نشاط احتكارات :
تمهيد
:
لقد سبق القول أن نشاط الاحتكارات هي من بين
الظواهر الاقتصادية المنتشرة اليوم, وأصبح لها تأثير على باقي الظواهر الاقتصادية
الأخرى فماذا يقصد بهذا المفهوم ؟ وبعد
علمنا بأن الأسواق من الناحية العلمية تنقسم إلى فئتين.
الفئة
الأولى : أسواق المنافسة التامة والاحتكار, وهي حالات بعيدة عن الواقع العملي ؛ إذ
إنه في سوق المنافسة التامة يصعب وجود منتجات متجانسة أو متماثلة تماما كما أن
حرية الدخول والخروج من السوق لا يمكن أن توجد بشكل مطلق ,وفي سوق الاحتكار يصعب
وجود منتج وحيد لا بديل له ووجود سوق مغلق لا يمكن لمتنافسين جدد الدخول إليه
مطلقا الفئة الثانية : أسواق المنافسة الاحتكارية واحتكار القلة تمثل العديد من
الأسواق الفعلية في الواقع العملي, ومن أمثلة أسواق احتكار القلة صناعة السيارات و
السجائر …, أما المنافسة الاحتكارية فأبرز أمثلتها سوق الخدمات مثل : المطاعم,
الصناعة, الملابس والخدمات المصرفية, وما إلى ذلك.
وهذا ما سنتناوله بدءا من التعريف بالاحتكار
ومزاياه إلى أنواعه وأسبابه وآثاره.
1
- تعريف الاحتكار :
نقول
انه "احتكر الشيء " أي جعله لنفسه فقط . ومن هنا يعرف الاحتكار أنه حالة
السوق التي يوجد فيها بائع واحد. ([1])
كما
يعرف على أنه : عبارة عن تركيبة أو هيكلة معينة لسوق ما , تسمح لشركة واحدة أو
متعامل واحد فيه بإنتاج سلعة أو خدمة ما وحمايته من منافسة الآخرين له.
ومن
هذا التعريف يمكن أن نستخرج مميزات نشاط الاحتكار وهي :
- وجود بائع واحد في السوق وعدد
كبير من المشترين.
- عدم وجود بدائل للسلع التي يقوم
التاجر بإنتاجها.
- عدم قدرة دخول منتجين آخرين لمنافسة السلعة
التي يستحوذ عليها المحتكر.
2-
أسباب الاحتكار :
إن لظاهرة الاحتكار أسباب جعلته يهدد كثير من
الشركات في العالم بالزوال وهذه جملة من أسباب الاحتكار :
-
الاحتكار الطبيعي : وتتميز
الشركات والمرافق التي يحوز على مثال هذه النوع من الاحتكار بضخامة رأس مالها
الثابت وبتكاليفها الثابتة المرتفعة كما يمتاز بضخامة الطاقة الإنتاجية ومن أمثلته
شركة الكهرباء والغاز , الهيئات التي تتولى تشيد السكك الحديدية وغيرها.
وبالتالي نجد لهذا النوع من الاحتكار طابع خاص أي هي لا تنتج سلع وخدمات
احتكارية عادية.
-
الاحتكار القانوني: ويظهر ذلك جليا من خلال منح الدول المتخلفة بما يسعى
براءة الاختراع لمخترعيها حيث يكون
للمخترع حق التمتع بما اخترعه لمدة زمنية معينة يمنع فيها الآخرون من الاستفادة
على حساب مخترعيهم وبالتالي يمكن للشركة التي تتوصل الابتكار أن تستفيد من مزاياه عن طريق الاحتكار إلى حد توصل
شركات أخرى لبديل أو شبيه لسلعة المحتكر.
-
الاحتكار الحكومي : حيث يمكن
للحكومة أن تسيطر على قطاعات أو صناعات معينة
و ذلك لتحقيق أهداف معينة . كتحقيق الأمن الاقتصادي ويظهر هذا خاصة
الاحتياط من الأزمات الاقتصادية والتحكم والمحافظة على التوازن الاقتصادي.
قيام
مؤسسات أو شركات بالسيطرة على مواد أولية معينة .وبالتالي لها القدرة على إنتاج
سلعة معينة عن طريق تلك المواد الأولية التي تسيطر عليها وبالتالي تصبح محتكرة
لتلك السلعة.
3
- أنواع الاحتكار :
إن
أهم أنواع الاحتكار يمكن أن نجملها في ما يلي:
*الاحتكار
المطلق: حيث يعرف بأنه حالة السوق التي يوجد فيها منتج واحد يقوم بإنتاج سلعة لا
يوجد لها بديل قريب وبالتالي خصائص هذا الاحتكار يمكن إدراجها فيما يلي :
-وجود
بائع واحد في السوق وعدد من المشترين.
-عدم
وجود بدائل جديدة للسلعة التي ينتجها المحتكر.
-عدم
وجود عوائق معينة تمنع دخول منافسين لإنتاج سلعة المحتكر.
*احتكار
القلة : يقصد باحتكار القلة أو الاحتكار المتعدد الحالة التي يتسم بها السوق
عندما يكون هناك عدد قليل من البائعين لسلعة معينة حيث أن قراراتهم الفردية سواء
بالنسبة الأسعار أو الناتج لها تأثيرات على قرارات الآخرين وتعتبر هذه الحالة
السوقية أكثر الحالات سيادة في اقتصاديات الدول المتقدمة خاصة في الصناعات
الأساسية كما يتصف هذا النوع من الاحتكار بأن السلعة التي ينتجها المحتكر متميزة.
