ترد عبارة الآداب العامة Les bonnes moeurs جنباً إلى جنب
في لغة القانون مع عبارة النظام العام[ر]، وما هذا إلا لأنها
من المجالات التي تتعلق بالمصلحة العامة للمجتمع، والتي يقوم عليها مفهوم
النظام العام.



وإذا كان
النظام العام هو مجموعة المبادئ الأساسية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والخلقية التي يقوم عليها مجتمع ما في وقت من الأوقات، فإن الآداب العامة في لغة القانون هي مجموعة المبادئ النابعة من المعتقدات
الدينية والأخلاقية المتوارثة اجتماعياً والعادات والتقاليد والأعراف المتأصلة في
مجتمع ما، في زمان معين والتي يعد الخروج عليها انحرافاً لا يسمح به المجتمع.



وإذا كانت
قواعد الآداب العامة تتصل بقواعد النظام العام الذي يرد في نصوص القانون وقواعد الأخلاق، فإنها تختلف عنهما. إنها
تختلف عن النظام العام في نطاقها: فالآداب العامة تتعلق على وجه الخصوص بتلك
المبادئ والأسس المتصلة بالأمور الجنسية، ولكنها تشمل كذلك بعض المسائل الأخرى
كالمقامرة والرهان وكسب المال بطريق غير شريف. أما النظام العام
فيتسع ليضم، بالإضافة إلى الآداب العامة، المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية
الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع.



وتختلف
الآداب العامة عن قواعد الأخلاق، فمن المعلوم أن الفقه القانوني يفرق بين قواعد
الآداب العامة وقواعد الأخلاق منساقاً وراء التفرقة بين قواعد القانون عامة وقواعد الأخلاق. ومن الممكن تلخيص هذه
الفروق في النقاط التالية:



من حيث
النطاق: فدائرة قواعد الأخلاق هي أوسع من دائرة وقواعد الآداب العامة لأن قواعد
الآداب تهتم بواجب الفرد نحو المجتمع، في حين تهتم قواعد الأخلاق إضافة إلى ذلك
بواجب الفرد نحو نفسه، وهي تهتم بالبواعث والنوايا إضافة إلى السلوك المادي
الخارجي. وبمعنى آخر يقال إن قواعد الآداب تصدر عن قواعد الأخلاق كما يصدر النهر
من الينبوع.



من حيث
الغاية: إن غاية الأخلاق هي الوصول بالإنسان إلى الكمال والسمو النفسي، أما غاية
الآداب فهي حماية المجتمع من بعض أنواع السلوك التي يمكن أن تؤدي إلى انحلاله
وتفسخه والانحدار به.



من حيث
الجزاء: لا يترتب من حيث الأصل على الخروج على قواعد الأخلاق أي جزاء دنيوي إلا ما
ينص عليه القانون، في حين يترتب على الخروج على قواعد الآداب جزاء مدني، وقد يكون
هناك عقاب جزائي.



والآداب
العامة بحكم كونها جزءاً من النظام العام تستمد بعض خصائصها من هذا النظام. فقواعد
الآداب العامة قواعد نسبية متغيرة تختلف باختلاف المكان والزمان من مجتمع إلى آخر
ومن جيل إلى جيل في المجتمع الواحد. فما يعد مخالفاً للآداب في مجتمع ما، قد لا
يكون مخالفاً لها في مجتمع آخر. وما يعدّ غير مقبول في المجتمع في حقبة زمنية قد
يغدو مقبولاً في حقبة لاحقة.



وإن هذه
الخصائص التي تُرى في الآداب العامة لا يمكن الوصول إلى معيار محدد لها سوى
الناموس الأدبي للجماعة. ويتم عملياً إعمال هذا المعيار وضبطه من قبل القاضي الذي يتمتع بسلطة واسعة، إلا أن سلطته هذه ليست
مطلقة. فيجب عليه، وهو يقوم بتحديدها، أن ينطلق من أنه يمثل الجماعة في التعبير عن
ناموسها الأدبي والأخلاقي، أي يجب أن يكون تفكيره موضوعياً ويستند إلى الشعور
العام السائد في المجتمع والروح العامة للنظام القانوني القائم فيه. وعلى هذا فإنه
يمتنع عليه أن ينطلق في تحديد ما يعدّ من الآداب العامة من معتقداته الشخصية،
وانطباعاته الخاصة، وميوله وآرائه الأخلاقية والفلسفية، أو من آراء بعض الأفراد،
أو بعض الفئات في المجتمع، وإنما يجب عليه أن يضع نفسه في ضمير الجماعة التي ينتمي
إليها وينطلق من ذلك في تحديد الناموس الأدبي السائد فيها في زمن معين.



بيد أن
سلطة القاضي في تحديد مضمون الآداب العامة تخضع لرقابة محكمة النقض وذلك للحيلولة دون الشطط والانحراف في
التقدير.



وفي مقدمة
المسائل التي يُجمع الفقه العربي على اعتبارها مخالفة للآداب العامة مايلي:



الاتفاقات
المتعلقة بالجنس:
إن الحقل الخصب لأعمال قواعد الآداب العامة هو العلاقات الجنسية،
إِذ يعدّ كل اتفاق غير شرعي على قيام علاقة جنسية بين طرفين مخالفاً للآداب
العامة، ويدخل في ذلك كل الالتزامات التي يكون محلها، أو سببها الجنس، أو التعهد
بتقديمه للآخرين.



الاتفاقات
المتعلقة بدور البغاء:
إن كل اتفاق يتضمن البيع، أو الإيجار أو الاستغلال، لأي عقار من
أجل تخصيصه للدعارة، يعدّ مخالفاً للآداب العامة، ولو كان ذلك برخصة إدارية.



الاتفاقات
المتعلقة بالمقامرة:
إن كل التزام يكون محله أو سببه المقامرة، أو الرهان، وكل بيع أو إيجار
لهذه الغاية، يكون مخالفاً للآداب العامة.



وقد عدّ الاجتهاد القضائي التواطؤ عن طريق الاتفاق بين أصحاب العروض في التعهدات العامة، الذي
يقوم على الغش والتزوير، مخالفاً للآداب العامة، وكذلك الأمر
فيما يتعلق بالتعهد القائم على أساس الامتناع عن الإخبار بجريمة.



ويترتب
على مخالفة الآداب العامة عملياً نتائج مهمة، فمن المعلوم أن القواعد المتعلقة
بالآداب العامة هي قواعد آمرة، لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وهي تعدّ قيداً على مبدأ سلطان
الإرادة في إجراء التصرفات القانونية، بمعنى أنه يجب على الأفراد احترامها حتماً،
وعدم الخروج عليها.



وعلى هذا
فإنه لا يجوز إبرام أي اتفاق بشأن علاقات جنسية غير شرعية، أو أي اتفاق يتعلق
بمقامرة أو رهان، ويمتنع إنشاء النوادي التي من شأنها إباحة التعري، ولا يجوز
إنشاء مسابح تسمح بظهور الأشخاص بوضع منافٍ للحشمة. وبوجه عام فإن كل اتفاق يكون
محله أو سببه مخالفاً للآداب العامة، يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً. ولا يترتب عليه
أي أثر، ولا يمكن أن يزول هذا البطلان بإجازة، أو بمرور الزمن، ويستطيع كل ذي
مصلحة أن يتمسك به، ويجب على القاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه، ولو لم يطلب منه
ذلك. ويترتب على البطلان من الناحية القضائية إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل
الاتفاق، إذا كان ذلك ممكناً، أو الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية.