خير
سبيل لإدراك أبعاد التغييرات التي استحدثها قانون الإجراءات المدنية 1983م
هو أن
نبحث عنها ونتلمسها في التعديلات التي طرأت على القانون القديم وبادئ ذي
بدء يتعين
أن نعي – حقيقة وهي أن الشارع حسبما بين من استقراء تلك التعديلات لم يقصد
إلى
إحداث تغييرات جذرية في التركيب أو البناء الأساسي للقانون القديم. فأسلوب
إقامة
الدعوى وطرق الطعن فيها وتنفيذ الأحكام الصادرة فيها ظلت في جوهرها كما هي
ولا
جدال في أن المشرع قصد في المقام الأول القضاء على أسباب المطل والتسويف
ومن
ثم صممت نصوص القانون الجديد وإجراءاته بهدف الفصل في الدعاوى في أول
جلسة أو على الأكثر فلي اقصر وقت ممكن. وهذه استراتيجية ليست جديدة. بل هي
من
السمات البارزة في كل قوانين المرافعات فقانون القضاء المدني يتضمن نصوصاً
تهدف
إلى هذا الغاية . فالفقرة 2 من الأمر الأول الجدول الأول تستوجب على
المحكمة عند
تصريح الدعوى وتحديد الجلسة الأولى أن تقرر ما إذا كانت الجلسة الأولى
محددة للفصل
النهائي في الدعوى أو لتحديد نقاط النزاع. وينبغي تحديد الجلسة الأولى
للفصل
النهائي في كل الدعاوى التي تنظر بواسطة قاضي الدرجة الثانية والثالثة. وفي
هذه
الحالة يطلب من المدعى عليه في الإعلان إحضار كافة شهوده ومستنداته التي
يعتمد
عليها في إثبات دعواه. وغني عن البيان أن تصور الشارع هو سمع الدعوى
بكليتها
في تلك الجلسة كما أن المادة 92 من نفس القانون تتطلب إصدار الحكم بعد
السماع
مباشرة. وعلى نفس النهج مسار قانون المرافعات المصرية سنة 1968. فالمادة 97
تستوجب
إجراء المرافعة في أول جلسة والمادة 171 تتطلب إصدار الحكم عقب الانتهاء من
المرافعة ولم يتخلف عن الركب قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974 فالمادة 72
تنص
على مناقشة الخصوم في الجلسة الأولى وتحديد نقاط من واقع المناقشة المادة
79.
والمادة 82 تستوجب سماع الدعوى بعد تحديد نقاط النزاع مباشرة وفي نفس
الجلسة. كما
تتطلب المادة 101 إصدار الحكم والنطق به في الجلسة ذاتها.


وغني عن
البيان أن هذه النصوص رغم صراحتها لم تحقق الغايات التي توخاها الشارع. فقد
طلت
القضايا تتسكع في أروقة المحاكم بالسنين. ومن ثم كان لا مناص من صياغة نصوص
أكثر
صرامة وإلزاما وابتداع وسائل وأساليب أنجع في القضاء على بطء –البت في
القضايا.
وهذا ما توخاه الشارع عموماً من إصدار قانون 1983م.



وباستقراء التعديلات التي تضمنها القانون الجديد يتبين لنا أن تلك
التعديلات تركزت
على عدة وسائل وعلى رأسها الاقتصاد في الإجراءات وتقليص المدد المحدودة
للقيام
بتلك الإجراءات والحد من فرص الطعون وسنتناول فيما يلي تلك المرتكزات بقدر
بسيط من
التفصيل:



1- الاقتصاد
في الإجراءات:-




الإجراءات هي الأشكال الخارجية للخصومة وتختلف عن أصل الحق فيها ووظيفة
الإجراءات
هي أنها تنظم تطبيق القانون الموضوعي المتعلق بالحق في الدعوى. فهي بهذه
الصفة
أداة وليست غاية في حد ذاتها. ومن ثم كان لزاماً توظيف الأداة لتكون أكثر
تحقيقاًُ
للغاية. ومن هنا نبعت فكرة الاقتصاد في الإجراءات أي تحقيق الغاية بأقل قدر
من
الإجراءات. وقد اختار المشرع عدة وسائل لتحقيق هذا الغرض.



1-
المحاكمات الإيجازية:-


أنجع وسيلة
للحد من طغيان الإجراءات هي شفاهة المحكمة ومن ثم جعل المشرع الأصل في
المحاكمات هو النظر الإيجازي ولذلك نص على ضرورة استخدام تلك الطريقة في
كل
الدعاوى المستعجلة وذات الطبيعة البسيطة والتي تكون بينتها حاضرة ولا تحيد
عنها
للطريقة غير الإيجازية إلا بسبب القيمة أو لأسباب أخرى تدون بالمحضر.
المادة (91).
والمقصود بالطريقة الإيجازية "عدم التقيد بشكليات المذكرات الأولية
والمرافعات والقيود الإجرائية - إلا ما كان لازما للفصل العادل في الدعوى
"
وبهذا الأسلوب تخلص المشرع عن أهم أسباب المطل والتسويف. فلم يعد ثمة مجال
للمذكرات وتعديل المذكرات وإكمال المذكرات والتفاصيل والرد على التفاصيل
وما يتبع
ذلك من مطبات تقود إلى المحاكم الاستثنائية طلوعاً ونزولاً. عدة مرات في
أولى
مراحل الدعوى. ولاستيعاب مدى فعالية هذه النصوص ينبغي دراسة ظاهرة التقاضي
أمام
القاضي الجزئي ومجالس القضاة. فهذه المحاكم تملك صلاحية الفصل إيجازيا في
الدعاوى
التي لا تتجاوز قيمتها 2000 جنيه. وهذا الاختصاص يمثل مركز الثقل في
المنازعات
التي تطرح أمام المحاكم الدنيا. فهي تشمل الغالبية العظمى من
قضايا............


الإخلاء والديون
العادية والمعاملات التجارية والاختصاص الإيجازي – يعالج ترخي البت في
الدعاوى
بطريقتين:-



1- إحالة
القضايا التي تدخل في اختصاص مجالس القضاة لتلك
المجالس وبالتالي إزاحة عبء كبير عن كاهل المحكمة. ولا أدري الحكمة من
استثناء بعض
القضايا من اختصاص تلك المجالس ما دامت عضويتها – حسب التكوين الجديد-
تتألف من
قضاة مؤهلين. وقد تنبه السيد رئيس القضاة إلى ذلك وأصدر قرار بمنح سلطات
قاضي جزئي
كاملة إلى 21 مجلساً بمعتمدية الخرطوم.



2- من الناحية
الأخرى القضايا التي تخرج عن نطاق اختصاص المجلس ينبغي نظرها إيجازيا
بواسطة
المحاكم الجزئية.



والاختصاص
القيمي الإيجازي لهذه المحاكم يشمل أغلبية قضايا الإخلاء والتي تشكل العبء
الأكبر
على تلك المحاكم. فمثلاً قضية إخلاء الحاجة الماسة للعقار تبلغ أجرته 300
جنيه
يمكن نظرها إيجازيا. وهذا إنجاز مرتفع نسبياً ويترتب على ذلك إدراج حتى
قضايا
السكن الفاخر في اختصاص المحاكم الجزئية الإيجازي. وليس لدى الهيئة
القضائية
إحصائيات دقيقة بأنواع وقيمة الدعاوى ولكن من بعض التحريات والاستطلاعات
الخاصة
يتضح أن الاختصاص الإيجازي بمد رفع قيمته إلى 2000 يشمل أكثر من 50 – من
مجموع
القضايا المطروحة أمام المحاكم.


3- كشف
أوراق الخصوم في مستهل الدعوى:




نصت المادة 33(1) على ضرورة إرفاق المستندات أو صور منها وكشف بأسماء
الشهود وعناوينهم
وملخص ببياناتهم مع عريضة الدعوى. كما نصت المادة 74 (2) على ضرورة إرفاق
المستندات وكشف بأسماء الشهود مع مذكرة الدفاع وهذه النصوص مقصود منها
إلزام
الخصوم بالكشف عن الأدلة التي يعتمدون عليها في إثبات دعواهم أو دفاعهم منذ
البداية.والغاية من هذه الأحكام:-



1- إعلام الخصوم بما في جعبة الطرف الآخر
ومن ثم يكون على بينة من أمره.



2- تفادي المفاجآت التي تحدث أثناء سير
الدعوى بإفراز مستندات أو استدعاء شهود قد يكونون محل اعتراض أو سببا لطلب
التأجيل
أو تعديل الدعوى أو الدفاع.



3- اختصار مراحل الكشف على المستندات
والاطلاع والاعتراض عليها.



4- تحديد عدد الشهود منذ أول وهلة بدلا من
ترك الأمر لمزاج الخصوم وظروف الدعوى بما يؤدي إلى تأجيل سماع الدعوى كلما
طلب
استدعاء شاهد جديد.



هذه النصوص
قد تبدو غريبة لأول وهلة بالنسبة لما جرى عليه العمل في محاكمنا. ولو أن
قانون
القضاء المدني 1929م – كما أسلفنا يتضمن نصوص شبيهة المعنى إلا أنه لم
يستقر
العمل بها. ونفس الشيء ينسحب على قانون المرافعات المصرية سنة 1968.
فالمادة 65(1)
تتطلب من المدعي أن يرفق مع صحيفة دعواه المستندات المؤيدة لدعواه بالإضافة
إلى
مذكرة شارحة لها. والفقرة (2) من نفس المادة تتطلب من المدعي عليه أن يرفق
مع
مذكرة دفاعه المستندات التي يعتمد عليها في دفاعه وذلك قبل ثلاثة أيام من
تاريخ
الجلسة الأولى. وما حدث في محاكمنا حدث في مصر. فقد جرى العمل على عدم
التمسك
بأحكام المادة 65 – راجع الوسيط من قانون القضاء المدني" الدكتور فتحي والي
صفحة 502.


ولعل عدم
التزام المحاكم الكامل بنصوص تلك المواد هو الذي حمل المشرع السوداني على
ترتيب
جزاء صريح وصارم على مخالفتها. فقد نصت المادة 33(2) من قانون الإجراءات
لسنة1983
على أنه "لا يسمح بتقديم أي مستندات أو سماع أي شهود لا يقدم بهم كشفاً وفق
حكم البند (1)" – ومثل هذا الجزاء لم يرتبه لا قانون القضاء المدني
السوداني
ولا المرافعات المصري بمثل هذه الصراحة والصرامة. فالفقرة (3) من الأمر
الأول من
قانون أو شهود أن تصدر حكماً أو أن تؤجل الدعوى لجلسة أخرى لتقديم
المستندات
والشهود. والمادة 97 مرافعات مصري تجيز للخصم تقديم أي مستند في مرحلة
لاحقة:-


1- إذا لم يكن
في استطاعته تقديمه مع عريضة الدعوى كما لو
تحصل عليه بعد إقامة الدعوى.



2- إذا ما كان
يتضرر تقديمها مع عريضة الدعوى كمستندات تتعلق
بمسائل أثارها الخصم في دفاعه.



3- إذا كان ثمة
عذر مقبول وفي هذه الحالة إذا أدى قبول
المستند إلى تأجيل الدعوى وجب على المحكمة الحكم على مقدم الطلب بغرامة من
ثلاثة
إلى عشرين جنيها.




هذا كما أن البند (ب) من المادة 97 تجيز لأي خصم تقديم مستندات جديدة رداً
على
دفاع خصمه أو طلباته العارضة مثلاً إذا رفع دعوى قديمة أو دفع بالبطلان أو
التقادم. ولعلنا نجد ضالتنا في تأصيل هذا الجزاء في نص المادة 69 من الجدول
الثاني
الملحق بقانون الإجراءات الجديد. وهو على وجه التحديد لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية
السابقة والتي تطبق على قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين ونصها كالآتي:-




"على الخصوم أن يبين كل منهم أسماء الشهود الذين يريدون الاستشهاد بهم
على
دعواهم ومحال أقامتهم وعلى المحكمة إثبات ذلك بمحضر الجلسة الأولى ولا يجوز
قبول
شهود سوى هؤلاء إلا إذا قدم الخصم للمحكمة عذراً مقبولاً في عدم ذكرهم
أولاً."




ويلاحظ على هذا النص الآتي:-



1- أن بيان أسماء الشهود يتم في الجلسة
الأولى أي بعد سماع أقوال الخصوم وتبلور الدعوى واستكشاف أبعادها ذلك لأن
نطاق
الدعوى لا يتحدد على وجه اليقين إلا بعد معرفة دفاع المدعى عليه.



2- يجيز النص استدعاء شهود جدد متى كان هناك
عذر مقبولا والسؤال المطروح هو كيف ستتعامل المحاكم مع نص المادة 33 من
القانون
الجديد. هل ستتوخى الحرص على التمسك بحرفية النص ونطبقه بدقة دون استثناء
علماً
بأن الشارع رتب الجزاء دون أي إستثناءات أم أنها ستخضع أحكامه لمقتضيات
العدالة
ولظروف كل واقعة تثار أمامها على نحو ما ورد في القوانين التي سبق
استعراضها
والإجابة على هذا التساؤل ستفرزها الممارسة والتطبيق ومن السابق لأوانه
–إبداء رأي
محدد عن توجهات المحاكم في هذا الصدد.



إلا أن هناك
قواعد أساسية ينبغي أن لا تغيب عن البال. فالمحاكم في تطبيقها للنصوص
الإجرائية تجرى
موازنة دقيقة بين هدفين من أهداف المشرع. وهما تحقيق العدالة وسرعة البت في
القضايا وتحقيق العدالة يتطلب إتاحة كل الفرص للخصوم لطرح خصومتهم أمام
المحكمة
على أحسن الوجوه. فالدفاع سواء بالنسبة للمدعي لإثبات دعواه أو للمدعى عليه
لدحض
دعوى الخصم ليس واجبا فقط بل حقاً كفله القانون والدستور ومن الناحية
الأخرى يتعين
على المحاكم – حرصاً على سرعة البت في الدعاوى- أن تمنع استخدام الإجراءات
الشكلية
كمطية لعرقلة السير في الدعوى. ولذلك إذا تعارض التمسك بالإجراءات الشكلية
مع
متطلبات العدالة بحيث يؤدي الالتزام بالشكل إلى انتهاك حق الدفاع وبالتالي
إجهاض
العدالة فينبغي التضحية بمتطلبات الشكل. وقد نصت المادة 303(2) على ذلك
صراحة:-
"لا يعتبر ما جاء في هذا القانون ماسا أو مقيداً لسلطات المحكمة الطبيعية
في
إصدار الأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة أو منع سوء استغلال
إجراءات
المحكمة".


وقد فسرت
المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف في العديد من السوابق هذه المادة بنفس
المعنى.
والجدير بالذكر أن نص المادة 303(2) لم يتغير في كل قوانين الإجراءات
المتعاقبة.
ونورد فيما يلي جانبا من اجتهادات المحكمة العليا على سبيل المثال:-


1- أحمد إبراهيم
فؤاد ضد الحاج عمر الشيخ 1975 المجلة ص 67:




جاء في حكم المحكمة العليا أن المادة 303 "لم يقصد منها التناقض مع أي نص
في
القانون. ولم يقصد أن تسود أو تحل مكان النصوص الصريحة. بل قصد منها تكملة
القوانين حيث يوجد غموض أو عدم تناسق أو عدم عدالة تتأتى من الحرفية وذلك
مما يحقق
العدالة ويمنع سوء استغلال الإجراءات والقوانين المشار إليها والمفروض عدم
معارضتها مع القوانين الموضوعية. كما جاء في سابقة.



2- عمر
علي عثمان ضد حمد أحمد درفيل 1975 المجلة
ص 75:-




إذا ورد في حكم المحكمة العليا بأن مادة 303 "تنحصر وظيفتها ي الرقابة على
الإجراءات تحوطاً من أن يؤدي التمسك بحرفية النصوص الإجرائية إلى اختلال
ميزان
العدالة. وهي لذلك لا تنطبق على المادة 10(ج) من قانون تقييد الإيجارات لأن
الأخيرة ليست مادة إجرائية.



3-
جعفر سليمان ضد حليمة حسن جبريل 1978 نشرة
الأحكام يناير وفبراير ص 76:-




وهي قضية تتعلق بمد ميعاد الطعن تحت المادة 70 من قانون الإجراءات المدنية
لسنة1974 والتي تجيز مد الميعاد "لأسباب كافية تدون بالمحضر" والتفتت
المحكمة عن هذا النص استخداما لسلطاتها الطبيعية تحت المادة 303(2). فقد
جاء في
حكمها.




"يجوز مد ميعاد الطعن تحت المادة 70 تطبيقاً لسلطات المحكمة الطبيعية بموجب
المادة 303 إذا رأت أن هناك أسبابا وجيهة سواء ذكرها مقدم الطلب أو لم
يذكرها إذا
تبين أن الحكم ممعنا في الخطأ وبني على أسباب وإجراءاته معيبة.



4- ورثة
الزاكي حاج عمر ضد علي العوض علي 1978 نشرة الأحكام مايو يونيو يوليو – ص
28:-




وهي دعوى تتعلق أيضاً بمد ميعاد الطعن وقد جاء في حكم المحكمة العليا:-



"تملك
المحكمة سلطة واسعة لمد مواعيد الطعن المادة 303 حتى ولو كانت الأسباب التي
أبداها
الطاعن غير كافية إذا تبين لها أن العدالة تقتضي المد والفصل في الطعن
موضوعاً دون
الوقوف على الشكل".


وتلك نصوص
صريحة –تشريعية وفقهية- لا لبس فيها ولا غموض تقلب مبادئ العدالة على
اعتبارات
الشكل. ومما يدعم هذا الرأي أن الشارع لم يستبعد تماماً احتمال استخدام
المحكمة
لسلطاتها التقديرية لاستدعاء شهود جدد أو طلب مستندات جديدة. فالمادة 85 من
قانون
الإجراءات سنة 1983 تنص:-


"يجوز
للمحكمة كلما كان ذلك ضروريا وفي أي وقت سواء من تلقاء نفسها أو بناء على
طلب
الخصوم:-



(أ) أن
تكلف بالحضور أي شخص لأداء الشهادة أو لتقديم مستند أو أي شيء آخر من
الأشياء التي
يمكن تقديمها كدليل إثبات.



(ب) أن تأمر أي شخص يكون
حاضراً بأن يؤدي الشهادة أو أن يقدم
أي مستند أو أي شيء آخر يكون في حيازته أو تحت تصرفه. فوجود هذا النص لا
يستقيم مع
الرأي القائل بتقديس نص المادة 33(2) المانع لقبول أي شهود أو مستندات في
أي مرحلة
لاحقة خاصة وأن النص يبيح للمحكمة استخدام السلطات المشار إليها "في أي
وقت".



السلطات
الطبيعية المنصوص عليها في المادة 303 إجراءات هي في جوهرها سلطات تقديرية
ومن
المسلم به أن استخدام أي سلطة تقديرية ينبغي أن يتم وفق معايير موضوعية
وأسباب سابقة
وبخلاف ذلك يشكل الاحتكام إليها سوء استخدام تلك السلطة. فهل من الممكن
استخلاص مثل تلك المعايير والأسباب من نصوص القانون الجديد على غرار
المعايير
والضوابط التي استخلصتها المحاكم بصدد السماح بتعديل الدعوى وذلك على نحو
ما جاء
في السابقة القضائية على البشير ضد أحمد على الحاج 1964 المجلة ص 72.


لقد منح
القانون الجديد المحاكم سلطات تقديرية في العديد من المسائل ووضع معايير
وضوابط
لاستخدامها ويمكن الاسترشاد بها واتخاذها كمؤشرات. ونورد فيما يلي بعض منها
على
سبيل المثال:-


1- اللجوء إلى الإعلان
البديل المادة 44-



لأسباب كافية
تدون بالمحضر



3- تأجيل الدعوى أو مد الميعاد المادة 70 –


عند الضـرورة


4- غياب بض المدعين أو المدعى عليهم المادة
63، 64-



إصدار
الأمر الذي تراه مناسباً.



5- تديل المذكرات المادة 77-


إذا اقتضى ذلك
بالضرورة الفصل العادل أو ضياع الحق.



