ذلك حرام شرعاً، لأن الخاطب ما زال يعتبر
أجنبياً عن المخطوبة ، ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشارع الحكيم ألا وهو
النظر.



عن جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله
عليه وسلم قال : ( إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن
ينظر منها ما يدعو إلى نكاحها فليفعل
) رواه أحمد وأبو داود والحاكم
وصححه.






ويجوز النظر إلى
الوجه والكفين فقط على الراجح من أقوال أهل العلم والوجه والكفان يدلان على ما
سواهما من أعضاء الجسم.






ويستحب إخفاء الخٍطبة،
لأن الخاطب قد يرجع عن خطبته للمرأة فلا يزهد فيها الخطاب فلا يكون هناك إساءة إلى
هذه المخطوبة.



قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (أظهروا النكاح، وأخفوا الخطبة) [
رواه الديلمي
في
مسند الفردوس عن أم سلمة رضي الله عنها، وصححه السيوطي في الجامع الصغير].






وفترة الخطبة فترة
حساسة، فإذا غاب الجانب الشرعي، ولم يراعَ من كلا الطرفين، أصبحت الخطورة ماثلة
أمام الجميع، ومن الناس مَنْ يترخَّصون في علاقاتهم في هذه الفترة، ومن ذلك:
- دخول الخاطب بيت خطيبته، كأنه فرد من أفراده بمجرد الخطبة.
- جلوس الخاطب مع خطيبته، منفردًا بها، في بيتها أو غيره.
- خروجها معه للتنزه، أو الذهاب إلى بيته.
- تبادل الرسائل الغرامية والصور.
فكل هذا مرفوض ولا يليق بالمسلم ولا المسلمة، وعلى الخاطب أن يتعامل مع خطيبته،
وأهلها بصورة يرضاها اللَّه ورسوله صلى الله عليه، ومن ذلك:
- أن يزورها في بيت أهلها في وجود محرم وهي ملتزمة بزيِّها الشرعي.
- أن يهديها بعض الهدايا.
- أن يسأل عنها، ويزور أهلها ويصلهم.
- أن يقبل دعوة أهلها إلى الطعام.






ـ التعويض
في الرجوع عن الخطبة:
لم يذكر فقهاؤنا أن على الراجع عن الخطبة تعويض الطرف الآخر عن أي ضرر
لحقه بسبب هذا الرجوع، ومعنى ذلك أنهم لا يرون ترتيب أي تعويض على الراجع عن
الخطبة.



ـ هل يجب التعويض على
الراجع عن الخطبة إذا تضرر الطرف الآخر من الرجوع؟






الجواب:
أولاً:
لا يصلح الرجوع عن الخطبة بذاته سبباً للتعويض، لأن الراجع عن الخطبة
استعمل حقه في الرجوع، وإن استعمل حقه، فلا شيء عليه، لأن الجواز الشرعي ينافي
الضمان.
ثانياً: إذا اقترن برجوع الراجع عن الخطبة؛ أو
سبق هذا الرجوع قول أو فعل صادر عنه يترتب عليه عقاب شرعي؛ كما لو رمى الرجل
الخاطب مخطوبته بالزنا لتبرير رجوعه عن الخطبة، ففي هذه الحالة تحق عليه المسؤولية
الجنائية، ويجب عليه حد القذف إذا لم يستطع إثبات ما قذف به المخطوبة.
ثالثاً: الإدعاء بالضرر الأدبي الذي يسببه الرجوع
عن الخطبة وبالضرر المعنوي المتمثل بألم الطرف الآخر من هذا الرجوع ؛ لا تعويض
عنه.
رابعاً: ادعاء الضرر المادي بسبب الرجوع عن
الخطبة، كما لو قام الخاطب باستئجار دار هو غير محتاج إليها لولا عزمه الزواج، أو
أن ينتقل من بلده الذي يعيش فيه ووظيفته فيه ليسكن في بلد مخطوبته بعد الخطبة، أو
أن المخطوبة استقالت من وظيفتها لتلحق بالخاطب في بلده بعد إتمام الخطبة، فإن
التعويض عن الرجوع في الخطبة يكون كالآتي:
أ‌- الحالة الأولى: إذا كان المضرور هو الراجع
عن الخطبة وضرره بسبب رجوعه، فهو الذي يتحمل الضرر، حتى ولو كان رجوعه بسبب مقبول،
لأنه هو الذي غر نفسه، واستعجل في خطبتها قبل القدر الكافي من البحث والتحري.