والمنافسة
في سوق احتكار القلة هي منافسة غير سريعة لأنها لو استعملت ستعود عليها بالخسائر
ولذلك يفضل أساليب أخرى مثل الدعاية والإعلان لتميز منتجاتهم, كما نجد عوائق لدخول
سوق منافسة القلة لأن دخول عدد كبير من المؤسسات يستوجب خروج بعضها الآخر كون
الإنتاج يكون بدرجة أقل وبالتالي تكون التكلفة أكبر بالنسبة لهذه المؤسسات.
*احتكار
التبادل : في ظل احتكار التبادل يوجه البائع الواحد مشتري واحد ولا يتوفر بديل
قريب للسلعة المتعامل بها وبالتالي كل واحد
منهما يسعى لتحقيق أقصى إيراد نقدي من العملية التجارية
وبالتالي يعد تحديد سعر يرضي الطرفين ليس بالأمر السهل , فمنذ قرون الاقتصاديون
منهمكون في بحث مشكلة احتكار التبادل ورغم الجهود المبذولة إلا أنهم لم يتوصلوا
إلى إيجاد الأساس الذي يحدد السعر عند التبادل بين الطرفين المتمثلين في شخصين أو
مؤسستين أو نقابة عمالية وإيجاد أرباب أعمال ، إلا أن الإنفاق على الكمية في ظل
احتكار التبادل تعتبر محددة.
4-
المنافسة الاحتكارية :
حيث
كان ظهورها أول مرة سنة 1933 ([2])
وهي المنافسة التي يوجد فيها عدد كبير من المنتجين بحيث تكون سلعة كل منهم مميزة
وبالتالي إمكانية تصرف كل منتج في سلوكه الإنتاجي بحيث لا يكون له أثر ملحوظ على
سلوك المنتجين الآخرين ومثال ذلك إنتاج وبيع السيارات : فورد, مار سيدس...
فالمنافسة الاحتكارية تتمتع ببعض مزايا الاحتكار من خلال تميز منتجاتها, حيث يمكن
أن نميز في هذه السوق ما يلي :
- منحنى الطلب الذي يواجه المنتج ينحدر
إلى الأسفل نسبيا وأنه ذو مرونة عالية, مما يمكن
المنتج من التحكم نسبيا في أسعار منتجاته.
-عدم وجود سعر موحد هو حد لذات السلع
التي تنتجها المنشآت المختلفة في هذا النمط من الأسواق وإنما هناك أسعار متقاربة
نتيجة تمايز السلعة ونشير إلى أن المنتج يحقق أقصى ربح عندما يتساوى الإيراد
الحدي, مع التكاليف الحدية ([3])
حيث يتم تحديد السعر (P) والكمية (Q) كما نجد خصائص أخرى تميز
المنافسة الاحتكارية :
* تكون سلع المنتجين بديل قريب لبعضهما ولكن هذا
لا يعني تجانسها وهذا ما يميزها عن المنافسة التامة.
* عدم وجود عوائق للدخول والخروج من السوق.
* يمكن للمؤسسة تغير سعر السلعة أو تغير
مواصفاتها وهذا مرتبط بقدرتها وقوتها وسيطرتها في سوق المنافسة الاحتكارية .
الاحتكار
في مواجهة المنافسة التامة:
وتستخدم
مفاهيم الاحتكار والمنافسة التامة كمتضادات ؛ حيث تعتبر المنافسة التامة هي الوضع
الأمثل , الاحتكار هو الوضع المضاد لها , وعليه تسعى السياسة العامة إلى الوصول
إلى الوضع الأمثل أو الاقتراب منه وتجنب الاحتكار ؛ نظرا للمساوئ التي ينطوي عليها
؛ إذ إن المحتكر باستطاعته أن يمارس عملية التحكم في الأسعار للمنتج الذي ينتجه
ويفرض سعرا واحدا عاليا ليعظم أرباحه , أو أن يفرض سعرا منخفضا لمنع منافسيه من
الدخول إلى السوق أو أن يقوم بفرض أسعار مختلفة حسب فئات المستهلكين فيما يعرف
بعملية "تمييز الأسعار"prise discrimination ، ومن أمثلة ذلك فرض أسعار مختلفة لاستهلاك الطاقة الكهربائية (
سعر للاستهلاك المنزلي , وسعر للأغراض التجارية , وسعر للأغراض الصناعية ) و هكذا
. ويشترط لممارسة عملية تمييز الأسعار توافر الشرطين الآتيين :
أ- إمكانية تصنيف المستهلكين إلى
فئات .
ب- ألا يستطيع المستهلك إعادة بيع
السلعة التي حصل عليها بسعر منخفض إلى المستهلكين الآخرين.
احتكار
الشركات المتعددة الجنسيات :
وفي
الاقتصاد المعاصر تعددت أنواع السلع والخدمات ؛ لاتساع الأنشطة الإنتاجية وكبر حجم
المنشآت الصناعية والزراعية, وبالتالي تعدد الاستعمالات بما يشمل الاستهلاك
والاستثمار والادخار, وصار الاحتكار يعتري كثيرا من الأنشطة الاقتصادية والتجارية
على مستوى الأفراد و المنشآت و الدول كوحدات اقتصادية، وصار للإحتكار إنعكاسات
مباشرة على حياة الناس يمكن إجمالها في الآتي :
·
إحياء مشكلة الندرة بمعنى
محدودية السلع والخدمات مقابل الطلب المتزايد عليها في السوق, الأمر الذي يؤدي إلى
النقص في تلبية الحاجات الضرورية خاصة ما يتعلق بالملابس والمأكل والمسكن والعلاج.