6- تعديل نقاط النزاع المادة 80-


إذا كان ذلك
ضرورياً.



7- رفض طلب الضم المادة 94-


عدم المصلحة
الجدية إن لم يقصد به إلا تأخير الفصل في
الدعوى.



8- الإدخال المادة 95-


إذا كان
ضرورياً للفصل في الدعوى فصلا عادلا أو لإنهاء
الخصومة.



9- تأجيل النطق بالحكم المادة 101-


لأسباب جدية
ومهمة تدون بالمحضر.



وباستقراء
العبارات والمعايير سالفة الذكر يتبين أنها – بحكم عموميتها- لا تقدم حلاً
شافيا
ولا ترسم خطا واضحاً لاستخدام السلطات التقديرية. وليس من الميسور
الاستيثاق إن
كان الاختلاف بين الكلمات والعبارات في القانون السابق والراهن اختلاف نوع
أم
اختلاف درجة، وأيا كان الأمر فإن استعمال السلطات التقديرية على وجه العموم
– يخضع
لفكر وضمير ووجدان القاضي ومن ثم لا يخضع لرقابة المحكمة العليا.


ومما يستدعي
الانتباه أن المادة 74 من قانون الإجراءات المدنية 1983 لا تتضمن جزاء
مماثلا لما
ورد في المادة 33(2) بعدم السماح بتقديم شهود أو مستندات لم – ترفق مع
عريضة
الدعوى مع أن أصل المادة يتطلب بيان الشهود وإرفاق المستندات مع مذكرة
الدفاع. فهل
يستقيم القول بأن غياب النص الجزائي قصد منه عدم وضع أي قيود على حرية
المدعي عليه
خلافا للمدعي. إذا صح ذلك تصبح التفرقة غير منطقية وغير عادلة خاصة إذا
أخذنا في
الاعتبار أن المدعى عليه هو المستفيد من التأخير وهو الذي يسعى عادة إلى
المماطلة
والتسويف. فإذا كان الأمر كذلك فهل في الإمكان تفسير غياب النص الجزائي في
حالة
المدعى عليه تفسيراً يتفق ومبادئ العدالة.



نبدأ فنؤكد أن مراكز الخصوم لا تظل ثابتة في كل مراحل الدعوى. فهي تتغير
وتتبدل
وفقا لما يقدمون من دفوع وطلبات. فالمدعي قد يتحول إلى مدع عليه والأخير
إلى مدع.
وقد جاء في "الوسيط في قانون القضاء المدني للدكتور فتحي والي صفحة 353 ما
يلي:-




"يلاحظ أن الذي يميز المدعي ليس فقط أنه من يقدم الطلب وانما يميزه أنه من
يقدم طلباً يتضمن رفع دعوى معينة. ولهذا إذا تقدم شخص بدعوى دين معين.
فتقدم من
وجه إليه الطلب بطلب سماع شهود له يبقى مدعى عليه. وعلى العكس إذا تقدم
بطلب ثبوت
دين له في ذمة المدعي وإجراء المقاصة فإن المدعى عليه في الطلب الأول يعتبر
–بالنسبة لطلبه- الذي يتعلق بدعوى تختلف عن الدعوى محل الطلب الأول مدعياً
ويعتبر
من يوجه إليه الطلب مدعى عليه بصر النظر عن موقفه من الخصومة".




وهذا المفهوم قننته المادة 95 من قانون الإجراءات لسنة 1983 إذا جازت
للمحكمة "اعتبار
أي مدع مدعى عليه أو أي مدعى عليه مدعياً"
وقد جرى العمل على اعتبار
المدعى عليه الذي يقيم دعوى فرعية مدعياً في تلك الدعوى والمدعى في الدعوى
الأصلية
مدعى عليه في الدعوى الفرعية. وقياسا على ذلك فإن المدعى عليه الذي يدفع
بالبطلان
أو التزوير يقدم طلباً يتضمن دعوى البطلان أو التزوير وعليه يقع عبء
إثباتها. وفي
هذه الحالة يتحول مركزه من مدعى عليه إلى مدع بصدد تلك الواقعة. ويتوجب
عليه بيان
الشهود والمستندات التي يعتمد عليها ومن ثم يصح القول بأنه يمتنع عليه وفقا
لأحكام
المادة 33(2) تقديم أي مستندات أو شهود جدد بخلاف المذكورين في مذكرة دفاعه
وإعمالا لنفس الجهد في القياس يجوز للمدعي الأصلي –الذي أصبح مدع عليه
حكما- أن
يقدم شهود ومستندات جدد في رده على مذكرة الدفاع التي تصل في طياتها دعوى –
جديدة.
نخلص من ذلك إلى أن نصوص المادة 33(2) تنسحب على المدعى عليه في بعض
الحالات
ولا يصح القول بأن الشارع قصد إطلاق يد المدعي عليه في كل الأحوال.



الإعــلان
البديــل:-




جرى العمل على قبول الدعوى في حالة عدم معرفة عنوان المدعى عليه وتكليف
المدعي
بالبحث عنه سواء كان داخل أو خارج السودان. وحتى بعد تصريح الدعوى فقد
استقر العمل
قضاء على عدم اللجوء إلى الإعلان البديل إلا بعد استنفاذ الطرق العادية
للإعلان
وبعد أن تتأكد المحكمة أن المدعى عليه يتهرب لتفادي الإعلان فقد جاء في حكم
محكمة
الاستئناف القديمة في السابقة القضائية طه عوض الكريم ضد بشارة محمد الإمام
1967
المجلة القضائية صفحة 11 ما يلي:-




وإعمالاً لهذه المعايير فإن المحاكم لا تستخدم طرق الإعلان البديلة إلا بعد
أن
يتبين لها أن المدعى عليه يتهرب أو لا يملك مقراً ثابتاً أو دائم التجوال
أو يقيم
بالخارج وحتى تصل المحكمة إلى هذه القناعة تكون عدة شهور قد مضت دون أن
تتقدم
الدعوى خطوة واحدة. وقد جاءت المادة 44(3) لعلاج هذه الظاهرة. فأجازت
للمحكمة
استخدام الطرق البديلة للإعلان ابتداء أي بدون استنفاذ الطرق العادية. ولا
يعني
ذلك قبول أي أعذار يسوقها المدعي لعدم تحديد عنوان أو مقر عمل المدعى عليه
بل لابد
من اقتناع المحكمة لأسباب كافية تدون بالمحضر بأن الإعلان البديل هو السبيل
الأجدى. هذه الأسباب تتوقف على ظروف كل دعوى وتخضع لتقدير القاضي.






تعديـــل
المذكــرات:-



تقضي المادة 77 من
قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974 على الآتي:-



1- يجوز تعديل المذكرات
في أي مرحلة تكون فيها الدعوى.



2- يجب التعديل لتحديد
المسائل المتنازع عليها بين الأطراف.



