مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك


مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
مرحبا بك معنا و نتمنى أن تكون من أعضاء منتدانا
و تساهم معنا ليستفيد الجميع ، و شكرا لك

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب / محمد جمعه موسى للمحاماهدخول

القانون المصرى

محمد جمعه موسى للمحاماه *جمهوريه مصر العربيه - محافظه البحيره - رشيد *01005599621- 002-01227080958-002

لا تحزن للشيخ / عائض القرني

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyلا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

لا
تحزن









للشيخ / عائض القرني













هذا الكتاب





دراسة ٌ
جادةٌ أخّاذةٌ مسؤولةٌ ، تعنى بمعالجةِ الجانبِ المأسوي من حياةِ البشريةِ جانب
الاضطرابِ والقلق ِ ، وفقدِ الثقةِ ، والحيرة ، والكآبةِ والتشاؤمِ ، والهمِّ
والغمِّ ، والحزنِ ، والكدرِ ، واليأس والقنوطِ والإحباطِ .



وهو حلٌّ المشكلاتِ العصر على نورٍ من الوحي ،
وهدي من الرسالة ، وموافقةٍ مع الفطرةِ السويَّةِ ، والتجاربِ الراشدةِ ،
والأمثالِ الحيَّةِ ، والقصصِ الجذَّابِ ، والأدبِ الخلاَّبِ ، وفيه نقولاتٌ عن
الصحابة الأبرار ، والتابعين الأخيارِ ، وفيه نفحاتٌ من قصيِدِ كبارِ الشعراء ،
ووصايا جهابذةِ الأطباءِ ، ونصائحِ الحكماءِ ، وتوجيهاتِ العلماء .



وفي ثناياه أُطروحاتٌ للشرقيين والغربيين ،
والقدامى والمحدثين . كلُّ ذلك مع ما يوافقُ الحقَّ مما قدَّمَتْه وسائلُ الإعلام
، من صحفٍ ومجلات ، ودورياتٍ وملاحق ونشرات .



إن هذا الكتاب مزيجٌ مرتَّبٌ ، وجهدٌ مهذَّبٌ مشذَّبٌ
. وهو يقولُ لك باختصار :






((
اسعدْ واطمئنَّ وأبشرْ وتفاءلْ ولا تحزن ))






*************************************







المقدمة


الحمدُ لله
، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله ِ ، وعلى آله وصحبهِ وبعدُ :



فهذا الكتاب ( لا تحزن ) ، عسى أن تسعد
بقراءتهِ والاستفادةِ منه ، ولك قبل أن تقرأ هذا الكتابٍ أن تحاكمه إلى المنطقِ
السليمِ والعقلِ الصحيحِ ، وفوق هذا وذاك النقْل المعصوم .



إنَّ من الحيْفِ الحكمَ المُسبق على الشيءِ
قبلَ تصوُّرهِ وذوقهِ وشمِّهِ ، وإن من ظلمِ المعرفةِ إصدار فتوى مسبقةٍ قبلَ
الإطلاعِ والتأمُّلِ ، وسماعِ الدعوى ورؤيةِ الحجةِ ، وقراءةِ البرهان .



كتبتُ هذا الحديث لمن عاش ضائقةً أو ألمَّ بهِ
همٌّ أو حزنٌ ، أو طاف به طائفٌ من مصيبةٍ ، أو أقضَّ مضجعة أرقٌ ، وشرَّدَ نومَه
قلقٌ . وأيُّنا يخلو من ذلك ؟!



هنا آياتٌ وأبياتٌ ، وصورٌ وعِبرٌ ، وفوائدُ
وشواردُ ، وأمثالٌ وقصصٌ ، سكبتُ فيها عصارة ما وصل إليه اللامعون ؛ من دواءٍ
للقلبِ المفجوعِ ، والروحِ المنهكةِ ، والنفسِ الحزينةِ البائسةِ .



هذا الكتابُ يقولُ لك : أبشِر واسعدْ ،
وتفاءَلْ واهدأ . بل يقولُ : عِشِ الحياة كما هي ، طيبةً رضيَّة بهيجةً .



هذا الكتابٌ يصحّحُ لك أخطاء مخالفةِ الفطرة ،
في التعاملِ مع السننِ والناسِ ، والأشياءِ ، والزمانِ والمكانِ .



إنه ينهاك نهياً جازماً عن الإصرارِ على
مصادمةِ الحياةِ ومعاكسةِ القضاءِ ، ومخاصمةِ المنهجِ ورفضِ الدليل ، بل يُناديك
من مكانٍ قريبٍ من أقطارِ نفسِك ، ومن أطرافِ رُوحِك أن تطمئنَّ لحُسْنِ مصيرِك ،
وتثق بمعطياتِك وتستثمر مواهبك ، وتنسى منغّصاتِ العيشِ ، وغصص العمرِ وأتعاب
المسيرةِ .



وأريدُ التنبيه على مسائل هامّة في أوله :


الأولى : أنَّ
المقصد من الكتاب جلْبُ السعادةِ والهدوءِ والسكينة وانشراح ِ الصدرِ ، وفتحُ بابِ
الأملِ والتفاؤلِ والفرج والمستقبلِ الزاهرِ .



وهو تذكيرٌ برحمة
اللهِ وغفرانِهِ ، والتوكُّلِ عليه ، وحسنِ الظنِّ بهِ ، والإيمانِ بالقضاءِ
والقدرِ ، والعيشِ في حدودِ اليومِ ، وتركِ القلقِ على المستقبل ِ ، وتذكُّرِ
نِعَمِ الله ِ .



الثَّانية : وهو
محاولةٌ لطردِ الهمِّ والغمِّ ، والحزن والأسى ، والقلقِ والاضْطرابِ ، وضيقِ
الصدرِ والانهيارِ واليأسِ ، والقنوطِ والإحباطِ .



الثالثة : جمعتُ
فيه ما يدورُ في فلكِ الموضوعِ منْ التنزيلِ ، ومن كلام المعصومِ
r ، ومن
الأمثلةِ الشاردة ِ ، والقصصِ المعبرةِ ، والأبياتِ المؤثّرةِ ، وما قالهُ
الحكماءُ والأطباءُ والأدباءُ ، وفيه قبسٌ من التجاربِ الماثِلة والبراهينِ
الساطعة ، والكلمةِ الجادَّةِ وليس وعظاً مجرداً ، ولا ترفاً فكريّاً ، ولا طرحاً
سياسياً ؛ بل هو دعوةٌ مُلِحَّةٌ من أجلِ سعادتِك .



الرابعة : هذا
الكتابُ للمسلم وغيره ، فراعيتُ فيه المشاعر ومنافذ النفسِ الإنسانيةِ ؛ آخذاً في
الاعتبار المنهج الربانيَّ الصحيح ، وهو دينُ الفطرِة .



الخامسةِ : سوف
تجدُ في الكتاب نُقولاتٍ عن شرقيين وغربيّين ، ولعلّه لا تثريب علىَّ في ذلك ؛
فالحكمة ضالةُ المؤمنِ ، أنَّى وجدها فهو أحقُّ بها .



السادسة : لم
أجعلْ للكتاب حواشي ، تخفيفاً للقارئ وتسهيلاً له ، لتكون قراءاته مستمرّةً وفكرُه
متصلاً . وجعلتُ المرجع مع النقلِ في أصلِ الكتاب ِ .



السابعةِ :
لم أنقلْ رقم الصفحةِ
ولا الجزءِ ، مقتدياً بمنْ سبق في ذلك ؛ ورأيتُه أنفع وأسهل ، فحيناً أنقلُ
بتصرُّفٍ ، وحيناً بالنصِّ ، أو بما فهمتُه من الكتابِ أو المقالةِ .



الثامنةِ: لم
أرتبْ هذا الكتاب على الأبوابِ ولا على الفصولِ ، وإنما نوعتُ فيه الطَّرح ،
فربَّما أداخلُ بين الفِقراتِ ، وأنتقلُ منْ حديثٍ إلى آخر وأعودُ للحديثِ بعد
صفحاتٍ ، ليكون أمتع للقارئ وألذّ لهُ وأطرف لنظرهِ .



التاسعةِ : لم
أُطِلْ بأرقامِ الآياتِ أو تخريجِ الأحاديث ؛ فإنْ كان الحديثُ فيه ضعفٌ بيّنتُهُ
، وإن كان صحيحاً أو حسناً ذكرتُ ذلك أو سكتُّ . وهذا كلُّه طلباً للاختصار ،
وبُعداً عن التكرارِ والإكثارِ والإملالِ ، (( والمتشبِّعُ بما لم يُعط كلابسِ
ثوبيْ زُورٍ ))
.



العاشرة : ربما
يلْحظُ القارئُ تكراراً لبعض المعاني في قوالب شتّى ، وأساليب متنوعةٍ ، وأنا
قصدتُ ذلك وتعمدتُ هذا الصنيع لتثبت الفكرةُ بأكثر من طرحٍ ، وترسخ المعلومةُ بغزارةِ
النقلِ ، ومن يتدبّرِ القرآن يجدْ ذلك .



تلك
عشرةٌ كاملةٌ ، أقدِّمها لمن أراد أن يقرأ هذا الكتاب ، وعسى أن يحملَّ هذا الكتاب
صدْقاً في الخبرِ ، وعدلاً في الحكم ِ ، وإنصافاً في القولِ ، ويقيناً في المعرفةِ
، وسداداً في الرأيِ ، ونوراً في البصيرة .



إنني
أخاطبُ فيه الجميع ، وأتكلم ، فيه للكلّ ، ولم أقصِدْ به طائفةً خاصّةً ، أو جيلاً
بعينهِ ، أو فئةً متحيّزةً ، أو بلداً بذاتهِ ، بل هو لكلِّ من أراد أنْ يحيا حياة
سعيدةً .







ورصعتُ فيهِ الدُّرَّ حتى
تركتُهُ








يُضيءُ
بلا شمسٍ ويسرْي بلا قمرْ




فعيناهُ سحرٌ والجبينُ مهنَّدٌ







ولله درُّ الرَّمشِ والجيدِ والحورْ







*****************************************












يــا الله





﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
: إذا
اضطرب البحرُ ، وهاج الموجُ ، وهبَّتِ الريحُ ، نادى أصحابُ السفينةِ : يا الله.



إذا ضلَّ الحادي في الصحراءِ ومال الركبُ عن
الطريقِ ، وحارتِ القافلةُ في السيرِ ، نادوا : يا الله.



إذا وقعت المصيبةُ ، وحلّتِ النكبةُ وجثمتِ
الكارثةُ ، نادى المصابُ المنكوبُ : يا الله.



إذا أُوصدتِ الأبوابُ أمام الطالبين ، وأُسدِلتِ
الستورُ في وجوهِ السائلين ، صاحوا : يا الله .



إذا بارتِ الحيلُ وضاقتِ السُّبُلُ وانتهتِ الآمالُ
وتقطَّعتِ الحبالُ ، نادوا : يا الله.



إذا ضاقتْ عليك الأرضُ بما رحُبتْ وضاقتْ عليك
نفسُك بما حملتْ ، فاهتفْ: يا الله.



إليه يصعدُ الكلِمُ الطيبُ ، والدعاءُ الخالصُ
، والهاتفُ الصَّادقُ ، والدَّمعُ البريءُ ، والتفجُّع الوالِهُ .



إليه تُمدُّ الأكُفُّ في الأسْحارِ ، والأيادي
في الحاجات ، والأعينُ في الملمَّاتِ ، والأسئلةُ في الحوادث.



باسمهِ تشدو الألسنُ وتستغيثُ وتلهجُ وتنادي،وبذكرهِ
تطمئنُّ القلوبُ وتسكنُ الأرواحُ ، وتهدأُ المشاعر وتبردُ الأعصابُ ، ويثوبُ الرُّشْدُ
، ويستقرُّ اليقينُ،
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ
بِعِبَادِهِ



الله :
أحسنُ الأسماءِ وأجملُ الحروفِ ، وأصدقُ العباراتِ ، وأثمنُ الكلماتِ،
﴿ هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
؟! .


اللهُ : فإذا الغنى والبقاءُ ، والقوةُ والنُّصرةُ ، والعزُّ
والقدرةُ والحِكْمَةُ ،
﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
.


الله : فإذا اللطفُ والعنايةُ ، والغوْثُ
والمددُ ، والوُدُّ والإحسان ،
﴿ وَمَا
بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ
.


الله : ذو الجلالِ والعظمةِ ، والهيبةِ
والجبروتِ.



اللهم فاجعلْ مكان اللوعة سلْوة ، وجزاء الحزنِ
سروراً ، وعند الخوفِ أمنْاً. اللهم أبردْ لاعِج القلبِ بثلجِ اليقينِ ، وأطفئْ جمْر
الأرواحِ بماءِ الإيمانِ .



يا ربُّ ، ألق على العيونِ السَّاهرةِ نُعاساً أمنةً
منك ، وعلى النفوسِ المضْطربةِ سكينة ، وأثبْها فتحاً قريباً. يا ربُّ اهدِ حيارى البصائرْ إلى نورِكْ ، وضُلاَّل
المناهجِ إلى صراطكْ ، والزائغين عن السبيل إلى هداك .



اللهم أزل الوساوس بفجْر صادقٍ من النور ،
وأزهقْ باطل الضَّمائرِ بفيْلقٍ من الحقِّ ، وردَّ كيد الشيطانِ بمددٍ من جنودِ عوْنِك
مُسوِّمين.



اللهم أذهبْ عنَّا الحزن ، وأزلْ عنا الهمَّ ،
واطردْ من نفوسنِا القلق.



نعوذُ بك من الخوْفِ إلا منْك ، والركونِ إلا
إليك ، والتوكلِ إلا عليك ، والسؤالِ إلا منك ، والاستعانِة إلا بك ، أنت وليُّنا
، نعم المولى ونعم النصير.



***************************************


كن سعيداً


-
الإيمان والعمل الصالح هما سر حياتك
الطيبة ، فاحرص عليهما .



-
اطلب العلم والمعرفة ، وعليك بالقراءة
فإنها تذهب الهم .



-
جدد التوبة واهجر المعاصي ؛ لأنها تنغص
عليك الحياة .



-
عليك بقراءة القرآن متدبراً ،وأكثر من
ذكر الله دائماً .



-
أحسن إلى الناس بأنواع الإحسان ينشرح
صدرك .



-
كن شجاعاً لا وجلاً خائفاً ، فالشجاع
منشرح الصدر .



-
طهر قلبك من الحسد والحقد والدغل والغش
وكل مرض .



-
اترك فضول النظر والكلام والاستماع
والمخالطة والأكل والنوم .



-
انهمك في عمل مثمر تنسَ همومك وأحزانك .



-
عش في حدود يومك وانس الماضي والمستقبل
.



-
انظر إلى من هو دونك في الصورة والرزق
والعافية ونحوها .



-
قدِّر أسوأ الاحتمال ثم تعامل معه لو
وقع .



-
لا تطاوع ذهنك في الذهاب وراء الخيالات
المخيفة والأفكار السيئة .



-
لا تغضب ، واصبر واكظم واحلم وسامح ؛
فالعمر قصير .



-
لا تتوقع زوال النعم وحلول النقم ، بل
على الله توكل .



-
أعطِ المشكلة حجمها الطبيعي ولا تضخم
الحوادث .



-
تخلص من عقدة المؤامرة وانتظار المكاره
.



-
بسِّط الحياة واهجر الترف ، ففضول العيش
شغل ، ورفاهية الجسم عذاب للروح .



-
قارن بين النعم التي عندك والمصائب التي
حلت بك لتجد الأرباح أعظم من الخسائر .



-
الأقوال السيئة التي قيلت فيك لن تضرك ،
بل تضر صاحبها فلا تفكر فيها .



-
صحح تفكيرك ، ففكر في النعم والنجاح
والفضيلة .



-
لا تنتظر شكراً من أحد ، فليس لك على
أحد حق ، وافعل الإحسان لوجه الله فحسب .



-
حدد مشروعاً نافعاً لك ، وفكر فيه
وتشاغل به لتنسى همومك .



-
احسم عملك في الحال ولا تؤخر عمل اليوم
إلى غد .



-
تعلم العمل النافع الذي يناسبك ، واعمل
العمل المفيد الذي ترتاح إليه .



-
فكر في نعم الله عليك ، وتحدث بها واشكر
الله عليها .



-
اقنع بما آتاك الله من صحة ومال وأهل
وعمل .



-
تعامل مع القريب والبعيد برؤية المحاسن
وغض الطرف عن المعائب .



-
تغافل عن الزلات والشائعات وتتبع
السقطات وأخبار الناس .



-
عليك بالمشي والرياضة والاهتمام بصحتك ؛
فالعقل السليم في الجسم السليم .



-
ادع الله دائماً بالعفو والعافية وصالح
الحال والسلامة .



*****************************





فكر واشكر





المعنى : أن تذكر نِعم اللهِ عليك فإذا هي تغْمُرُك
منْ فوقِك ومن تحتِ قدميْك
﴿ وَإِن تَعُدُّواْ
نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا
صِحَّةٌ في
بدنٍ ، أمنٌ في وطن ، غذاءٌ وكساءٌ ، وهواءٌ وماءٌ ، لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ،
تملكُ الحياةً وأنت لا تعلمُ
﴿ وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
عندك عينان ، ولسانٌ وشفتانِ ، ويدانِ ورجلانِ ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تمشي على قدميْك ، وقد
بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأنْ تعتمِد على ساقيْك ، وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء
عينيك وقدْ أطار الألمُ نوم الكثيرِ؟! وأنْ تملأ معدتك من الطعامِ الشهيِّ وأن
تكرع من الماءِ الباردِ وهناك من عُكِّر عليه الطعامُ ، ونُغِّص عليه الشَّرابُ
بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكَّر في سمْعِك وقدْ عُوفيت من الصَّمم ، وتأملْ في نظرِك
وقدْ سلمت من العمى ، وانظر إلى جِلْدِك وقد نجوْت من البرصِ والجُذامِ ، والمحْ
عقلك وقدْ أنعم عليك بحضورهِ ولم تُفجعْ بالجنونِ والذهولِ .



أتريدُ في بصرِك وحدهُ كجبلِ أُحُدٍ ذهباً ؟!
أتحبُّ بيع سمعِك وزن ثهلان فضةَّ ؟! هل تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟!
هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ لتكون أقطع؟! إنك في نِعمٍ عميمةٍ
وأفضالٍ جسيمةٍ ، ولكنك لا تدريْ ، تعيشُ مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً ، وعندك
الخبزُ الدافئُ ، والماءُ الباردُ ، والنومُ الهانئُ ، والعافيةُ الوارفةُ ، تتفكرُ
في المفقودِ ولا تشكرُ الموجود، تنزعجُ من خسارةٍ ماليَّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة،
وقناطيرُ مقنطرةٌ من الخيرِ والمواهبِ والنعمِ والأشياءِ ، فكّرْ واشكرْ
﴿ وَفِي
أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
فكّرْ في
نفسك ، وأهلِك ، وبيتك ، وعملِك ، وعافيتِك ، وأصدقائِك ، والدنيا من حولِك
﴿يَعْرِفُونَ
نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا
.


*****************************************








ما مضى فات





تذكُّرُ الماضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ،
والحزنُ لمآسيه حمقٌ وجنونٌ ، وقتلٌ للإرادةِ وتبديدٌ للحياةِ الحاضرةِ. إن ملفَّ
الماضي عند العقلاء يُطْوَى ولا يُرْوى ، يُغْلَقُ عليه أبداً في زنزانةِ النسيانِ
، يُقيَّدُ بحبالٍ قوَّيةٍ في سجنِ الإهمالِ فلا يخرجُ أبداً ، ويُوْصَدُ عليه فلا
يرى النورَ ؛ لأنه مضى وانتهى ، لا الحزنُ يعيدُهَ ، ولا الهمُّ يصلحهُ ، ولا الغمَّ
يصحِّحُهُ ، لا الكدرُ يحييهِ ، لأنُه عدمٌ ، لا تعشْ في كابوس الماضي وتحت مظلةِ
الفائتِ ، أنقذْ نفسك من شبحِ الماضي ، أتريدُ أن ترُدَّ النهر إلى مَصِبِّهِ ،
والشمس إلى مطلعِها ، والطفل إلى بطن أمِّهِ ، واللبن إلى الثدي ، والدمعة إلى
العينِ ، إنَّ تفاعلك مع الماضي ، وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ، وانطراحك على
أعتابهِ وضعٌ مأساويٌّ رهيبٌ مخيفٌ مفزعٌ .



القراءةُ في دفتر الماضي ضياعٌ للحاضرِ ،
وتمزيقٌ للجهدِ ، ونسْفٌ للساعةِ الراهنةِ ، ذكر اللهُ الأمم وما فعلتْ ثم قال :
﴿ تِلْكَ
أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ
انتهى
الأمرُ وقُضِي ، ولا طائل من تشريحِ جثة الزمانِ ، وإعادةِ عجلةِ التاريخ.



إن الذي يعودُ للماضي ، كالذي يطحنُ الطحين وهو
مطحونٌ أصلاً ، وكالذي ينشرُ نشارةُ الخشبِ . وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي :
لا تخرج الأموات من قبورهم ، وقد ذكر من يتحدثُ على ألسنةِ البهائمِ أنهمْ قالوا
للحمارِ : لمَ لا تجترُّ؟ قال : أكرهُ الكذِب.



إن بلاءنا أننا نعْجزُ عن حاضِرنا ونشتغلُ
بماضينا ، نهملُ قصورنا الجميلة ، ونندبُ الأطلال البالية ، ولئنِ اجتمعتِ الإنسُ
والجنُّ على إعادةِ ما مضى لما استطاعوا ؛ لأن هذا هو المحالُ بعينه .



إن الناس لا ينظرون إلى الوراءِ ولا يلتفتون
إلى الخلفِ ؛ لأنَّ الرِّيح تتجهُ إلى الأمامِ والماءُ ينحدرُ إلى الأمامِ ،
والقافلةُ تسيرُ إلى الأمامِ ، فلا تخالفْ سُنّة الحياة .



****************************************





يومك يومكَ





إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءُ ، اليوم فحسْبُ
ستعيشُ ، فلا أمسُ الذي ذهب بخيرِهِ وشرِهِ ، ولا الغدُ الذي لم يأتِ إلى الآن .
اليومُ الذي أظلَّتْكَ شمسُه ، وأدركك نهارُهُ هو يومُك فحسْبُ ، عمرُك يومٌ واحدٌ
، فاجعلْ في خلدِك العيش لهذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ وتموتُ فيهِ ، حينها لا
تتعثرُ حياتُك بين هاجسِ الماضي وهمِّهِ وغمِّهِ ، وبين توقعِ المستقبلِ وشبحِهِ
المخيفِ وزحفِهِ المرعبِ ، لليومِ فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدَّك وجدَّك
، فلهذا اليومِ لابد أن تقدم صلاةً خاشعةً وتلاوةً بتدبرٍ واطلاعاً بتأملٍ ، وذِكْراً
بحضورٍ ، واتزاناً في الأمور ، وحُسْناً في خلقِ ، ورضاً بالمقسومِ ، واهتماماً
بالمظهرِ ، واعتناءً بالجسمِ ، ونفعاً للآخرين .



لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسِّم ساعاتِه وتجعل
من دقائقه سنواتٍ ، ومن ثوانيهِ شهوراً ، تزرعُ فيه الخيْر ، تُسدي فيه الجميل ،
تستغفرُ فيه من الذنب ، تذكرُ فيه الربَّ ، تتهيأ للرحيلِ ، تعيشُ هذا اليوم فرحاً
وسروراً ، وأمناً وسكينةً ، ترضى فيه برزقِك ، بزوجتِك، بأطفالِك بوظيفتك ، ببيتِك
، بعلمِك ، بمُسْتواك
﴿ فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ
وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ
تعيشُ هذا اليوم بلا حُزْنٍ ولا انزعاجٍ ، ولا
سخطٍ ولا حقدٍ ، ولا حسدٍ .



إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة
تجعلُها أيضاً على مكتبك تقول العبارة : (يومك يومُك). إذا أكلت خبزاً حارّاً
شهيّاً هذا اليوم فهل يضُرُّك خبزُ الأمسِ الجافِّ الرديء ، أو خبزُ غدٍ الغائبِ
المنتظرِ .



إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوْم ،
فلماذا تحزنُ من ماءِ أمس الملحِ الأجاجِ ، أو تهتمُّ لماءِ غدٍ الآسنِ الحارِّ.



إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولاذيةٍ صارمةٍ
عارمةٍ لأخضعتها لنظرية: (لن أعيش إلى هذا اليوْم ). حينها تستغلُّ كلَّ
لحظة في هذا اليوم في بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك ، وتزكيةِ عملكُ ، فتقول :
لليوم فقطْ أُهذِّبُ ألفاظي فلا أنطقُ هُجراً أو فُحْشاً ، أو سبّاً ، أو غيبةً ، لليوم
فقطْ سوف أرتبُ بيتي ومكتبتي ، فلا ارتباكٌ ولا بعثرةٌ ، وإنما نظامٌ ورتابةٌ.
لليوم فقط سوف أعيشُ فأعتني بنظافةِ جسمي ، وتحسين مظهري والاهتمامِ بهندامي ،
والاتزانِ في مشيتي وكلامي وحركاتي.



لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ في طاعةِ ربِّي ،
وتأديةِ صلاتي على أكملِ وجهِ ، والتزودِ بالنوافلِ ، وتعاهدِ مصحفي ، والنظرِ في
كتبي ، وحفظِ فائدةٍ ، ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ .



لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغرسُ في قلبي الفضيلةً
وأجتثُّ منه شجرة الشرِّ بغصونِها الشائكةِ من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ
وغِلًّ وسوءِ ظنٍّ .



لليوم فقط سوف أعيشُ فأنفعُ الآخرين ، وأسدي
الجميلَ إلى الغير ، أعودُ مريضاً ، أشيِّعُ جنازةً ، أدُلُّ حيران ، أُطعمُ جائعاً
، أفرِّجُ عن مكروبٍ ، أقفٌ مع مظلومٍ ، أشفعُ لضعيفٍ ، أواسي منكوباً، أكرمُ
عالماً ، أرحمُ صغيراً ، أجِلُّ كبيراً .