·
ارتفاع الأسعار وهو ما يعرف
بالتضخم لسعري سلع وخدمات قليلة مقابل تزايد الطلب عليها, وهو أحد أسباب التضخم
إضافة إلى زيادة كمية العملة المتداولة بالنسبة إلى كمية البضائع والخدمات
المتاحة.
وتكون آثار
الاحتكار أشد قسوة عندما تمارسه مجموعة متضامنة من المحتكرين أو الشركات لضخمة
التي تمتلك رؤوس أموال كبيرة وإنتاجا وفيرا تستطيع بموجبه أن تتحكم في السوق أن
تفرض أسعارا فيها مغالاة فادحة . وهو ما يعرف في علم الاقتصاد باحتكار القلة ؛حيث
يقوم عدد قليل من الشركات أو مصادر توريد السلع بالسيطرة على سوق صنف معين من المنتجات
أو الخدمات . وأبرز صور هذا الاحتكار في الاقتصاد المعاصر هي :
"الشركات الدولية متعددة الجنسية
" multinational ou
transnational corporations (TNC)
وهي شركات تباشر نشاطها في أكثر من
دولة من خلال امتلاك أصول إنتاجية و رأسمالية في الدولة الأم " بلد
المنشأ" والدول المضيفة "بلد الاستثمار", ولا يقتصر نشاطها على
التحويلات الرأسمالية "الاستثمار الأجنبي المباشر ", بل يشمل نقل
التكنولوجيا والسلع والخدمات الإدارية والمالية .
وهي شركات ذات طبيعة احتكارية بمعنى سيطرتها على إنتاج سلع معينة في مجالات
الصناعات التحويلية والاستخراجية والمرافق العامة والخدمات, كما أن الأسواق التي
تتعامل فيها هذه الشركات يحكمها عدد قليل من المنتجين وتتميز أيضا باستخدام
التقنية المتطورة والمهارات الخاصة في استثماراتها ومنتجاتها من السلع و الخدمات,
إضافة إلى الدعاية و الإعلان , وكلها من أبرز صفات أسواق احتكار القلة.
هذه الشركات متعددة الجنسية صار لها تأثير كبير في علاقات التبادل التجاري
بين الدول , فمن جملة "50" أكبر شركة متعددة الجنسية في العالم تمتلك
الولايات المتحدة الأمريكية "33" شركة , بينما تمتلك بريطانيا
"5" شركات , وكل من اليابان و سويسرا "3" شركات , و ألمانيا
"2" شركتين, وفرنسا واحدة "1" ؛ وبقية الدول "3"
فقط.
ويلاحظ أن الشركات متعددة الجنسية تتميز بمزايا احتكارية عديدة جعلتها
تسيطر سيطرة تامة على الأسواق خارج حدودها القومية, ومنها :
*المزايا الاحتكارية التمويلية: تتمتع هذه الشركات بمراكز مالية قوية في
بلد المنشأ ؛ ومقارنة بالشركات المحلية في بلد الاستثمار تعد الشركات متعددة
الجنسية ذات مراكز مالية متفوقة ومتعاظمة.
*المزايا الاحتكارية التقنية: للشركات متعددة الجنسية تقنية متطورة مقارنة
بالشركات الوطنية, ويقاس التطور التقني بنفقات البحث العلمي والتطوير التي تتركز
حول طرق إنتاج جديدة و منتجات محسنة وجديدة وزيادة درجة تغاير المنتجات , مما يزيد
قدرة الشركة على تسويق منتجاتها والتحكم في السوق على وجه احتكاري.
*المزايا الاحتكارية التسويقية : تعتبر مزايا التسويق أحد أهم الصفات
الاحتكارية التي تتميز بها الشركات متعددة الجنسية مقارنة بالشركات الوطنية التي
تكون في وضع ضعيف للغاية , فالشركات الدولية متعددة الجنسية لها قدرة على القيام
ببحوث التسويق للتعريف على ظروف السوق وأذواق المستهلكين والتنبؤ بالتغيرات
المحتملة على المستوى الإنتاجي والاستهلاكي و التوزيعي.
كما تقوم أيضا بأعمال الدعاية والإعلان التي تهدف إلى استدامة الطلب على
منتجاتها؛ ولهذه الشركات شبكات توزيع واسعة مما يساعد على بسط سيطرتها في
الأسواق.
هذه العوامل مجتمعة جعلت الشركات متعددة الجنسية في وضع تنافسي لا تستطيع
الشركات الوطنية مجتمعة أن تحقق ما تحققه الشركات متعددة الجنسية من وضع احتكاري
يمكنها من بسط نفوذها في الأسواق .
أثار الاحتكار:
إن الاحتكار ظاهرة اقتصادية يعاب عليها بالآثار التي تخلفها و من بين هذه
الآثار نذكر :
*سوء توزيع الدخل القومي :حيث يظهر جليا من خلال سيطرة المحتكر على السوق
مما يمكنه من تحقيق أرباح غير عادية تتعدى أرباح سوق المنافسة التامة . وهذا ما
يخلف تمركز أموال فائضة في أيدي فئة قليلة من المجتمع دون أن تستفيد البقية الأخرى
من الشريحة الاجتماعية من هذه الميزة.
بل بالعكس قد تصادف ارتفاع في الأسعار الشيء الذي يعني ضعف الدخل الحقيقي
لهذه الشريحة أي ضعف قدرتهم الشرائية.
