الخبرة
القضائية



المطلب الأول: تعريف الخبرةالقضائية
وتطورهاالتاريخي في التشريع الجزائري:



الفرع الأول : تعريف الخبرة القضائية:











إن الخبرة القضائية هي وسيلة من
وسائل الإثبات يتم اللجوء إليها إذا إقتضى الأمر كشف دليل وتعزيز أدلة قائمة ، كما
أنها إستشارة فنية يستعين بها القاضي أو المحقق في مجال الإثبات لمساعدته في تقدير
المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى
دراية علمية لا تتوافر لدى عضو السلطة القضائية
المختص بحكم عمله وثقافته (1) كما يمكن تعريفها على أنها المهمة الموكولة
من قبل المحكمة أو الهيئة القضائية إلى شخص أو إلى عدة أشخاص أصحاب إختصاص أو مهارة أو تجربة في مهنة ما أو
فن أو صنعة أو علم لتحصل منهم على معلومات أو آراء أو دلائل إثبات … ..لايمكن لها
أن تؤمنها بنفسها وتعتبرها ضرورية لتكوين قناعتها للفصل في نزاع معين (2).






كما تعرف بأنها إستيضاح رأي أهل
الخبرة في شأن إستظهار بعض جوانب الوقائع المادية التي يستعصى على قاضي الموضوع
إدراكها بنفسه من مجرد مطالعة الأوراق والتي لايجوز للقاضي أن يقضي في شأنها
إستنادا لمعلوماته الشخصية وليس في أوراق الدعوى وأدلتها ما يعين القاضي على فهمها
، والتي يكون إستيضاحها جوهريا في تكوين قناعته في شأن موضوع النزاع (3)






ومن خلال ذكر بعض التعريفات
والتي لايمكن حصرها يتبين لنا أن الخبرة تهدف إلى التعرف على وقائع مجهولة من خلال
الواقع المعلوم ، فهي وسيلة تضيف إلى الدعوى دليلا، حيث يتطلب هذا الإثبات معرفة أو دراية لاتتوافر لدى رجال القضاء نظرا
إلى طبيعة ثقافتهم وخبراتهم العلمية ، كما قد يتطلب الأمر إجراء أبحاث خاصة أو تجارب علمية تستلزم
وقتا لايتسع له عمل القاضي ، فالخبرة تقتصر على المسائل الفنية دون المسائل
القانونية لأن المحكمة مفروض فيها العلم بالقانون علما كافيا .










1) د/
عبد الحميد الشواربي- التزوير والتزييف مدنيا وجزائيا في ضوء الفقه والقضاء ( ب.
ط) منشأة المعارف – مصر1996.ص 552.


(2) د/ أميل أنطوان
ديراني – الخبرة القضائية – المنشورات الحقوقية الصادرة سنة 1977 ، طبعة1 ،
بيروت ، ص 17.


(3) همام محمد محمود
زهران ، الوجيز في إثبات المواد المدنية والتجارية ( ي .ط) الدار الجامعية
الجديدة للنشر ، مصر ، 2003 ، ص 357.










الفرع الثاني : التطور التاريخي للخبرة القضائية في التشريع الجزائري:








لقد تطورت تشريعات بعض الدول في ميدان
الخبرة وتفرعت إجراءاتها وتكاملت قواعدها
فأصبح المشرع يتابع بإهتمام هذا التطور
الملحوظ يوما بعد يوم ليتكامل إجتهاد المشرع بإجتهاد القاضي .






ولقد عرف نظام الخبرة في التشريع الجزائري
منذ إجراء العمل به بداية بالحقبة الإستعمارية إلىغاية العهد الراهن تدرجا مستمرا
يمكن تقسيمه إلى أربعة مراحل أساسية هي






المرحلة
الأولى :
وهي تبدأ من
وقت إدراج الخبرة بإعتبارها تدبير من تدابير التحقيق (1) ضمن قانون الإجراءات
المدنية لسنة 1806 إلى غاية وضع إصلاح قانون الإجراءات المدنية لسنة 1944 ، ففي هذه المرحلة كان إنجاز الخبرة
مخولا إلى ثلاثة خبراء ما لم يتفق الخصوم على تعيين خبير فرد، إذ كانت القاعدة السائدة هي تعدد
الخبراء والإستثناء وحدانية الخبير .












المرحلة
الثانية :
تبدأ من
سنة 1944 إلى غاية صدور أول تشريع جزائري والذي إحتوى على النظام القضائي الجزائري في سنة 1966،
ولقد تميزت هذه المرحلة بإدخال تعديلات
خاصة على المادة 350 قانون إجراءات
المدنية والتي من خلالها أضحت بوسع القاضي ندب ما يبدو له كافيا من الخبراء،
وإمتدت صلاحياته إلى تحديد ذلك
العدد من الخبراء بعد أن كانت من نصيب
الخصوم ، وما يلاحظ في هذه المرحلة هو الحد من تدخل الخصوم في إنجاز
الخبرة وتعزيز صلاحيات القاضي في ذلك كما كان عليه الأمر فيما مضى (2).