وكذلك الحال بالنسبة
للمخطوبة إذا رجعت عن الخطبة هي أو وليها لأنهما المقصران في البحث والتحري عن
الخاطب.
ب‌- الحالة الثانية: إذا كان المضرور هو الطرف
الآخر: في هذه الحالة لا يتحمل الراجع أيضاً أي تعويض للطرف الآخر لأن الراجع قد
استعمل أمراً جائزاً له وهو حق الرجوع عن الخطبة والجواز الشرعي ينافي الضمان.






أما
بالنسبة للمهر والهدايا :



فإذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة أو كلاهما فالأضرار
فيها بالتفصيل الآتي:



أما بالنسبة لما قدمه الخاطب من مهر أو
هدايا، فلا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب رد ما قدمه
من مهر
قليلاً كان أو كثيراً، لأن المهر وجب بالعقد، فهو حكم من أحكامه
وأثر من آثاره، وما دام الزواج لم يوجد فلا حق لها في أخذ المهر، بل هو حق خالص
للزوج، فإن كان قائماً أخذه بعينه، وإن هلك أو استهلك أخذ مثله إن مثلياً أو قيمته
إن كان قيمياً.



وأما ما
قدمه من هدايا
، فالفقهاء متفقون في الجملة على ردها وإن اختلفوا في التفصيل:





الحنفية :


الحنفية - قالوا: يصح للواهب أنة يرجع في هبته بعد أن يقبضها
الموهوب له، ومن باب أولى له الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وإن كان
الرجوع في الهبة مكروهاً تحريماً على الراجح أو تنزيهاً
. الفقه على المذاهب
الأربعة للجزيري.



قال في اللباب في شرح الكتاب :


وإذا وهب هبة لأجنبي) وقبضها الموهوب له (فله) أي للواهب (الرجوع
فيها) لأن المقصود بها التعويض للعادة، فيثبت ولاية الفسخ عند فواته، إذ العقد يقبله.
هداية، ثم قال: وقوله "فله الرجوع" لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة؛ لقوله
عليه الصلاة والسلام: "العائد في هبته كالعائد في قيئه". اهـ



وجَاءَ
فِي الِاخْتِيَارِ لتعليل
المختار :


يُكْرَهُ
الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
الْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (
الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ
يَعُودُ فِي قَيْئِهِ
) . شَبَّهَهُ بِهِ لِخَسَاسَةِ الْفِعْلِ وَدَنَاءَةِ
الْفَاعِلِ .



واستدلوا بحديث ابن عمررضي الله
عنهما :( من وهب هبة فهو أحق بها، ما لم يثب منها
) رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن،وصححه السيوطي.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ( الواهب أحق بهبته، ما لم يثب منها ). رواه البيهقي في السنن
وضعفه السيوطي.



وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
من وهب
هبة لصلة رحم أو
على جهة صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد الثواب بها فهو على
هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها.رواه مالك.



جاء في المحلى لابن حزم: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : الرجل
أحق بهبته ما لم يثب منها.



وورد في المحلى أيضاً :


عَنْ عَدِيِّ بْنِ
عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ وَهَبَ
هِبَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا مَا يَرْضَى , فَإِنْ نَمَتْ
عِنْدَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ فَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَهَا إِلاَّ هِيَ بِعَيْنِهَا
لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ شَيْءٌ.



وما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في أنه أول من ردّ الهبة.


قال في : تبيين الحقائق
شرح كنز الدقائق
، كتاب الهبة
، باب الرجوع في الهبة :



بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ) قَالَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ( صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ لِشَخْصٍ
هِبَةً
وَقَبَضَهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ
وَمَوْتِ أَحَدهمَا وَعِوَضٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْمِلْكِ وَزَوْجِيَّةٍ
وَقَرَابَةٍ مُحَرِّمَةٍ لِلنِّكَاحِ وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ.اهـ



وقال السرخسي في
المبسوط :



إذا وهب لأجنبي شيئاً فله أن يرجع في
الهبة عندنا ما لم يعوض منها في الحكم وإن كان لا يستحب له ذلك بطريق الديانة ....
.


وحجتنا في ذلك حديث علي - رضي الله عنه
- موقوفاً عليه ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها) والمراد حق الرجوع بعد
التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبل التسليم، وإضافتها إلى الواهب على معنى أنها كانت
له كالرجل يقول أكلنا خبز فلان الخباز وإن كان قد اشتراه منه ولأنه مد هذا الحق إلى
وصول العوض إليه وذلك في حق الرجوع بعد التسليم وفي قوله تعالى:
] فحيوا بأحسن
منها أوردوها
[ (النساء: 86) ما يدل على ذلك وقد بينا
أن المراد بالتحية العطية قال القائل تحيتهم بيض الولائد بينهم
.