لليوم فقط سأعيشُ ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ
كشمِسك ، فلن أبكي عليك ولن تراني أقفُ لأتذكرك لحظة ؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلْت
عنَّا ولن تعود إلينا أبد الآبدين .



ويا مستقبلُ أنْت في عالمِ الغيبِ فلنْ أتعامل
مع الأحلامِ ، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجَّلَ ميلاد مفقودٍ ، لأنَّ غداً
لا شيء ؛ لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً.



يومك يومُك أيها الإنسانُ أروعُ
كلمةٍ في قاموسِ السعادةِ لمن أراد الحياة في أبهى صورِها وأجملِ حُلِلها.



****************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
تعزَّ
بالمنكوبين






﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا
مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى
.


وممَّنْ نُكِب نكبةً داميةً ساحقةً ماحقةً :
البرامكةُ ، أُسرةُ الأُسرةُ الأُبَّهةِ والتَّرَفِ والبذْلِ والسَّخاءِ ، وأصبحتْ
نكْبتُهم عِبرةً وعظةً ومثلاً ، فإنَّ هارون الرشيد سطا عليهمْ بيْن عشيَّةٍ
وضُحاها ، وكانوا في النعيمِ غافلين ، وفي لحافِ الرَّغدِ دافِئين ، وفي بستانِ
الترفِ مُنعَّين ، فجاءهم أمرُ اللهِ ضُحىً وهم يلعبون ، على يدِ أقربِ الناسِ
إليهم ، فخرَّب دُورهم ، وهدمَ قصورهُم ، وهتك سُتُورهُم ، واستلب عبيدهُمْ ،
وأسال دماءهم ، وأوردهم موارد الهالِكين ، فَجَرَحَ بمصابِهم قلوب أحبابِهم ،
وقرَّح بنكالِهم عيون أطفالِهم ، فلا إله إلا اللهُ ، كم منْ نعمةٍ عليهم سُلبتْ ،
وكمْ منْ عبرةٍ منْ أجلهِم سُفكتْ ، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا
أُولِي الْأَبْصَارِ
. قبل نكبتهم بساعةٍ ، كانوا في الحرير يرْفُلون
، وعلى الدِّيباجِ يزحفون ، وبكأسِ الأماني يترعُون ، فيها لهوْلِ ما دهاهُم ، ويا
لفجيعةِ ما علاهم



هذا المصابُ وإلاَّ غيرُه جللُ







وهكذا تُمحقُ الأيَّامُ والدُّولُ








اطمأنوا في سِنةٍ من الدهرِ ، وأمْنٍ من
الحدثان ، وغفْلةٍ من الأيامِ ﴿ وَسَكَنتُمْ فِي
مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا
بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ
. خفقتْ على رؤوسِهِمُ البنودُ ، واصطفَّتْ على
جوانِبِهم الجنودُ .



كأنْ لم يكُن بين الحَجُونِ إلى الصفّا








أنيسٌ ولم يسْمُرْ بمكَّة سامِرُ









رتعُوا في لذَّةِ العيشِ لاهين ، وتمتَّعُوا في
صفْو الزمان آمنِين ، ظنُّوا السراب ماءً ، والورم شحْماً ، والدنيا خُلُوداً ،
والفناء بقاءً ، وحسبوا الوديعة لا تُستردُّ ، والعارية لا تُضمنُ ، والأمانة لا
تُؤدَّى ، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ .



فجائعُ الدهرِ ألوانٌ مُنوَّعةٌ











وللزَّمانِ مَسَرَّاتٌ وأحزانُ





وهذه الدارُ لا تبقي على أحدٍ








ولا يدومُ على حالٍ لها شأنُ








أصبحوا في سرورٍ وأمسوْا في القبورِ ، وفي
لحظةٍ منْ لحظاتِ غَضَبِ هارونِ الرشيدِ ، سلَّ سيف النّقمةِ عليهمْ ، فقتل جعفر
بن يحيى البرمكيَّ ، وصلبهُ ثمَّ أحرق جثمانه ، وسجن أباه يحيي بن خالدٍ ، وأخاه
الفضْل بن يحيى ، وصادر أموالهمْ وأملاكهم .


ولما قَتَلَ أبو جعفر المنصورُ محمد بن
عبدِاللهِ بن الحَسَنِ ، بعث برأسِهِ إلى أبيهِ عبدِاللهِ بن الحسنِ في السجنِ مع
حاجبِهِ الربيعِ ، فوضعَ الرأسَ بين يديهِ ، فقال : رحمك اللهُ يا أبا القاسم ،
فقدْ كنت من الذين يُفون بعهدِ اللهِ ، ولا ينقُضون الميثاق ، والذين يصِلون ما
أمر اللهُ بهِ أنْ يُوصل ويخشوْن ربَّهم ويخافون سوء الحسابِ ، ثم تمثَّل بقولِ
الشاعرِ :



فتى كان يحميه مِنْ الذُّلِّ سيفُه







ويكفيه سوءاتِ الأمورِ اجتنابُها








والتفت إلى الربيع حاجبِ المنصورِ ، وقال له :
قُلْ لصاحبِك : قدْ مضى منْ بُؤسِنا مُدَّةٌ ، ومنْ نعيمِك مِثُلها ، والموعدُ
اللهُ تعالى !


وقدْ أخذ هذا المعنى العباسُ بنُ الأحنفِ –
وقيل : عمارةُ بنُ عقيلٍ – فقال :



فإنْ تلحظي حالي وحالكِ مرَّةً











بنظرةِ عينٍ عنْ
هَوَى النَّفْسِ تُحْجبُ





نجِد كُلَّ مرَّ منْ بُؤسِ عيشتي








يمُرُّ بيومٍ منْ نعيمكِ يُحْسبُ








كما في ( قولٍ على قول ) .


والآن : أين هارون الرشيدُ وأين جعفرُ
البرمكيُّ ؟ أين القاتلُ والمقتولُ ؟ أين الآمرُ والمأمورُ ؟ أين الذين أصدر أمره
وهو على سريرهِ في قصرهِ ؟ وأين الذي قتِل وصُلِب ؟ لا شيء ، أصبحوا كأمسِ
الدَّابر ، وسوف يجمعُهم الحكمُ العدْلُ ليومِ لا ريب فيه ، فلا ظُلْم ولا هضْم ، ﴿ قَالَ
عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى
، ﴿ يَوْمَ
يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
﴾ ، ﴿ يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ
.


قيل ليحيى بن خالدٍ البرمكيِّ : أرأيت هذه النكْبة
، هل تدري ما سببُها ؟ قال : لعلَّها دعوةُ مظلومٍ ، سرتْ في ظلامِ الليلِ ونحنُ
عنها غافلون .


ونُكب عبدُالله بنُ معاوية بنِ عبدِاللهِ بنِ جعفر
، فقال في حبْسهِ :



خَرَجْنَا من الدنيا ونحنُ مِن أهلِها











فلسْنا مِن الأمواتِ فيها ولا الأحياء





إذا دخل السَّجانُ يوماً لحاجةٍ












عجِبْنا وقلنا : جاء هذا من الدُّنيا





ونفرحُ بالرُّؤْيا فجُلُّ حديثِنا












إذا نحنُ أصبحنا الحديث عن الرُّؤْيا





فإنْ حسُنتْ كانتْ بطيئاً مجيئُها








وإنْ قبُحتْ لم تنتظر وأتتْ سعيا








سجنَ أحدُ ملوكِ فارس حكيماً منْ حكمائِهمْ ،
فكتب لهُ رقعةً يقولُ : إنها لنْ تمُرَّ عليَّ فيها ساعةٌ ، إلا قرَّبتْني من
الفرجِ وقرَّبتْك من النِّقمةِ ، فأنا أنتظرُ السَّعة ، وأنت موعودٌ بالضيِّقِ .


ويُنكبُ ابنُ عبَّادٍ سلطانُ الأندلسِ ، عندما
غلب عليه الترفُ ، وغلب عليهِ الانحرافُ عنِ الجادَّةِ ، فكثرُتِ الجواري في بيتهِ
، والدُّفوفُ والطَّنابيرُ ، والعزْفُ وسماعُ الغناءِ ، فاستغاث يوماً بابن تاشفين
– وهو سلطانُ المغربِ – على أعدائِهِ الروم في الأندلسِ ، فعبر ابنُ تاشفين البحر
، ونصرَ ابن عبَّادِ ، فأنزلهُ ابنُ عبَّادٍ في الحدائقِ والقصورِ والدُّورِ ،
ورحَّب به وأكرمه . وكان ابنُ تاشفين كالأسدِ ، ينظرُ في مداخلِ المدينة وفي
مخارجِها ، لأنَّ في نفسه شيئاً .


وبعد ثلاثةِ أيام هجم ابنُ تاشفين بجنودِه على
المملكةِ الضعيفةِ ، وأسر ابن عبَّادٍ وقيَّده وسَلَبَ مُلكه ، وأخذ دُوره ودمَّر
قصوره ، وعاث في حدائقِهِ ، ونَقَلَهُ إلى بلدِه ( أغماتٍ) أسيراً ، ﴿ وَتِلْكَ
الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
. فتقلَّد ابنُ تاشفين زِمام الحُكمِ ، وادعى
أنَّ أهل الأندلسِ همُ الذين استدعوْه وأرادوه .


ومرَّتِ الأيامُ ، وإذا ببناتِ ابنِ عبَّادٍ
يصِلْنه في السجنِ ، حافياتٍ باكياتٍ كسيِفاتٍ جائعاتٍ ، فلمَّا رآهنّ بكى عند
البابِ ، وقال :



فيما مضى كُنت بالأعيادِ مسرورا











فساءك العيدُ في أغمات مأسورا





ترى بناتِك في الأطمارِ جائعةً












يغزِلْن للناسِ ما يمْلِكْن قطميرا





بَرَزْنَ نحْوك للتَّسليمِ خاشعةً












أبصارُهُنَّ حسيراتٍ مَكاسِيرا





يطأْن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ








كأنَّها لم تطأ مِسكاً وكافُورا








ثمَّ دخل الشاعرُ ابنُ اللَّبانةِ على ابنِ
عبّادٍ ، فقال له :



تَنَشَّقْ رياحين السَّلامِ فإنَّما











أصُبُّ بها مِسْكاً عليك وحَنْتَما





وقُلْ مجازاً إن عدمت حقيقةً












بأنك ذو نُعمى فقد كُنت مُنعما





بكاك الحيا والريحُ شقَّتْ جُيُوبها








عليها وتاه الرَّعدُ باسمِك مُعْلِما








وهي قصيدةٌ بديعة ، أوْرَدَها الذهبيُّ ومدحها
.


روى الترمذيُّ ، عن عطاءٍ ، عنْ عائشة – رضي
اللهُ عنها وأرضاها – أنَّها مرَّتْ بقبرِ أخيها عبدِالله الذي دُفن فيه بمكة ،
فسلَّمت عليهِ ، وقالتْ : يا عبداللهِ ، ما مثلي ومثُلك إلا كما قال مُتمِّمٌ :



وكُنَّا كندْماني جُذيْمَةَ بُرهةً











من الدهرِ حتى قِيل لنْ يتصدَّعا





وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا












أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعا





فلمَّا تفرَّقْنا كأنِّي ومالِكاً








لطُولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا








ثمَّ بكتْ وودَّعتْه .


وكان عمرُ رضي اللهُ عنهُ يقولُ لمتمِّمِ بن
نويرة : يا متمِّم ، والذي نفسي بيده ، لَوَدِدْتُ أني شاعرٌ فأرثي أخي زيداً ،
واللهِ ما هبَّتِ الصّبا منْ نجد إلاَّ جاءتني بريحِ زيدٍ . يا متممُ ، إنَّ زيداً
أسلم قبلي وهاجرَ وقتل قبلي ، ثمَّ يبكي عمر . يقول متمِّم :



لعمْري لقد لام الحبيبُ على البُكا











حبيبي لِتذْرافِ الدُّموعِ السَّوافِكِ





فقال أتبكي كلَّ قبرٍ رأيتهُ












لقبرٍ ثوى بين اللِّوى فالدّكادِكِ





فقلتُ له إن الشَّجى يبعثُ الشَّجى








فدعْني فهذا كلُّهُ قبرُ مالِكِ








نُكب بنو الأحمرِ في الأندلسِ ، فجاء الشاعرُ
ابنُ عبدون يُعزِّيهم في هذه المصيبةِ فقال :



الدَّهْرُ يفجعُ بعد العَيْنِ بالأثرِ











فما البكاءُ على الأشباحِ والصُّورِ





أنهاك أنهاك لا آلُوك موعظة












عنْ نوْمَةٍ بين نابِ اللَّيْثِ والظُّفُرِ





وَلَيْتها إذ فدتْ عمراً بخارجةٍ








فدتْ عليّاً بمنْ شاءتْ من البشرِ








﴿ فَلَمَّا جَاء
أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
،﴿ إِنَّمَا
مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا
أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً
كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ
.


**************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
ثمراتُ
الرِّضا اليانعة






﴿ رَّضِيَ اللّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ
.


وللرضا ثمراتٌ إيمانيةٌ كثيرةٌ وافرةٌ تنتجُ
عنه ، يرتفعُ بها الراضي إلى أعلى المنازلِ ، فيُصبحُ راسخاً في يقيِنه ، ثابتاً
في اعتقادِه ، وصادقاً في أقوالِه وأعمالِه وأحوالِه .



فتمامُ عبوديِّتِه في جَرَيانِ ما يكرهُهُ من
الأحكام عليه . ولو لم يجْرِ عليه منها إلاَّ ما يحبُّ ، لكان أبْعَد شيءٍ عنْ
عبوديَّة ربِّه ، فلا تتمُّ له عبوديَّة . من الصَّبرِ والتَّوكلِ والرِّضا
والتضرُّعِ والافتقارِ والذُّلِّ والخضوعِ وغَيْرِها – إلاَّ بجريانِ القدرِ له
بما يكرهُ ، وليس الشأنُ في الرضا بالقضاءِ الملائم للطبيعةِ ، إنما الشأنُ في
القضاءِ المُؤْلِمِ المنافِرِ للطَّبْعِ . فليس للعبدِ أنْ يتحكَّم في قضاءِ اللهِ
وقدرِه ، فيرضى بما شاء ويرفضُ ما شاء ، فإنَّ البشر ما كان لهمِ الخِيَرَةُ ، بلْ
الخيرةُ اللهِ ، فهو أعْلمُ وأحْكمُ وأجلُّ وأعلى ، لأنه عالمُ الغيبِ المطَّلِعُ
على السرائرِ ، العالمُ بالعواقبِ المحيطُ بها .






رضاً
برضا :



ولْيَعْلم أنَّ رضاه عن ربِّه سبحانهُ وتعالى
في جميعِ الحالاتِ ، يُثمِرُ رضا ربُه عنه ، فإذا رضي عنه بالقليلِ من الرِّزقِ ،
رضي ربُّه عنه بالقليلِ من العملِ ، وإذا رضي عنه في جميع الحالاتِ ، واستوتْ
عندهُ ، وجدهُ أسْرَعَ شيءٍ إلى رضاهُ إذا ترضَّاه وتملَّقه ؛ ولذلك انظرْ
للمُخلصيِن مع قِلَّةِ عملهِم ، كيف رضي اللهُ سعيهم لأنهمْ رضُوا عنهُ ورضي عنهمْ
، بخلافِ المنافقين ، فإنَّ الله ردَّ عملهم قليلهُ وكثيرهُ ؛ لأنهمِ سخِطُوا ما
أنزلَ الله وكرهُوا رضوانهُ ، فأحبط أعمالهم .






منْ
سخِط فلهُ السُّخْطُ :



والسُّخطُ بابُ الهمِّ والغمِّ والحزنِ ،
وشتاتِ القلبِ ، وكسفِ البالِ ، وسُوءِ الحالِ ، والظَّنِّ بالله خلافُ ما هو
أهلُه . والرضا يُخلِّصُه منْ ذلك كلِّه ، ويفتحُ له باب جنةِ الدنيا قبل الآخرةِ
، فإنَّ الارتياح النفسيَّ لا يتمُّ بمُعاكسةِ الأقدارِ ومضادَّة القضاءِ ، بل
بالتسليمِ والإذعانِ والقبُولِ ، لأنَّ مدبِّر الأمرِ حكيمٌ لا يُتَّهمُ في قضائِه
وقدرهِ ، ولا زلتُ أذكرُ قصة ابن الراونديِّ الفيلسوف الذَّكّيِ الملحدِ ، وكان
فقيراً ، فرأى عاميّاً جاهلاً مع الدُّورِ والقصورِ والأموالِ الطائلةِ ، فنظر إلى
السماءِ وقال : أنا فيلسوفُ الدنيا وأعيشُ فقيراً ، وهذا بليدٌ جاهلٌ ويحيا غنيّاً
، وهذه قِسمةٌ ضِيزى . فما زادهُ اللهُ إلا مقْتاً وذُلاّ وضنْكاً
﴿ وَلَعَذَابُ
الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ
.





فوائدُ
الرِّضا :



فالرِّضا يُوجِبُ له الطُّمأنينة ، وبرد القلبِ
، وسكونهُ وقراره وثباتهُ عند اضطرابِ الشُّبهِ والتباسِ والقضايا وكثْرةِ الواردِ
، فيثقُ هذا القلبُ بموعودِ اللهِ وموعودِ رسوله
r ، ويقولُ
لسانُ الحالِ :
﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً
وَتَسْلِيماً
. والسخطُ يوجبُ اضطراب قلبِه ، وريبتهُ
وانزعاجهُ ، وعَدَمَ قرارِهِ ، ومرضهُ وتمزُّقهُ ، فيبقى قلِقاً ناقِماً ساخِطاً
متمرِّداً ، فلسانُ حالِه يقولُ :
﴿ مَّا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً
. فأصحابُ هذه القلوبِ إن يكُن لهمُ الحقُّ ،
يأتوا إليه مُذعِنِين ، وإن طُولِبوا بالحقِّ إذا همْ يصْدفِون ، وإنْ أصابهم خيرٌ
اطمأنٌّوا به ، وإنْ أصابتهم فتنةٌ انقلبُوا على وجوههِم ، خسرُوا الدنيا والآخرةِ
﴿ ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
. كما أنّ الرضا يُنزلُ عليه السكينة التي لا
أَنْفَعَ له منها ، ومتى نزلتْ عليه السكينةُ ، استقام وصلحتْ أحوالُه ، وصلح
بالُه ، والسُّخط يُبعِدُه منها بحسبِ قلَّتِه وكثرتِه ، وإذا ترحَّلتْ عنهُ
السكينةُ ، ترحَّل عنه السرورُ والأمْنُ والراحةُ وطِيبُ العيشِ . فمنْ أعْظَمِ
نعمِ اللهِ على عبدِه : تنزُّلُ السكينةِ عليهِ . ومنْ أعظمِ أسبابِها : الرضا عنه
في جميعِ الحالاتِ .






لا
تُخاصِم ربَّك :



والرضا يخلِّصُ العبد منْ مُخاصمةِ الربِّ
تعالى في أحكامِه وأقضيتِه . فإنَّ السُّخط عليهِ مُخاصمةٌ له فيما لم يرض به
العبدُ ، وأصلُ مخاصمةِ إبليس لربِّه : منْ عَدَمِ رضاه بأقْضِيَتِه ، وأحكامِه
الدِّينيِة والكونيِة . وإنَّما ألحد منْ ألحدَ ، وجَحِدَ منْ جحد لأنهُ نازعَ
ربَّه رداء العظمةِ وإزار الكبرياءِ ، ولم يُذعِنْ لمقامِ الجبروتِ ، فهو يُعطِّلُ
الأوامر ، وينتهِكُ المناهي ، ويتسخَّطُ المقادير ، ولم يُذعِنْ للقضاءِ .






حُكْمٌ
ماضٍ وقضاءٌ عَدْلٌ :



وحُكمُ الرَّبِّ ماضٍ في عبدِه ، وقضاؤُه عدْلٌ
فيه ، كما في الحديثِ : (( ماضٍ فيَّ حكمُك ، عَدْلٌ في قضاؤك )) . ومنْ لم
يرض بالعدلِ ، فهو منْ أهلِ الظُّلمِ والجوْرِ . واللهُ أحكمُ الحاكمين ، وقدْ
حرَّ الظلُّمَ على نفسِه ، وليس بظلاَّمٍ للعبيدِ ، وتقدَّس سبحانه وتنزَّه عنْ
ظُلْمِ الناسِ ، ولكنّ أنْفُسهم يظلمون .



وقولُه : ((عَدْلٌ في قضاؤك )) يَعُمُّ
قضاء الذنبِ ، وقضاء أثرِهِ وعقوبتِه ، فإنَّ الأمرينِ منْ قضائِه عزَّ وجلَّ ،
وهو أعدلُ العادلين في قضائِه بالذنبِ ، وفي قضائِه بعقوبتِه . وقد يقضي سبحانه
بالذنبِ على العبدِ لأسرارٍ وخفايا هو أعْلَمُ بها ، قد يكونُ لها من المصالحِ
العظيمِة ما لا يعلمُها إلا هُو .






لا
فائدة في السُّخطِ :



وعدمُ الرَّضا : إمَّا أنْ يكون لفواتِ ما
أخطأهُ ممَّ يحبُّه ويريدهُ ، وإمّا لإصابةٍ بما يكرهُه ويُسخطُه . فإذا تيقَّن
أنَّ ما أخطأه لم يكُنْ ليُصيبَه ، وما أصابه لم يكنْ ليُخطئه ، فلا فائدة في
سخطِه بعد ذلك إلا فواتُ ما ينفعُه ، وحصولُ ما يضرُّه . وفي الحديث : (( جفَّ
القلمُ بما أنت لاقٍ يا أبا هريرة ، فقدْ فُرِغَ من القضاءِ ، وانتُهِي من القدرِ
، وكُتِبتِ المقاديرُ ، ورُفِعتِ الأقلامُ ، وجفَّتِ الصُّحُفُ ))
.






السلامةُ
مع الرِّضا :



والرضا يفتحُ له باب السلامةِ ، فيجعلُ قلبهُ
سليماً ، نقيّاً من الغشِّ والدَّغلِ والغلِّ ، ولا ينجو منْ عذابِ اللهِ إلا منْ
أتى الله بقلبٍ سليمٍ ، وهو السَّالِمُ من الشُّبهِ ، والشَّكِّ والشِّركِ ،
وتلبُّسِ إبليس وجُندِه ، وتخذيلِهِ وتسويفِهِ، ووعْدِه ووعيدِه ، فهذا القلبُ ليس
فيهِ إلا اللهُ:
﴿قُلِ اللّهُ ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
.


وكذلك تستحيلُ سلامةُ القلبِ من السُّخطِ وعدمِ
الرضا ، وكلَّما كان العبدُ أشدَّ رضاً ، كان قلبُه أسْلَمَ . فالخبثُ والدَّغَلُ
والغشُّ : قرينُ السُّخطِ . وسلامةُ القلبِ وبرُّه ونُصحُه : قرينُ الرضا . وكذلك
الحسدُ هو منْ ثمراتِ السخطِ . وسلامةُ القلبِ منهُ : منْ ثمراتِ الرضا . فالرضا
شجرةٌ طيِّبة ، تُسقى بماءِ الإخلاصِ في بستانِ التوحيدِ ، أصلُها الإيمانُ ،
وأغصانُها الأعمالُ الصالحةُ ، ولها ثمرةٌ يانِعةٌ حلاوتُها . في الحديثِ : ((
ذاق طعْم الإيمانِ منْ رضي باللهِ ربّاً ، وبالإسلام ديِناً ، وبحمدٍ نبياً ))

. وفي الحديث أيضاً : (( ثلاثٌ منْ كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمانِ .... ))
.






السُّخْطُ
بابُ الشَّكِّ :



والسُّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشَّكِّ في اللهِ ،
وقضائه ، وقدرِه ، وحكمتِهِ وعلمِهِ ، فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ
يُداخلُ قلبه ، ويتغلغلُ فيه ، وإنْ كان لا يشعرُ به ، فلوْ فتَّش نفسه غاية
التفتيشِ ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً ، فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ
مُصطحبانِ ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ ، وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ : ((
إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ ، فافعل . فإن لم تستطع ، فإن في الصبر
على ما تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً ))
. فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ ،
غاضبِون ولوْ لمْ يتكلمَّوا ، عندهم إشكالاتٌ وأسئلةٌ ، مفادُها : لِم هذا ؟ وكيف
يكونُ هذا ؟ ولماذا وقع هذا ؟






الرِّضا
غِنىً وأمْنٌ :



ومنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر ، ملأ اللهُ
صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً ، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه ،
والتَّوكُّلِ عليه . ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا ، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك ، واشتغل
عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه .



فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ ، والسخطُ
يفرِّغُ القلب من اللهِ ، ولا عيش لساخِطٍ ، ولا قرار لناقِمٍ ، فهو في أمر مريجٍ
، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ ، وحظَّهُ باخِسٌ ، وعطيَّتهُ زهيدةٌ ، ومصائبهُ جمَّةٌ ،
فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا ، وأرفع وأجلَّ ، لكنّ ربَّه – في نظرِهِ – بخسهُ
وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه ، وأضناهُ وأرهَقَه ، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح ، وكيف يحيا
؟
﴿ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ
أَعْمَالَهُمْ
.





ثمرةُ
الرِّضا الشُّكْرُ :



والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ
الإيمانِ ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ . فإنَّ غاية المنازلِ شكرِ المولى ، ولا يشكُرُ
اللهُ منْ يرضى بمواهبه وأحكامِه ، وصُنعِه وتدبيرِه ، وأخذِه وعطائِه ، فالشاكرُ
أنْعمُ الناسِ بالاً ، وأحسنُهم حالاً .






ثمرةُ
السُّخطِ الكفرُ :



والسخطُ يُثمِر ضدَّه ، وهو كُفْرُ
النِّعمِ ، وربما أثمر له كُفْر المنعِم .
فإذا رضي العبدُ عن ربِّه في جميعِ الحالاتِ ، أوجب له لذلك شُكره ، فيكونُ من
الراضين الشاكرين . وإذا فاتهُ الرضا ، كان من الساخطين ، وسلك سُبُل الكافرين .
وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من
العبيدِ يريدون أن يكونوا أرباباً ، بلْ يقترحون على ربِّهم ، ويُحِلُّون على
مولاهم ما يريدون:
﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
.