وإعمالا
لأحكام المادة السابقة الذكر وتطبيقاً للسوابق التي استقرت قضاء تحت ظل
قانون
القضاء المدني لسنة 1929 فقد أرسيت القواعد التالية لتحكم التعديلات التي
تطرأ على
المذكرات خلال مسار الدعوى. فقد جرى العمل في المحاكم على منح الأذن بتعديل
الدعوى
في الأحوال التالية:-


1- كلما كان التعديل لازما لتحديد النقاط
المتنازع عليها. وهذه قاعدة عامة. فالدعوى ينبغي أن تحسم الخصومة من جذورها
ولا
تترك لها ذيولاً. ولا تقوم الدعوى بوظيفتها تلك ما لم تتصدى إلى جوهر
النزاع وتحدد
الحقوق والالتزامات بشكل نهائي. وتحقيقاً لهذه الغاية فقد منحت المادة
95(1)(أ)
المحكمة صلاحية ضم أي شخص كخصم إذا رأت أن ضمه ضرورياً لإنهاء الخصومة.



2- إذا كان يترتب على رفض التعديل احتمال
حرمان أي خصم من طلب أو دفع على أساس حجية الأمر المقضي فيه. بمعنى حرمانه
من
إثارة الطلب أو الدفع
في دعوى لاحقة لأنه كان
يتحتم أو يمكن أثارته في تلك الدعوى. ففي قضية إبراهيم محمد عوض الله ضد
حكومة
السودان – موسوعة أحكام محكمة الاستئناف 1953-1954 صفحة 44 حيث شحن المدعي
كمية من
البن للجنوب وفقدت البضاعة نتيجة اصطدام الصندل المشحونة فيه البضاعة
بالصخور في
النيل وغرقه. فأقام المدعي دعوى تعويض لإهمال المدعى عليه في قيادة الباخرة
مما
أدى إلى وقوع الحادث بعد ذلك طلب تعديل الدعوى على أساس أن الإهمال كان في
العناية
بالبضاعة بعد الحادث.



فصرحت
المحكمة بالتعديل تطبيقاً لهذه القاعدة. أم في دعوى يوسف ثابت ضد عثمان
صالح
المجلد الثالث صفحة 318 حيث أقيمت الدعوى للحصول على تعويض بسبب رفض المدعى
عليه
بدون وجه حق عروض الشراء المقدمة من المدعي ثم طلب التعديل لتأسيس الدعوى
على أساس
الأمانة.


وطلب
تعويض أكبر رفض التعديل بدعوى أن سبب الدعوى في الحالتين مختلف ومن ثم لا
يصلح
أساسا تطبيق قاعدة حجية الأمر المقضي به . والجدير بالذكر أنه يكفي للتصريح
بالتعديل مجرد احتمال إثارة الدفع بالحجية في مواجهة طالب التعديل ومن ثم
لا تتصدى
المحكمة إلى تقرير نجاح الدفع إذا أثير.


3- إذا كان رفض
التعديل يؤدي إلى تعدد القضايا،
والمادة 32 إجراءات تجيز ضم عدد من الأسباب في الدعوى الواحدة إلا أنها
تسمح
للمحكمة بأن تصدر أمرا بإقامة دعاوى مستقلة إذا تبين لها صعوبة الفصل فيها
سوياً.
والملاحظ أن المادة تشير إلى جمع عدة أسباب للدعوى وليس عدة طلبات ناشئة من
سبب
واحد. ففي حالة الأولى لا يجوز الدفع بحجية الأمر المقضي فيه إذ أن لكل
دعوى سبب
مستقل ومن ثم لا تتخذ الأسباب في الدعوتين. بينما في حالة الطلبات يمتنع
على الخصم
المطالبة بما أسقطه من طلبات وفقا لنص المادة 31 (3) و 29 من قانون
الإجراءات.
ومنح الإذن في التعديل منعا لتعدد القضايا. أما إذا كان التعديل غير وثيق
الصلة
لموضوع الدعوى الأساسي أو يثير مسائل موضوعية أو قانونية صعب ومعقدة أو إذا
قدم
التعديل في مرحلة متأخرة بحيث يتطلب إعادة سماع جزء من أو كل الدعوى فيتعين
رفض
التعديل. وبعبارة أخرى يتعين على المحكمة إجراء موازنة بين ضرورة سرعة البت
في
الدعوى وتعدد القضايا في المسألة الواحدة.



ومن
ناحية أخرى قد استقر قضاء المحاكم رفض التعديل في الأحوال التالية:-


1- إذا تجافى مع العدالة بمعنى إلحاق ضرر
بدعوى الخصم لا يمكن تعويضه بإصدار أمر بالمصروفات.



2- إذا قدم طلب التعديل في مرحلة متأخرة أو
انطوى على سوء نية. ويجوز استخلاص سوء النية من تأخير طلب التعديل. وفي
قضية
إبراهيم أحمد الأسد ضد سيد عبد الله الفاضل المجلد 4 صفحة 33 حيث كان موضوع
الدعوى
إجراء محاسبة بصدد شراكة وبعد صدور الحكم الابتدائي تقدم المدعي بطلب تعديل
للمطالبة بالفوائد عن المبلغ المحكوم به منذ تصريح الدعوى بينما قدم المدعى
عليه
بأن مسئولية الشركاء المدعى عليهم انفرادية وليست تضامنية كما جاء في أصل
الدعوى.
رفضت المحكمة كل طلبات العديل من الجانبين.



3- إذا كان التعديل فنيا وغير منتج في الدعوى
بمعنى أن التعديل لا يساعد المدعي في إثبات دعواه ولا يساعد المدعى عليه في
دحض
دعوى الخصم. ففي سابقة على البشير ضد أحمد على الحاج 1964 المجلة القضائية
صفحة 72
كان موضوع الدعوى حساب مقطوع افرغ في مستند موقع عليه من المدعى عليه.
فأنكر
المدعى عليه جملة وتفصيلاً. فيما بعد طلب المدعى عليه تعديل دفاعه على أساس
أن
الموضوع الحساب شراكة بين الطرفين مع إنكار بعض بنود الحساب.



رفض
التعديل استناداً على أن الدفع الوحيد المتاح للمدعى عليه ي ظروف الدعوى هو
الخطأ
في طبيعة المستند نتيجة الغش والتدليس ثم التعديل غير منتج في الدعوى.


4- إذا كان التعديل يهدم الأساس الذي تقوم
عليه الدعوى. في السابقة أعلاه الدفع بأن الحساب يتعلق بشراكة مع طلب تقديم
حساب
جديد وإنكار لبعض بنود الحساب بهدم دعوى المدعي الذي تقدم على حساب مقطوع
ويخلق
دعوى جديدة مختلفة عن الدعوى الأصلية.



5- إذا كان يترتب على التعديل حرمان الخصم
من حق ثبت له بمرور الوقت مثلا لا يجوز تعديل الدفاع بطل إجراء مقاصة عن
ديون سقطت
بالتقادم منذ إقامة الدعوى.