*تقييد الإنتاج : بحيث يصبح المحتكر يملك زمام الأمور فيما يتعلق بعرض سلعه
ومنتجاته بقصد رفع الأسعار, وبالتالي عدم الاستفادة من الإنتاج والسلع التي
يحتكرها المحتكر ما لم تلبي له مقاصده في تحقيق أكبر ربح ممكن منها. وهذا ما يترك
جزء من الطاقة الإنتاجية معطلا أو بدون استغلال أمثل للموارد الاقتصادية المتاحة
وبالتالي نجد المحتكر يعطل دواليب تحريك الدورة الاقتصادية.
*حرمان المشاريع الصغيرة من استحواذ بعض عناصر الإنتاج التي هي ضرورة ملحة
لعمل هذه المشاريع والتي قد تكون متمركزة عند أيدي مجموعة من الناس وهم المحتكرون.
-
بالإضافة إلى هذا كله يستطيع
المحتكر أحيانا أن يتدخل حتى في الإعلام والسياسة وبالتالي يكون قد تجاوز حده لأنه
في هذه الحالة أصبحت له سيطرة على الاقتصاد القومي وهذا ما لا يحمد عقباه.
علاقة نشاط الاحتكارات بالتضخم :
بعدما
تطرقنا لمفهومي ظاهرتي الاحتكار والتضخم في الفصل السابق فيما مدى التداخل بين
هذين المفهومين وما هي النقاط المشتركة بينهما ؟
وإن كانت المراجع لم تشر لهذه
العلاقة فلا بأس أن ندرس هذه العلاقة من خلال التأثيرات المتبادلة بين هاتين
الظاهرتين.
أثر نشاط الاحتكارات على التضخم :
إن قيام المشاريع الاحتكارية برفع الأسعار و رفع هوامش الأرباح عن طريق
زيادة المعدل الذي تضيفه لتكلفة الإنتاج في صورة ربح و هذا لا يتناسب مع الزيادة
في الكفاية الإنتاجية و هذا ما ينجر عنه ارتفاع في أسعار المنتجات الذي يعبر عن
ظاهرة التضخم.
كما يؤثر الاحتكار على التضخم من خلال جعل المحتكر للسوق في حالة عجز تامة
ومستمرة, و ذلك باختيار عدم عرضه منتجاته وسلعه التي ستستفيد منها مشاريع أخرى
لتحقيق أهدافها. و بالتالي إمكانية بيع المحتكر لمنتجاته بسعر مرتفع واردة جدا,
مما تضطر المشاريع التي استفادت أخيرا من منتجات المحتكر المرتفعة بأن تسوق
منتجاتها هي الأخرى بأسعار مرتفعة تفوق مستواها الطبيعي.
كما يمكن إبراز التضخم عند حدود مجموعة من الاحتكارات بسبب حدوث تعطيل في
وجود أساليب الإنتاج مما ينجر عنه زيادة في التكلفة لعوامل الإنتاج والتي تنجم
عنها زيادة الأسعار بعد الحصول على تلك الوسائل للإنتاج الذي كان تعطلها بسبب وجود
مواقف احتكارية.
ويمكن أن نميز هذه الاحتكارات إلى ثلاثة أنواع :
-
احتكار المنتج في إنتاج معين :
وهذا عندما يضمن هذا المنتج بيع منتوجه وبالسعر المربح الذي يسعى لتحقيقه .
وبالتالي احتكاره لهذا المنتوج سيعود بالضرر على صاحب هذا المشروع المتوقف
والذي هو في انتظار لسلع المحتكرة ليقوم هو بالإنتاج بحيث تكون التكلفة كبيرة، عند
اللحظة الأخيرة للإنتاج نتيجة الوقت الضائع والذي لا تخسره عوامل الإنتاج أثناءه
وقد يسلك المحتكر مثل هذا السلوك حتى لا تتوفر سلعه بكثرة خوفا من انخفاض أسعارها.
-
الاحتكارات القانونية : التي
تمنح إلى بعض المتعاملين والتي تحول دون استخدام ناجع لعوامل الإنتاج، مما ينجر
عنها عدم الكفاءة والتحكم في التكاليف وبالتالي ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم.
-
الاحتكارات
التي تقوم بها بعض المنظمات العمالية : فيما يخص ببعض التصرفات كأن تمنع فصل
العمال، عدم القيام بعقوبات ضدهم، عدم تشغيل عمال جدد ... فهذا تكون له صورة على
مستوى مخرجات ومنتجات مثل هذه المؤسسات والتي تتسم بارتفاع أسعار سلعها ومنتجاتها
وهذا يلخص تلك الاحتكارات التي تقوم به تلك المنظمات العمالية وخاصة إذا كانت في
خلاف مع النقابة العمالية ([4]).
-
الاحتكارات
التي تقوم بها الشركات : سوءا الاحتكار التام أو احتكار القلة وخاصة تواجدها
وانتشارها بشكل كبير ، فإنها تساهم مساهمة كبيرة في إيجاد ظاهرة التضخم وذلك من
خلال آلية رفع الأسعار المستمر
وبصورة عامة كلما زاد الاحتكار كلما كان احتمال وقوع التضخم كبير.
([1])
د. ضياء مجيد الموسوي, النظرية الاقتصادية (التحليل الاقتصادي الجزئي)
ديوان المطبوعات الجامعية , ص, 231.
[2])) د.ضياء مجيد
الموسوي, النظرية الاقتصادية (التحليل الاقتصادي الجزئي), مرجع سبق ذكره, ص 263.
([3])
د. عبد الحليم كراجة , مبادئ الاقتصاد الجزئي ,
دار الصفاء للنشر والتوزيع , عمان 2000 ص 186.
([4])
د.مروان عطوان ، النظرية النقدية ، مرجع سبق
ذكره ، ص 178.