السُّخطُ
مصيدةٌ للشيطانِ :



والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند
السخطِ والشهوةِ ، فهناك يصطادُه ، ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه ، فإنهُ يقولُ ما
لا يُرضي الرَّبَّ ، ويفعلُ ما لا يُرضيه ، وينوي ما لا يُرضيهِ ، ولهذا قال
النبيَّ
r عند موت ابنهِ
إبراهيم : (( يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا ))
. فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ ، فأخبرَ
النبيُّ
r أنهُ لا
يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ – الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي
الله ، ويفعلون ما لا يرضيه – إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى . ولو لمح العبدُ
في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ ، لهان عليه المصابُ .



أوَّلها : علمُه بحكمةِ المقدِّرِ
جلَّ في علاه ، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه .



ثانيها : أنْ ينظر للأجرِ
العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ .



ثالثُها : أن الحُكم والأمر
للرَّبِّ ، والتسليم والإذعان للعبدِ :
﴿ أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ
.





الرِّضا
يُخرجُ الهوى :



والرضا يُخرجُ الهوى من القلبِ ، فالراضي هواهُ
تبعٌ لمرادِ ربِّه منه ، أعني المراد الذي يحبُّه ربُّه ويرضاهُ ، فلا يجتمعُ
الرضا واتِّباعُ الهوى في القلبِ أبداً ، وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا ، وشعبةٌ
منْ هذا ، فهو للغالِب عليه منهما .




إنْ كان رضاكُم في سهري







فسلامُ اللهِ على وَسَنِي











﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ
رَبِّ لِتَرْضَى
.






إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسِدُنا







فما لجرْجٍ إذا أرضاكمو ألمُ











******************************************


وقفـــة





(( تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ ، يعرفْك في
الشِّدَّة )) .



« (تعرَّفْ)
بتشديدِ الرَّاءِ (إلى اللهِ) أيْ : تحبَّبْ وتقرَّبْ إليهِ بطاعتِه ،
والشُّكرِ لهُ على سابغِ نعمتِه ، والصبر تحت مُرِّ أقْضِيتِهِ ، وصدْقِ الالتجاءِ
الخاصِ قبل نزولِ بليَّتِه . (في الرخاءِ) أيْ : في الدَّعةِ والأمْنِ
والنعمةِ وسَعَةِ العمرِ وصحَّةِ البدنِ ، فالزمِ الطاعاتِ والإنفاق في القُرُباتِ
، حتى تكون متَّصِفاً عنده بذلك ، معروفاً به . (يعرفْك في الشِّدَّة)
بتفريجِها عنك ، وجعْلِه لك منْ كلِّ ضِيقٍ مخرجاً ، ومنْ كلِّ همٍّ فرجاً ، بما
سلف منْ ذلك التَّعرُّفِ »
.


« ينبغي أنْ يكون
بين العبدِ وبين رِّبهِ معرفةٌ خاصَّةٌ بقلبِهِ ، بحيثُ يجدُه قريباً للاستغناءِ
لهُ منهُ ، فيأنسُ بهِ في خلوتِه ، ويجدُ حلاوة ذكْرِه ودعائِه ومناجاتِه وطاعتِه
، ولا يزالُ العبدُ يقع في شدائد وكُربٍ في الدنيا والبرْزخِ والموقفِ ، فإذا كان
بينهُ وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّة ، كفاهُ ذلك كلُّه »
.


*************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
الإغضاءُ
عنِ هفواتِ الإخوانِ



﴿ خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
.


لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ – أي الأخ- لخُلُقٍ أو
خُلُقَيْن ينكرُهما منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه ، وحمِد أكثرَ شِيمِه ، لأنَّ
اليسير مغفورٌ ، والكمال مُعوزٌ ، وقدْ قال الكِنْديُّ : كيف تريدُ منْ صديقِك
خُلُقاً واحداً ، وهو ذو طبائع أربعٍ . مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ
النفوسِ به ، ومدبَّرةٌ باختيارِه وإرادتِه ، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ
، ولا تُجيبُه إلى طاعتِه في كلِّ ما يجبُ ، فكيف بنفسِ غيرِه ؟!
﴿ كَذَلِكَ
كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ
، ﴿ فَلَا
تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
.


وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه ، وقدْ
قال أبو الدرداءِ – رضي الله عنه - : مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه ، منْ لك بأخيك
كلِّه ؟! فأخذ الشعراءُ هذا المعنى ، فقال أبو العتاهية :




أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد











نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ





فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ








ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ








وقال أبو تمامٍ الطائيُّ :



ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ







منْ لك يوماً بأخيك كُلِّهِ








وقال بعضُ الحكماء : طَلَبُ الإنصافِ ، مِنْ
قلَّةِ الإنصافِ .



وقال بعضُهم : نحنُ ما رضِينا عنْ أنفُسِنا ،
فكيف نرضى عنْ غيرِنا !!



وقال بعضُ البلغاءِ : لا يُزهدنَّك في رجلٍ
حمدت سيرته ، وارتضيت وتيرته ، وعرفت فَضْله ، وبطنت عقله – عَيْبٌ خفيٌّ ، تحيطُ
به كثرةُ فضائلِه ، أو ذنبٌ صغيرٌ تستغفرُ له قوةُ وسائلِه ، فإنك لنْ تجِد – ما
بقيت – مُهذَّباً لا يكونُ فيه عيبٌ ، ولا يقعُ منه ذنبٌ ، فاعتبرْ بنفسك بعدُ
ألاَّ تراها بعينِ الرضا ، ولا تجري فيها على حُكمِ الهوى ، فإنَّ في اعتبارِك بها
، واختبارِك لها ، ما يُواسيك مما تطلبُ ، ويعطِفك على منْ يُذنبُ ، وقد قال
الشاعرُ :




ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلُّها







كفى المرء نُبلاً أنْ تُعدَّ معايبُهْ








وقال النابغةُ الذُّبيانيُّ :



ولست بمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ







على شعثٍ أيُّ الرِّجالِ المهذَّبِ








وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه
، واختبارِ الخصالِ الأربع فيه ، لأنَّ ما اعوز فيه معفوٌّ عنهُ ، هذا لا ينبغي
أنْ تُوحشك فترةٌ تجدُها منهُ ، ولا أنْ تُسيء الظَّنَّ في كبوةٍ تكونُ منه ، ما
لم تتحقَّق تغيُّره ، وتتيقَّن تنكُّره ، وليصرفْ ذلك إلى فتراتِ النفوسِ ،
واستراحاتِ الخواطرِ ، فإنَّ الإنسان قد يتغيَّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه التي هي
أخصُّ النفوسِ به ، ولا يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لها ، ولا مللٍ منها . وقدْ قيل في
منثورِ الحِكمِ : لا يُفسِدنَّك الظَّنُّ على صديقٍ قد أصلحك اليقينُ له . وقال
جعفرُ بنُ محمدٍ لابنِه : يا بُنيَّ ، منْ غضب من إخوانِك ثلاث مرَّاتٍ ، فلمْ
يقُل فيك سوى الحقِّ ، فاتخِذْه لنفسِك خِلاّ . وقال الحسنُ بنُ وهبٍ : منْ حقوقٍ
المودَّةِ أخْذُ عَفْوِ الإخوانِ ، والإغضاءُ عن تقصير إن كان . وقد روي عنْ عليٍّ
– رضي اللهُ عنهُ – في قولِه تعالى :
﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ


، قال : الرِّضا بغيرِ عتابٍ .


وقال ابنُ الروميِّ :



همُ الناسُ والدنيا ولابُدَّ منْ قذىً











يُلِمُّ بعينٍ أو يُكدِّرُ مشْربا





ومنْ قلّةِ الإنصافِ أنَّك تبتغي الـ








ـمُهذَّب في الدنيا ولست المهذَبا








وقال بعضُ الشعراءِ :



تَوَاصُلُنا على الأيامِ باقٍ











ولكنْ هجرُنا مطرُ الرَّبيعِ





يرُوعُك صَوْبُهُ لكنْ تراهُ












على علاَّتِهِ داني النُّزُوعِ





معاذ اللهِ أنْ تلقى غِضاباً








سوى دلُ المطاعِ على المُطيعِ








﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً




تريدُ مُهذَّباً لا عيب فيه







وهلْ عُودٌ يفُوحُ بلا دُخانِ








﴿ فَلَا تُزَكُّوا
أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
.


************************************************


الصِّحَّةُ
والفراغُ






ينبغي ألا تضيِّع صِحَّة جسمِك ، وفراغ وقتِك ،
بالتقصيرِ في طاعةِ ربِّك ، والثِّقةِ بسالفِ عمِلك ، فاجعلْ الاجتهاد غنيمة
صحَّتِك ، والعمل فرصة فراغِك ، فليس كلُّ الزمانِ مستعداً ولا ما فات مستدركاً ،
وللفراغِ زيْغٌ أو ندمٌ ، وللخْلوةِ مَيْلٌ أو أسفٌ .



وقال عمرُ بنُ الخطابِ : الراحةُ للرجالِ
غفْلةٌ ، وللنساءِ غُلْمةٌ .



وقال بزرجمهرُ : إنْ يكنِ الشغلُ مَجْهَدةً ،
فالفراغُ مفْسدَةٌ .



وقال بعضُ الحكماءِ : إيَّاكمْ والخلواتِ ،
فإنها تُفسدُ العقول ، وتعقِدُ المحلول .



وقال بعضُ البلغاءِ : لا تمضِ يومك في غير
منفعةٍ ، ولا تضعْ مالك في غيْر صنيعةٍ ، فالعمرُ أقصرُ منْ ينفَدَ في غيرِ
المنافعِ ، والمالُ أقلُّ منْ أنْ يُصرف في غيرِ الصانع ، والعاقلُ أجلُّ منْ أنْ
يُفني أيامه فيما لا يعودُ عليه نفعُه وخيرهُ ، ويُنفق أموالهُ فيما لا يحصُل له
ثوابُه وأجْرُه .



وأبلغُ منْ ذلك قولُ عيس ابن مريم ، على نبينا
وعليه السلامُ : البرُّ ثلاثةٌ : المنطقُ ، والنَّظرُ ، والصَّمتُ ، فمنْ كان
منطقُه في غيرِ ذكرٍ فقد لغا، ومنْ كان نظرُه في غيْرِ اعتبارٍ فقدْ سها ، ومنْ
كان صمْته في غيرِ فِكْرٍ فقد لها .



********************************************


اللهُ
وليُّ الذين آمنُوا






العبدُ بحاجةٍ إلى إلهٍ ، وفي ضرورةٍ إلى مولىً
، ولابدَّ في الإلهِ من القُدرةِ والنُّصرةِ ، والحُكمِ ، والغنمِ ، والغناءِ
والقوةِ ، والبقاءِ . والمُتَّصِفِ بذلك هو الواحدُ الأحدُ الملكُ المهيمنُ ، جلَّ
في علاه .



فليس في الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ
ويطمئنُّ به ، ويتنعَّمُ بالتَّوجُّه إليه إلا اللهُ سبحانه ، فهو ملاذُ الخائفين
، ومعاذُ المُلجئِين ، وغوْثُ المستغيثين ، وجارُ المستجيرين :
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
، ﴿ وَهُوَ
يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ
، ﴿ لَيْسَ
لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ
، ومنْ عبد
غيْر اللهِ ، وإنْ أحبَّه وحصل له به مودَّةٌ في الحياةِ الدنيا ، ونوعٌ من
اللَّذَّةِ – فهو مَفْسَدةٌ لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ
المسمومِ
﴿ لَوْ كَانَ
فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ
عَمَّا يَصِفُونَ
فإنَّ قوامهُما بأنْ تألها الإله الحقَّ ، فلو
كان فيهما آلهةٌ غيرُ اللهِ ، لم يكنْ إلهاً حقّاً ، إذ اللهُ لا سمِيّ له ولا
مِثْل له ، فكانتْ تفسُد ، لانتفاء ما به صلاحُها ، هذا من جهة الإلهية . فعُلِم
بالضرورة اضطرار العبدِ إلى إلهِهِ ومولاهُ وكافِيهِ وناصرِه ، وهو اتِّصالُ
الفاني بالباقي ، والضعيفِ بالقويِّ ، والفقيرِ بالغنيِّ ، وكلُّ منْ لم يتَّخِذ
الله ربّاً وإلهاً ، اتَّخذ غيره من الأشياءِ والصورِ والمحبوباتِ والمرغوباتِ ،
فصار عبداً لها وخادماً ، لا محالة في ذلك :
﴿ أَرَأَيْتَ
مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
، ﴿وَاتَّخَذُوا
مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً
. وفي الحديثِ : ((
يا حُصيْنُ ، كم تعبدُ ؟ ))
قال : أعبدُ سبعةً ، ستةً في الأرضِ ، وواحداً في
السماءِ . قال : (( فمنْ لِرغبِك ولِرهبِك ؟ )) . قال : الذي في السماءِ .
قال : (( فاترُكِ التي في الأرضِ ، واعبُدِ الذي في السماءِ )) .



واعلمْ أنَّ فقر العبدِ إلى اللهِ ، أنْ يعبد
الله لا يُشركُ به شيئاً ، ليس له نظيرٌ فيُقاسُ به ، لكنْ يُشبِهُ – منْ بعضِ
الوجوهِ – حاجة الجسدِ إلى الطعامِ والشرابِ ، وبينهما فروقٌ كثيرةٌ .



فإنَّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه ، وهي لا
صلاح لها إلا بإلهها اللهِ الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئنَّ في الدنيا إلا
بذكْرِه ، وهي كادحةٌ إليه كدْحاً فمُلاقيتُه ، ولابُدَّ لها منْ لقائِه ، ولا
صلاح لها إلا بلقائِهِ .




ومنْ لقاء اللهِ قد أحبَّا







كان له اللهُ أشدَّ حُبّا





وعكسُه الكارِهُ فالله اسألْ







رحْمتهُ فضلاً ولا تتكِلْ








ولو
حصل للعبد لذَّاتٌ أو سرورٌ بغيرِ اللهِ ، فلا يدومُ ذلك ، بلْ ينتقلُ منْ نوع إلى
نوع ، ومنْ شخصٍ إلى شخصٍ ، ويتنعَّمُ بهذا في وقتٍ وفي بعض الأحوالِ ، وتارةً
أُخرى يكون ذلك الذي يتنعَّمُ به ويلتذُّ ، غير منعّمٍ لهُ ولا ملتذٍّ له ، بلْ قد
يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه عنده ، ويضرُّه ذلك .



وأمّا إلههُ فلابُدَّ لهُ منه في كلِّ حالٍ
وكلِّ وقتِ ، وأينما كان فهو معه .




عساك ترضى وكلُّ الناسِ غاضبةٌ







إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي








وفي الحديثِ : (( منْ أرضى الله بسخطِ
الناسِ ، رضي الله عليه ، وأرضى عنه الناس . ومنْ أسخط الله برضا الناس ، سخِط
اللهُ عليه وأسخط عليهِ الناس ))
. ولا زلتُ أذكرُ قصَّة (العكوَّك ) الشاعرِ
وقدْ مدح أبا دلفٍ الأمير فقال :




ولا مددْت يداً بالخيرِ واهِبةً







إلاَّ قضيت بأرزاقٍ وآجالِ








فسلَّط اللهُ عليهِ المأمون فَقَتَلَه على
بساطِهِ بسببِ هذا البيت
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي
بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
.


****************************************


إشاراتٌ
في طريقِ الباحِثِين






للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ ، وإشاراتٌ
تظهرُ ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها ، ونجاحِ حامِلها ، وفلاحِ منِ اتَّصف بها .



فمنْ علاماتِ السعادةِ والفلاحِ : أنَّ العبد
كلَّما زاد وزُنه ونفاستُه ، غاص في قاعِ البحارِ ، فهو يعلمُ أنَّ العلم موهبةٌ
راسخةٌ يمتحِنُ اللهُ بها منْ شاء ، فإنْ أحْسَنَ شُكَرَها ، وأحسن في قبُولِهِ ،
رَفعهُ به درجاتٍ
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
. وكلَّما
زِيد في عملهِ ، زيد في خوفِهِ وحَذَرِه ، فهو لا يأمنُ عثرة القدمِ ، وزلَّة
اللسانِ ، وتقلُّب القلبِ ، فهو في مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الحذِر ، كلَّما
وقع على شجرةٍ تركها لأخرى ، يخافُ مهارة القنَّاص ، وطائشة الرصاصِ . وكلَّما زيد
في عمرِه ، نقص من حِرْصِهِ ويعلمُ علم اليقينِ أنَّهُ قدِ اقترب من المنتهى ،
وقطع المرحلة ، وأشرف على وادي اليقين . وهو كلَّما زِيد في مالِه ، زيد في سخائِه
وبذْلهِ ؛ لأنَّ المال عاريةٌ ، والواهب ممتحنٌ ، ومناسباتِ الإمكانِ فُرصٌ ،
والموت بالمرصادِ . وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه ، زيد في قُربِه من الناسِ
وقضاءِ حوائجِهم والتَّواضُعِ لهم ؛ لأنَّ العباد عيالُ الله ، وأحبُّهم إلى اللهِ
أنفعُهم لعيالِه .



وعلاماتُ الشقاوةِ : أنَّ كلَّما زيد في علمِهِ
، زيد في كِبْره وتيههِ ، فعلْمُه غيرُ نافعٍ ، وقلبُه خاوٍ ، وطبيعتُه ثخينةٌ ،
وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ . وهو كَّلما زيد في عملِه ، زِيد في فخْره واحتقارِه للناس
، وحُسْنِ ظنَّه بنفسهِ . فهو الناجي وحده ، والباقون هلْكى ، وهو الضامنُ جواز
المفازةِ ، والآخرون على شفا المتالِفِ . وهو كلَّما زِيد في عمرِه ، زيد في
حِرصِهِ ، فهو جمُوعٌ منُوعٌ ، لا تُحرِّكهُ الحوادِثُ ، ولا تُزعزعُه المصائبُ ،
ولا تُوقِظهُ القوارِعُ . وهو كلَّما زِيد في مالِه ، زيد في بُخلِه وإمساكِه ،
فقلْبُه مقفرٌ من القِيم ، وكفُّه شحيحةٌ بالبذْلِ ، ووجهُه صفيقٌ عريَّ من
المكارمِ . وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه ، زيِد في كِبرِه وتيْهِه ، فهو
مغرورٌ مدحورٌ ، طائشُ الإرادةِ منتفخُ الرِّئةِ ، مريشُ الجناحِ ، لكنَّه في
النهايةِ لا شيء : (( يُحشر المتكبَّرون يوم القيامةِ في صورةِ الذَّرِّ ،
يطؤهُمْ الناسُ بأقدامِهمْ ))
. وهذهِ الأموُر ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ ،
يَبْتَلي بها عباده فيسْعدُ بها أقوامٌ ، ويشقى بها آخرون .



****************************************


الكرامةُ
ابتلاءٌ






وكذلك الكراماتُ امتحانٌ وابتلاءٌ ، كالمُلْكِ
والسُّلطانِ والمالِ ، قال تعالى عنْ نبيِّه سليمان لمَّا رأى عِرش بلقيس عنده :
﴿ هَذَا مِن
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
، فهو
سبحانه يُسْدِي النعمة ليرى منْ قبِلها بقبُولٍ حسن ، وشكرها وحفظها ، وثمَّرها
وانتفع ونفع بها ، ومنْ أهلها وعطَّلها ، وكفرهاً وصرفها في مُحاربةِ المعطي ،
واستعان بها في مُحادّةِ الواهبِ جلِّ في عُلاهُ .



فالنِّعمُ ابتلاءٌ من اللهِ وامتحانٌ ، يظهرُ
بها شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ . كما أنَّ المحنَ منهُ سبحانه ، فهو يبتلي
بالنعمِ كما يبتلي بالمصائبِ قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ{15} وَأَمَّا إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ{16} كَلَّا
....

، أي ليس كلُّ منْ وسَّعْتُ عليهِ وأكرمتُه
ونعَّمتُه ، يكونُ ذلك إكراماً مني له ، ولا كلُّ منْ ضيَّقتُ عليهِ رزقه
وابتليتُه ، يكونُ إهانةً مني له .



************************************


الكنوزُ
الباقيةُ






إنَّ المواهب الجزيلة والعطايا الجليلة ، هي
الكنوزُ الباقيةُ لأصحابها ، الراحلةُ معهمْ إلى دارِ المقامِ ، من الإسلامِ
والإيمانِ والإحسانِ والبر والتقُّى والهجرةِ والجهادِ والتوبة والإنابةِ :
﴿لَّيْسَ
الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ...
إلى قولهِ
تعالى :
﴿ هُمُ
الْمُتَّقُونَ
.


**************************************


همَّةٌ
تنطحُ الثُّريَّا






إذا أُعطي العبدُ همَّةً كبرى ، ارتحلتْ بهِ في
دروبِ الفضائلِ ، وصعِدتْ بهِ في درجاتِ المعالي .



ومنْ سجايا الإسلامِ التَّحلِّي بكِبر الهمَّةِ
، وجلالةِ المقصودِ ، وسموِّ الهدفِ ، وعظمةِ الغايةِ . فالهمَّة هي مركزُ السالبِ
والموجبِ في شخصِك ، الرقيبُ على جوارحِك ، وهي الوقودُ الحسِّيُّ والطاقةُ
الملتهبةُ ، التي تمدُّ صاحبها بالوثوبِ إلى المعالي والمسابقةِ إلى المحامِدِ .
وكِبَرُ الهمَّةِ يجلبُ لك . بإذن اللهِ خيْراً غير مجذوذٍ ، لترقى إلى درجاتِ
الكمالِ ، فيُجْرِي في عروقِك دم الشهامةِ ، والركْضِ في ميدانِ العلمِ والعملِ .
فلا يراك الناسُ واقفاً إلا على أبواب الفضائلِ ، ولا باسطاً يديْك إلا لمهمَّاتِ
الأمورِ ، تُنافسُ الرُّوَّاد في الفضائلِ ، وتُزاحمُ السَّادة في المزايا ، لا
ترضى بالدُّون ، ولا تقفُ في الأخيرِ ، ولا تقبلُ بالأقلِّ . وبالتحلِّي
بالهِمَّةِ ، يُسلبُ منك سفساف الآمال والأعمالِ ، ويُجتثُّ منك شجرةُ الذُّلِّ
والهوانِ ، والتملُّق ، والمداهنةِ ، فكبيرُ الهِمَّةُ ثابتُ الجأشِ ، لا تُرهبُه
المواقفُ ، وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ ، تُغلقُ فمه الفهاهةُ .



ولا تغلطْ فتخْلِط بين كِبرِ الهمة والكِبْر ،
فإن بينهما من الرْق كما بين السماء ذاتِ الرَّجعِ والأرضِ ذاتِ الصَّدْعِ ،
فكِبرُ الهمَّةِ تاجٌ على مفْرِق القلبِ الحُرِّ المثالي ، يسعى به دائماً وأبداً
إلى الطُّهرِ والقداسةِ والزِّيادة والفضلِ ، فكبيرُ الهمّةِ يتلمَّظُ على ما فاته
من محاسن ، ويتحسَّرُ على ما فقده من مآثِر ، فهو في حنينٍ مستمرٍّ ، ونهمٍ دؤوبٍ
للوصولِ إلى الغايةِ والنهايةِ .



كِبَرُ الهمَّةِ حِلْيةُ ورثةِ الأنبياءِ ،
والكِبْرُ داءُ المرضى بعلَّة الجبابرةِ البؤساءِ .



فكِبرُ الهمَّةِ تصعَدُ بصاحبِها أبداً إلى
الرُّقيِّ ، والكِبْرُ يهبطُ به دائماً إلى الحضيضِ . فيا طالب العلم ، ارسمْ
لنفسك كِبر الهمّةِ ، ولا تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها في فقهيَّاتٍ تُلابس
حياتك ، لتكون دائماً على يقظةٍ من اغتنامِها ، ومنها : إباحةُ التَّيمُّمِ
للمكلَّفٍ عند فقْدِ الماءِ ، وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثمن الماءِ للوضوءِ ،
لما في ذلك من المنَّةِ التي تنالُ من الهمَّة منالاً ، وعلى هذا فقيِسْ .



فالله الله في الاهتمامِ بالهمَّةِ ، وسلِّ
سيفِها في غمراتِ الحياةِ :




هو الجِدّث حتى تفضُل العينُ أختها







وحتَّى يكون اليومُ لليومِ سيِّدا








***************************************


descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
قراءة
العقول






ممَّا يشرح الخاطر ويسُرُّ النَّفْس ، القراءةُ
والتأمُّلُ في عقولِ الأذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ، فإنَّها متعةٌ يسلو بها المُطالعِ
لتلك الإشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ . وسيِّدُ العارفين وخيرةُ العالمين ،
رسولُنا
r ، ولا
يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ، لأنهُ مؤيَّدٌ بالوحْي ، مصدَّقٌ بالمعجزاتِ ،
مبعوثٌ بالآياتِ البيِّناتِ ، وهذا فوق ذكاءِ الأذكياء ولمُوع الأدباءِ .



***********************************


﴿ وَإِذَا
مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ






قال أبقراطُ : « الإقلالُ
من الضَّارّ ، خيرٌ من الإكثارِ من النافعِ »
. وقال : « استديموا
الصِّحَّة بترْكِ التَّكاسُلِ عن التعبِ ، وبتركِ الامتلاءِ من الطعامِ والشرابِ »
.


وقال بعضُ الحكماءِ : « من
أراد الصحة : فليُجوِّد الغداء ، وليأكُلْ على نفاءٍ ، وليشربْ على ظماءٍ ،
وليُقلِّلْ من شُربِ الماءِ ، ويتمدَّدْ بعد الغداءِ ، ويتمشَّ بعد العشاءِ ، ولا
ينمْ حتى يعرض نفسهُ على الخلاءِ ، وليحْذرْ دخول الحمَّامِ عقيِب الامتلاء ،
ومرَّةٌ في الصيفِ خيرٌ من عشرٍ في الشتاءِ » .



وقال الحارثُ : « من
سرَّه البقاءُ – ولا بقاء – فليُباكِرِ الغداءَ ، وليُعجِّلِ العشاء ، ولُخفِّفِ
الرِّداء ، وليُقلَّ غِشيان النساءِ »
.