المرحلة
الثالثة:
وتمتــد ما
بين 1966 إلى غاية أول تعديل بموجب الأمر 71-80 المؤرخ في: 29 ديسمبر 1971 ، في
هذه المرحلة إعتمد المشرع نظام الخبير الفرد وهو الإتجاه الذي كرسته المادتان 47و
48 من قانون الإجراءات المدنية :" يتم ندب الخبير من القاضي إما تلقائيا أو
بناء على إتفاق الخصوم "، ومع ذلك فإن لهذه القاعدة إستثناء بحيث كان بإمكان
المجلس القضائي إذا ما رأى في ذلك ضرورة ندب خبراء متعددين وهذا ما نصت عليها
المادة 124 قانون الإجراءات المدنية ( 3 ) قبل تعديلها بموجب الأمر 71-80.






المرحلة
الرابعة :
يقترن بدء
سريانها من تعديل 1971 إلى غاية يومنا هذا وتتميز هذه المرحلة بالتعديل الذي جاء
به الأمر 71-80 المؤرخ في : 29 ديسمبر 1971 ليرسم لنظام الخبرة نمطا يجعله يتقرب
من ذلك الذي كان مأخوذا به في غضون الإستقلال الوطني ، ولقد نصت المادة 47 قانون
إجراءات مدنية الجديدة على ما يلي :" عندما يأمر القاضي بإجراء الخبرة يعين خبيرا أو عدة خبراء ".






إن
ما ميز النظام الجديد هو الإبتعاد عما كان يجعل العدد الأقصى للخبراء محصورا في
ثلاثة أفراد.




1) و (2) بطاهر تواتي ، الخبرة
القضائية في الأحوال المدنية والتجارية والإدارية في التشريع الجزائري
والمقارن، الديوان الوطني للأشغال التربوية


ط1
2003 ، ، ص 33-34.


(3) م/124من قانون الإجراءات المدنية1966:"إذا أعتبرت
السلطة التي تملك حق تقريرالخبرة أنه لامناص لندب خبيرفيلجأ إلىخبراء
متعددين"








المطلب الثاني : أنواع الخبرة القضائية
وتصنيف الخبراء :









لقد أصبحت الخبرة القضائية في
التشريعات المعاصرة ذا أهمية بالغة في الإثبات وذلك لإسهامها في تحقيق العدالة
وتنوير القاضي لأن لايحيد في أحكامه على روح القانون ، وإن الإستعانة بالخبراء على
تعددهم يتبين في الحالات التي يتعذر الوصول إلى الحقيقة لتوقف الأمر على بعض
النواحي الفنية التي تستلزم تدخلهم ، وتحقيقا لذلك كانت الخبرة القضائية على أنواع
عدة يمكن إيجازها فيما يلي :






الفرع الأول : أنواع الخبرة القضائية :








أولا: الخبــرة : وهي الخبرة بصفة مطلقة ، عندما تأمر بها المحكمة
للمرة الأولى ، حينما يستعصى عليها الأمر في فهم مسائل فنية أو عندما تتوفر في
إحدى القضايا المطروحة عليها للفصل فيها ظروف أو شروط معينة فتسندها لخبير واحد أو
عدة خبراء وذلك بحسب نوع الخبرة المأمور بها أو حسب موضوعها أو طبيعتها أو أهميتها
.






ثانيـا:الخبـرة
المضادة:
إذا تبين للقاضي بأن الخبير أو الخبراء أنجزوا
المهمة التي كلفوا بها غير أنه ليس بإستطاعته الفصل في القضية إما لعدم عدالة الحل
المقترح في تقرير الخبرة أو أن تقارير الخبرة المختلفة والمطروحة أمام الجهة
القضائية متناقضة ، ففي هذه الحالة وغيرها يمكن للقاضي اللجوء إلى خبرة مضادة
يلتزم فيها الخبير المكلف بالقيام بالمهام نفسها (1) ، حيث يقوم بمراقبة صحة المعطيات
وسلامة النتائج وخلاصات الخبير،وذلك بواسطة خبير أو عدة خبراء، وتسميتها بالمضادة
لاتعني المعاكسة وإنما هي تندرج في إطار تمكين الخصوم من كل وسائل دفاعهم (2) ولقد
كرست المحكمة العليا هذا النوع من
الخبرات القضائية في قرارها الصادر
بتاريخ :18/11/1998 تحت رقم :155373 بقولها :" إذا ثبت وجود تناقض بين خبرة
وأخرى وتعذر فض النزاع بين الطرفين وجب الإستعانة بخبرة فاصلة وعدم الإقتصار على
خبرة واحدة أو خبرتين تماشيا مع متطلبات العدل .






ولما ثبت من القرار المطعون فيه أن جهة الإستئناف
إعتمدت الخبرة الثانية ورجحتها على الخبرة الأولى المتناقضة معها دون تعليل كاف،
فإنها تكون قد أساءت تطبيق قواعد الإثبات والقصور في التسبيب، مما يعرض القرار
للنقض . "(3)










(1) مولاي بغدادي ، الخبرة القضائية في المواد المدنية، مطبعة(
حلب، الجزائر،92، ص 14.