تمهيد
:
لقد سبق القول أن نشاط الاحتكارات هي من بين
الظواهر الاقتصادية المنتشرة اليوم, وأصبح لها تأثير على باقي الظواهر الاقتصادية
الأخرى فماذا يقصد بهذا المفهوم ؟ وبعد
علمنا بأن الأسواق من الناحية العلمية تنقسم إلى فئتين.
الفئة
الأولى : أسواق المنافسة التامة والاحتكار, وهي حالات بعيدة عن الواقع العملي ؛ إذ
إنه في سوق المنافسة التامة يصعب وجود منتجات متجانسة أو متماثلة تماما كما أن
حرية الدخول والخروج من السوق لا يمكن أن توجد بشكل مطلق ,وفي سوق الاحتكار يصعب
وجود منتج وحيد لا بديل له ووجود سوق مغلق لا يمكن لمتنافسين جدد الدخول إليه
مطلقا الفئة الثانية : أسواق المنافسة الاحتكارية واحتكار القلة تمثل العديد من
الأسواق الفعلية في الواقع العملي, ومن أمثلة أسواق احتكار القلة صناعة السيارات و
السجائر …, أما المنافسة الاحتكارية فأبرز أمثلتها سوق الخدمات مثل : المطاعم,
الصناعة, الملابس والخدمات المصرفية, وما إلى ذلك.
وهذا ما سنتناوله بدءا من التعريف بالاحتكار
ومزاياه إلى أنواعه وأسبابه وآثاره.
1
- تعريف الاحتكار :
نقول
انه "احتكر الشيء " أي جعله لنفسه فقط . ومن هنا يعرف الاحتكار أنه حالة
السوق التي يوجد فيها بائع واحد. ([1])
كما
يعرف على أنه : عبارة عن تركيبة أو هيكلة معينة لسوق ما , تسمح لشركة واحدة أو
متعامل واحد فيه بإنتاج سلعة أو خدمة ما وحمايته من منافسة الآخرين له.
ومن
هذا التعريف يمكن أن نستخرج مميزات نشاط الاحتكار وهي :
- وجود بائع واحد في السوق وعدد
كبير من المشترين.
- عدم وجود بدائل للسلع التي يقوم
التاجر بإنتاجها.
- عدم قدرة دخول منتجين آخرين لمنافسة السلعة
التي يستحوذ عليها المحتكر.
2-
أسباب الاحتكار :
إن لظاهرة الاحتكار أسباب جعلته يهدد كثير من
الشركات في العالم بالزوال وهذه جملة من أسباب الاحتكار :
-
الاحتكار الطبيعي : وتتميز
الشركات والمرافق التي يحوز على مثال هذه النوع من الاحتكار بضخامة رأس مالها
الثابت وبتكاليفها الثابتة المرتفعة كما يمتاز بضخامة الطاقة الإنتاجية ومن أمثلته
شركة الكهرباء والغاز , الهيئات التي تتولى تشيد السكك الحديدية وغيرها.
وبالتالي نجد لهذا النوع من الاحتكار طابع خاص أي هي لا تنتج سلع وخدمات
احتكارية عادية.
-
الاحتكار القانوني: ويظهر ذلك جليا من خلال منح الدول المتخلفة بما يسعى
براءة الاختراع لمخترعيها حيث يكون
للمخترع حق التمتع بما اخترعه لمدة زمنية معينة يمنع فيها الآخرون من الاستفادة
على حساب مخترعيهم وبالتالي يمكن للشركة التي تتوصل الابتكار أن تستفيد من مزاياه عن طريق الاحتكار إلى حد توصل
شركات أخرى لبديل أو شبيه لسلعة المحتكر.
-
الاحتكار الحكومي : حيث يمكن
للحكومة أن تسيطر على قطاعات أو صناعات معينة
و ذلك لتحقيق أهداف معينة . كتحقيق الأمن الاقتصادي ويظهر هذا خاصة
الاحتياط من الأزمات الاقتصادية والتحكم والمحافظة على التوازن الاقتصادي.
قيام
مؤسسات أو شركات بالسيطرة على مواد أولية معينة .وبالتالي لها القدرة على إنتاج
سلعة معينة عن طريق تلك المواد الأولية التي تسيطر عليها وبالتالي تصبح محتكرة
لتلك السلعة.
3
- أنواع الاحتكار :
إن
أهم أنواع الاحتكار يمكن أن نجملها في ما يلي:
*الاحتكار
المطلق: حيث يعرف بأنه حالة السوق التي يوجد فيها منتج واحد يقوم بإنتاج سلعة لا
يوجد لها بديل قريب وبالتالي خصائص هذا الاحتكار يمكن إدراجها فيما يلي :
-وجود
بائع واحد في السوق وعدد من المشترين.
-عدم
وجود بدائل جديدة للسلعة التي ينتجها المحتكر.
-عدم
وجود عوائق معينة تمنع دخول منافسين لإنتاج سلعة المحتكر.
*احتكار
القلة : يقصد باحتكار القلة أو الاحتكار المتعدد الحالة التي يتسم بها السوق
عندما يكون هناك عدد قليل من البائعين لسلعة معينة حيث أن قراراتهم الفردية سواء
بالنسبة الأسعار أو الناتج لها تأثيرات على قرارات الآخرين وتعتبر هذه الحالة
السوقية أكثر الحالات سيادة في اقتصاديات الدول المتقدمة خاصة في الصناعات
الأساسية كما يتصف هذا النوع من الاحتكار بأن السلعة التي ينتجها المحتكر متميزة.
والمنافسة
في سوق احتكار القلة هي منافسة غير سريعة لأنها لو استعملت ستعود عليها بالخسائر
ولذلك يفضل أساليب أخرى مثل الدعاية والإعلان لتميز منتجاتهم, كما نجد عوائق لدخول
سوق منافسة القلة لأن دخول عدد كبير من المؤسسات يستوجب خروج بعضها الآخر كون
الإنتاج يكون بدرجة أقل وبالتالي تكون التكلفة أكبر بالنسبة لهذه المؤسسات.
*احتكار
التبادل : في ظل احتكار التبادل يوجه البائع الواحد مشتري واحد ولا يتوفر بديل
قريب للسلعة المتعامل بها وبالتالي كل واحد
منهما يسعى لتحقيق أقصى إيراد نقدي من العملية التجارية
وبالتالي يعد تحديد سعر يرضي الطرفين ليس بالأمر السهل , فمنذ قرون الاقتصاديون
منهمكون في بحث مشكلة احتكار التبادل ورغم الجهود المبذولة إلا أنهم لم يتوصلوا
إلى إيجاد الأساس الذي يحدد السعر عند التبادل بين الطرفين المتمثلين في شخصين أو
مؤسستين أو نقابة عمالية وإيجاد أرباب أعمال ، إلا أن الإنفاق على الكمية في ظل
احتكار التبادل تعتبر محددة.
4-
المنافسة الاحتكارية :
حيث
كان ظهورها أول مرة سنة 1933 ([2])
وهي المنافسة التي يوجد فيها عدد كبير من المنتجين بحيث تكون سلعة كل منهم مميزة
وبالتالي إمكانية تصرف كل منتج في سلوكه الإنتاجي بحيث لا يكون له أثر ملحوظ على
سلوك المنتجين الآخرين ومثال ذلك إنتاج وبيع السيارات : فورد, مار سيدس...
فالمنافسة الاحتكارية تتمتع ببعض مزايا الاحتكار من خلال تميز منتجاتها, حيث يمكن
أن نميز في هذه السوق ما يلي :
- منحنى الطلب الذي يواجه المنتج ينحدر
إلى الأسفل نسبيا وأنه ذو مرونة عالية, مما يمكن
المنتج من التحكم نسبيا في أسعار منتجاته.
-عدم وجود سعر موحد هو حد لذات السلع
التي تنتجها المنشآت المختلفة في هذا النمط من الأسواق وإنما هناك أسعار متقاربة
نتيجة تمايز السلعة ونشير إلى أن المنتج يحقق أقصى ربح عندما يتساوى الإيراد
الحدي, مع التكاليف الحدية ([3])
حيث يتم تحديد السعر (P) والكمية (Q) كما نجد خصائص أخرى تميز
المنافسة الاحتكارية :
* تكون سلع المنتجين بديل قريب لبعضهما ولكن هذا
لا يعني تجانسها وهذا ما يميزها عن المنافسة التامة.
* عدم وجود عوائق للدخول والخروج من السوق.
* يمكن للمؤسسة تغير سعر السلعة أو تغير
مواصفاتها وهذا مرتبط بقدرتها وقوتها وسيطرتها في سوق المنافسة الاحتكارية .
الاحتكار
في مواجهة المنافسة التامة:
وتستخدم
مفاهيم الاحتكار والمنافسة التامة كمتضادات ؛ حيث تعتبر المنافسة التامة هي الوضع
الأمثل , الاحتكار هو الوضع المضاد لها , وعليه تسعى السياسة العامة إلى الوصول
إلى الوضع الأمثل أو الاقتراب منه وتجنب الاحتكار ؛ نظرا للمساوئ التي ينطوي عليها
؛ إذ إن المحتكر باستطاعته أن يمارس عملية التحكم في الأسعار للمنتج الذي ينتجه
ويفرض سعرا واحدا عاليا ليعظم أرباحه , أو أن يفرض سعرا منخفضا لمنع منافسيه من
الدخول إلى السوق أو أن يقوم بفرض أسعار مختلفة حسب فئات المستهلكين فيما يعرف
بعملية "تمييز الأسعار"prise discrimination ، ومن أمثلة ذلك فرض أسعار مختلفة لاستهلاك الطاقة الكهربائية (
سعر للاستهلاك المنزلي , وسعر للأغراض التجارية , وسعر للأغراض الصناعية ) و هكذا
. ويشترط لممارسة عملية تمييز الأسعار توافر الشرطين الآتيين :
أ- إمكانية تصنيف المستهلكين إلى
فئات .
ب- ألا يستطيع المستهلك إعادة بيع
السلعة التي حصل عليها بسعر منخفض إلى المستهلكين الآخرين.
احتكار
الشركات المتعددة الجنسيات :
وفي
الاقتصاد المعاصر تعددت أنواع السلع والخدمات ؛ لاتساع الأنشطة الإنتاجية وكبر حجم
المنشآت الصناعية والزراعية, وبالتالي تعدد الاستعمالات بما يشمل الاستهلاك
والاستثمار والادخار, وصار الاحتكار يعتري كثيرا من الأنشطة الاقتصادية والتجارية
على مستوى الأفراد و المنشآت و الدول كوحدات اقتصادية، وصار للإحتكار إنعكاسات
مباشرة على حياة الناس يمكن إجمالها في الآتي :
·
إحياء مشكلة الندرة بمعنى
محدودية السلع والخدمات مقابل الطلب المتزايد عليها في السوق, الأمر الذي يؤدي إلى
النقص في تلبية الحاجات الضرورية خاصة ما يتعلق بالملابس والمأكل والمسكن والعلاج.