وقال أفلاطون : « خمسٌ
يُذبْن البَدنَ ، وربما قَتَلْنَ : قِصَرُ ذاتِ اليدِ ، وفراقُ الأحبَّةِ ،
وتجرُّعُ المغايظِ ، وردُّ النُّصح ، وضحِكُ ذوي الجهلِ بالعقلاءِ »
.


ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ : « كلُّ
كثيرٍ ، فهو مُعادٍ للطبيعةِ »
.


وقيل لجالينوس : ما لك لا تمرضُ ؟ فقال : « لأني
لم أجمعْ بين طعاميْنِ رديئينِ ، ولم أُدخِل طعاماً على طعامٍ ، ولم أحبِسْ في
المعدةِ طعاماً تأذَّيتُ منه »
.


وأربعةُ أشياء تُمرضُ الجسْم : الكلامُ الكثيرُ
، والنومُ الكثيرُ ، والأكلُ الكثيرُ ، والجماعُ الكثيرُ . فالكلامُ الكثيرُ :
يقلِّل مُخَّ الدِّماغِ ويُضعفُه ، ويعجِّلُ الشَّيْب . والنومُ الكثيرُ : يصفِّرُ
الوجه ، ويُعمي القلب ، ويُهيِّجُ العين ، ويُكسلُ عن العملِ ، ويولِّدُ الغليظة ،
والأدواء العسِرة . والجماعُ الكثيرُ : يَهُدُّ الَبَدنَ ، ويُضعفُ القُوى ،
ويُجفِّفُ رُطُوبات البدنِ ، ويُرخي العصبَ ، ويُورثُ السُّدَدَ ، ويعُمُّ ضررُهُ
جميع البدنِ ، ونخفضُّ الدِّماغ لكثْرةِ ما يتحلَّلُ منهُ من الرُّوحِ النَّفساني
. ولإضعافُهُ أكثر من إضعافِ جميعِ المستفرغاتِ ، ويستفرِغ من جوهرِ الرُّوحِ
شيئاً كثيراً .



أربعةٌ تهدم البدن : الهمُّ ، والحزنُ ،
والجوعُ ، والسَّهرُ .



وأربعة تُفرحُ : النَّظرُ إلى الخُضرةِ ، وإلى
الماءِ الجاري ، والمحبوبِ ، والثمارِ .



وأربعة تُظلِم البصر : المشْيُ حافياً ،
والتَّصبُّحُ والإمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ، وكثْرةُ البُكاءِ ، وكثرةًُ
النَّظرِ في الخطِّ الدِّقيقِ .



وأربعةٌ تقوِّي الجسم : لُبْسُ الناعمِ ،
ودخولِ الحمَّامِ المعتدلِ ، وأكلُ الطعامِ الحلوِ والدَّسمِ ، وشمُّ الروائحِ
الطيَّبةِ .



وأربعةٌ تُيبِّس الوجه، وتُذهبُ ماءه وبهجتهُ
وطلاقَتَهُ : الكذِبُ ، والوقاحةُ ، وكثْرةُ السؤالِ عن غيرِ علمٍ ، وكثْرةُ
الفجورِ .



وأربعةٌ تزيدُ في ماءِ الوجه وبهجتِه :
المروءةُ ، والوفُاء ، والكرمُ ، والتقوى .



وأربعةٌ تجلبُ البغضاء والمقْتَ : الكِبْرُ ،
والحسدُ ، والكَذِبُ ، والنَّميمةُ .



وأربعةٌ تجلبُ الرزق : قيامُ الليلِ ، وكثْرةُ
الاستغفارِ بالأسحارِ ، وتعاهُدُ الصدقةِ ، والذِّكْر أول النهارِ وآخِره .



وأربعةٌ تمنعُ الرزق : نومُ الصُّبحة ، وقلِّةُ
الصلاةِ ، والكسلُ ، والخيانةُ .



وأربعةٌ تُضرُّ بالفهمِ والذهنِ : إدمانُ أكْلِ
الحامضِ والفواكهِ ، والنومُ على القفا ، والهمُّ ، والغمُّ .



وأربعةٌ تزيدُ في الفهم : فراغُ القلبِ ،
وقلَّةُ التَّملِّي من الطعام والشرابِ ، وحُسْنِ تدبيرِ الغذاءِ بالأشياءِ
الحُلوةِ والدَّسِمةِ ، وإخراجُ الفضلاتِ المثقِّلةِ للبَدنِ .



**************************************


خُذُوا
حِذْركمْ






فالحازم يتوقَّفُ
حتى يرى ويبصر ، ويترقَّب ، ويتأمَّل ، ويُعيدَ النظر ، ويقرأ العواقب ، ويقدِّر
الخطواتِ ، ويُبرم الرأي ، ويحتاط ويَحْذر ، لئلاَّ يندم ، فإن وقع الأمرُ على ما
أراد ، حَمِدَ الله ، وشكر رأيه ، وإن كانتِ الأُخرى ، قال : قدرَّ اللهُ ، وما
شاء فَعَلَ . ورضي ولم يحزنْ .



*******************************************


فـتـبـيَّـنُوا





فالعاقلُ ثابتُ
القدمِ ، سديدُ الرَّأْي ، إذا هجمتْ عليهِ الأخبارُ ، وأشكلتِ المسائلُ ، فلا
يأخُذُ بالبوادِر ، ولا يتعجَّل الحُكم ، وإنما يُمحِّصُ ما يسمعُ ، ويقلِّبُ
النظر ، ويُحادثُ الفكر ، ويُشاوِرُ العقلاء ، فإنَّ الرَّأْي الخمير ، خيرٌ من
الرأي الفطيرِ . وقالوا : لأن تُخطئ في العفوِ ، خيرٌ منْ أنْ تخطئ في العقوبةِ
﴿ فَتُصْبِحُوا
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
.


*****************************************


اعزمْ
وأقْدِمْ






إنَّ كلَّ ما
أكتبُه هنا منْ آياتٍ وأبياتٍ ، وأثرٍ وعِبر ، وقصصٍ وحِكم ، تدعوك بأنْ تبدأ
حياةً جديدةً ، مِلْؤُها الرجاءُ في حُسْنِ العاقبةِ ، وجميلِ الختامِ ، وأفضلِ
النتائجِ . ولا تستطيعُ أن تستفيد إلا بهمَّةٍ صادقةٍ ، وعزمٍ حثيثٍ ، ورغبةٍ
أكيدةٍ في أن تتخلَّص منْ همومِك وغمومك وأحزانِك وكآبتِك . قيل لأحدِ العلماءِ :
كيف يتوبُ العبدُ ؟ قال : لابُدَّ له منْ سوْطِ عَزْمٍ . ولذلك ميَّز اللهُ أُولي
العزمِ بالهِممِ
﴿فَاصْبِرْ كَمَا
صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
. وآدمُ ليس من أُولي العَزْمِ ، لأنه ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً،
وكذلك أبناؤه ، فهي شِنْشِنَةٌ نعرفُها مِنْ أخْزمِ، ومنْ يُشابِه أباه فما ظلَمَ
، لكن لا تقْتدِ به في الذنبِ ، وتُخالِفْه في التوبةِ. واللهُ المستعانُ .



***********************************


ليستْ حياتُنا الدنيا فحسْب





سعادةُ الآخرةِ
مرهونةٌ بسعادةِ الدنيا ، وحقٌّ على العاقِل أن يعلم أنَّ هذه الحياة متَّصلة بتلك
، وأنها حياة واحدةُ ، الغيب والشهادةُ ، والدنيا والآخرة ، واليومُ وغدٌ . وظنَّ
بعضُهم أنَّ حياته هنا فحسْب ، فجمع فأوعى ، وتشبَّث بالبقاءِ ، وتعلَّق بحياةِ
الفناء ، ثم مات ومآرُبه وطموحاتُه ومشاغلُه في صدرِه .




نروحُ ونغدو
لحاجاتِنا











وحاجةُ منْ عاش
لا تنقضي





تموت مع المرِ
حاجاتهُ












وتبْقى له حاجةٌ
ما بقِي





أشاب الصغير
وأفني الكبيـ












ـرُّ الغداةِ
ومرُّ العشِي





إذا ليلةٌ أهرمت
يومها








أتى بعد ذلك يومٌ
فتِي








وعجبتُ لنفسي والناسِ من حولي : آمالٌ بعيدةٌ ،
وأحلامٌ مديدةٌ وطموحاتٌ عارمةٌ ، ونوايا في البقاءِ ، وتطلَّعاتٌ مُذهلةٌ ، ثم
يذهبُ الواحدُ منّا ولا يُشاورُ أو يُخبرُ أو يُخبَّرُ
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ

.


وأنا أعرضُ عليك
ثلاث حقائق :



الأولى : متى
تظنُّ أنك سوف تهدأُ وترتاحُ وتطمئنُّ ، إذا لم ترض عن ربَّك وعنْ أحكامِه
وأفعالِه وقضائِه وقدرِه ، ولم ترض عنْ رزقِك ، ومواهبِك وما عندك!



الثانية : هلْ
شكرت على ما عندك من النِّعم والأيادي والخبرات حتى تطلب غيرها ، وتسأل سواها ؟!
إنَّ منْ عَجَزَ عن القليلِ ، أوْلى أن يعجز عن الكثير .



الثالثة :
لماذا لا نستفيدُ من مواهبِ اللهِ التي وهبنا وأعطانا، فنثمِّرُها، وننمِّيها،
ونوظِّفُها توظيفاً حسناً ، وننقيها من المثالبِ والشَّوائبِ ، وننطلقُ بها في هذه
الحياةِ نفعاً وعطاءً وتأثيراً .



إن الصِّفاتِ
الحميدة والمواهب الجليلة ، كامنةٌ في عقولِنا وأجسامِنا ، ولكنَّها عند الكثير
منّا كالمعادنِ الثمينةِ في التُّرابِ ، مدفونةٌ مغمورةٌ مطمورةٌ ، لم تجِد حاذقاً
يُخرِجُها من الطينِ ، فيغسلُها وينقِّيها ، لتلمع وتشعَّ وتُعرف مكانتُها .



***************************************


التَّوارِي من البطْش حلٌّ مؤقَّتٌ ريثما يبرُقُ الفرجُ





قرأتُ كتاب (
المتوارين ) لعبدِ الغني الأزديِّ ، وهو لطيفٌ جذَّاب ، يتحدَّث فيه عمَّن توارى
خوفاً من الحجاجِ بن يوسف ، فعلمتُ أنَّ في الحياةِ فسحةً ، وفي الشَّرِّ خياراً ،
وعنِ المكروهِ مندوحةً أحياناً .



وذكرتُ بيتينِ
للأبيورديِّ عن تواريهِ ، يقولُ :




تستَّرْتُ مِن
دهري بظِلِّ جناحِهِ











فعيني ترى دهري
وليس يراني





فلو تسألِ الأيام
عنُي ما دَرَتْ








وأين مكاني ما
عرفت مكاني








هذا القارئُ
الأديبُ اللامعُ الفصيحُ الصَّادِقُ ، أبو عمرو بنُ العلاءِ ، يقولُ عن مُعاناتِه
في حالة الاختبار : « أخافني الحجَّاجُ فهربتُ إلى اليمن ، فولجتُ في بيتٍ بصنعاء
، فكنتُ من الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ ، إذْ سمعتُ رجلاً يُنشدُ:




رُبَّما تجزعُ
النُّفوسُ من الأمـ







ـرِ لهُ فُرْجَةٌ
كحلِّ العِقالِ








قال : فقلتُ :
فُرْجةٌ . قال : فسُررتُ بها . قال : وقالَ آخرَ : مات الحجّاجُ . قال : فواللهِ
ما أدري بأيِّهما كنتُ أُسَرُّ ، بقولهِ : فرْجةٌ . أو بقولِه : مات الحجّاجُ » .



إنَّ
القرار الوحيد النافذ ، عند من بيده ملكوتُ السماواتِ والأرضِ
﴿ كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
.


توارى الحسنُ البصريُّ عنِ عين الحجَّاج ،
فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فسجد شكراً اللهِ .



سبحان اللهِ الذي مايز بين خلْقِه ، بعضُهم
يموتُ ، فيُسجدُ غيْرُهُ للشُّكر فرحاً وسروراً
﴿ فَمَا
بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ
. وآخرون
يموتون ، فتتحوَّلُ البيوتُ إلى مآتِم ، وتقرحُ الأجفانُ ، وتُطعنُ بموتهم القلوبُ
في سويدائِها .



وتوارى إبراهيمُ النَّخعِيُّ من الحجَّاج ،
فجاءه الخبرُ بموتِهِ ، فبكى إبراهيمُ فرحاً .




طفح السرورُ عليَّ حتى إنني







منْ عظمِ ما قد سرَّني أبكاني








إنَّ هناك ملاذاتٍ آمنة للخائفين في كَنَف
أرحمِ الراحمين ، فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ الظالمين والمظلومين ، والغالبين
والمغلوبين
﴿ وَجَعَلْنَا
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً
.


ذكرتُ بهذا طائراً يسمَّى الحُمَّرة ، جاءت
تُرفرفُ على رسولِ الله
r ، وهو جالسٌ مع
أصحابِه تحت شجرةٍ ، كأنها بلسانِ الحالِ تشكو رجلاًَ أخذ أفراخها منْ عشِّها ،
فقال
r : ((
منْ فجع هذه بأفراخِها ؟ رُدُّوا عليها أفراخها ))
.



وفي مثل هذا يقولُ أحدُهم :



جاءتْ إليك حمامةٌ مُشتاقةٌ











تشكو إليك بقلبِ
صبِّ واجفِ





منْ أخبر الورْقاء أنَّ مكانكم








حَرَمٌ وأنَّك ملجأٌ للخائِفِ








وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : واللهِ لقد فررتُ من
الحجَّاج ، حتى استحييتُ من اللهِ عزَّ وجلَّ . ثم جيءَ به إلى الحجّاج ، فلمَّا
سُلَّ السيفُ على رأسِه ، تبسَّم . قال الحجاجُ : لِم تبتسمُ ؟ قال : أعجبُ منْ
جُرأتك على اللهِ ، ومن حِلْمِ الله عليك . يا لها من نفْسٍ كبيرةٍ ، ومن ثقةٍ في
وعدِ اللهِ ، وسكونٍ إلى حُسْنِ المصيرِ ، وطِيبِ المُنقلَب . وهكذا فليكُنِ
الإيمانُ .



**************************************


أنت
تتعاملُ مع أرحمِ الراحمين



إن لفت نَظَرَك هذا الحديثُ ، فقد لفت نظري
أيضاً ، وهو ما رواه أحمد وأبو يعلى والبزارُ والطبرانيُّ ، أنَّ شيخاً كبيراً أتى
النبي
r وهو
مُدَّعِمٌ على عصا ، فقال : يا نبيَّ اللهِ ، إنَّ لي غدراتٍ وفجراتِ ، فهل يُغفرُ
لي ؟ فقال النبي
r : (( تشهدُ أنْ لا
إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسول الله ؟))
قال : نعمْ يا رسول اللهِ . قال : ((
فإن الله قد غفر لك غدراتِك وفجراتِك))
. فانطلق وهو يقول : اللهُ أكبرُ ،
اللهُ أكبرُ .



أفهمُ من الحديث مسائل : منها سعةُ رحمةِ أرحمِ
الراحمين ، وأنَّ الإسلام يهدمُ ما قبله ، وأن التوبة تجبُّ ما قبلها ، وأن جبال
الذنوب في غفرانِ علاّم الغيوب لاشيءٌ ، وأنه يجبُ عليك حُسْنُ الظَّنِّ بمولاك ،
والرجاءُ في كرمِه العميمِ ، ورحمتِه الواسعةِ .



*******************************


براهينُ
تدعوك للتفاؤلِ






في كتابِ « حُسْنِ
الظَّنّ باللهِ »
لابن أبي الدنيا ، واحدٌ وخمسون ومائة نصٍّ ،
ما بين آيةٍ وحديث ، كلُّها تدعوك إلى التفاؤلِ ، وترْكِ اليأسِ والقنوطِ ،
والمُثابرَة على حُسْنِ الظَّنِّ وحُسْنِ العَمَلِ ، حتى إنك لتجدُ نصوصَ الوعدِ
أعْظَمَ منْ نصوصِ الوعيدِ ، وأدلَّةَ التهديدِ ، وقد جعل اللهُ لكلِّ شيءٍ قدراً
.



***************************************


حياةٌ
كلُّها تعبٌ






لا تحزنْ منْ كدرِ الحياةِ ، فإنها هكذا خُلقتْ
.



إنَّ الأصل في هذه الحياة المتاعبُ والضَّنى ،
والسرورُ فيها أمرٌ طارئٌ ، والفرحُ فيها شيءٌ نادرٌ . تحلو لهذه الدارِ واللهُ لم
يرْضها لأوليائِه مستقرَّا ؟!



ولولا أنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ ، لم تكُنْ
فيها الأمراضُ والأكدارُ ، ولم يضِقِ العيشُ فيها على الأنبياء والأخبار ، فآدمُ
يُعاني المِحن إلى أن خرج من الدنيا ، ونوحٌ كذَّبهُ قومُه واستهزؤُوا به ،
ولإبراهيمُ يُكابِدُ النار وذَبْحَ الولد ، ويعقوبُ بكى حتى ذهب بصرُه ، وموسى
يُقاسي ظُلم فرعون ، ويلقى من قومه المِحنَ ، وعيسى بنُ مريم عاش معدماً فقيراً ،
ومحمدٌ
r يُصابِرُ
الفقْر ، وقتلِ عمِّهِ حمزة ، وهو منْ أحبِّ أقاربِه إليه ، ونفورِ قومِهِ منهُ .
وغير هؤلاء من الأنبياءِ والأولياءِ مما يطُول ذِكْرُهُ . ولو خُلقتِ الدنيا
لِلَّذَّةِ ، لم يكنْ للمؤمنِ حظٌّ منها . وقال النبي
r : (( الدنيا سجنُ المؤمنِ ، وجنَّةُ الكافرِ
))
. وفي الدنيا سُجِن الصّالحون، وابتُلي العلماءُ العاملون ، ونغِّص على
كبارِ الأولياءِ . وكدّرتْ مشارِبُ الصادِقِين.



*******************************





وقفـــــة





عن زيدِ بنِ ثابتٍ – رضي اللهُ عنه – قال :
سمعتُ رسول اللهِ
r يقولُ : ((منْ كانتِ الدنيا همَّةُ ، فرَّق
اللهُ عليهِ أمرهُ ، وجعل فقرهُ بين عينيْه ، ولم يأتِهِ منَ الدنيا إلا ما كُتب
له. ومنْ كانتِ الآخرةُ نِيَّتهُ، جمع اللهُ له أمرهُ ، وجعل غناهُ في قلبِهِ ،
وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ)).



وعنْ عبدِالله بن مسعودٍ – رضي اللهُ عنه – قال
: سمعتُ نبيَّكم
r يقولُ : (( منْ
جعل الهموم هماً واحداً ، وهمَّ آخرته ، كَفَاهُ اللهُ همَّ دنياه ، ومنْ تشعبَّتْ
به الهُمُومُ في أحوالِ الدُّنيا ، لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أَوْدِيتِها هَلَكَ ))
.



قال الكاتبُ المعروفُ بـ « الببْغاء
»

:



تنكَّبْ مذْهبَ الهمجِ











وعُذْ بالصبرِ تبْتَهِجِ





فإنَّ مُظلمَ الأيَّا












م محجوجٌ بلا حُججِ





تُسامحُنا بلا شُكرٍ












وتمْنَعُنا بلا حرجِ





ولُطفُ الله في إتيا












نهِ فتْحٌ مِن اللّججِ





فمِنْ ضِيقٍ إلى سعةٍ








ومِنْ غمٍّ إلى فرجِ








*****************************************


الوَسَطِيَّةُ
نجاةٌ من الهلاك






تمامُ السعادة مبنيٌّ
على ثلاثةِ أشياء :



1. اعتدالِ
الغضبِ .



2. اعتدالِ
الشهوةِ .



3. اعتدالِ
العِلْمِ .



فيحتاجُ أن يكون أمرُها متوسِّطاً ، لئلاَّ
تزيد قوةُ الشهوةِ ، فتُخرِجه إلى الرُّخصِ فيهلِك ، أو تزيدُ قوةُ الغضبِ ،
فيخرُج إلى الجموحِ فيهلك . (( وخيرُ الأمورِ أوسطُها )) .



فإذا توسَّطتِ القُوَّتانِ بإشارة قوَّةِ
العِلْمِ ، دلَّ على طريقِ الهدايةِ . وكذلك الغضبُ : إذا زاد ، سهُل عليهِ
الضرْبُ والقتلُ ، وإذا نقص ، ذهبتِ الغيرةُ والحميَّةُ في الدينِ والدنيا ، وإذا
توسَّط ، كان الصبرُ والشجاعةُ والحِكْمةُ . وكذلك الشهوةُ : إذا زادتْ ، كان
الفِسْقُ والفجورُ ، وإنْ نقصتْ ، كان العَجْزُ والفتورُ ، وإن توسَّطتْ ، كانتِ
العفةُ والقناعةُ وأمثالُ ذلك . وفي الحديثِ (( عليكم هدْياً قاصِداً ))
﴿ وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً



*************************************


المرءُ
بصِفاتِهِ الغالِبة






منْ سعادتِك أنْ تغْلِب صفاتُ الخيرِ فيك صفاتِ
الذَّمِّ ، فيُساقُ إليك الثناءُ حتى على شيءٍ ليس فيك ، ولم يقْبَلِ الناسُ فيك
ذمّا ولو كان صحيحاً ، لأنَّ الماء إذا بلغ قُلَّتين لم يحملِ الخبث . إنَّ الجبل
لا يزيدُ فيه حجرٌ ولا ينقصهُ حَجَرٌ .



طالعتُ هجوماً مقذعاً في قيسِ بن عاصم حليمِ
العربِ ، وفي البرامكةِ الكرماء ، وفي قُتيْبة بن مسلمٍ القائدِ الشهيرِ ، ووجدت
أنَّ هذا الشتْم والهجْو ، لم يُحفظْ ولم يُنقلْ ولم يُصدِّقْه أحدٌ ، لأنه سقط في
بحرِ المحاسنِ فغرق ، ووجدتُ على الضِّدِّ منْ ذلك مدْحاً وثناءً في الحجَّاج ،
وفي أبي مسلمٍ الخراساني ، وفي الحاكم بأمر الله العُبيْدِي ، ولكنَّه لم يُحفظْ ولم
يُنقلْ ولم يُصدِّقه أحدٌ ، لأنه ضاع في ركامِ زيفِهم وظلمِهم وتهوًّرِهم ، فسبحان
العادلِ بين خلْقِهِ .



*****************************************


هكذا
خُلِقت






في الحديث : (( كلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِق له ))
. فلماذا تُعْسفُ المواهبُ ويُلْوى عنقُ الصِّفاتِ والقدراتِ لَيَّا ؟! إن الله
إذا أراد شيئاً هيَّأ أسبابه ، وما هناك أتْعَسُ نفْساً وأنْكدُ خاطراً من الذي
يريدُ أنْ يكون غَيْرَ نَفْسِه ، والذكيُّ الأريبُ هو الذي يدرسُ نفسهُ ، ويسدُّ
الفراغ الذي وُضع له ، إن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ ، وإنْ كان في الحراسةِ
كان في الحراسةِ ، هذا سيبويه شيخُ النَّحْوِ ، تعلَّم الحديث فأعياهُ ، وتبلَّد
حسُّهُ فيع ، فتعلَّم النحو ، فَمَهَرَ فيه وأتى بالعَجَب العُجاب . يقولُ أحدُ
الحكماءِ : الذي يريدُ عملاً ليس منْ شأنِهِ ، كالذي يزرعُ النَّخْل في غوطةِ دمشق
، ويزرعُ الأتْرُجَّ في الحجازِ .



حسانُ بنُ ثابتٍ لا يُجيدُ الأذان ، لأنهُ ليس
بلالاً ، وخالدُ بنُ الوليد لا يقسمُ المواريث ، لأنه ليس زيد بن ثابتٍ ، وعلماءُ
التربيةِ يقولون : حدِّدْ موقِعَكَ .



*********************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
لابُدَّ
للذَّكاء مِن زكاء






سمعتُ إذاعة لندن تُخبرُ عنْ محاولةِ اغتيالِ
الكاتب نجيبِ محفوظٍ ، الحائزِ على جائزةِ نوبل في الأدبِ ، وعدتُ بذاكراتي إلى
كتبٍ له كنتُ قرأتُها مْن قبْلُ ، وعجبتُ لهذا الذَّكيِّ ، كيف فاتهُ أنَّ الحقيقة
أعظمُ من الخيالِ ، وأنَّ الخلود أجلُّ من الفناءِ ، وأن المبدأ الرَّبّانيَّ
السَّماويَّ أسْمى من المبدأِ البشريِّ
﴿ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن
يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى
. بمعنى
أنهُ كتب مسرحياتٍ منْ نسْج خيالِهِ ، مُستخدمِاً قدراتِه القويَّة في التصويرِ
والعرضِ والإثارةِ ، والنهايةُ أنها أخبارٌ لا صحَّة لها .



لقد استفدتُ من قراءةِ حياتِه مسألةً كبرى ،
وهي أنَّ السعادة ليستْ سعاد الآخرين على حسابِ سعادتِك وراحتِك ، فليس بصحيحٍ أن
يُسرَّ بك الناسُ وأنت في همٍّ وغمٍّ وحزنٍ ، إنَّ بعض الكُتاَّابِ يمدحُ بعض
المُبدعِين ، ويصفُه بأنه يحترقُ ليُضيء للناس ، والمنهجُ السَّويُّ الثابتُ هو
الذي يجعلُ المبدع يُضيءُ في نفْسِه ويضيءُ للناسِ ، ويعمرُ نفسه بالخيرِ والهدى
والرُّشدِ ، ليعمر قلوب الناسِ بذلك .



وبعد هذا ، فماذا ينفعُ الإنسان لو حاز على
مُلكِ كسرى وقلبُه بالباطلِ مكسورٌ ، وحصل على سلطانِ قيصر وأملُه عن الخيْرِ
مقصورُ ؟! إنَّ الموهبةَ إذا لم تكنْ سبباً في النجاةِ ، فما نفعُها وما ثمرتُها
؟!