يريد عطاياهم وفي حديث أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام : (من وهب هبة ثم
أراد أن يرجع فيها فليوقف وليعرف قبح فعله
).



وفي رواية (حسن
فعله فإن أبى يرد عليه
)
.


والمراد حسن فعله في الهبة وقبح فعله
في الرجوع
.


وعن فضالة بن عبيد أن رجلين اختصما إليه
فقال أحدهما أني وهبت لهذا بازياً ليثيبني ولم يثبني فأنا أرجع فيه فقال فضالة لا يرجع
في الهبة إلاّ النساء والشرار من الناس اردد
.


وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: الواهبون
ثلاثة رجل وهب على وجه الصدقة فليس له أن يرجع فيها ورجل استوهب فوهب فله أن يرجع فيها
ما لم يعوض، ورجل وهب بشرط العوض فهي دين له في حياته وبعد موته
.


والمعنى فيه أنه يمكن الخلل في المقصود
بالعقد فيتمكن العاقد من الفسخ كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيباً
.


وبيان ذلك أن المقصود من الهبة للأجانب
العوض والمكافأة والمرجع في ذلك إلى العرف والعادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من
فوقه ليصونه بجاهه وإلى من دونه ليخدمه وإلى من يساويه ليعوضه وإليه أشار رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - في قوله لوفد ثقيف لما أتوه بشيء أصدقة أم هبة فالصدقة يبتغي
بها وجه الله تعالى والهبة يبتغي فيها وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقضاء الحاجة
ومنه يقال للأيادي قروض وقال القائل:
:


وإذا جوزيت قرضاً فأجزه


إنما يجزى الفتى ليس الحمل


وبهذا
يتبين أن حق الرجوع ليس بمقتضى العقد عندنا بل لتمكن الخلل في المقصود بالعقد على معنى
أن المعروف كالمشروط ولا يقال إنما يقصد العوض بالتجارات، فأما المقصود بالهبة إظهار
الجود والسخاء والتودد والتحبب وقد حصل ذلك وهذا لأن العوض في التجارات مشروط وفي التبرعات
مقصود
.اهـ





وذهبت الهادوية وأبو حنيفة إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة
إلا الهبة لذي رحم، قالوا والحديث : لا يَحِلّ لِلرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً ثُمّ
يَرْجِعُ فِيهَا ؛ المراد به التغليظ في الكراهة ، والتحذير من الرجوع لا نفي الجواز
عنه، كما في قولك لا يحل للواجد رد السائل.



وأجاب الطحاوي عن هذا الحديث فقال: ( قوله "كالعائد
في قيئه
" وإن اقتضى
التحريم، لكن الزيادة
في الرواية الأخرى وهي قوله :" كالكلب
" تدل على عدم التحريم، لأن
الكلب غير متعبد،
فالقيء ليس حراماً، والمراد التنزه عن فعل يشبه فعل الكلب ).



الشافعية - قالوا: متى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء
الموهوب فإن الهبة تلزم ولا يصح الرجوع فيها
إلا الأب وإن علا
.اهـ الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري.


واستدلوا على مذهبهم
:



ما رواه البخاري في صحيحه في باب : لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( العائد في هبته
كالعائد في قيئه
)، وعنه أيضاً : ( ليس لنا مثل السوء الذي يعود
في هبته
كالكلب
يرجع في قيئه
).


وقال ابن حجر رحمه الله: ولا فرق في الحكم بين
الهدية
والهبة.


وعن ابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ يَرْفَعَانِ
الحديثَ قال: "لا يَحِلّ لِلرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً
ثُمّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الّذِي يُعْطِي
الْعَطِيّةَ ثُمّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكلْبِ أَكَلَ حتى إذا شَبِع قَاءَ ثُمّ
عَاد في قَيْئِهِ
" .رواه الترمذي



قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال الشافعيّ: لا يَحِلّ
لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِلاّ الْوَالِدُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ
فيما أَعْطَى وَلَدَهُ، واحتجّ بهذا الحديث
.


وبه قال مالك والأوزاعي لأن الهبة عقد لازم. الفقه على المذاهب
الأربعة للجزيري.