·
ارتفاع الأسعار وهو ما يعرف
بالتضخم لسعري سلع وخدمات قليلة مقابل تزايد الطلب عليها, وهو أحد أسباب التضخم
إضافة إلى زيادة كمية العملة المتداولة بالنسبة إلى كمية البضائع والخدمات
المتاحة.
وتكون آثار
الاحتكار أشد قسوة عندما تمارسه مجموعة متضامنة من المحتكرين أو الشركات لضخمة
التي تمتلك رؤوس أموال كبيرة وإنتاجا وفيرا تستطيع بموجبه أن تتحكم في السوق أن
تفرض أسعارا فيها مغالاة فادحة . وهو ما يعرف في علم الاقتصاد باحتكار القلة ؛حيث
يقوم عدد قليل من الشركات أو مصادر توريد السلع بالسيطرة على سوق صنف معين من المنتجات
أو الخدمات . وأبرز صور هذا الاحتكار في الاقتصاد المعاصر هي :
"الشركات الدولية متعددة الجنسية
" multinational ou
transnational corporations (TNC)
وهي شركات تباشر نشاطها في أكثر من
دولة من خلال امتلاك أصول إنتاجية و رأسمالية في الدولة الأم " بلد
المنشأ" والدول المضيفة "بلد الاستثمار", ولا يقتصر نشاطها على
التحويلات الرأسمالية "الاستثمار الأجنبي المباشر ", بل يشمل نقل
التكنولوجيا والسلع والخدمات الإدارية والمالية .
وهي شركات ذات طبيعة احتكارية بمعنى سيطرتها على إنتاج سلع معينة في مجالات
الصناعات التحويلية والاستخراجية والمرافق العامة والخدمات, كما أن الأسواق التي
تتعامل فيها هذه الشركات يحكمها عدد قليل من المنتجين وتتميز أيضا باستخدام
التقنية المتطورة والمهارات الخاصة في استثماراتها ومنتجاتها من السلع و الخدمات,
إضافة إلى الدعاية و الإعلان , وكلها من أبرز صفات أسواق احتكار القلة.
هذه الشركات متعددة الجنسية صار لها تأثير كبير في علاقات التبادل التجاري
بين الدول , فمن جملة "50" أكبر شركة متعددة الجنسية في العالم تمتلك
الولايات المتحدة الأمريكية "33" شركة , بينما تمتلك بريطانيا
"5" شركات , وكل من اليابان و سويسرا "3" شركات , و ألمانيا
"2" شركتين, وفرنسا واحدة "1" ؛ وبقية الدول "3"
فقط.
ويلاحظ أن الشركات متعددة الجنسية تتميز بمزايا احتكارية عديدة جعلتها
تسيطر سيطرة تامة على الأسواق خارج حدودها القومية, ومنها :
*المزايا الاحتكارية التمويلية: تتمتع هذه الشركات بمراكز مالية قوية في
بلد المنشأ ؛ ومقارنة بالشركات المحلية في بلد الاستثمار تعد الشركات متعددة
الجنسية ذات مراكز مالية متفوقة ومتعاظمة.
*المزايا الاحتكارية التقنية: للشركات متعددة الجنسية تقنية متطورة مقارنة
بالشركات الوطنية, ويقاس التطور التقني بنفقات البحث العلمي والتطوير التي تتركز
حول طرق إنتاج جديدة و منتجات محسنة وجديدة وزيادة درجة تغاير المنتجات , مما يزيد
قدرة الشركة على تسويق منتجاتها والتحكم في السوق على وجه احتكاري.
*المزايا الاحتكارية التسويقية : تعتبر مزايا التسويق أحد أهم الصفات
الاحتكارية التي تتميز بها الشركات متعددة الجنسية مقارنة بالشركات الوطنية التي
تكون في وضع ضعيف للغاية , فالشركات الدولية متعددة الجنسية لها قدرة على القيام
ببحوث التسويق للتعريف على ظروف السوق وأذواق المستهلكين والتنبؤ بالتغيرات
المحتملة على المستوى الإنتاجي والاستهلاكي و التوزيعي.
كما تقوم أيضا بأعمال الدعاية والإعلان التي تهدف إلى استدامة الطلب على
منتجاتها؛ ولهذه الشركات شبكات توزيع واسعة مما يساعد على بسط سيطرتها في
الأسواق.
هذه العوامل مجتمعة جعلت الشركات متعددة الجنسية في وضع تنافسي لا تستطيع
الشركات الوطنية مجتمعة أن تحقق ما تحققه الشركات متعددة الجنسية من وضع احتكاري
يمكنها من بسط نفوذها في الأسواق .
أثار الاحتكار:
إن الاحتكار ظاهرة اقتصادية يعاب عليها بالآثار التي تخلفها و من بين هذه
الآثار نذكر :
*سوء توزيع الدخل القومي :حيث يظهر جليا من خلال سيطرة المحتكر على السوق
مما يمكنه من تحقيق أرباح غير عادية تتعدى أرباح سوق المنافسة التامة . وهذا ما
يخلف تمركز أموال فائضة في أيدي فئة قليلة من المجتمع دون أن تستفيد البقية الأخرى
من الشريحة الاجتماعية من هذه الميزة.
بل بالعكس قد تصادف ارتفاع في الأسعار الشيء الذي يعني ضعف الدخل الحقيقي
لهذه الشريحة أي ضعف قدرتهم الشرائية.
*تقييد الإنتاج : بحيث يصبح المحتكر يملك زمام الأمور فيما يتعلق بعرض سلعه
ومنتجاته بقصد رفع الأسعار, وبالتالي عدم الاستفادة من الإنتاج والسلع التي
يحتكرها المحتكر ما لم تلبي له مقاصده في تحقيق أكبر ربح ممكن منها. وهذا ما يترك
جزء من الطاقة الإنتاجية معطلا أو بدون استغلال أمثل للموارد الاقتصادية المتاحة
وبالتالي نجد المحتكر يعطل دواليب تحريك الدورة الاقتصادية.
*حرمان المشاريع الصغيرة من استحواذ بعض عناصر الإنتاج التي هي ضرورة ملحة
لعمل هذه المشاريع والتي قد تكون متمركزة عند أيدي مجموعة من الناس وهم المحتكرون.
-
بالإضافة إلى هذا كله يستطيع
المحتكر أحيانا أن يتدخل حتى في الإعلام والسياسة وبالتالي يكون قد تجاوز حده لأنه
في هذه الحالة أصبحت له سيطرة على الاقتصاد القومي وهذا ما لا يحمد عقباه.
علاقة نشاط الاحتكارات بالتضخم :
بعدما
تطرقنا لمفهومي ظاهرتي الاحتكار والتضخم في الفصل السابق فيما مدى التداخل بين
هذين المفهومين وما هي النقاط المشتركة بينهما ؟
وإن كانت المراجع لم تشر لهذه
العلاقة فلا بأس أن ندرس هذه العلاقة من خلال التأثيرات المتبادلة بين هاتين
الظاهرتين.
أثر نشاط الاحتكارات على التضخم :
إن قيام المشاريع الاحتكارية برفع الأسعار و رفع هوامش الأرباح عن طريق
زيادة المعدل الذي تضيفه لتكلفة الإنتاج في صورة ربح و هذا لا يتناسب مع الزيادة
في الكفاية الإنتاجية و هذا ما ينجر عنه ارتفاع في أسعار المنتجات الذي يعبر عن
ظاهرة التضخم.
كما يؤثر الاحتكار على التضخم من خلال جعل المحتكر للسوق في حالة عجز تامة
ومستمرة, و ذلك باختيار عدم عرضه منتجاته وسلعه التي ستستفيد منها مشاريع أخرى
لتحقيق أهدافها. و بالتالي إمكانية بيع المحتكر لمنتجاته بسعر مرتفع واردة جدا,
مما تضطر المشاريع التي استفادت أخيرا من منتجات المحتكر المرتفعة بأن تسوق
منتجاتها هي الأخرى بأسعار مرتفعة تفوق مستواها الطبيعي.
كما يمكن إبراز التضخم عند حدود مجموعة من الاحتكارات بسبب حدوث تعطيل في
وجود أساليب الإنتاج مما ينجر عنه زيادة في التكلفة لعوامل الإنتاج والتي تنجم
عنها زيادة الأسعار بعد الحصول على تلك الوسائل للإنتاج الذي كان تعطلها بسبب وجود
مواقف احتكارية.
ويمكن أن نميز هذه الاحتكارات إلى ثلاثة أنواع :
-
احتكار المنتج في إنتاج معين :
وهذا عندما يضمن هذا المنتج بيع منتوجه وبالسعر المربح الذي يسعى لتحقيقه .
وبالتالي احتكاره لهذا المنتوج سيعود بالضرر على صاحب هذا المشروع المتوقف
والذي هو في انتظار لسلع المحتكرة ليقوم هو بالإنتاج بحيث تكون التكلفة كبيرة، عند
اللحظة الأخيرة للإنتاج نتيجة الوقت الضائع والذي لا تخسره عوامل الإنتاج أثناءه
وقد يسلك المحتكر مثل هذا السلوك حتى لا تتوفر سلعه بكثرة خوفا من انخفاض أسعارها.
-
الاحتكارات القانونية : التي
تمنح إلى بعض المتعاملين والتي تحول دون استخدام ناجع لعوامل الإنتاج، مما ينجر
عنها عدم الكفاءة والتحكم في التكاليف وبالتالي ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم.
-
الاحتكارات
التي تقوم بها بعض المنظمات العمالية : فيما يخص ببعض التصرفات كأن تمنع فصل
العمال، عدم القيام بعقوبات ضدهم، عدم تشغيل عمال جدد ... فهذا تكون له صورة على
مستوى مخرجات ومنتجات مثل هذه المؤسسات والتي تتسم بارتفاع أسعار سلعها ومنتجاتها
وهذا يلخص تلك الاحتكارات التي تقوم به تلك المنظمات العمالية وخاصة إذا كانت في
خلاف مع النقابة العمالية ([4]).
-
الاحتكارات
التي تقوم بها الشركات : سوءا الاحتكار التام أو احتكار القلة وخاصة تواجدها
وانتشارها بشكل كبير ، فإنها تساهم مساهمة كبيرة في إيجاد ظاهرة التضخم وذلك من
خلال آلية رفع الأسعار المستمر
وبصورة عامة كلما زاد الاحتكار كلما كان احتمال وقوع التضخم كبير.
([1])
د. ضياء مجيد الموسوي, النظرية الاقتصادية (التحليل الاقتصادي الجزئي)
ديوان المطبوعات الجامعية , ص, 231.
[2])) د.ضياء مجيد
الموسوي, النظرية الاقتصادية (التحليل الاقتصادي الجزئي), مرجع سبق ذكره, ص 263.
([3])
د. عبد الحليم كراجة , مبادئ الاقتصاد الجزئي ,
دار الصفاء للنشر والتوزيع , عمان 2000 ص 186.
([4])
د.مروان عطوان ، النظرية النقدية ، مرجع سبق
ذكره ، ص 178.