6- إذا كان التعديل بشكل دعوى جديدة. ففي
سابقة علي سعيد بشار. ضد أحمد علي صالح 1958 المجلة القضائية صفحة 84. أقام
المدعي
دعوى لتحصيل مبلغ محدد من المال بمقتضى قرار بتحكيم وفيما بعد طلب تعديل
الدعوى
لتأسيس المطالبة على مسئولية عقدية.



فرفض التعديل على أساس
أنه يشكل دعوى جديدة مختلفة عن الدعوى الأصلية.




تلك كانت المعايير والضوابط التي استقرت قضاء من ظل قانوني القضاء المدني
1929
والإجراءات المدنية 1974. ثم جاء قانون الإجراءات 1982 لينص على الآتي في
المادة
77:-




"لا يجوز للمحكمة أن تسمح لأي من الأطراف بتعديل مذكراته بعد اكتمال
المذكرات
إلا إذا تبين للمحكمة أن الفصل العادل في الدعوى يقتضي ذلك بالضرورة أو أن
حقا
واضحاً سيضيع إذا لم تعدل المذكرات".




وواضح أن هذا النص أحدث انقلابا في الأوضاع. فلم يعد الأصل في التعديل
الإباحة
والرفض هو الاستثناء كما كان الحال في ظل القوانين الملغاة بل أصبح الأصل
عدم جواز
التعديل إلا في حالات حددها المشرع على سبيل الحصر هي:-



1- إذا كان التعديل ضرورياً للفصل في
الدعوى.



2- إذا كان رفض التعديل يؤدي إلى ضياع حق
واضح.



ومما
لا جدال فيه أن المشرع قد قصد أن يكون النص الجديد أكثر تشدداً من رصفائه
في
الماضي. وغني عن القول أن المشرع توخى تقييد حرية المحكمة في استخدام
سلطاتها
التقديرية ي قبول تعديل المذكرات وإلا أنه من غير الميسور سبر غوار القيود
ومعرفة
أبعادها في هذه المرحلة هو أن المشرع قصد أن ينبه إلى أنه في القانون
الجديد الأصل
في المحاكمات المشافهة وأن المذكرات لا يلجأ إليها إلا في القضايا المعقدة
أو
كبيرة القيمة وفي هذه الحالة يتعين على القاضي أن يتعامل معها بقدر كبير من
الانضباط ولا يسمح بتعديلها إلا في حالة الضرورة القصوى.


إزالــة
الازدواجيــة وتعــدد القضايـا:-




بالرغم من أن المادة 77 (أ) (1) من قانون العقوبات 1974 تعطي المحكمة
الجنائية
صلاحية الحكم بالتعويض في حدود ما يمكن الرجوع به على المتهم في دعوى
مدنية
بالرغم من أن البند (2) من نفس المادة يقضي بجواز تنفيذ الحكم الصادر
بالتعويض
بواسطة المحكمة المدنية طبقا لإجراءات تنفيذ أحكامها – بالرغم من ذلك فقد
جرى العمل
على إصدار حكم بتعويض مؤقت على شكل غرامة يراعى في تحديدها الضرر الواضح
وفداحة
الجريمة نسها وقد لا يتناسب مع الضرر الحقيقي كما يهدف في واقع الأمر إلى
مساعدة المضرور في تدبير أمره إلى حين إقامة الدعوى المدنية والفصل فيها
ذلك لأن طبيعة الدعوى الجنائية لا تتسع فتشمل سبل تقصي كل أوجه الضرر
وإصدار
تعويض عادل شامل – هذا كما لم يجر العمل على تنفيذ الأحكام الصادرة
بالتعويض
بطرق التنفيذ المدنية بل يكتفي المضرور ي الغالب بعقوبة السجن البديلة.
ولذلك
استقر العمل على إقامة دعوى مدنية بالتعويض الكامل بعد الفراغ من الدعوى
الجنائية
وذلك لأن المادة 40 من قانون القضاء المدني 1929 ورصيفتها المادة 29 من
قانون
الإجراءات المدنية 1954 لا تعبر الدعوى الجنائية دعوى في معنى المادة بحيث
لا
يتمتع الحكم الصادر بالتعويض في الدعوى الجنائية بحجية الأمر المقضي فيه
ومن ثم لا
يقف حائلاً دون إقامة الدعوى المدنية اللاحقة. وهذا الفصل بين إجراءات الحق
الجنائي والحق المدني يترتب عليه تعدد القضايا في الواقعة الواحدة وحرمان
المضرور
من قبل حقوقه لعدة سنوات.




وقد استهدف القانون الجديد محاربة ظاهرة الازدواجية ونظم كيفية مباشرة دعوى
التعويض الناشئ من الجريمة وأجاز أقامتها أمام القضاء الجنائي تبعاًَ
للدعوى
الجنائية نص على قانون العقوبات المادة (2)(ب) على المبدأ العام على النحو
التالي:-




"أن يعوض الشخص المضرور تعويضا عادلاً من ضرر نتيجة ارتكابه هذه
الجريمة".




وبذلك قضى على الموقف السلبي من جانب المحكمة الجنائية إزاء التعويض المدني
إذا
أوجب عليها ضرورة تقصي كل أوجه الضرر وتعويض المضرور تعويضاً شاملا بدلا من
التعويض المؤقت. وتحقيقاً لهذه الغاية فقد منحت المادة 18 من قانون
الإجراءات
الجنائية 1983 المحاكم الجنائية سلطات القاضي الجزئي كاملة بمعنى جواز
إصدار أحكام
بالتعويض في حدود 25 ألف جنيه في حالة المحاكمة غير الإيجازية و 2 ألف
جنيه
إذا كانت المحاكمة إيجازية. هذا كما منحت المادة 47(2) من قانون حركة
المرور لسنة
1983 محاكم الحركة سلطات مماثلة وخولتها المادة 49(ج) من نفس القانون
صلاحية الحكم
بالتعويض في حالات الإتلاف.




وقد استهدف القانون الجديد محاربة ظاهرة الازدواجية ونظم كيفية مباشرة دعوى
التعويض الناشئ من الجريمة وأجاز أقامتها أمام القضاء الجنائي تبعاً للدعوى
الجنائية فنص في قانون العقوبات المادة(2) (ب) على المبدأ العام على النحو
التالي:-




"أن يعوض الشخص المضرور تعويضاً عادلاً عن كل ما أصابه من ضرر نتيجة
ارتكابه
هذه الجريمة".