*****************************************





كُنْ
جميلاً تَرَ الوجود جميلاً






إنَّ منْ تمامِ سعادتِنا أنْ نتمتَّع بمباهج
الحياةِ في حدودِ منطقِ الشرعِ المقدّسِ ، فاللهُ أنبت حدائق ذات بهجةٍ ، لأنهُ
جميلُ يحبُ الجمالَ ، ولتقرأُآياِ الوحدانية في هذا الصُّنع البهيج
﴿ هُوَ
الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً
.


فالرائحةُ الزَّكيةُ والمطعمُ الشهيُّ والمنظرُ
البهيُّ ، تزيدُ الصَّدْرَ انشراحاً والرُّوح فرحاً
﴿كُلُواْ
مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً
. وفي
الحديث : (( حُبِّب إليَّ من دنياكمْ : الطَّيبُ ، والنساءُ ، وجُعِلتْ قُرَّةُ
عيني في الصلاةِ ))
.



إنَّ الزهدَ القاتِم والورع المُظلِم ، الذي
دلف علينا منْ مناهج أرضيَّةٍ ، قدْ شوَّه مباهج الحياةِ عند كثيرٍ مِنَّا ،
فعاشُوا حياتهم همَّا وغمَّا وجوعاً وسهراً وتبتُّلاً ، بقولُ رسولُنا
r : ((
لكنَّي أصومُ وأُفطرُ ، وأقومُ وأفترُ ، وأتزوَّجُ النساء ، وآكُلُ اللحم ، فمن
رغب عن سُنَّتي فليس مني )) .



وإنْ تعجبْ ، فعجبٌ ما فعلهُ بعضُ الطوائفِ
بأنفسهمْ ! فهذا لا يأكلُ الرّطب ، وذاك لا يضحكُ ، وآخرُ لا يشربُ الماء البارد ،
وكأنهم ما علمُوا أنَّ هذا تعذيبٌ للنفسِ وطمْسٌ لإشراقها
﴿ قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ

.


إنَّ رسولنا r أكل العسل
وهو أزْهدُ الناسِ في الدنيا ، واللهُ خلق العسل ليُؤكل :
﴿يَخْرُجُ
مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ
. وتزوَّج
الثَّيِّباتِ والأبكار :
﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ
لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
. ولبِس أجمل الثيابِ
في مناسباتِ الأعيادِ وغيرِها :
﴿ خُذُواْ زِينَتَكُمْ
عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
. فهو r يجمعُ بين
حقِّ الرُّوحِ وحقِّ الجسدِ ، وسعادةِ الدنيا والآخرةِ ، لأنه بُعث بدينِ الفطرةِ
التي فطرَ اللهُ الناس عليها .



**************************************





أبشِرْ
بالفَرَج القريبِ






يقولُ بعضُ مؤلِّفي عصرنا : إنَّ الشدائد –
مهما تعاظمتْ وامتدَّتْ . لا تدومُ على أصحابِها ، ولا تخلَّدُ على مصابِها ، بل
إنها أقوى ما تكونُ اشتداداً وامتداداً واسوداداً ، أقربُ ما تكونُ انقشاعاً
وانفراجاً وانبلاجاً ، عن يُسْرٍ وملاءةٍ، وفرجٍ وهناءةٍ ، وحياةٍ رخيَّةٍ مشرقةٍ
وضَّاءةٍ ، فيأتي العونُ من اللهِ والإحسانُ عند ذروةِ الشِّدَّةِ والامتحانِ ،
وهكذا نهايةُ كلِّ ليلٍ غاسِق ، فجرٌ صادِقٌ .




فما هي إلا ساعةٌ ثُمَّ تنْقضي







ويَحْمَدُ غِبَّ السَّيْرِ منْ هو سائرُ








***********************************


أنتَ
أرْفَعُ مِنَ الأحقاد






أسعدُ الناس حالاً وأشرحُهم صدْراً ، هو الذي
يريدُ الآخرة ، فلا يحسُدُ الناس على ما آتاهم اللهُ منْ فضْلِهِ ، وإنما عنده
رسالةٌ من الخيرِ ومُثُلٌ ساميةٌ من البِرِّ والإحسانِ ، يريدُ إيصال نفْعِه إلى
الناسِ ، فإنْ لم يستطعْ ، كفَّ عنهم أذاه . وانظرْ إلى ابنِ عباسٍ بحْرِ العلمِ
وترْجُمانِ القرآنِ ، كيف استطاع بخُلُقه الجمِّ وسخاوةِ نفسِه مساراتِه الشرعّةِ
، أنْ يحوِّل أعداءهُ منْ بني أُميَّةَ وبني مروان ومنْ شايعهم إلى أصدقاء ،
فانتفع الناسُ بعلْمِه وفهْمه ، فملأ المجامع فِقهاً وذكراً وتفسيراً وخيْراً .
لقد نسي ابنُ عباسٍ أيام الجمَلِ وصِفِّين ، وما قبلها وما بعدها ، وانطلق يبني
ويُصلحُ ، ويرتُقُ الفتْقَ ، ويسمحُ الجراح ، فأحبَّهُ الجميعُ ، وأصبح – بحقٍّ
حبْرَ الأمةِ المحمديةِ . وهذا ابنُ الزبيرِ – رضي اللهُ عنه - ، وهو منْ هو في
كرمِ أصلِهِ وشهامِته وعبادتِه وسموِّ قدرِه ، فضَّل المُوجَهةَ مجتهداً في ذلك ،
فكان من النتائجِ أن شُغِلَ عن الرِّوايةِ ، وخسِر جمْعاً كثيراً من المسلمين ،
ثمَّ حصلتِ الواقعةُ فضُرِبتِ الكعبةُ لأجل مُجاوَرَتِه في الحرمِ ، وذُبِح كثيرُ
من الناسِ ، وقُتِل هو ثمَّ صُلِب
﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً . وليس هذا
تنقُّصاً للقومِ ، ولا تطاوُلاً على مكانتِهم ، وإنما هي دراسةٌ تاريخيَّة تجمعُ
العِبَرَ والعِظاتِ . إنَّ الرِّفق واللِّين والصَّفح والعفْو ، صفاتٌ لا يجمعُها
إلاَّ القِلَّةُ القليلةُ من البشرِ ، لأنها تُكلِّفُ الإنسان هضْم نفْسِه ، وكبْح
طموحِه ، وإلجام اندفاعِه وتطلّعِه .



***********************************


وقفــــة





« قولهُ r : ((
تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ ، يعرفك في الشِّدَّة ))
يعنى أنَّ العبد إذا
اتَّقى الله وحفظ حدودهُ ، وراعى حقوقهُ في حالِ رخائِه ، فقد تعرَّف بذلك إلى
اللهِ ، وصار بينه وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّةٌ ، فمعرفهُ ربُّه في الشِّدَّةِ ورعى
له تعرُّفهُ إليه في الرخاءِ ، فنجَّاهُ من الشدائدِ بهذِه المعرفة ، وهذه معرِفة
خاصَّةٌ ، تقتضي قُرب العبدِ من ربِّهْ ومحبَّته له وإجابتهُ لدعائِه »
.


« الصبرُ إذا قام
به العبد كما ينبغي ، انقلبتْ المِحنةُ في حقِّه مِنْحةً ، واستحالتِ البليَّة
عطيَّة ، وصار المكروهُ محبوباً ، فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يبْتلِهِ عطيَّة ،
وصار المكروهُ محبوباً ، فإنَّ الله تعالى على العبدِ عبوديَّةً في الضَّراءِ ،
كما له عبوديَّةٌ في السَّرَّاءِ ، وله عبوديَّةٌ عليه فيما يحبُّونه ، والشأنُ في
إعطاءِ العبوديَّةِ في المكارِهِ ، ففيه تفاوتُ مراتبِ العبادِ ، وبحسبِه كانتْ
منازلُهم عند اللهِ تعالى »
.


******************************************


العِلْمُ
مِفتاحُ اليُسْرِ






العِلْمُ واليُسْرُ قرينان وأخوانِ شقيقانِ،
ولك أنْ تنظر في بحورِ الشريعةِ من العلماءِ الراسخين ، ما أيْسرَ حياتهُم ، وما
أسْهل التَّعامُل معهم! إنهم فهموا المقصد ، ووقعُوا على المطلوب ، وغاصُوا في
الأعماقِ ، بينما تجدُ مِنْ أعْسرِ الناسِ ، وأصعبِهم مراساً ، وأشقِّهم طريقةً
الزُّهَّادُ الذين قلَّ نصيبُهم من العِلْمِ ، لأنهم سمعُوا جُملاً ما فهموها ،
ومسائل ما عَرَفُوها ، وما كانتْ مصيبةُ الخوارج إلاَّ منْ قلَّةِ علْمِهِمْ
وضحالةِ فهْمِهم ؛ لأنهمْ لم يقعُوا على الحقائقِ، ولم يهتدُوا إلى المقاصدِ ،
فحافظُوا على النُّتفِ، وضيَّعُوا المطالب العالية، ووقعُوا في أمرٍ مريجٍ .



*************************************


ما
هكذا تُوردُ الإِبِل






طالعتُ كتابينِ
شهيرينِ ، لا أرى إلاَّ أنَّ فيهما سطوةً عارمةً على السعادةِ واليُسْرِ اللذيْنِ
أتى بهما الشارعُ الحكيمُ .



فكتابُ « إحياء
عِلوم الدينِ »

للغزاليِّ
، دعوةٌ صارخةٌ للتجويعِ والعُرْيش ( والبهذلة) ، والآصالِ والأغلالِ التيِ أتى
رسولُنا
r لوضْعِها
عنِ العالمين . فهو يجمعُ من الأحاديثِ ، المتردِّية والنطِيحة وما أكل السَّبُعُ
، وغالبُها ضعيفةٌ أو موضوعةٌ ، ثم يبني عليها أُصُولاً يظنُّها منْ أعظمِ ما
يُوصِّلُ العبدُ إلى ربِّه .



وقارنتُ بين إحياءِ علومِ الدين وبينِ الصحيحين
للبخاري ومسلم ، فبان البونُ وظهر الفرْقُ ، فذاك عَنَتٌ ومشقَّةٌ وتكلُّفٌ ، وهذه
يُسْرُ وسماحةٌ وسهولةٌ ، فأدركتُ قول البري :
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ .


والكتابُ الثاني : « قُوتُ
القلوبِ »

لأبي طالب المكَّيَّ ، وهو طلبٌ مُلِحٌّ منه لترْكِ الحياة الدنيا والانزواء عنها
، وتعطيل السَّعْيِ والكسْبِ ، وهجْرِ الطَّيَّباتِ ، والتَّسابُقِ في طرقِ
الضَنْكِ والضَّنى والشِّدَّة .



والمؤلِّفان : أبو حامدٍ الغزاليُّ ، وأبو طالبٍ
المكيُّ ، أرادا الخَبْرَ ، لكنْ كانت بضاعتُهما في السُّنّةِ والحديثِ مُزْجاةً ،
فمنْ هنا وقع الخَلَلُ ، ولابُدَّ للدليل أن يكون ماهراً في الطريق خِرِّيتاً في
معرفة المسالكِ
﴿ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ
وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
.


*****************************************


أشْرَحُ الناسِ صدراً





الصّفةُ البارزةُ
في مُعَلِّمِ الخيرِ
r :
انشراحُ الصدرِ والرِّضا والتَّفاؤلُ ، فهو مبشِّرٌ ، ينهى عن المشقَّةِ والتنفير،
ولا يعرفُ اليأس والإحباط ، فالبسمةُ على مُحيَّاه ، والرِّضا في خلدِه ،
واليُسْرُ في شريعتِه ، والوسطيَّةُ في سُنَّتِه ، والسعادةُ في مِلَّته . إنَّ
جُلَّ مهمَّتِهِ أن يضع عنهم إصْرهم والأغلال التي كانتْ عليهم .



*************************************


رويداً .. رويداً





إنّ من إضفاء
السعادة على المُخاطبين بكلمة الوعي ، التَّدرُّجُ في المسائلِ ، الأهمُّ ،
يصدِّقُ هذا وصيتُه
r لمعاذٍ
– رضي اللهُ عنه – لمَّا أرْسَلَه إلى اليمنِ : (( فليكُنْ أوَّل ما تدعوهمْ
إليه ، أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ اللهِ ..... ))
الحديث . إذن في
المسألة أولٌ وثانٍ وثالثٌ ، فلماذا نُقحمُ المسائل على المسائل إقحاماً ، ولماذا
نطرحُها جملةً واحدةً ؟!
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً
.


إنَّ من سعادةِ
المسلمين بإسلامِهم أنْ يشعُروا بالارتياح منْ تعاليمِه وباليُسر في تلقِّي أوامره
ونواهيه ؛ لأنه أتى أصلاً لإنقاذهم من الاضطرابِ النفسيِّ والتَّشرُّردِ
الذِّهنيِّ والتَّفلُّتِ الاجتماعي .



« التكليفُ لم يأتِ
في الشرعِ إلا منفيّاً
﴿ لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا
، لأنَّ التكليف مشقَّةٌ ، والدينُ لم يأتِ
بالمشقَّةِ ، وإنما أتي لإزالتِها »
.


إنَّ الصحابيَّ كان يطلبُ من الرسولِ r وصيتهُ ،
فيُخبرُه بحديثٍ مختَصَرٍ الحاضرُ والبادي ، فإذا الواقعيةُ ومراعاةُ الحالِ
واليُسْرُ هي السمةُ البارزةُ في تلك النصائحِ الغاليةِ .



إننا نخطئُ يوم نسْرُدُ على المستمعين كلَّ ما
في جعْبتِنا منْ وصايا ونصائح ، وتعاليم وسُننٍ وآداب، في مقامٍ واحدٍ
﴿وَقُرْآناً
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً
.






أوْرَدَها سعْدٌ
وسعدٌ مُشْتمِلْ







ما هكذا تُوردُ
يا سعْدُ الإبِلْ








**********************************************


descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
كيف تشكُرُ على الكثيرِ


وقد قصَّرت في شُكْرِ القليلِ





إنَّ منْ لا يحمدُ
الله على الماءِ الباردِ العذْبِ الزُّلالِ ، لا يحمدُه على القصورِ الفخمةِ ،
والمراكبِ الفارِهةِ ، والبساتينِ الغنَّاءِ .



وإنّ منْ لا يشكُرُ
الله على الخبزِ الدافئِ ، لا يشكرهُ على الموائدِ الشَّهيَّةِ والوجباتِ
اللَّذيذةِ ، لأنَّ الكنُود الجحُود يرى القليل والكثير سواءً ، وكثيرٌ منْ هؤلاء
أعطى ربَّه المواثيق الصارمة ، على أنه متى أنعم عليه وحباهُ وأغدق عليه فسوف
يشكُرُ ويُنفقُ ويتصدَّقُ
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن
فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ
.


ونحنُ نلاحظُ كلَّ
يومٍ منْ هذا الصِّفِ بشراً كثيراً ، كاسف البالِ مكدَّر الخاطرِ ، خاوي الضميرِ ،
ناقماً على ربِّه أنه ما أجْزل له العطيَّة ، ولا أتحفهُ برزقٍ واسعٍ بينما هو
يرفُلُ في صحَّةٍ وعافيةٍ وكفافٍ ، ولم يشكُرْ وهو في فراغٍ وفسحةٍ ، فكيف لو
شُغِل مثل هذا الجاحدُ بالكنوزِ والدُّورِ والقصورِ ؟! إذنْ كان أكْثرَ شُرُداً من
ربِّه ، وعقوقاً لمولاهُ وسيِّدهِ .



الحافي منّا يقول :
سوف أشكرُ ربِّي إذا مَنحَني حذاءً . وصاحبُ الحذاءِ يؤجِّل الشُّكْر حتى يحصُل
على سيَّارةٍ فارهةٍ نأخُذ النعيمِ نقْداً ، ونُعطي الشُّكْر نسيئةًُ ، رغباتُنا
على اللهِ ملحَّةٌ ، وأوامرُ اللهِ عندنا بطيئةُ الامتثالِ .



***********************************


ثلاثُ لوحاتٍ





بعضُ الأذكياء
علَّق على مكتبِهِ ثلاث لوحاتٍ ثمينةٍ :



مكتوبٌ على الأولى
: يوْمُك يومُك . أي عِشْ في حدودِ اليوم .



وعلى الثانيةِ : فكِّرْ
واشكرْ
. أي فكِّرْ في نِعَمِ اللهِ عليك ، واشكُرْه عليها .



وعلى الثالثةِ : لا
تغضبْ
.



إنها ثلاثُ وصايا
تدلُّك على السعادةِ منْ أقْربِ الطرقِ ، ومن أيْسرِ السُّبُلِ ، ولك أن تكتبها في
مُفكِّرتِك لتطالِعها كلَّ يومٍ .



***********************************


وقفــــة





« منْ لطائفِ
أسرارِ اقترانِ الفرج بالكرْب ، واليُسْرِ ، أنَّ الكرب إذا اشتدَّ وعظُم وتناهى ،
وحصل للعبد اليأسُ من كشْفِه من جهةِ المخلوقين تعلَّق باللهِ وحده ، وهذا هو
حقيقةُ التَّوكُّلِ على اللهِ .



وأيضاً فإنَّ
المؤمن إذا استبطأ الفرج ، وأيِس منه كثْرةِ دعائِه وتضرُّعِه ، ولم يظهر عليه
أثرُ الإجابةِ ، فرجع إلى نفسِه باللاَّئمةِ ، وقال لها : إنما أُتيتُ منْ قِبلِكِ
، ولو كان فيك خيرٌ لأُجبْتُ . وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله منْ كثيرٍ من الطاعاتِ
، فإنه يُوجبُ انكسار العبدِ لمولاهُ ، واعترافُه له بأنه أهلٌ لما نزل من البلاءِ
، وأنه ليس أهلاً لإجابةِ الدعاءِ ، فلذلك تُسرعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ
وتفريجُ الكرْبِ »
.


ويقولُ إبراهيمُ
بنُ أدهم الزاهدُ . « نحن في عيشٍ لو علم به الملوكُ ، لجالدُونا عليه بالسيوفِ »
.


ويقولُ ابنُ تيمية
شيخُ الإسلامِ : « إنها لَتَمُرُّ بقلبي ساعاتٌ أقولُ : إن كان أهلُ الجنةِ في
مِثْلِ ما أنا فيه ، فهم في عيشٍ طيِّبٍ »
.


************************************


اطمئِنُّوا أيُّها الناسُ





في كتاب « الفَرَجِ
بعد الشِّدَّةِ » أكْثر منْ ثلاثين كتاباً ، كلُّها تُخبرُنا أنَّ في ذروة
المُدلهِمات انفراجاً ، وفي قمَّةِ الأزماتِ انبِلاجاً ، وأنَّ أكثر ما تكون
مكبوتاً حزيناً غارقاً في النكْبةِ ، أقْرَبُ ما تكونُ إلى الفتْحِ والسُّهُولةِ
والخروجِ منْ هذا الضَّنْكِ ، وساق لنا التَّنوخيُّ في كتابِه الطويل الشائقِ ،
أكثَرَ منْ مائتي قصَّةٍ لمن نُكبُوا ، أو حُبسُوا أو عُزلُوا ، أو شُرِّدُوا
وطُردُوا ، أو عُذِّبُوا وجُلدُوا ، أو افتقرُوا وأملقوا ، فما هي إلا أيام ، فإذا
طلائع الإمداد وكتائب الإسعاد وافتْهم على حين يأس ، وباشرتْهم على حين غفلةٍ ،
ساقها لهم السميع المجيب . إنَّ التنوخيَّ يقولُ للمصابين والمنكوبين : اطمئنُّوا
، فلقد سبقكُم فوقٌ في هذا الطَّريقِ وتقدَّمكم أُناسٌ :




صحِب الناسُ
قبْلنا ذا الزَّمانا











وعناهُم مِنْ
شأنِهِ ما عنانا





رُبَّما تُحْسِنُ
الصَّنِيع ليـ








ـالِيه ولكنْ
تُكدِّرُ الإحْسانا








إذنْ فهذه سُنَّةٌ ماضية ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ ، ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ . إنها قضيَّةٌ عادلةٌ أنْ يُمحِّص اللهُ عباده ، وأنُ
يتعَّبدهم بالشّدَّةِ كما تعبَّدهُمْ بالرخاءِ ، وأنْ يُغايِر عليهم الأطوار كما
غاير عليهم الليل والنهار ، فلِم إذن التَّسخُّطُ والاعتراضُ والتَّذمُّرُ
﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
مِّنْهُمْ
.


*******************************************


صنائعُ المعروفِ تقي مصارع السُّوءِ





منْ أجملِ الكلماتِ
، قولُ أبي بكرٍ الصِّديق – رضي الله عنه - : صنائع المعروف تقي مصارع السوءِ .
وهذا كلامٌ يُصدِّقه النَّقلُ والعقلُ :
﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ{143}
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

. تقولُ خديجةُ للرسول r : ((
كلا واللهِ لا يُخزيك اللهُ أبداً لتصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكلَّ ، وتكسِبُ
المعدوم ، وتُعينُ على نوائِبِ الدَّهْرِ ))
. فانظُرْ كيف استدلَّتْ بمحاسنِ
الأفعالِ على حُسْنِ العواقبِ ، وكَرَمِ البدايةِ على جلالِة النهايةِ .



وفي كتاب « الوزراء
» للصابي ، و« المنتظم » لابنِ الجوزي ، و «الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ » للتنوخي
قصَّةٌ ، مفادُها : أن ابن الفراتِ الوزير ، كان يتتبَّعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ
بالأذِيَّة ، ويقصدُه بالمكاره ، فلقي منه في ذلك شدائد كثيرةً ، وكانت أُمّ أبي
جعفر قد عوَّدته – منذُ كان طفلاً – أنْ تجعل له في كلِّ ليلةٍ ، تحت مخدَّته التي
ينامُ عليها رغيفاً من الخبزِ ، فإذا كان في غدٍ ، تصدَّقتْ به عنه . فلمَّا كان
بعد مُدَّة من أذيَّةِ ابنِ الفراتِ له ، دخل إلى ابن الفراتِ في شيءٍ احتاج إلى
ذلك فيه ، فقال له ابنُ الفراتِ : لك مع أُمِّك خُبْزٌ في رغيف ؟ قال : لا . فقال
: لابُدَّ أن تصدُقني . فذكر أبو جعفر الحديث ، فحدَّثه به على سبيل التَّطايُبِ
بذلك منْ أفعالِ النساءِ . فقال ابنُ الفراتِ : لا تفعلْ ، فإنّي بتُّ البارحة ،
وأنا أُدبِّرُ عليك تدبيراً لو تمَّ لاستأصلْتُك ، فنمتُ ، فرأيتُ في منامي كأنَّ
بيدي سيفاً مسلولاً ، وقد قصدتُك لأقتلك به ، فاعترضتْني أُمُّك بيدِها رغيفٌ
تُترِّسُك به منّي ، فما وصلتُ إليك ، وانتبهتُ . فعاتبه أبو جعفر على ما كان
بينهما ، وجعل ذلك طريقاً إلى استصلاحِه ، وبذل لهُ منْ نفْسِه ما يريدُه منْ
حُسْنِ الطاعةِ ، ولم يبرحْ حتى أرضاهُ ، وصارا صديقيْن . وقال له ابنُ الفراتِ :
واللهِ ، لا رأيت منِّي بعدها سُوءاً أبداً .



***************************************


استجمامٌ يُعين علىُ مُواصلةِ السَّيْرِ





من المعلومِ أنَّ
في الشريعةِ سَعَةً وفُسحةً ، تُعينُ العبد على الاستمرار في عبادتِه وعطائِه
وعملِه الصالحِ ، فرسولُنا
r كان
يضحكُ
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ، وكان يمزحُ ولا يقولُ إلا حقّاً ، وسابق عائشة رضي
اللهُ عنها ، وكان يتخوَّلُ الصحابة بالموعظةِ ، كراهِية السَّآمِة عليهم ، وكان
ينهى عن التَّعمُّق والتَّكلُّفِ والتشديدِ ، ويُخبرُ أنه لن يُشادّ الدِّين أحدٌ
، إلا غَلَبَهُ ، وفي الحديثِ أنَّ الدين متينٌ ، فأوغِلُوا فيه برفْقٍ . وفي
الحديثِ أيضاً أنَّ لكل عابد شِرَّةً ، وهي الشّدَّةُ والضَّراوةُ والاندِفاعُ .
ولا يلبثُ المتكلِّفُ إلا أنْ ينقطع ، لأنه نظر إلى الحالةِ الراهنةِ ونسي الطوارئ
وطُول المُدَّة وملالة النَّفْس ، وإلاَّ فالعاقلُ له حدٌّ أدنى في العملِ يُداومُ
عليه ، فإنْ نشط زاد ، وإنْ ضعف بقي على أصلِه ، وهذا معنى الأثر منْ كلامِ بعضِ
الصحابة : إنَّ للنفوسِ إقبالاً وإدباراً ، فاغتنموها عند إقبالها ، وذرُوها عند
إدبارِها .



وما رأيتُ نفراً
زادُوا في الكْيلِ ، وأكثَرُوا من النوافل ، وحاولوا أنْ يُغالوا ، فانقطعُوا
وعادُوا أضْعفَ ممَّا كانوا قبْلَ البدايةِ .



والدِّينُ أصلاً
جاء للإسعاد
﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . وقد لام اللهُ قوماً كلَّفُوا أنفُسهم فوق الطَّاقةِ ،
ثم انسحبوا منْ أرضِ الواقع ناكثِين ما ألزمُوا أنفسهم به
﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا
ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
.


وميزةُ الإسلامِ
على سائر الأديانُ أنه دينُ فطرةٍ ، وأنه وَسَطٌ ، وأنه للرُّوحِ والجسمِ ،
والدنيا والآخرةِ ، وأنه ميسرٌ
﴿
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .


عن أبي سعيد
الخُدْريّ قال : جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ
r فقال
: يا رسول اللهِ ، أيُّ الناس خيْرٌ ؟ قال: ((مؤمِنٌ مجاهِدٌ بنفسِه ومالِه في
سبيلِ اللهِ، ثم رجُلٌ معتزلٌ في شِعْبٍ من الشِّعابِ يعبُد ربَّه ))
. وفي
روايةٍ : (( يتَّقي الله ويدع الناس من شرِّه )) ، وعنْ أبي سعيدٍ قال :
سمعتُ النبي
r يقولُ
: (( يُوشكُ أنْ يكون خير مالِ المسلم غنمٌ يتبعُ بها شعْفَ الجبالِ ومواقع
القطْرِ ، يفرُّ بدينِه من الفِتنِ ))
. رواه البخاريُّ .