والعقود أمرنا الله بالوفاء بها، وعمل
مبارك، جدير بنا أن لا نبطله بالرجوع عنه.


والحديث (لا
يحل لرجل
الخ) هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة، والقول بأنه مجاز عن الكراهة
الشديدة صرف له عن ظاهره
.


وقال الصنعاني في سبل السلام :


قال الطحاوي: قوله "كالعائد في قيئه"
وإن اقتضى التحريم لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله "كالكلب" يدل
على عدم التحريم، لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراماً عليه، والمراد التنزه عن فعل
يشبه فعل الكلب. وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له، وعرف الشرع في مثل
هذه العبارة الزجر الشديد كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب، ونقر الغراب، والتفات
الثعلب ونحوه، ولا يفهم من المقام إلا التحريم، والتأويل البعيد لا يلتفت إليه.
اهـ


قال ابن حزم في المحلى :


فالحجة لقولنا هو قوله تعالى
:



] يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
[(المائدة:1)، ويقول تبارك وتعالى : ] ... وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ
[ (سورة محمد: 33 )، فهذا موضع الاحتجاج بهاتين الآيتين .


وأما ما تعلقوا به عن
الصحابة رضوان الله عليهم فكله لا حجة لهم فيهن إذ لا حجة في أحد دون
الرسول عليه الصلاة والسلام.


وبعد أن يعرض ابن حزم الأخبار التي استدل
بها المجوزون للرجوع
بالهدية يقول:


فعادت الأخبار كلها خلافاً لهم، فإن كانت إجماعاً فقد خالفوا الإجماع، وإن كانت حجة حق لا يجوز خلافها فقد خالفوا حجة الحق التي لا يجوز
خلافها،
وان لم تكن حجة ولا إجماعاً فالإيهام بها، إيرادها لا يجوز.اهـ





والمالكية


المالكية - قالوا: ليس للواهب حق في الرجوع لأن الهبة عقد لازم. الفقه على المذاهب
الأربعة للجزيري.






وقال
في التاج
والإكليل لمختصر خليل
، كتاب الهبة
، باب في أركان الهبة وحكمها :



مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَقَبَضَهَا
الْمَوْهُوبُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ قَبْضُهُ إذْ يُقْضَى
بِذَلِكَ عَلَى الْوَاهِبِ إنْ مَنَعَهُ إيَّاهَا.اهـ.






وقال
في الفواكه
الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
، أحكام الهبة :



فُهِمَ
مِنْ قَوْلِهِ : وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ إلَخْ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ تَصِحُّ
وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا ، وَيَقْضِي
عَلَى الْفَاعِلِ بِدَفْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهَا ،
وَلِلْمُعْطَى لَهُ أَنْ يَحُوزَهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْمُعْطِي
بِالْكَسْرِ وَإِنَّمَا لَزِمَتْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ
وَقَعَتْ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ : { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ
كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ
} حَيْثُ شَبَّهَ الرَّاجِعَ فِيهَا
بِالْكَلْبِ وَالْمَرْجُوعَ فِيهِ بِالْقَيْءِ ، وَذَلِكَ غَايَةُ التَّنْفِيرِ
الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ . اهـ



الحنابلة - قالوا: للواهب الرجوع في هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا
يتم إلا بالقبض
، أما بعد القبض فإن الهبة تتم للموهوب
له، فلا حق للواهب في الرجوع.
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري.


قال ابن قدامة في المغني :


والواهب بالخيار قبل القبض‏,‏
إن شاء أقبضها وأمضاها وإن شاء رجع فيها
ومنعها ولا يصح قبضها إلا بإذنه فإن قبضها الموهوب له بغير إذنه لم تتم الهبة‏,‏ ........ ولو أذن
الواهب في القبض‏,‏ ثم رجع عن الإذن أو رجع في الهبة
صح رجوعه لأن ذلك ليس بقبض وإن رجع بعد القبض‏,‏ لم ينفع رجوعه لأن الهبة تمت‏.‏


قال الشوكاني في نيل الأوطار :


وقال أحمد: لا يحل للواهب أن يرجع في
هبته مطلقا
ً . اهـ


وخلاصة
القول :



أن الجمهور ( المالكية
والشافعية والحنابلة والأوزاعي
) قالوا :
ليس للواهب حق في الرجوع، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ : { الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ
يَعُودُ فِي قَيْئِهِ
}.



وقال الأحناف : للواهب أن يرجع في هبته لأنه أحق بها، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( من وهب هبة فهو أحق بها، ما
لم يثب منها
) رواه الحاكم
في المستدرك والبيهقي في السنن،وصححه السيوطي.



أقول : إن كان هناك عرف
أو شرط بالرد وعدمه يعمل به، وان لم يكن شرط ولا عرف فالرأي الأوفق والعدل يقضي
بأن المتسبب في منع الزواج هو الذي يتحمل نتيجة عمله.



فإن كان العدول من
الخاطب فلا يجوز له الرجوع في شيء من هداياه، لأنه آلمها بعدوله عن خطبتها، فلا
يجمع عليها مع هذا الإيلام إيلاماً آخر.



وإن كان العدول منها
وجب عليها رد ما أخذته بعينه إن كان قائماً أو مثله أو قيمته إن كان هالكاً، لأنه
لا وجه لها في أخذه بعد أن آلمته بفسخ خطبته.



ولأن ما قدمه لها لا
يمكن اعتباره هبة مطلقة، بل هو هبة مقيدة فانه لولا الخطبة الموصلة للزواج ما قدم
لها شيئاً، فإذا لم يتحقق الزواج لم يتحقق الغرض الذي من أجله قدم الهدايا.والله
تعالى أعلم.



الخطبه و التعويض فى الرجوع Clip_image002


ــــــــــــــــــــــ


المصادر والمراجع
:



1ـ إبن حزم ، أبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم، المتوفى 456هـ
،
المحلى ،
تحقيق لجنة إحياء التراث العربي ، دار الجيل ، بيروت - لبنان
.


2 ـ ابن حجر العسقلاني، الحافظ شهاب الدين أبي الفضل، فتح الباري، مطبعة البابي الحلبي وأولاده
بمصر ، 1378هـ
.


3 ـ ابن رشد، أبي الوليد محمد بن احمد القرطبي المتوفى 595هـ،
بداية

المجتهد ونهاية المقتصد ، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان ، ط 10،
1408هـ- 1988م
.


4 ـ ابن قدامة ، أبي محمد عبد الله بن احمد ، المتوفى 620هـ ،
المغني

في فقه الإمام احمد بن حنبل الشيباني ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
، بيروت،

لبنان، 1984
.



5 ـ ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب –
دار

صادر– بيروت / 1374هـ ، مادة خطب .


6 ـ الشوكاني، محمد بن علي محمد المتوفى 1255هـ، نيل الأوطار من
سيد

الأخبار شرح منتقى الأخبار ، ضبطه وصححه محمد سالم هاشم، منشورات
محمد علي بيضون،

دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، 1999م .


7 ـ القرطبي ، أبي عبد الله محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القران ، دار الكتاب
العربي للطباعة والنشر ، القاهرة /1387هـ
.


8 ـ صحيح مسلم شرح الإمام النووي،المطبعة المصرية بالأزهر، 1347هـ .


9 ـ محمد بن عبد الرحمن المباركفوري تحفة الأحوذي شرح جامع
الترمذي.



10 ـ فخر الدين عثمان بن
علي الزيلعي (المتوفى : 743هـ) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق.



11 ـ محمد بن إسماعيل
الصنعاني
، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، تخريج: محمد عبد القادر
عطا
، الطبعة الأولى 2000 م، دار الكتب العلمية.



12 ـ عبد الرحمن الجزيري
،الفقه على المذاهب الأربعة ، الطبعة الأولى لدار ابن حزم - بيروت
.


13 ـ أحمد بن غنيم بن
سالم النفراوي (المتوفى : 1126هـ) الفواكه الدواني
على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
، تحقيق : رضا فرحات، مكتبة الثقافة
الدينية ( فقه مالكي).



14ـ أبو عبد الله محمد بن
يوسف العبدري الشهير بالمواق (المتوفى : 897هـ
) التاج
والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى سنة 1329 .



15 ـ شمس الدين السرخسي ، المبسوط ، مصورة دار الكتب العلمية ـ بيروت 1414هـ.


16 ـ الإمام ابن مودود الموصلي (ت:683هـ ) ،
الاختيار لتعليل

المختار (والمتن والشرح له).


17 ـ عبدالغني الغنيمي
الحنفي الدمشقي الميداني الحنفي ، اللباب في شرح الكتاب ، حققه وضبطه وعلق حواشيه محمود
أمين النواوي المفتش بالأزهر.



18 ـ وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته ،
دار الفكر، دمشق، ط 4، 1418هـ، 1997م.