وبذلك قضى على الموقف السلبي من جانب المحكمة الجنائية إزاء التعويض المدني
إذا
أوجب عليه ضرورة تقصي كل أوجه الضرر وتعويض المضرور تعويضاً شاملاً بدلاً
من
التعويض المؤقت. وتحقيقاً لهذه الغاية فقد منحت المادة 18 من قانون
الإجراءات
الجنائية 1983م المحاكم الجنائية سلطات القاضي الجزئي كاملة بمعنى جواز
إصدار
أحكام بالتعويض في حدود 25 ألف جنيه في حالة المحاكمة غير الإيجازية و 2
ألف جنيه
إذا كانت المحاكمة إيجازية. هذا كما منحت المادة 47(2) من قانون حركة
المرور لسنة
1983 محاكم الحركة سلطات مماثلة وخولتها المادة 49 (ج) من نفس القانون
صلاحية
الحكم
بالتعويض في حالات الإتلاف.




وحددت المادة 77 (أ) عقوبات إجراءات مباشرة الدعوى بالحق المدني أمام
القضاء
الجنائي على النحو التالي:-



(أ‌) الحكم بالتعويض الكامل
كأنها محكمة مدنية. والنص كما يبدو من ظاهرة ذو صيغة إلزامية "على
المحكمة".



(ب) ضم ذوي
المصلحة.مثلا المدعى بالحق المدني إذا كانت
الدعوى تباشرها النيابة أو البوليس.



(ج) تحصيل
الرسوم التي تحصل في الدعاوى المدنية. إلا أن
الرسم لا يحصل في مستهل الدعوى بل يخصم من أي تعويض يحكم به.



(د) لأغراض
التعويض وللحقوق الأخرى المترتبة لأي شخص
من جراء الجريمة تعتبر المحكمة الجنائية كمحكمة مدنية.




ولما أصبح الحكم الصادر بالتعويض في الدعوى الجنائية يملك كل مقومات الحكم
الانتهائي من حيث الاختصاص والفصل في المسائل موضوع النزاع فقد حذفت الفقرة
(2) من
المادة 29 من قانون الإجراءات المدنية التي لا تعتبر الإجرائية الجنائية
دعوى
لأغراض تلك المادة وبالتالي لا ينال الحكم الصادر منها حجية الأمر المقضي
فيه.
ونتيجة لهذا الحذف أصبح الحكم الصادر منها حجية الأمر المقضي فيه. ونتيجة
لهذا
الحذف أصبح الحكم الصادر في الدعوى الجنائية – يتمتع بمثل هذه الحجية – كما
نصت
المادة 57 من قانون الإثبات وهي نص المادة من قانون الإثبات وهي نص المادة
من
قانون الإثبات 1972 الملغي – على الآتي:-





"يرتبط القاضي في المعاملات بالحكم الجنائي في الوقائع التي فصل فيها ذلك
الحكم وكان فصله فيها ضرورياً.




ويبين من النص أن المادة أعلاه تتطلب توافر أمرين لاعتبار الحكم الجنائي
حجة
من الدعوى المدنية اللاحقة:-



1- أن تكون الوقائع محل الدعوى اللاحقة سبق
أن أثيرت في الدعوى الجنائية وفصل فيها فعلاً.



2- أن يكون الفصل فيها ضرورياً لإصدار حكم
في الدعوى الأولى.



ويبين من
استعراض تلك النصوص أن الدعوى في ظل النظام الجديد تكون دعوى ذات طبيعة
مختلطة
جنائية ومدنية. هي تهدف بالإضافة إلى الحصول على تعويض عن الضرر الناشئ من
الجريمة
إلى الاتهام في إثبات التهمة على الجاني إذ أن المسألة المدنية تتوقف على
المسألة
الجنائية. ذلك لأن عدم الإدانة سواء بسبب فشل الاتهام في إسناد الواقعة
للمتهم أو
عدم تجريمها بواسطة القانون يجعل الدعوى ذات طبيعة مدنية بحتة. ويترتب على
ذلك
زوال ولايتها الجنائية وبالتالي زوال اختصاصها المدني المتبقي.


ونظام
الدعوى المختلطة من سمات القانون المدني ولا يعمل به في أقطار القانون
العام الذي
يفصل فصلا ثابتاً بين الاختصاص الجنائي والمدني. والاختصاص المختلط ميزاته
العلمية
التي يمكن إجمالها على النحو التالي:-


1- اختصار الوقت والإجراءات بنظر الدعوتين
في محكمة واحدة فالقضاء الجنائي أقدر على الفصل في النزاع بشقيه. فهو الذي
باشر
التحقيق في الجريمة وبحث عناصرها.ومن ثم فهو في وضع أحسن من حيث تقدير
الضرر
الناجم عنها.



2- الإجراءات الجنائية أقل تعقيداًٍ
وبالتالي أسرع في الفصل.



3- الاقتصاد في الوقت والنفقات إذ أن
الخصومة تحسم في الدعوى الواحدة.



4- تفادي ما قد يحدث من تضارب في الأحكام
بين القضاء المدني والجنائي.



5- مزية التنفيذ عن طريق الإكراه البدني في
الأقطار التي لا تأخذ به في تنفيذ الأحكام المدنية. وأغلب أقطار القانون
المدني لا
تأخذ به.



6- ميزة الاستفادة من الأدلة التي لدى
السلطة العامة وهي أقدر على الحصول عليها من الشخص المضرور.



ولهذا
النظام أيضا معارضوه ونقاده.ويمكن تلخيص أوجه الاعتراض عليه في الآتي:-


1- إقامة الدعوى المدنية أمام القضاء
الجنائي للدعوى الجنائية من شأنه أن يعقد مهمة المحكمة الجنائية ويشغلها
بمسائل
مدنية هي أصلاً خارجة عن اختصاصها.



2- رفع الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي
قد يؤدي إلى انحراف المحكمة عن مهمتها الأساسية وهي البحث في إدانة وتبرئة
المتهم.
وقد يكون انحرافها نتيجة تأثرها باعتبارات مدنية بحتة وهي من الضرر الذي
لحق
بالمضرور ورغبتها في تعويضه.



ولا جدال في
أن الدعوى المختلطة هي فكرة مستحدثة في نظامنا القانوني. بالرغم من ذلك فقد
سكت
المشرع عن بيان الإجراءات التي تنظم نظر الدعوى المدنية وعلاقتها بالدعوى
الجنائية في حين أن البلاد التي أخذت بنظام الادعاء بالحق المدني في
الدعوى
الجنائية نصت في قوانينها على تطبيق الإجراءات الجنائية في الدعوى المدنية
التبعية. مثلا المادة 116 من قانون الإجراءات الجنائية المقررة بهذا
القانون
"أي الإجراءات الجنائية. وذهب القضاء المصري إلى أبعد من ذلك فقرر عدم جواز
الرجوع – في حالة غياب النص- إلى قانون المرافعات وضرورة تطبيق النص
الإجرائي
الجنائي حتى ولو كان مناقضا لنص صريح في قانون الإجراءات المدنية. وفيما
يبدو
بالرغم من شيوع هذا النهج من الوجهة التطبيقية إلا أنه لم يكن محل الرضا
التام. فبعض
الفقهاء رأى خلاف ذلك فقد صدرت عن المؤتمر الحادي عشر للجنة الدولية لقانون
العقوبات الذي انعقد ببودابست في 14/7/1974 التوصية التالية:-


"إن
القواعد التي تطبق على الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية لا يمكن إلا
أن تكون
خليطاً من قواعد الإجراءات الجنائية وقواعد الإجراءات المدنية".