(2) لحسن بن شيخ أث ملويا، مبادئ الإثبات في المنازعات
الإدارية(ب. ط ) دار هومة، الجزائر سننة 2002، ص 232.


(3) قرار بتاريخ :18/11/1998 تحت رقم155373 صادر عن مجلة قضائية
لسنة1998، عدد 02 ،ص 55








ثالثـا:
الخبرة الجديدة:
هي
الخبرة التي تأمر بها المحكمة عندما ترفض نهائيا الخبرة الأولى لأي سبب من الأسباب
كالبطلان مثلا فللقضاة مطلق الحرية في الأمر بخبرة جديدة إذا كانت الخبرة الأولى
مشوبة بقلة العناية والإفتقار إلى المعلومات وللخصوم أن يطلبوا ذلك أيضا بغية
إيراد براهين جديدة في عناصر الدفاع عن قضاياهم ويمكن الأمر بخبرة جديدة في الصور
التالية: (1)






-إذا كان التقرير معيبا في
شكله أو مشوبا بإنحيازه إلى خصم من خصوم .



-إذا كان التقرير ناقصا أو
غير كاف في نظر المحكمة أو المجلس .






ولقد قضت محكمـة قالمة قسمها
العقاري بتاريخ :06/03/2003 بحكم تحت رقم:51/03 بما يلي :" بإستبعاد تقرير
خبرة الخبير العبروقي بشير والقضاء من جديد بتعيين السيد جبار مسعود لتسند إليه
نفس المهام القاضي بشأنها الحكم التحضيري السابق".






ولقد جاء في إحدى حيثيات الحكم
أنه :" وبإستقراء النتائج التي خلص إليها الخبير المنتدب تبين للمحكمة بأنه
لم يرد على الأسئلة المطروحة للإجابة عليها بموجب الحكم محل الإسترجاع لاسيما ما
تعلق منها بمدى مطابقة العقود على القطعة الأرضية موضوع المطالبة القضائية ودون
تبيان مركز كل واحد من الطرفين بالنسبة
لها .






وحيث أن وأمام هذه الإغفالات الهامة يعد
تقرير الخبرة مشوبا بالنقص يتعين إستبعاده(2) والقضاء من جديد بتعيين خبير آخر
تسند إليه نفس المهام القاضي بها الحكم
المؤرخ في : 22/12/2001 ."






رابعــا
: الخبرة التكميلية
:
وهي الخبرة التي تأمر بها المحكمة عندما ترى نقصا واضحا في الخبرة المقدمة إليها
أو أن الخبير لم يجيب عن جميع الأسئلة والنقاط الفنية المعين من أجلها أو أنه لم
تستوفي حقها من البحث أو التحري فتأمر المحكمة بإستكمال النقص الملحوظ في تقرير
الخبرة وتسند الخبرة التكميلية إلى
الخبير الذي أنجزها أو إلى خبير آخر . (3)






وهذا
حسب نص المادة 54 من قانون الإجراءات
المدنية:"إذا رأى القاضي أن العناصر التي بني عليها الخبير تقريره غير وافية فله
أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة وله على الأخص أن يأمر بإستكمال التحقيق أو أن يستدعي
الخبير أمامه ليحصل منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية ."










1) يحي بن لعلى، الخبرة في الطب الشرعي ، الجزائر(ب
ط) ص 14


(2) حكم صادر عن محكمة قالمة ، القسم العقاري تحت رقم:51/03
المؤرخ بتاريخ:06/03/2003 .


(3) مولاي ملياني بغدادي المرجع السابق، ص 15.







الفرع الثاني : تصنيـف الخبـراء :





ينقسم الخبراء وفقا للجهة التي قامت بندبهم
إلى خبراء منتدبين وخبراء إستثنائيين .






أولا : الخبير المنتدب:
هو ذلك الخبير الذي يختار عادة من جدول الخبراء العاملين لدى المحاكم وهو
يعين من طرف القاضي للقيام بأعمال فنية من أجل الإستعانة بتقاريرهم للوصول إلى
الحقيقة، والخبراء يختلفون وفقا لتخصصاتهم فنجد خبراء البصمات وخبراء الطب الشرعي
والفنيون وكذا العاملون في المعمل الجنائي وغيرهم من الخبراء .






ثانيـا
:الخبير الإستثنائي :
وهو شخص متخصص في مجال من المجالات الفنيــــة
غير مقيد في جدول الخبراء المعتمدين يقوم بإنتدابه في مسألة محددة فقط ، وأنه يتعين
لقبوله أن يحلف اليمين القانونية أمام الجهة القضائية أو القاضي الذي عينه بأن
يقوم بأداء المهمة الموكولة إليه بالدقة والأمانة (1)





ولقد جاء في إحدى قرارات المحكمة
العليا الصادرة بتاريخ :19/07/1989
بأنه:" من المقرر قانونا أنه لقبول
تقرير الخبير شكلا يجب على الجهة القضائية أن تذكر إن كان مسجلا في قائمة الخبراء وإن لم
يكن ، أن ثبت أنه أدى اليمين القانونية، ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذين
المبدأين يعد إساءة في تطبيق القانون . (2