قال عمرُ : « خُذُوا
حظَّكم من العُزلةِ » . وما أحْسنَ قول الجنيدِ : « مُكابدَةُ العزلةِ أيسرُ مْن
مداراةِ الخلطةِ » . وقال الخطَّابيُّ : لو لم يكُنْ في العزلةِ إلا السلامةُ من
الغيبةِ ، ومنْ رؤيةِ المنكرِ الذي لا يقدرُ على إزالتهِ ، لكان ذلك خيراً كثيراً
.



وفي هذا معنى ما
أخرجهُ الحاكمُ ، منْ حديث أبي ذرٍّ مرفوعاً ، بلفظ : (( الوحدُة خيرٌ من
جلِيسِ السُّوء ))
. وسنده حَسَنٌ .



وذَكَر الخطَّابيُّ
في « كتاب العزلة » أنَّ العزلة والاختلاط يختلفُ باختلافِ متعلقاتهما ، فتُحمل
الأدلَّةُ الوارِدةُ في الحضِّ على الاجتماعِ ، على ما يتعلَّقُ بطاعةِ الأئمةِ
وأمورِ الدينِ ، وعكسُها في عكسِهِ ، وأما الاجتماعُ والافتراقُ بالأبدانِ ، فمنْ
عَرَفَ الاكتفاء بنفسِه في حقِّ معاشِهِ ومحافظةِ دينهِ ، فالأوْلى لهُ الانكفافُ
منْ مخالطةِ الناسِ ، بشرْطِ أنْ يُحافظَ على الجماعِة ، والسَّلامِ والرَّدِّ ،
وحقوقِ المسلمين من العيادةِ وشهودِ الجنازةِ ، ونحْوِ ذلك . والمطلوبُ إنما هو
ترْكُ فضولِ الصُّحبةِ ، لما في ذلك منْ شغِلِ البالِ وتضييعِ الوقتِ عن
المُهمَّاتِ ، ويجعلُ الاجتماع بمنزلةِ الاحتياجِ إلى الغداءِ والعشاءِ ، فيقتصرُ
منه على ما لابدَّ له منه ، فهو أرْوَحُ للبَدَنِ والقلبِ . واللهُ أعلمُ .



وقال القُشيريُّ في
« الرسالة» : طريقُ من آثرَ العُزلةَ ، أن يعتقد سلامة الناسِ منْ شرِّه ، لا
العكسُ ، فإنَّ الأول : يُنتجهُ استصغارُه نفْسه ، وهي صفةُ المتواضعِ ، والثاني
:
شهودُه مزيةً له على غيرِه ، وهذه صفةُ المتكبِّرِ .



والناسُ في مسألةِ
العُزلةِ والخلطةِ طرفانِ ووسطٌ .



فالطرف الأوَّلُ : من
اعتزل الناس حتى عن الجُمعِ والجماعاتِ والأعيادِ ومجامع الخيْرِ ، وهؤلاءِ
أخطؤُوا .



والطرف الثاني : منْ
خالط الناس حتى في مجالسِ اللَّهوِ واللَّغوِ والقيلِ والقالِ وتضييعِ الزَّمانِ ،
وهؤلاء أخطؤُوا .



والوسط : منْ
خالط الناس في العباداتِ التي لا تقوُم إلا باجتماعٍ ، وشاركهم في ما فيه تعاونٌ
على البِرِّ والتقوى وأجرٌ ومثوبةُ ، واعتزال مناسباتِ الصَّدِّ والإعراضِ عن
اللهِ وفضولِ المباحاتِ
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً .


************************************************


وقفـــــة





عن عُباد بنِ
الصامتِ قال : قال رسولُ اللهِ
r : ((
عليكمْ بالجهاد في سبيلِ اللهِ ، فإنه بابٌ من أبوابِ الجنةِ ، يُذهِبُ اللهُ به
الغمَّ والهمَّ ))
.



« وأمَّا تأثيرُ
الجهاد في دفْع الهمِّ والغمِّ ، فأمرٌ معلومٌ بالوجدان ، فإنَّ النَّفْس متى
تركتْ صائل الباطلِ وصولتهُ واستيلاءهُ ، اشتدَّ همُّها وغمُّها ، وكربُها وخوفُها
، فإذا جاهدتْه للهِ ، أبدل اللهُ ذلك الهمَّ والحُزْن فرحاً ونشاطاً وقوةً ، كما
قال تعالى :
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
{14} وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ . فلا شيء أذْهبُ لجَوَى القلبِ وغمِّه وحزنِه من
الجهادِ ، واللهُ المستعانُ » .



قال الشاعرُ :



وإني لأُغضي
مقلتيَّ على القذى











وألْبَسُ ثوب
الصبرِ أبيض أبْلجا





وإني لأدعو الله
والأمرُ ضيِّقٌ












عليَّ فما ينفكُّ
أن يَتَفَرَّجَا





وكم من فتى
سُدَّتْ عليه وجوهُهُ








أصاب لها في
دعوةِ اللهِ مَخْرَجا








*************************************


مَسارِحُ النَّظر في الملكوت





منْ طُرُقِ
الارتياحِ وبسْطِة الخاطرِ ، التَّطلُّعُ إلى آثارِ القُدرةِ في بديعِ السماواتِ
والأرضِ ، فتستلذّ بالبهجة العامرةِ في خلقِ الباري – جلَّ في عُلاهُ – في الزهرة
، في الشجرةِ ، في الجدولِ ، في الخميلةِ ، في التلِّ والجبل ، في الأرضِ والسماءِ
، في الليلِ والنهارِ ، في الشمسِ والقمرِ ، فتجدُ المتعة والأُنس ، وتزدادُ
إيماناً وتسليماً وانقياداً لهذا الخالقِ العظيمِ
﴿ فَاعْتَبِرُوا
يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
.


يقول أحدُ الفلاسفةِ ممنْ أسلموا : كنتُ إذا
شككْتُ في القُدرةِ ، نظرتُ إلى كتابِ الكونِ ، لأُطالع فيه أحْرُفَ الإعجازِ
والإبداعِ ، فأزدادُ إيماناً .



*********************************


خُطوات
مدروسة






يقولُ الشوكانيُّ :
أوصاني بعضُ العلماءِ فقال : لا تنقطعِ عن التأليف ولو أنْ تكتُب في اليومِ سطرين
. قال : فأخذتُ بوصيَّتِه ، فوجدتُ ثمرتها .



وهذا معنى الحديث :
(( خيرُ العملِ ما داوم عليه صاحبُه وإنْ قلَّ )) وقال : القطرةُ مع
القطرةِ تجتمعُ سيلاً عظيماً .




أما تَرَى الحبلَ
بطُولِ المدى







على صليبِ
الصَّخْر قدْ أثَّرا








وإنما يأتينا
الاضطرابُ منْ أننا نريدُ أن نفعل كلَّ شيءٍ مرَّةً واحدةً ، فنَمَلُّ ونتعبُ
ونترُكُ العمل ، ولو أننا أخذْنا عَمَلنا شيئاً فشيئاً ، ووزَّعْناه على مراحل ،
لقطعْنا المراحل في هدوءٍ ، واعتبِرْ بالصلاةِ ، فإنَّ الشَّرْع جَعَلَها في خمسةِ
أوقاتٍ متفرِّقةٍ ، ليكون العبدُ في استجمامٍ وراحةٍ ، ويأتي لها بالأشواق ، ولو
جُمعتْ في وقتٍ ، لملَّ العبد، وفي الحديثِ : ((إن المُنْبتَّ لا ظهْراً أبْقى
ولا أرضاً قطع ))
. ووُجِد بالتَّربةِ ، أنَّ منْ يأخذُ العَمَلَ على فتراتٍ ،
يُنجزُ ما لم يُنجزْهُ منْ أخذهُ دفعةً واحدةً ، مع بقاءِ جذوةِ الرُّوحِ وتوقُّدِ
العاطفةِ .



ومما استفدتُه عنْ
بعض العلماءِ ، أنَّ الصلوات ترتِّبُ الأوقاتِ ، أخذاً منْ قولِ الباري :
﴿ إِنَّ
الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً
. فلو
أنَّ العبد وزَّع أعمالهُ الدينية والدُّنيوية بعد كلِّ صلاةٍ ، لوجد سعةً في
الوقت ، وفسحةً في الزمنِ .



وأنا أضربُ لك مَثَلاَ: فلو أن طالب العِلْم،
جعل ما بعد الفجرِ للحفْظِ في أيّ فنٍّ شاء، وجعل بعد الظُّهر للقراءةِ السهْلةِ
في المجامع العامَّة ، وجعل بعد العصر للبحثِ العلميِّ الدقيقِ ، وما بعد المغربِ
للزِّيارةِ والأُنسِ ، وما بعد العشاءِ لقراءة الكُتُبِ العصريَّةِ والبحوثِ
والدوريَّاتِ والجلوس مع الأهل ، لكان هذا حسناً ، والعاقِل له مِنْ بصيرتِه
مَدَدٌ ونورٌ .
﴿ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ
فُرْقَاناً

.


*******************************************


بلا فوضويَّة





مما يُكدِّرُ ويُشتِّتُ
الذِّهن ، الفوضويَّةُ الفكريَّةُ التي يعيشُها بعضُ الناسِ ، فهو لم يحدِّد
قُدراتِه ، ولم يقصدْ إلى ما يجمعُ شمل فكْرهِ ونظرِه ؛ لأن المعرفة شعوبٌ ودروبٌ
، ولابُدَّ منْ تحديدِ آيتِها ومعرفةِ مسالكها ، ويُجمعُ رأْيه على مشربٍ معروفٍ ،
لأنّ التَّفرد مطلوبٌ .



وكذلك ممَّا
يشتِّتُ الذهن ، ويُورِث الغمَّ ، الدَّيْنُ والتبِعاتُ الماليةُ والتكاليفُ
المعيشيَّةُ . وهناك أصولٌ في هذه المسألةِ أريدُ ذِكرها :



أولها : ما
غال منِ اقتصدُ : ومنْ أحْسَنَ الإنفاق ، وحفِظ مالهُ إلاَّ للحاجة ، واجتنب
التبذير والإسراف ، وَجَدَ العون من اللهِ
﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
، ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ
بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
.





الثاني :
كسْب المال من الوجوهِ المُباحةِ ، وهجْرُ كلِّ كسبٍ محرَّمٍ ، فإنَّ الله طيِّبٌ
لا يقبلُ إلا طيِّباً ، واللهُ لا يُباركُ في المكسبِ الخبيثِ
﴿ وَلَوْ
أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
.


الثالث :
السَّعْيُ في طلبِ المالِ الحلالِ ، وجمْعُه منْ حلِّه ، وتركُ العطالةِ والبطالةِ
، واجتنابِ إزجاءِ الأوقاتِ في التفاهاتِ ، فهذا ابنُ عوف يقول : دُلُّوني على
السوقِ :
﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ
وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ
.


******************************************


ثمنُك إيمانُك وخُلُقُك





مرَّ هذا الرجلُ
الفقيرُ المعدومُ ، وعليهِ أسمالٌ باليةٌ وثيابٌ رثَّة ، جائع البطْن ، حافي
القدمِ ، مغمور النَّسبِ ، لا جاهٌ ولا مالٌ ولا عشيرةٌ ، ليس له بيتٌ يأوي إليهِ
، ولا أثاث ولا متاع ، يشربُ من الحياضِ العامَّةِ بكفَّيْه مع الواردين ، وينامُ
في المسجدِ ، مخدَّتُه ذراعُه ، وفراشُه البطحاءُ ، لكنَّه صاحبُ ذِكرٍ لربِّه
وتلاوةٍ لكتابِ مولاهُ لا يغيبُ عنِ الصَّفِّ الأولِ في الصلاةِ والقتالِ ، مرَّ
ذات يومٍ برسولِ اللهِ
r فناداهُ
باسمِهِ وصاح به : (( يا جُليْبيبُ ألا تتزوَّجُ ؟ )) . قال : يا رسول
اللهِ ، ومنْ يُزوِّجُني ؟ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ ثمَّ مرَّ به أخرى ، فقال له مثْل
قولهِ الأولِ ، وأجاب بنفسِ الجواب، ومرَّ ثالثةً ، فأعاد عليه السؤال وأعاد هو
الجواب ، فقال
r : ((
يا جليبيبُ ، انطلِقْ إلى بيتِ فلانٍ الأنصاريِّ وقُلْ له : رسولُ اللهِ
r يقرئُك السلام ، ويطلبُ منك أن تُزوِّجني
بِنْتك ))
.


وهذا الأنصاريَّ
منْ بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ، فانطلق جليبيبٌ إلى هذا الأنصاريِّ وطرق عليه
الباب وأخبره بما أمره به رسولُ اللهِ
r فقال
الأنصاريُّ : على رسول الله
r
السلامُ ، وكيف أُزوِّجك بنتي يا جليبيبُ ولا مالٌ ولا جاهٌ ؟ وتسمعُ زوجتُه
الخَبَرَ فتعجبُ وتتساءلُ : جليبيبٌ ! لا مالٌ ولا جاهٌ ؟ فتسمُع البنتُ المؤمنةُ
كلام جليبيبٍ ورسالة الرسولِ
r
فتقول لأبويها : أترُدَّانِ طلب رسولِ اللهِ
r ،
لا والذي نفسي بيدِهِ .



وحصل الزواج
المبارك والذُّرِّيَّةُ المباركةُ والبيتُ العامرُ ، المؤسَّسُ على تقوى من اللهِ
ورضوانٍ ، ونادى منادي الجهادِ ، وحضر جليبيبُ المعركة ، وقتل بيده سبعةً من
الكفارِ ، ثم قُتل في سبيلِ اللهِ ، وتوسد الثرى راضياً عنْ ربِّه وعنْ رسولِه
r
وعنْ مبدئِه الذي مات منْ أجلِهِ ، ويتفقَّدُ الرسولُ
r
القتلى ، فيُخبرُه الناسُ بأسمائِهم ، وينسون جليبيباً في غمرةِ الحديث ، لأنهُ
ليس لامعاً ولا مشهوراً ، ولكنّ الرسول
r
يذكُرُ جليبيباً ولا ينساهُ ، ويحفظُ اسمه في الزحامِ ولا يُغفله ، ويقولُ : ((
لكنَّني أفقِدُ جليبيباً ))
.



ويجده وقد تدثَّر
بالتراب ، فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له : (( قَتَلْتَ سبعة ثم قُتِلْت ؟
أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك ))
. ويكفي هذا
الوسام النبويُّ جليبيباً عطاءً ومكافأةً وجائزةً .



إنَّ ثمنَ جليبيبٍ ، إيمانُه وحبُّ رسولِ اللهِ r له
، ورسالتُه التي مات من أجلِها . إنَّ فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه لم تُؤخِّرْه عنْ
هذا الشرفِ العظيمِ والمكسب الضخمِ ، لقدْ حاز الشهادة والرِّضا والقبُول والسعادة
في الدنيا والآخرة :
﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
.


إنَّ قيمتك في
معانيك الجليلةِ وصفاتِك النبيلةِ .



إنَّ سعادتك في
معرفتِك للأشياءِ واهتماماتِك وسموِّك .



إنَّ الفقرَ والعوز
والخمول، ما كان - يوماً من الأيامِ- عائقاً في طريق التَّفوُّقِ والوصولِ
والاستعلاءِ . هنيئاً لمنْ عَرَفَ ثمنه فعلاً بنفسِه ، وهنيئاً لمنْ أسعد نفسهُ
بتوجيههِ وجهادِه ونُبِله ، وهنيئاً لمنْ أحْسنَ مرَّتيْن ، وسعد في الحياتينِ ،
وأفلح في الكرتيْنِ ، الدُّنيا والآخرةِ .


**********************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
يا سعادة هؤلاء





أبو بكرٍ – رضي
اللهُ عنهُ - : بآيةٍ :
﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى{17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى .


عمرُ - رضي الله عنه -
: بحديثِ : (( رأيتُ قصراً أبيض في الجنةِ ، قلتُ : لمن هذا القصرُ ؟ قيل لي :
لعمر بنش الخطابِ ))
.



وعثمانُ - رضي الله
عنهُ - : بدعاءِ : (( اللهمَّ اغفْر لعثمان ما تقدَّم منْ ذنبِه وما تأخَّر ))
.



وعليٌّ - رضي الله
عنهُ - : (( رجُلٌ يحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه الله ُ ورسولُه )) .



وسعدُ بنُ معاذٍ - رضي
الله عنهُ - : (( اهتزَّ له عرشُ
الرحمنِ ))
.



وعبدُاللهِ بن عمْرٍو
الأنصاريُّ - رضي الله عنهُ -: ((كلَّمه اللهُ كِفاحاً بلا ترْجُمان )) .



وحنْظَلَةُ - رضي الله
عنهُ - : (( غسَّلتْهُ ملائكةُ الرحمنِ
))
.



****************************************


ويا شقاوة هؤلاء





فرعونُ : ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً .


وقارونُ : ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ .


والوليدُ بنُ
المغيرة :
﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً
.


وأُميَّةُ بنُ خلف
:
﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ .


وأبو لهبٍ : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .


والعاص بنُ وائلٍ :
﴿ كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ
الْعَذَابِ مَدّاً
.


****************************************


وقفــــــة





« قلَّةُ التوفيقِ
وفسادُ الرأي ، وخفاءُ الحقِّ وفسادُ القلب ، وخمولُ الذِّكْرِ ، وإضاعةُ الوقتِ ،
ونَفْرَةُ الخلْق ، والوحْشةُ بين العبدِ وبين ربِّه ، ومنْعُ إجابةِ الدعاءِ ،
وقسوةُ القلبِ ، ومحْقُ البركةِ في الرِّزقِ والعُمرِ ، وحرمانُ العلمِ ، ولباسُ
الذُّلِّ ، وإهانةُ العدوِّ وضيقُ الصدرِ ، والابتلاءُ بقرناءِ السوءِ الذين
يُفسدون القلب ويُضيِّعون الوقت ، وطولُ الهمِّ ، وضنْكُ المعيشةِ ، وكَسْفُ
البالِ ... تتولَّد من المعصيةِ والغفلِة عن ذكرِ اللهِ ، كما يتولَّد الزرعُ عن
الماءِ ، والإحراقُ عن النارِ . وأضدادُ هذه تتولَّدُ عن الطاعةِ »
.


« أمَّا تأثيرُ
الاستغفارِ في دفْع الهمِّ والغمِّ والضيقِ ، فمِمَّا اشترك في العلْمِ به أهلُ
المللِ وعقلاءُ كلِّ أمَّة ، إنَّ المعاصي والفساد تُوجِب الهمَّ والغمَّ ، والخوف
والحزن، وضِيق الصدر ، وأمراض القلب ، حتى إنّ أهلها ذا قضوا منها أوطارها ،
وسئمتْها نفوسُهم ، ارتكبوها دفعاً لما يجدونهُ في صدورهِم من الضِّيقِ والهمِّ
والغمِّ ، كما قال شيخُ الفسوقِ :







وكأسٍ شرِبْتُ
على لذَّةٍ







وأُخرى تداويْتُ
مِنْها بها








وإذا كان هذا
تأثيرُ الذنوبِ والآثامِ في القلوبِ ، فلا دواء لها إلا التوبةُ والاستغفارُ»
.


*************************************


رِقْقاً
بالقوارير



﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ
. ﴿ وَجَعَلَ
بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
.


وفي الحديثِ : (( استوصُوا بالنساءِ خيراً ،
فإنهنَّ عوانٍ عندكم))
.



وفي حديثِ آخر : (( خيرُكم خيركم لأهِلهِ ،
وأنا خيرُكم لأهلي ))
.



البيتُ السعيدُ هو العامرُ بالأُلفةِ ، القائمُ
على الحبِّ المملوءُ تقوى ورضواناً :
﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
.


*****************************************


بَسْمةٌ
في البدايةِ






من حُسنِ الطالع وجميلِ المقابلةِ تبسُّم
الزوجةِ لزوجِها والزوجُ لزوجتِه ، إن هذه البسمة إعلانٌ مبدئيٌّ للوفاقِ
والمصالحةِ : (( وتبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ )) . وكان
r ضحَّاكاً
بسَّاماً .



وفي البدايةِ بالسلامِ : ﴿ فَسَلِّمُوا
عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً
، وردُّ
التحيةِ من أحدِهما للآخرِ :
﴿ وَإِذَا حُيِّيْتُم
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا
.


قال كُثيِّر :



حيَّتْك عزّةُ بالتسليمِ وانصرفتْ











فحيِّها مثل ما حيَّتْك يا جملُ





ليت التحية كانتْ لي فأشكرها








مكان يا جملاً حُيِّيت يا رجلُ








ومنها الدعاءُ عند دخول المنزلِ : ((
اللهمَّ إني أسألُك خَيْرَ الموْلجِ وخير المخرجِ ، باسم اللهِ ولجْنا ، وباسمِ
اللهِ خرجْنا ، وعلى اللهِ ربِّنا توكَّلنا ))
.



ومن أسبابِ سعادةِ البيتِ : لِينُ الخطابِ من الطرفين
:
﴿ وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
.



وكلامُها السحرُ الحلالُ لو أنه











لم يجنِ قتل المسلمِ المتحرِّزِ





إنْ طال لمْ يُمْلَلْ وإنْ هي أوجزتْ








ودَّ المحدَّثُ أنها لم تُوجزِ








يا ليت الرجل ويا ليت المرأة ، كلٌّ منهما
يسحبُ كلام الإساءةِ وجرْح المشاعرِ والاستفزازِ ، يا ليت أنهما يذكرانِ الجانب
الجميل المشرق في كلٍّ منهما ، ويغضَّانِ الطرْف عن الجانبِ الضعيفِ البشريِّ في
كليهما .



إن الرجل إذا عدَّد محاسن امرأتِه ، وتجافى عن
النقصِ ، سعِد وارتاح ، وفي الحديثِ : (( لا يفرُكُ مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها
خلُقاً رضي منها آخر ))
.



ومعنى لا يفرك : لا يبغضِ ولا يكره .



من ذا الذي ما ساء قطْ







ومنْ له الحسنى فقطْ








من الذي ما ما نبا سيفُ فضائلِه ولا كبا جوادُ
محاسنِه :
﴿ وَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً
.


أكثرُ مشاكلِ البيوتِ من معاناةِ التوافهِ
ومعايشةِ صغارِ المسائلِ ، وقد عشتُ عشراتِ القضايا التي تنتهي بالفراقِ ، سببُ
إيقادِ جذوتها أمورٌ هينةٌ سهلة ، أحدُ الأسبابِ أن البيت لم يكن مرتّباً ،
والطعام لمِ يقدَّم في وقتِه ، وسببُه عند آخرين أن المرأة تريدُ من زوجها أن لا
يُكثر من استقبالِ الضيوفِ ، وخذْ من هذه القائمة التي تُورثُ اليتُم والمآسي في
البيوتِ .



إن علينا جميعاً أن نعترف بواقِعنا وحالِنا
وضعفِنا ، ولا نعيشُ الخيال والمثالياتِ ، التي لا تحصلُ إلا لأولي العزمِ من
أفرادِ العالمِ .



نحن بشرٌ نغضبُ ونحتدُّ ، ونضعفُ ونخطئُ ، وما
معنا إلا البحثُ عن الأمرِ النسبيِّ في الموافقة الزوجيةِ حتى بعد هذه السنواتِ
القصيرةِ بسلامِ .



إن أريحية أحمد بنِ حنبل وحُسْن صحبته تقدّم في
هذه الكلمة ، إذ يقول بعد وفاة زوجتهِ أمِّ عبدِالله : لقد صاحبتُها أربعين سنةً
ما اختلفتُ معها في كلمةٍ .



إن على الرجل أن يسكت إذا غضبتْ زوجتُه ،
وعليها أن تسكتُ هي إذا غضب ، حتى تهدأ الثائرةُ ، وتبرد المشاعرُ ، وتسكن
اضطراباتُ النفسِ .



قال ابنُ الجوزيِّ في « صيدِ
الخاطرِ »

:
« متى رأيت صاحبك قد غَضِبَ وأخذ يتكلَّمُ بما لا يصلحُ
، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقولُه خِنْصِرا ( أي لا تعتدَّ به ولا تلتفتْ إليه )
، ولا أن تؤاخذه به ، فإن حاله حالُ السكرانِ لا يدري ما يجري ، بل اصبرْ ولو
فترةً ، ولا تعوِّلْ عليها ، فإن الشيطان قد غلبه ، والطبعُ قد هاج ، والعقلُ قد
استتر ، ومتى أخذت في نفسِك عليه ، أو أجبته بمقتضى فعْله ، كنت كعاقل واجه
مجنوناً ، أو مفيقٍ عاتب مغمىً عليه ، فالذنبُ لك، بل انظرْ إليه بعينِ الرحمةِ ،
وتلمَّحْ تصريف القدر له ، وتفرَّجْ في لعبِ الطبعِ به .



واعلم أنه إذا
انتبه ندِم على ما جرى ، وعَرَفَ لك فضْل الصَّبْرِ ، وأقلُّ الأقسامِ أن تُسْلِمه
فيما يفعلُ في غضبِه إلى ما يستريحُ به .



وهذه الحالةُ ينبغي
أن يتلمَّحها الولدُ عند غضب الوالدِ ، والزوجةُ عند غضبِ الزوج ، فتتركه يشفى بما
يقولُ ، ولا تعوِّلْ على ذلك ، فسيعودُ نادماً معتذراً ، ومتى قُوبل على حالته
ومقالتِه صارتِ العداوةُ متمكِّنةً ، وجازى في الإفاقةِ على ما فُعِل في حقِّه وقت
السُّكْرِ .



وأكثرُ الناسِ على
غيْرِ هذا الطريقِ ، متى رأوا غضبان قابلُوه بما يقولُ ويعملُ ، وهذا على غيْرُ
مقتضى الحكمةِ ، بل الحِكمةُ ما ذكرتُ ، وما يعقلُها إلا العالمون »
.