وإزاء غياب
النصوص المنظمة للإجراءات تبقى هناك العديد من التساؤلات تنتظر الإجابة وما
قد
يسفر عنه التطبيق والممارسة وأهمها:-


1- كيفية توظيف الإجراءات الجنائية بحيث
تتسع لتشمل الفصل في المسائل المدنية التي يطرحها الادعاء بالحق المدني في
الدعوى
الجنائية.



2- من هم ذوي المصلحة التي أشارت إليهم
المادة 77(أ) عقوبات وما هي المرحلة التي يجوز فيها ضمهم علما بأنه في مصر
يحق
لذوي المصلحة التدخل في مرحلة التحقيق التي تباشره النيابة في مرحلة جمع
الاستدلالات.



3- هل الادعاء بالحق المدني فبي الدعوى الجنائية
إجباري أم للمدعي الخيار في اتباع الطريق المدني. في القانون المصري للمدعي
الخيار
ولكن هناك خلاف حول ما إذا كان يتعين على المدعي انتظار الفصل في الدعوى
الجنائية
أم يجوز رفعها من قبل ذلك. ولو أن الأمر سيان إذ أن القاعدة العامة أن
الدعوى
الجنائية توقف الدعوى المدنية سواء كانت مرفوعة قبلها أو بعدها. المادة 265
من
قانون الإجراءات الجنائي المصري. والأمر كذلك في القانون السوري إذ يحق
للمدعي
الاختيار إلا أن الدعوى الجنائية توقف الدعوى المدنية عنها بعبارة "الجزائي
يعطل المدني" أنظر المادة 5 من قانون الأحوال الجزائية السوري".



4- هل للمدعي أن يطالب بكل الأضرار التي
لحقت به في الدعوى الجنائية؟ جرى العمل في المحاكم المصرية على اقتصار
الادعاء
بالحق المدني في الدعوى الجنائية على دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة أي
أن يكون
الضرر نتيجة مباشرة للجريمة. فلا تقبل مثلا دعوى التعويض عن إتلاف العربة
إذا كانت
الجريمة المطروحة أمام المحكمة الجنائية هي القتل الخطأ. ولا تقبل دعوى
التعويض عن
إهمال البنك في عدم التدقيق ي التوقيع إذا كانت الجريمة المنظورة هي تزوير
بنك.
هذا كما تنص المادة 297 إجراءات على جواز إقامة دعوى مدنية بتعويض إضافي
بعد
الدعوى الجنائية وتشترط في هذه الحالة أخذ التعويض الذي حكم به في الدعوى
الجنائية
في الاعتبار. وفي الغالب أن المقصود بالتعويض الإضافي في هذه المادة هو
التعويض عن
أضرار ترتبت بعد الفصل في الدعوى الجنائية.



5- إذا كان للمدعي الخيار فما مدى حرية قرار
البراءة في الدعوى المدنية. في القانون المصري يعتبر قرار البراءة حجة إذا
كان
السبب فشل الاتهام في إثبات نسبة الفعل للمتهم أو إثبات وقوع الفعل أصلاً.



وقد قضت محكمة
النقض المصرية بأن الحكم بالتعويض غير مرتبط
بالعقوبة ولذلك:-



1-
يجوز الحكم بالتعويض عند البراءة إذا كانت البراءة بسبب :-


1- عدم حدوث الواقعة.


2- عدم صحتها.


3- عدم إسنادها للمتهم.


2- يجوز الحكم
بالتعويض إذا كانت البراءة بسبب عدم توفر
القصد الجنائي إذ أن الخطأ المدني هو خروج عما يقتضيه الحرص والعقل بينما
الجنائي هو
مخالف لنص آمر أو ناه في قانون العقوبات. فكل خطأ جنائي هو خطأ مدني وليس
العكس
صحيحاً. ولذلك يجوز الحكم بالتعويض ما دام لا يوجد تناقض بين الباءة
والتعويض.



التساؤلات
السابقة كانت على سبيل المثال لا الحصر. فهناك عدد من المسائل تنتظر الحسم.
ويمكن الاستفادة
بالتجارب المصرية في هذا الصدد. فمصر من البلاد العربية الرائدة في الأخذ
بنظام
الادعاء بالحقوق المدنية ولمزيد من الاطلاع أسوق المراجع التالية:-


1- حق المدعي المدني في اختيار الطريق
المدني أو الجنائي للدكتور إدوارد غالي الذهبي.



2- وقف الدعوى المدنية لحين الفصل في الدعوى
الجنائية لنفس المؤلف.



3- قانون الإثبات في السودان – كريشنا
فاسديف صفحة 153-1979م.



4- شرح قانون الإجراءات الجنائية للدكتور
محمود محمود مصطفى صفحة 157-204.



5- حقوق المجني عليه في القانون المقارن
لنفس المؤلف.



حبس المدين
"الإكراه البدني" المواد 243-244




فكرة التنفيذ عن طريق الإكراه البدني بحبسه بغية إرغامه على الوفاء وسيلة
غير
معمول بها في كل الأقطار. ففي مصر لا يحبس المدين من أجل السداد. وقد أخذنا
بمبدأ
الإكراه المدني في كل قوانينا السابقة والراهنة. إذ نصت على ذلك المادة –
198 من قانون
القضاء المدني المادة 245 من قانون الإجراءات المدنية 1974 و 243-244 من
قانون
الإجراءات 1983. وقد تماثلت النصوص في القوانين السابقة واختلفت في القانون
الراهن
وسنحاول فيما يلي التعرف على الجديد – إن وجد- الذي جاء به قانون 1983م.




وباستقراء نصوص المواد في القوانين السابقة والسوابق التي استقرت قضاء
تفسيراً
وتطبيقاً لتلك النصوص يتبين الآتي:-



1- المبادرة
بطلب استجواب المدين عن قدرته على الدفع توطئة
لحبسه ينبغي أن تأتي من جانب الدائن ولا يجوز أن تتحرك المحكمة في هذا
الاتجاه من
تلقاء نفسها "نص المادة".

2- حين تقديم الطلب لاستجواب المدين تصدر المحكمة تكليفا بالحضور ولا يتم
القبض
عليه إلا استثناء "نص المادة".



3- ضرورة
استجواب المدين للتحقيق من قدرته على الدفع قبل
سجنه – عبد الحليم الطاهر ضد محمد الفضل آدم- 1964م المجلة القضائية صفحة
4.



4- على الدائن
إثبات يسار المدين وليس على المدين إثبات
إعساره.



5- لا تلجأ
المحكمة إلى سجن المدين إلا بعد استن