*****************************************


حبُّ
الانتقامِ سُمُّ زُعاف في النفوسِ الهائجةِ






في كتاب « المصلوبون
في التاريخ »

قصصٌ وحكاياتٌ لبعضِ أهل البطشِ الذين أنزلوا بخصومهم أشدَّ العقوباتِ وأقسى
المُثلات ، ثم لما قتلوهم ما شفى لهم القتلُ غليلاً ، ولا أبرد لهم عليلاً ، حتى
صلبوهُم على الخُشُب ، والعَجَبُ أن المصلوب بعد قتلِهِ لا يتألَّم ولا يُحِسُّ
ولا يتعذبُ ، لأن روحه فارقتْ جسمه ، ولكن الحيَّ القاتل يأنسُ ويرتاحُ ، ويُسرُّ
بزيادةِ التنكيلِ . إن هذه النفوس المتلمِّظة على خصومِها المضطرمةَ على أعدائِها
لن تهدأ أبداً ولن تسعد ، لأن نار الانتقامِ وبركان التشفِّي يدمِّرُهم قبل
خصومِهِمْ .



وأعجبُ من هذا أن بعض خلفاءِ بني العباس فاته
أن يقتل خصومه من بني أمية ، لأنهم ماتُوا قبل أن يتولَّى ، فأخرجهم من قبورهم
وبعضُهم رميمٌ فجلدهم ، ثم صلبهم ، ثم أحرقهم . إنها ثورةُ الحقدِ العارمِ الذي
يُنهي على المسرَّاتِ وعلى مباهجِ النفسِ واستقرارِها .



إن الضرر على المنتقمِ أعظمُ ، لأنه فَقَدَ
أعصابَه وراحته وهدوءهُ وطمأنينته .




لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ







ما يبلغُ الجاهلُ مِنْ نَفْسِهِ








﴿ وَإِذَا خَلَوْاْ
عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ
.


*****************************************


وقفــــةٌ





« ليس للعبدِ إذا
بُغِي عليه وأُوذي وتسلَّط عليه خصومُه ، شيء أنفعُ له من التوبةِ النصوحِ ،
وعلامةُ سعادتِه أن يعكس فكره ونظره على نفسِه وذنوبِه وعيوبِه ، فيشتغل بها
وبإصلاحها ، وبالتوبةِ منها ، فلا يبقى فيه فراغٌ لتدبُّر ما نَزَل به ، بل
يتولَّى هو التوبة وإصلاح عيوبه ، واللهُ يتولى نُصرته وحفظه والدفع عنه ولابدَّ ،
فما أسعدهُ من عبدٍ ، وما أبركها من نازلةٍ نزلتْ به ، وما أحسن أثرها عليه ، ولكن
التوفيق والرشد بيدِ اللهِ ، لا مانعٍ لما أعطى ولا مُعطي لما منع ، فما كلُّ أحدٍ
يُوفَّق لهذا ، لا معرفةً به ، ولا إرادةً له ، ولا قدرةً عليه ، ولا حول ولا قوة
إلا باللهِ » .




سبحان منْ يعفو ونهفو دائماً







ولم يزلْ مهما هفا العبدُ عفا





يُعطي الذي يخطي ولا يمنعُه







جلالُه عن العطا لذي الخطا








*******************************************


لا
تذُبْ في شخصيةِ غيرك






تمرُّ بالإنسان ثلاثةُ أطوار : طوْرُ التقليد ،
وطورُ الاختيارِ ، وطورُ الابتكارِ . فالتقليدُ : هو المحاكاةُ للآخرين وتقمُّصُ
شخصياتِهم وانتحالُ صفاتِهم والذوبانُ فيهم ، وسببُ هذا التقليدِ هو الإعجابُ
والتعلُّقُ والميْلُ الشديدُ ، وهذا التقليدُ الغالي ليحمل بعضهُم على التقليد في
الحركاتِ واللحظاتِ ، ونبْرةِ الصوتِ والالتفاتِ ، ونحو ذلك ، وهو وأْدٌ للشخصية
وانتحارٌ معنويٌّ للذاتِ . ويا لمُعاناةِ هؤلاءِ من أنفسِهم ، وهم يعكسون
اتجاههُمْ ، ويسيرون إلى الخلفِ !! فالواحدُ منهم ترك صوته لصوتِ الآخرِ ، وهَجَرَ
مشيته لمشيةِ فلانٍ ، ليت هذا التقليد كان للصفاتِ الممدوحةِ التي تُثري العمر
وتُضفي عليه هالة من السموِّ والرّفعةِ ، كالعِلْمِ والكرمِ والحلمِ ونحوها ، لكنك
تُفاجأُ أن هؤلاء يقلِّدون في مخارجِ الحروفِ وطريقةِ الكلامِ وإشارةِ اليدِ !! .



أريدُ التأكيد عليك بما سبق : إنك خَلْقٌ آخرُ
وشيءٌ آخرُ ، إنه نهجُك أنت من خلالِ صفاتِك وقدراتِك ، فإنه منذُ خَلَقَ اللهُ
آدم إلى أن ينهي اللهُ العالم ، لم يتفقْ اثنانِ في الصورةِ الخارجيةِ للجسمِ ،
بحيثُ ينطبق شكلُ هذا على شكلِ ذاك :
﴿ وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ
...... الآية .
فلماذا نحنُ نريدُ أن نتفقَ مع الآخرين في صفاتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا ؟!



إن جمال صوتِك أن يكون متفرِّداً ، وإن حُسْن
إلقائِك أن يكون متميِّزاً :
﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ
جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ
.


************************************


المكظومون
في انتظار لطْف الله






هذا الخطيبُ المِصْقعُ لا يلتوي لسانُه إذا
تراكضتِ الألفاظُ في ميدانِ البيانِ ، بل يمضي ساطعاً صارماً متدفِّقاً .



هو خطيبُ الرسول r وحسْبُ ، وخطيب الإسلام وكفى ، كان يرفع صوته
بالخطبِ بين يدي رسول اللهِ
r لنصرةِ الدِّين ، إنه
ثابتُ بنُ قيسِ بن شمّاس ، وأنزل اللهُ :
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
. وظنَّ قيسٌ أنه هو
المقصودُ ، فاعتزل الناس واختبأ في بيتِه يبكي ، وفقده رسولُ اللهِ
r فسأل عنه
، فأخبره الصحابةُ الخَبَرَ ، فقال : (( كلاَّ ، بل هو من أهلِ الجنةِ )) .



فصارتِ النذارةُ بشارةٌ .



هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما







فما جزِع المحزونُ حتى تبسَّما








وتبقى عائشةُ أمُّ المؤمنين – رضي اللهُ عنها –
تبكي شهراً كاملاً ليلاً ونهاراً ، حتى كاد البكاء يمزِّقُ كبِدها ويفري جسمها ،
لأنها طُعنتْ في عِرْضها الشريفِ ، العفيفِ ، فجاء الفرج :
﴿ إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
. وحمدتِ الله وصارتْ
أطهر الطُّهرِ ، كما كانتْ ، وفرح المؤمنون بهذا الفتحِ المبينِ .



والثَّلاثةُ الذين تخلَّفوا عن غزوةِ تبوك ،
وضاقْتْ عليهمْ الأرضُ بما رحُبتْ ، وضاقتْ عليهم أنفسُهم ، وظنُّوا أن لا ملجأ من
اللهِ إلا إليه ، أتاهم الفرجُ ممنْ يملكُه – سبحانه- ونزل عليهم الغوْثُ من
السميعِ القريبِ .



*************************************


احرصْ
على العملِ الذي ترتاحُ لهُ






يقولُ ابن تيمية : « ابتدأني
مرضٌ ، فقال لي الطبيبُ : إنَّ مطالعتك وكلامك في العلمِ يزيدُ المرض . فقلت له :
لا أصبرُ على ذلك ، لا أصبرُ على ذلك ، وأنا أحاكمُك إلى علمِك ، أليستِ النَّفسُ
إذا فرجتْ وسُرَّتْ قويتِ الطَّبيعةُ ، فَدَفعتِ المرض ؟ فقال : بلى . فقلتُ له :
فإن نفسي تُسرُّ بالعلمِ ، فتقوى به الطبيعةُ ، فأجدُ راحةً . فقال: هذا خارجٌ عن
علاجِنا»

﴿لَا
تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
.



لعلَّ عَتْبَك محمودٌ عواقبُهُ








فربَّما صحتِ الأجسامُ بالعِللِ









********************************************


كُلاً
نُمِدُّ هؤلاءِ وهؤلاء






ما أحوجنا إلى المثابرةِ واستثمارِ الوقت ،
ومسابقةِ الأنفاسِ بالعملِ الصالحِ النافعِ المفيدِ ، إننا سوف نسعدُ يوم نقدِّم
للآخرين نفعاً ووعياً وخدمة وثقافةً وحضارةً ، وسوف نسعدُ إذا علمْنا أننا لم نأتِ
إلى الحياةِ سُدّى ، ولم نُخْلقْ عَبَثاً ، ولم نُوجدْ لعِباً .



يوم تصفَّحتُ « الأعلام
»

للزركليِّ فوجدتُ تراجم شرقيين وغربيين ، ساسةً وعلماء ، وحكماء وأدباء وأطباء ،
يجمعهم أنهم نابغون مؤثِّرون لامعون ، ووجدتُ في سِيرهم جميعاً سنة اللهِ في خلقِه
، ووعد اللهِ في عبادِه ، وهي أن من أحسن من أجل الدنيا وُفّي نصيبه من الدنيا ،
من الذيوعِ والشهرةِ والانتشارِ ، وما يلحقُ ذلك من مالِ ومنصبٍ وإتحافٍ ، ومن
أحسن للآخرةِ وجدها هنا وهناك ، من النفعِ والقبولِ والرضا والأجرِ والمثوبةِ :
﴿ كُلاًّ
نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ
مَحْظُوراً

.


ووجدتُ في الكتابِ أيضاً أن هؤلاءِ العباقرةِ
الذين قدَّموا للبشرية نفعاً ونتاجاً ولم يعملُوا للآخرة – وأخصُّ منهم غيْر
المؤمنين باللهِ ولقائِه – وجدتُهم أسعدوا الناس أكثر من أنفسِهم ، وأفرحوا أرواح
الآخرين أكثر من أرواحهِم ، فإذا بعضُهم ينتحرُ ، وبعضهم يثورُ من واقعِه ويغضبُ
من حياتِهِ ، وآخرون منهم يعيشون بؤساً وضنْكاً .



وسألتُ نفسي : ما هي الفائدةُ إذا سعد بي قومٌ
وشقيت أنا ، وانتفع بي ملأٌ وحُرمِت أنا ؟!



ووجدتُ أنَّ الله أعطى كلَّ أحدٍ من هؤلاءِ
البارزين ما أراد ، تحقيقاً لوعدِه ، فجمْعٌ منهم حصل على جائزةِ نوبل ، لأنه
أرادها وسعى لها ، ومنهم من تبوَّأ الصدارة في الشهرةِ ، لأنه بحث عنها وشغف بها ،
ومنهم من وَجَدَ المال ، لأنه هام به وأجبَّه ، ومنهم عبادُ اللهِ الصالحون ، حصلُوا
على ثوابِ الدنيا وحسنِ ثوابِ الآخرةِ – إنْ شاء اللهُ - ، يبتغون فضلاً من اللهِ
ورِضْواناً .



إنَّ من المعادلات الصحيحة المقبولة : أن
المغمور السعيد الواثق من منهجِه وطريقِه ، أنعمُ حظّاً من اللامعِ الشهيرِ
الشقيِّ بمبادئِه وفكرِهِ .



إنَّ راعي الإبلِ المسلمِ في جزيرةِ العربِ
أسعدُ حالاً بإسلامِه من
« تولوستوي » الكاتب
الروائي الشهيرِ ، لأن الأول قضى حياته مطمئناً راضياً ساكناً يعرفُ مصيرَهُ
ومنقلبه ، والثاني عاش ممزَّق الإرادةِ ، مبعثر الجهدِ ، لم يبردْ غليلُه من
مرادِه ، ولا يعرفْ مستقبلهُ .



عند المسلمين أعظمُ دواءٍ عرفتْه البشريةُ ،
وأجلُّ علاجٍ اكتشفتْه الإنسانيةُ . إنه الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ ، حتى قال بعضُ
الحكماءِ : لن يسعد في الحياةِ كافرٌ بالقضاءِ والقدرِ . وقد أعدتُ عليك هذا
المعنى كثيراً ، وعرضتُه لك في أساليب شتَّى ، وأنا على عمْد ، لأنني أعرفُ من
نفسي ومن كثير مثلي أننا نؤمنُ بالقضاءِ والقدرِ فيما نحبُّه ، وقد نتسخَّطُ عليه
فيما نكرهُهُ ، ولذلك كان شرطُ الملَّةِ وميثاقُ الوحيِ : (( أن تؤمن بالقدرِ
خيرِه وشره ، حلوِه ومرِّه ))
.



************************************


ومن
يؤمنْ بالله يهدِ قلبَه






أسوقُ هنا قصةً لتظهر سعادة من رضي بالقضاءِ ،
وحيرة وتكدُّر وشكَّ منْ سخِط مِن القضاءِ :



فهذا كاتبٌ أمريكيٌ لامعٌ ، اسمُه « بودلي
» مؤلّفُ كتابِ « رياح على الصحراءِ »
، و « الرسول
r » وأربعة
عشرَ كتاباً أخرى ، وقد استوطن عام 1918 م إفريقية الشمالية الغربية ، حيث عاش مع
قومٍ من الرُّحَّل البدوِ المسلمين ، يصلُّون ويصومون ويذكرون الله . يقولُ عن
بعضِ مشاهدِه وهو معهم : هبَّتْ ذات يومٍ عاصفةٌ عاتية ، حملت رمال الصحراءِ
وعبرتْ بها البحر الأبيض المتوسط ، ورمتْ بها وادي الرون في فرنسا ، وكانت العاصفة
حارةً شديدةً الحرارةِ ، حتى أحسستُ كأنَّ شعْر رأسي يتزعزعُ من منابتِهِ لفرطِ
وطأةِ الحرِّ ، فأحسستُ من فرطِ الغيظِ كأنني مدفوعٌ إلى الجنون ، ولكنَّ العرب لم
يشكوا إطلاقاً ، فقد هزُّوا أكتافهم وقالوا : قضاءٌ مكتوبٌ . واندفعوا إلى العمل
بنشاطٍ ، وقال رئيسُ القبيلةِ الشيخُ : لم نفقدِ الشيء الكثير ، فقد كنا خليقين
بأن نفقد كلَّ شيءٍ ، ولكن الحمدُ للهِ وشكراً ، فإن لدنيا نحو أربعين في المائة
مِن ماشيِتنا ، وفي استطاعِتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد .



وثمَّة حادثةٌ أخرى .. فقدْ كنا نقطعُ الصحراء
بالسيارةِ يوماً فانفجر أحدُ الإطارات ، وكان الشائقُ قد نسي استحضار إطار
احتياطيٍّ ، وتولاني الغضبُ ، وانتابني القلقُ والهمُّ ، وسألتُ صحبي من الأعرابِ
: ماذا عسى أن نفعل ؟ فذكَّروني بأن الاندفاع إلى الغضبِ لن يُجدي فتيلاً ، بل هو
خليقٌ أن يدفع الإنسان إلى الطيشِ والحُمْقِ ، ومنْ ثم درجتْ بنا السيارة وهي تجري
على ثلاثة إطارات ليس إلا ، لكنها ما لبثت أن كفَّتْ عن السير ، وعلمت أن البنزين
قد نفَدَ ، وهناك أيضاً لم تثرْ ثائرة أحدٍ منْ رفاقي الأعرابِ ، ولا فارقهُم
هدوؤهم ، بل مضوْا يذرعون الطريق سيراً على الأقدامِ ، وهم يترنَّمون بالغناءِ !



قد أقنعتني الأعوامُ السبعةُ التي قضيتُها في
الصحراءِ بين الأعرابِ الرحَّلِ ، أنَّ الملتاثين ، ومرضى النفوسِ ، والسكيرين ،
الذين تحفلُ بهم أمريكا وأوربة ، ما هم إلا ضحايا المدينةِ التي تتخذُ السرعة
أساساً لها .



إنني لم أعانِ شيئاً من القلق قطُّ ، وأنا أعيشُ
في الصحراءِ ، بل هنالك في جنةِ اللهِ ، وجدتُ السكينة والقناعة والرضا ، وكثيرون
من الناسِ يهزؤون بالجبريةِ التي يؤمن بها الأعرابُ ، ويسخرون من امتثالِهِم
للقضاءِ والقدرِ .



ولكن منْ يدري ؟ فلعلَّ الأعراب أصابُوا كبِد
الحقيقة ، فإني إذ أعودُ بذاكرتي إلى الوراءِ .. وأستعرضُ حياتي ، أرى جلياً أنها
كانت تتشكَّلُ في فتراتٍ متباعدةٍ تبعاً لحوادث تطرأ عليها ، ولم تكنْ قطُّ في
الحُسبانِ أو مما أستطيعُ له دفعاً ، والعربُ يطلقون على هذا اللون من الحوادث اسم
:
« قدَر » أو « قِسْمة» أو « قضاءُ
اللهِ »

، وسمِّه أنت ما شئت .



وخلاصةُ القولِ : إنني بعد انقضاءِ سبعةَ عشر
عاماً على مغادرتي الصحراء ، ما زلتُ أتخذ موقف العربِ حيال قضاءِ اللهِ ، فأقابلُ
الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة ، ولقد أفلحت هذه
الطباعُ التي اكتسبتُها من العرب في تهدئِة أعصابي أكثر مما تفلحُ آلاف
المسكِّناتِ والعقاقيرِ ! ...اهـ .



أقولُ : إن أعراب الصحراءِ تلقَّنُوا هذا
الحقَّ من مشكاةِ محمدٍ
r وإن خلاصة رسالةِ
المعصومِ هي إنقاذ الناسِ من التِّيهِ ، وإخراجِهم من الظلماتِ إلى النورِ ،
ونفْضِ الترابِ عن رؤوسِهم ، ووضعِ الآصارِ والأغلالِ عنهم . إنّ الوثيقة التي
بُعِث بها رسولُ الهُدى
r فيها أسرارُ الهدوءِ
والأمنِ ، وبها معالمُ النجاةِ من الإخفاق ، فهي اعترافٌ بالقضاء وعمل بالدليل ،
ووصول إلى غاية ، وسعي إلى نجاة ، وكدح بنتيجة . إن الرسالة الربانية جاءت لتحدد
لك موقعك في الكون المأنوس ، ليسكن خاطرك ، ويطمئن قلبك ، ويزول همك ، ويزكو عملك
، ويجمُل خلقك ، لتكون العبد المثالي الذي عرف سرَّ وجوده ، وأدرك القصد من نشأته
.



***************************************


المنهج
وَسَط






﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً .


السعادة في الوَسَطِ ، فلا غُلُوَّ ولا جَفَاءَ
، ولا إفراط ولا تفريط ، وإن الوسطيَّة مِنْهجٌ ربَّانيٌّ حميدٌ يمنعُ العبد من
الحَيْفِ إلى أحدِ الطرفيْن . إن من خصائصِ الإسلامِ أنه دينُ وسطٍ ، فهو وسطٌ بين
اليهوديةِ والنصرانيةِ : اليهوديةِ التي حملتِ العِلمِ وألغتِ العَمَلِ ، والنصرانيةِ
التي غالتْ في العبادةِ واطَّرحتِ الدليل ، فجاء الإسلامُ بالعِلْمِ والعَمَلِ ،
والروحِ والجَسَدِ ، والعقلِ والنقلِ .



وإن ممَّا يسعدُك في حياتِك الوسطية ، الوسطيةُ
في عبادتِك : فلا تغْلُ فتنهك جسمك وتقضي على نشاطك ومداومتِك، ولا تجف فتطرح
النوافل وتخدش الفرائض وتركن إلى التسويقِ . وفي إنفاقكِ : فلا تتلفْ أموالك
وتهلكْ دخلك فتبقى حسيراً مُمْلِقاً ، ولا تمسكْ عطاءك وتبخلْ بنوالك ، فتبقى
ملوماً محروماً . ووسطٌ في خلقِك : بين الجدّ المفرطِ واللِّينِ المتداعي ، بين
العبوسِ الكالحِ والضحكِ المتهافتِ ، بين العزلةِ الموحشةِ والخلطةِ الزائدةِ على
الحدِّ .



إنّه مِنهجُ الاعتدالِ في أخذِ الأمورِ ،
والحكمِ على الأشياءِ ، ومعاملةِ الآخرين ، فلا زيادة يطفو بها كيْلُ القِيمِ ،
ولا نقْص يضمحلُّ به أصلُ الخيْر ، لأن الزيادة ترفٌ وسَرفٌ ، والنقص جفاءٌ
و‘حفاءٌ :
﴿ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ
فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ
.


إنّ الحسنة بين
السيِّئتين : سيئة الإفراط وسيئة التفريط ، وإن الخيْر بين الشرَّين : شرِّ
الغُلُوِّ وشرِّ المجافاةِ ، وإن الحقَّ بين الباطلينِ : باطلِ الزيادةِ وباطلِ
النقصِ ، وإن السعادة بين الشقاءين : شقاءِ التهورِ وشقاءِ النكوصِ .



*************************************


لا هذا ولا هذا





يقولُ مطرِّف بنُ عبدالله : أشرُّ السَّيْرِ
الحقحقة . وهو الذي يجتهد في السيرِ حتى يضرَّ بنفسهِ ودابتِه . وفي الحديثِ : ((
شرُّ الرِّعاء الحُطَمَةُ ))
. وهو الذي يتعسّفُ في ولايتِه لأهلِه أو من ولاه
اللهُ شأنه . إن الكرم بين الإسرافِ والبخلِ ، وإن الشجاعة بين الجبنِ والتهورِ ،
وإن الحلم بين الحدَّةِ والتبلُّد ، وإن البسمة بين العبوس والضحك ، وإن الصبر بين
القسوة والجزعِ ، وللغلوِّ دواءٌ هو التخفيفُ من هذا الغلوِّ ، وإطفاءُ شيءٍ من
هذا اللهيب المحرق وللجفاءِ دواء هو سوْطُ عزمٍ ، وومضةُ هِمَّة ، وبارقةُ من
رجاءٍ ،
﴿ اهدِنَــــا
الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ
المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
.


*******************************








وقفـــــةٌ





« ليس في الوجود
شيءٌ أصعبُ من الصبرِ ، إما عن المحبوبِ، أو على المكروهاتِ. وخصوصاً إذا امتدَّ
الزمان ، أو وقع اليأسُ من الفرجِ . وتلك المدةُ تحتاجُ إلى زادٍ يُقطعُ به سفرُها
، والزاد يتنوعُ من أجناسٍ :



فمنه :
تلمُّحُ مقدارِ البلاءِ ، وقد يمكنُ أن يكون أكثر .



ومنه : أنه
في حالِ فوقها أعظمُ منها ، مثل أن يُبتلى بفقْدِ ولدٍ وعنده أعزُّ منه .



ومن ذلك :
رجاء العِوضِ في الدنيا .



ومنه :
تلمُّح الأجرِ في الآخرةِ . ومنه : التلذُّذُ بتصويرِ المدحِ والثناءِ من الخلْقِ
فيما يمدحون عليه ، والأجرُ من الحقِّ عزَّ وجلَّ .



ومن ذلك : أن
الجزع لا يفيدُ ، بل يفضحُ صاحِبهُ .



إلى غيْرِ ذلك من
الأشياء التي يقدحُها العقلُ والفكرُ ، فليس في طريقِ الصبرِ نفقةٌ سواها ، فينبغي
للصابرِ أن يشغل بها نفسه ، ويقطع بها ساعاتِ ابتلائِهِ »
.


*********************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
مَنْ هُمُ
الأولياءُ






من صفات الأولياء : انتظارُ الأذانِ
بالأشواقِ ، والتَّهافُتُ على تكبيرةِ الإحرامِ ، والوَلَهُ بالصفِّ الأوّلِ ،
ومداومةِ الجلوسِ في الروضةِ ، وسلامةُ الصدرِ ، وظهورُ مراسيمِ السُّنَّةِ ،
وكثرةُ الذِّكرِ ، وأكل الحلالِ ، وتركُ ما لا يعني ، والرضا بالكفافِ ، وتعلُّمُ
المحيِ كتاباً وسنةً ، وطلاقةُ المُحَيَّا ، والتوجُّعُ لمصائب المسلمين ، وتركُ
الخلافِ ، والصبرُ للشدائدِ ، وبذْلُ المعروفِ .



التوسطُ في المعيشةِ أفضلُ ما يكونُ ، فلا غنى
مطغياً ولا فقراً منسياً ، وإنما ما كفى وشفى ، وقضى الغرض ، وأتى بالمقصودِ في
المعيشةِ ، فهو أجلُّ العيشِ عائدةً ، وأحسنُ القوتِ فائدةً .



والكفايةُ : بيتٌ تسكُنهُ ،
وزوجةٌ تأوي إليها ، ومركبٌ حَسَنٌ ، وما يكفي من المالِ لسدِّ الحاجةِ وقضاءِ
اللازمِ



********************************


اللهُ
لطيفٌ بعبادِهِ






أخبرني أحدُ أعيانِ مدينةِ الرياضِ أنه في عام
1376 هـ ، ذهب مجموعةٌ من البحارةِ من أهلِ الجبيلِ إلى البحرِ ، يريدون اصطياد
السمكِ ، ومكثوا ثلاثة أيام بلياليهنَّ لم يحصلُوا على سمكةٍ واحدةٍ ، وكانوا
يصلون الصلواتِ الخمس ، وبجانبهم مجموعةٌ أخرى لا تسجدُ للهِ سجدةً ، ولا تصلّي
صلاةً ، وإذا هم يصيدون ، ويحصلون على طلبِهم من هذا البحرِ ، فقال بعضُ هؤلاءِ
المجموعةِ : سبحان اللهِ ! نحن نصلي للهِ عزَّ وجلَّ صلاةٍ ، وما حصلْنا على شيءٍ
من الصيدِ ، وهؤلاء لا يسجدون للهِ سجدةً وها هو صيدُهم !! فوسوس لهم الشيطانُ
بتركِ الصلاةِ ، فتركُوا صلاة الفجرِ ، ثم صلاة الظهرِ ، ثم صلاة العصرِ ، وبعد
صلاةِ العصرِ أتوْا إلى البحرِ فصادُوا سمكةً ، فأخرجُوها وبقرُوا بطنها ، فوجدُا
فيها لؤلؤةً ثمينةً ، فأخذها أحدُهم بيدِه ، وقلَّبها ونظر إليها ، وقال : سبحان
اللهِ ! لما أطْعنا الله ما حصلنا عليها ، ولما عيناه حصلْنا عليها !! إن هذا
الرزق فيه نظرٌ . ثم أخذ اللؤلؤة ورمى بها في البحرِ ، وقال : يعوضُنا اللهُ ،
واللهِ لا آخذُها وقد حصلتْ لنا بعد أن تركْنا الصلاة ، هيا ارتحلُوا بنا من هذا
المكان الذي عصينا الله فيه ، فارتحلُوا ما يقاربُ ثلاثة أميالٍ ، ونزلُوا هناك في
خيمتِهم ، ثم اقتربُوا من البحرِ ثانية ، فصادُوا سمكة الكنعد ، فبقروا بطنها
فوجدوا اللؤلؤة في بطنِ تلك السمكةِ ، وقالوا : الحمدُ للهِ الذي رزقنا رزقاً
طيباً . بعد أنْ بدؤوا يصلُّون ويذكرون الله ويستغفرونه ، فأخذوا اللؤلؤة . اهـ .



فانظرْ كيف كان منْ ذي قبل ، في وقت معصيةٍ ،
وكان رزقاً خبيثاً ، وانظر كيف أصبح الآن في وقتِ طاعةٍ ، وأصبح رزقاً طيباً .
﴿ وَلَوْ
أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ
سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ
.


إنه لطفٌ اللهِ ، ومن ترك شيئاً للهِ عوَّضه
اللهُ خيراً منه .



يذكِّرني هذا بقصةٍ لعليٍّ – رضي الله عنه - ،
وقد دخل مسجد الكوفةِ ليصلي ركعتي الضحى ، فوجد غلاماً عند البابِ ، فقال : يا
غلامُ ، احبسْ بغلتي حتى أصلي . ودخل عليٌّ المسجد ، يريدُ أن يعطي هذا الغلام
درهماً ، جزاء حبْسه للبغلةِ ، فلما دخل عليٌّ المسجد ، أتى الغلام إلى خطامِ
البغلةِ ، فاقتلعه منْ رأسِها وذهب به إلى السوقِ ليبيعه ، وخرج عليٌّ فما وجد
الغلام ، ووجد البغلة بلا خطامٍ ، فأرسل رجلاً في أثرِهِ ، وقال : اذهبْ إلى
السوقِ ، لعلَّه يبيعُ الخطام هناك . وذهب الرجلً ، فوجد هذا الغلام يحرِّجُ على
الخطامِ ، فشراه بدرهمٍ ، وعاد يخبرُ علياً ، قال سبحان الله ! واللهِ لقدْ نويتُ أن
أعطيهَ درهماً حلالاً ، فأبى إلا أنْ يكون حراماً .



إنه لطفُ الله عزَّ وجلَّ ، يلاحقُ عباده أينما
سارُوا وأينما حلُّوا وأينما ارتحلُوا :
﴿ وَمَا
تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ
عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ
عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء
.


********************************************


﴿ وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ






وقد ذَكَرَ التنوخيُّ في كتابهِ «الفَرَجِ
بعد الشِّدَّةِ »
ما يناسبُ هذا المقام : أن رجلاً ضاقتْ عليه الحِيلُ ،
وأُغلقتْ عليه أبوابُ المعيشةِ ، وأصبح ذات يومٍ هو وأهلُه لا شيء في بيتهم ، قال
: فبقيت أنا وأهلي اليوم الأول جوْعى وفي الثاني ، فلما دنتِ الشمسُ للمغيبِ ،
قالت لي زوجتي : اذهبْ وانطلقْ والتمسْ لنا رزقاً أو طعاماً أو أكلاً ، فقد
أشرفْنا على الموتِ . قال : فتذكَّرتُ امرأةً قريبة لي ، فذهبتُ إليها وأخبرتُها
الخَبَرَ ، قالت : ما في بيتِنا إلا هذهِ السمكةُ وقد أنتنتْ . قلتُ : عليَّ بها ،
فإنا قد أشرفْنا على الهلاكِ . وذهبتُ بها وبقرتُ بطنها ، فأخرجتُ منها لؤلؤةً
بعتُها بآلافِ الدنانيرِ ، وأخبرتُ قريبتي ، قالتْ : لا آخذُ معكم إلا قسمي . قال
: فاغتنيتُ فيما بعدُ ، وأثَّثتُ من ذلك بيتي ، وأصلحتُ حالي ، وتوسّعتُ في رزقي .
فهو لطفُ اللهِ سبحانه وتعالى ليس غيرَهُ .



﴿ وَمَا بِكُم مِّن
نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ
.


﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
.


******************************************


﴿ وَهُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ



حدَّثنا أحدُ الفضلاءِ من العُبَّادِ : أنه كان
بأهلِه في الصحراءِ ، في جهةِ الباديةِ ، وكان عابداً قانتاً منيباً ذاكراً للهِ .
قال : فانقطعتْ المياهُ المجاورةُ لنا ، وذهبتُ ألتمسُ ماءً لأهلي ، فوجدتُ أن
الغدير قد جفَّ ، فعُدتُ إليهم ، ثم التمسْنا الماء يمْنةً ويسْرَةً ، قلم نجدْ
ولو قطرةً ، وأدركنا الظمأُ ، واحتاج أطفالي للماء ، فتذكرتُ ربَّ العزةِ –
سبحانه- القريب المجيب ، فقمتُ فتيمَّمتُ ، واستقبلتُ القبلة وصلَّيتُ ركعتين ، ثم
رفعتُ يديَّ وبكيتُ ، وسالتْ دموعي ، وسألتُ الله بإلحاحٍ ، وتذكرتُ قوله :
﴿ أَمَّن
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ.....
الآية ،
وواللهِ ما هو إلا أن قمتُ من مقامي ، وليس في السماء من سحاب ولا غيْم ، وإذا
بسحابة قد توسَّطتْ مكاني ومنزلي في الصحراءِ ، واحتكمتْ على المكان ، ثم أنزلتْ
ماءها ، فامتلأتِ الغدرانُ من حولِنا وعن يميننا وعن يسارِنا ، فشرْبنا واغتسْلنا
وتوضأنا ، وحمدْنا الله سبحانه وتعالى ، ثم ارتحلتُ قليلاً خلْف هذا المكان ، وإذا
الجدْبُ والقحطُ ، فعلمتُ أن الله ساقها لي بدعائي ، فحمدتُ الله عزَّ وجلَّ :
﴿ وَهُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ
الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
.


إنه لابدَّ أن نلحَّ على اللهِ سبحانه وتعالى ،
فإنه لا يُصْلِحُ الأنفس ، ولا يرزقُ ولا يهدي ، ولا يوفِّقُ ولا يثبِّتُ ، ولا
يعينُ ولا يغيثُ ، إلاَّ هو سبحانه وتعالى . واللهُ ذكَرَ أحدَ أنبيائه فقال :
﴿ وَأَصْلَحْنَا
لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا
رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
.


************************************


عوَّضهُ
اللهُ خيراً منهُ






ذكر ابنُ رجب وغيرُه أنَّ رجلاً من العُبَّادِ
كان في مكة ، وانقطعتْ نفقتُه ، وجاع جوعاً شديداً ، وأشرف على الهلاكِ ، وبينما
هو يدورُ في أحدِ أزقَّةِ مكة إذ عثر على عِقْدِ ثمينٍ غالٍ نفيسٍ ، فأخذه في
كمِّه وذهب إلى الحَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ، قال : فوصفه لي ، فما
أخطأ من صفتِه شيئاً ، فدفعتُ له العِقْد على أن يعطيني شيئاً . قال : فأخذ العقد
وذهب ، لا يلوي على شيء ، وما سلَّمني درهماً ولا نقيراً ولا قطميراً . قلتُ : اللهمّ
إني تركتُ هذا لك ، فعوِّضني خيراً منه ، ثم ركب جهة البحرِ فذهب بقاربٍ ، فهبَّتْ
ريحٌ هوجاءُ ، وتصدَّع هذا القاربُ ، وركب هذا الرجل على خشبةٍ ، وأصبح على سطحِ
الماءِ تلعبُ به الريح يمْنَةً ويَسْرَةً ، حتى ألقتْه إلى جزيرةِ ، ونَزلَ بها ،
ووجد بها مسجداً وقوماً يصلُّون فصلَّى ، ثم وجد أوراقاً من المصحفِ فأخذ يقرأ ،
قال أهل تلك الجزيرةِ : أئنك تقرأ القرآن ؟ قلتُ : نعمْ . قالوا : علِّمْ أبناءنا
القرآن . فأخذتُ أعلِّمهم بأجرةٍ ، ثم كتبتُ خطاً ، قالوا : أتعلِّم أبناءنا
الخطَّ ؟ قلتُ : نغم . فعلَّمتُهم بأجرةٍ .



ثم قالوا : إن هنا بنتاً يتيمةً كانت لرجلٍ منا
فيه خيْرٌ وتُوفِّي عنها، هل لك أن تتزوجها؟ قلتُ: لا بأس. قال: فتزوجتُها ،
ودخلتُ بها فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها . قلتُ: ما قصةُ هذا العقدِ ؟
فأخبرتِ الخَبَرَ ، وذكرتْ أن أباها أضاعه في مكة ذات يوم، فوجده رجلٌ فسلّمه إليه
، فكانَ أبوها يدعو في سجودِه ، أن يرزق ابنته زوجاً كذلك الرجل . قال : فأنا
الرجلُ .



فدخل عليه العِقْدُ بالحلالِ ، لأنه ترك شيئاً
للهِ ، فعوَّضه الله خيراً منه (( إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّباً ))
.



******************************************


إذا
سألت فاسألِ الله






إنَّ لطف اللهِ قريبٌ ، وإنه سميعٌ مجيبٌ ، وإن
التقصير منا ، إننا بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى أن نلحَّ وندعوه ، ولا نَمَلّ نسأمُ ، ولا
يقولُ أحدنا : دعوتُ دعوتُ فلم يُستجبْ لي . بل نمرِّغُ وجوهنا في الترابِ ،
ونهتفُ ، ونلظُّ بـ (( يا ذا الجلالِ والإكرامِ )) ، ونعيدُ ونبدئُ تلك
الأسماءِ الحسنى والصفاتِ العُلى ، حتى يجيبَ اللهُ سبحانه وتعالى طلبنا ، ، أو
يختار لنا خبرةً من عنده سبحانه وتعالى
﴿ ادْعُواْ
رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
.


ذكر أحدُ الدعاةِ في بعضِ رسائِله أن رجلاً مسلماً
ذهب إلى إحدى الدول والتجأ بأهِله إليها ، وطلب بأن تمنحه جنسية ، فأغلقتْ في
وجههِ الأبوابُ ، وحاول هذا الرجل كلَّ المحاولةِ ، واستفرغ جهده ، وعرضَ الأمرَ على
كلِّ معارفِه ، فبارتِ الحِيَلُ ، وسُدَّتِ السبل ، ثم لقي عالماً ورِعاً فشكا
إليه الحال ، قال : عليك بالثلث الأخيرِ من الليلِ ، ادع مولاك ، فإنه الميسرُ
سبحانه وتعالى – وهذا معناه في الحديث : (( إذا سألتَ فاسألِ الله ، وإذا
استعنت فاستعنْ بالله ، واعلمْ أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم
ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ))
– قال هذا الرجل : فواللهِ لقد تركتُ
الذهاب إلى الناس ، وطلب الشفاعات ، وأخذتُ أداومُ على الثلث الأخير كما أخبرني
هذا العالِم ، وكنتُ أهتفُ للهِ في السَّحرِ وأدعوه ، فما هو إلا بعد أيام ،
وتقدَّمتُ بمعروضٍ عادي ولم أجعل بيني وبينهم واسطة ، فذهب هذا الخطابُ ، وما هو
إلا أيام وفوجئْتُ في بيتي ، وإذ أنا أُدعى وأسلَّمُ الجنسية ، وكانت في ظروفٍ
صعبةٍ .



********************************************


﴿ اللَّهُ
لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ






الدقائقُ الغاليةُ :


ذكر التنوخيُّ : أن أحدُ الوزراءِ في بغداد –
وقد سمَّاه – اعتدى على أموالِ امرأةٍ عجوزٍ هناك ، فسلبها حقوقها وصادر أملاكها ،
ذهبتْ إليه تبكي وتشتكي من ظلمِه وجوْزِه ، فما ارتدع وما تاب وما أناب ، قالت :
لأدعونَّ الله عليك ، فأخذ يضحكُ منها باستهزاءٍ ، وقال : عليك بالثلثِ الأخيرِ من
الليل . وهذا لجبروتِه وفسْقِه يقول باستهزاءٍ ، فذهبتْ وداومتْ على الثلثِ الأخير
، فما هو إلا وقتٌ قصيرٌ إذ عُزِل هذا الوزيرُ وسُلبتْ أموالُه ، وأُخذ عقارُه ،
ثم أُقيم في السوقِ يُجلدُ تعزيراً له على أفعالِه بالناسِ ، فمرَّتْ به العجوزُ ،
فقالتْ له : أحسنتَ! لقد وصفت لي الثلث الأخير من الليلِ ، فوجدتُه أحسنَ ما يكونُ
.



إنَّ ذاك الثلث غالٍ منْ حياتِنا ، نفيسٌ في
أوقاتنا ، يوم يقولُ ربُّ العزةِ : (( هلْ منْ سائلٍ فأعطيه ، هلْ منْ مستغفرٍ
فأغفرَ له ، هلْ منْ داعٍ فأجيبه ))
.



لقد عشتُ في حياتي على أني شابٌّ . وسمعتُ
سماعاتٍ وأثر في حياتي حادثاتٌ لا أنساها أبد الدهرِ ، وما وجدتُ أقرب من القريبِ
، عنده الفرجُ ، وعنده الغوْثُ ، وعنده اللطفُ سبحانه وتعالى .



ارتحلتُ مع نَفَرٍ من الناسِ في طائرٍة من أبها
إلى الرياضِ في أثناءِ أزمةِ الخليجِ ، فلما أصبحْنا في السماءِ أُخبِرْنا أننا
سوف نعودُ مرةً ثانيةً إلى مطارٍ أبها لخللٍ في الطائرِة ، وعدْنا وأصلحُوا ما
استطاعُوا إصلاحه ، ثم ارتحلْنا مرةً أخرى ، فلما اقتربنا من الرياضِ أبتْ
العجلاتُ أنْ تنزل ، فأخذ يدورُ بنا على سماء الرياضِ ساعةً كاملةً ، ويحاولُ أكثر
منْ عشْرِ محاولاتٍ يأتي المطار ويحاولُ الهبوط فلا يستطيعُ ، فيرتحلُ مرةً أخرى ،
وأصابنا الهلعُ ، وأصاب الكثير الانهيارُ ، وكثرُ بكاءُ النساءِ ، ورأيتُ الدموع
تسيلُ على الخدودِ ، وأصبحْنا بين السماءِ والأرضِ ننتظرُ الموت أقرب منْ لمحِ
البَصَرِ ، وتذكرتُ كلَّ شيءٍ فما وجدتُ كالعملِ الصالحِ ، وارتحل القلبُ إلى
اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى الآخرةِ ، فإذا تفاهَةُ الدنيا ، ورخصُ الدنيا ، وزهادةُ
الدنيا ، وأخذْنا نكرِّر : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملكُ وله
الحمدُ وهو كلِّ شيءٍ قديرٌ ))
، في هتافٍ صادقٍ ، وقام شيخٌ كبيرٌ مسنٌّ
يهتفُ بالناسِ أن يلجؤُوا إلى اللهِ وأنْ يدعوهُ ، وأنْ يستغفروهُ وأنْ ينيبُوا له
.



وقد ذكر اللُهِ عن الناسِ أنهم: ﴿ فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
.


ودعوْنا الذي يجيبُ المضطر إذا دعاه ، وألححْنا
في الدعاءِ ، وما هو إلا وقتٌ ، ونعودُ للمرةِ الحادية عشرة والثانية عشرة ،
فنهبطُ بسلام ، فلما نزلْنا كأنا خرجْنا من القبورِ ، وعادتِ النفوسُ إلى ما كانتْ
، وجفتِ الدموعُ ، وظهرتِ البَسَماتُ ، فما أعظم لطف اللهِ سبحانه وتعالى .




كمْ نطلبُ الله في ضُرِّ يحِلُّ بِنا











فإنْ تولَّتْ بلايانا نَسِيَناهُ





ندعوه في البحرِ أنْ يُنْجي سفينتَنا












فإنْ رجعنا إلى الشاطي عصيناهُ





ونركبُ الجوَّ في أمنٍ وفي دَعَةٍ








وما سقطْنا لأنَّ الحافظ اللهُ








إنهُ لطفُ الباري سبحانه وتعالى ، وعنايتُه ،
ليس إلا .



**************************************


«
مَنْ لَنَا وقت الضائقةِ ؟ »






ذكرتْ جريدةُ « القصيم » -وهي جريدةٌ قديمةٌ
كانتْ تصدُر في البلاد- ذكرتْ أن شابّاً في دمشق حجزَ ليسافرَ ، وأخبر والدته أنَّ
موعدَ إقلاعِ الطائرةِ في الساعةِ كذا وكذا ، وعليها أنْ توقظه إذا دنا الوقتُ ،
ونام هذا الشابُّ ، وسمعتْ أمُّه الأحوال الجوية في أجهزةِ الإعلامِ ، وأنَّ
الرياح هوجاءُ وأنَّ الجوَّ غائمٌ ، وأنَّ هناك عواصف رمليَّةً ، فأشفقتْ على
وحيدها وبخلتْ بابنها ، فما أيقظتْه أملاً منها أن تفوته الرحلةُ ، لأنَّ الجوَّ
لا يساعدُ على السفرِ ، وخافْت منْ الوضعِ الطارئِ ، فلما تأكَّدتْ من ْ أنَّ
الرحلة قد فاتتْ ، وقد أقعلتِ الطائرةُ بركَّابِها ، أتتْ إلى ابنِها توقظُه
فوجدتْه ميِّتاً في فراشِه .



﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
.


فرَّ من الموتِ وفي الموتِ وَقَع .


وقدْ قالتِ العامةُ : « للناجي في البحر طريقٌ
» .



وإذا حضر الأجلُ فأيُّ شيء يقتلُ الإنسان .


*************************************


منَ
قصصِ الموتِ






ذكر الشيخُ علي الطنطاوي في سماعاتِه
ومشاهداتِه : أنه كان بأرضِ الشام رجلٌ له سيارةُ لوري ، فركب معه رجلٌ في ظهرِ
السيارة ، وكان في ظهرِ السيارة نَعشٌ مهيَّأ للأمواتِ ، وعلى هذا النعش شراعٌ
لوقتِ الحاجةِ ، فأمطرتِ السماءُ وسال الماءُ فقام هذا الراكبُ فدخل في النعش
وتغطَّى بالشراعِ ، وركب آخرُ فصعِد في ظهرِ الشاحنةِ بجانبِ النعشِ ، ولا يعلمُ
أنَّ في النعشِ أحداً ، واستمرَّ نزولُ الغيثِ ، وهذا الرجلُ الراكبُ الثاني يظنُّ
أنه وحده في ظهر السيارةِ ، وفجأةً يْخرج هذا الرجلُ يده من النعشِ ، ليرى : هلْ
كفَّ الغيثُ أم لا ؟ ولما أخرج يده أخذ يلوحُ بها ، فأخذ هذا الراكبُ الثانيِ
الهلعُ والجزعُ والخوفُ ، وظنَّ أن هذا الميت قد عاد حيّاً ، فنسي نفسه وسقط من
السيارةِ ، فوقع على أمِّ رأسهِ فمات .



وهكذا كتب اللهُ أن يكون أجلُ هذا بهذهِ
الطريقةِ . وأنْ يكون الموتُ بهذه الوسيلةِ .




كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرْ







والمنايا عِبرٌ أيُّ عِبرْ








وعلى
العبدِ أنْ يتذكَّر دائماً أنه يحمِلُ الموت ، وأنه يسعى إلى الموتِ ، وأنه ينتظرُ
الموت صباح مساء ، وما أحسن الكلمة الرائقة الرائعة التي قالها عليُّ بنُ أبي طالب
– رضي اللهُ عنه – وهو يقولُ : (( إن الآخرة قد ارتحلتْ مقبلةً ، وإن الدنيا قد
ارتحلتْ مُدْبِرة ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن
اليوم عملٌ ولا حسابُ ، وغداً حسابٌ ولا عملٌ ))
.



وهذا يفيدُنا أنَّ على الإنسان أن يتهيَّأ وأن
يتجهزَّ وأن يُصلح من حالِه ، وأن يُجدِّد توبته ، وأن يعلم أنه يتعاملُ مع ربِّ
كريمٍ قويٍ عظيمٍ لطيفٍ .



إن الموت لا يستأذنُ على أحدٍ ، ولا يحابي
أحداً ، ولا يجاملُ ، وليس للموت إنذارٌ مبكر يخبرُ به الناس،
﴿وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ
تَمُوتُ



*****************************************


﴿ لَّا
تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ






ذكر الطنطاويُّ أيضاً في سماعاتِه ومشاهداتِه :
أن باصاً كان مليئاً بالركاب ، وكان سائقُه يلتفتُ يَمْنَةً ويسْرَةً ، وفجأة وقف
، فقال له الركابُ : لِم تقفُ ؟ قال : أقفُ لهذا الشيخ الكبيرِ الذي يُشيرُ بيده
ليركب معنا . قالوا : لا نرى أحداً ، قال : انظروا إليه . قالُوا : لا نرى أحداً !
قال : هو أقبل الآن ليركب معنا . قالوا كلُّهم : واللهِ لا نرى أحداً من الناسِ !
وفجأة مات هذا السائقُ على مقعدِ سيارتِهِ .



لقدْ حضرتْ منيَّتُه ، وحلَّتْ وفاتُه ، وكان
هذا سبباً ،
﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
، إنَّ الإنسان يجبُن
من المخاوفِ ، وينخلعُ قلبه منِ مظانِّ المنايا ، وإذا بالمآمنِ تقتلُه ،
﴿ الَّذِينَ
قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا
عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
. والعجيبُ فينا أننا لا نفكرُ في لقاءِ اللهِ
عزَّ وجلَّ ، ولا في حقارةِ الدنيا ، ولا في قصةِ الارتحالِ منها إلا ذا وقعْنا في
المخاوفِ .



*************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
فربما
صحَّتِ الأجسامُ بالعللِ






ذكر أهلُ السيِّرِ : أن رجلاً أصابه الشللُ ،
فأُقعد في بيته ، ومرتْ عليه سنواتٌ طوالٌ من المللِ واليأسِ والإحباطِ ، وعَجَزَ
الأطباءُ في علاجِه ، وبلَّغوا أهله وأبناءه ، وفي ذات يومٍ نزلتْ عليه عقربٌ من
سقفِ منزلِه ، ولم يستطعْ أن يتحرك من مكانِه ، فأتتْ إلى رأسِه وضربتْه برأسِها
ضرباتٍ ولدغتْه لدغاتٍ ، فاهتزَّ جسمُه من أخمصِ قدميه إلى مشاشِ رأسِه ، وإذا
بالحياةُ تدبُّ في أعضائِه ، وإذا بالبُرءِ والشفاء يسير في أنحاءِ جسمِه ،
وينتفضُ الرجلُ ويعودُ نشيطاً ، ثم يقفُ على قدميه ، ثم يمشي في غرفتِه ، ثم يفتحُ
بابه ، ويأتي أهله وأطفاله ، فإذا الرجلُ واقفاً ، فما كانوا يصدِّقون وكادوا من
الذهول يُصعقون ، فأخبرهم الخَبَرَ .



فسبحان الذي جعل علاج هذا الرجلِ في هذا !!


وقد ذكرتُ هذا لبعضِ الأطباءِ فصدَّق المقولة ،
وذكَرَ أن هناك مصْلاً سامّاً يُستخدم بتخفيفٍ كيماويٍّ ، ويعالجُ به هؤلاءِ
المشلولون .



فجلَّ اللطيفُ في علاه ، ما أنزل داءً إلا
وأنزل له دواءً .



****************************************





وللأولياء
كرامات






هذا صلةُ بن أشيم العابدُ الزاهدُ من التابعين
: يذهب إلى الشمالِ ليجاهد في سبيل اللهِ ، ويضمُّه الليلُ فيذهبُ إلى غايةٍ ليصلي
فيها ، ويدخل بين الشجرِ ويتوضَّأ ، ويقوم مصلياً ، وينهدُّ عليه أسدٌ كاسرٌ ،
ويقتربُ من « صِلة » وهو في صلاته ، ويدورُ به ، وصلةُ في تبتُّله مستمرٌّ ، ولم
يقطعْ صلاته وذِكره ، ويسلِّمُ صلةُ بن أشيم من ركعتين ، ثم يقولُ للأسدِ : إن كنت
أُمرت بقتلي فكلْني ، وإن تُؤْمر فاتركْني أناجي ربي . فأرخى الأسدُ ذيله وذهب من
المكان ، وترك صلة يصلي .



ولك أن تنظر في « البداية والنهاية » وغيرها من
كتبِ التاريخِ ، وهذا مذكورٌ عن «سفينة» مولى رسولِ اللهِ
r في كتبِ
تراجمِ الصحابةِ ، أنه أتى هو ورفْقةٌ معهُ من ساحلِ البحرِ ، فلما نزلُوا البرَّ
فإذا بأسدٍ كاسر مُقبلٍ يريدُهم ، فقال سفينةُ : يا أيها الأسدُ أنا من أصحابِ
رسولِ الله ِ
r وأنا
خادمُه ، وهؤلاء رفقتي ولا سبيل لك علينا . فولَّى الأسدُ هارباً ، وزأر زأْرةً
كاد يملأ بها ربوع المكانِ .



وهذه الوقائعُ والأحداثُ لا ينكرُها إلا مكابرٌ
، وإلا ففي سُننِ اللهِ في خلقِهِ ما يشهدُ بمثل هذا ، ولولا طولُ المقامِ
لأوردْتُ عشراتِ القصصِ الصحيحةِ الثابتةِ في هذا الباب ، لكنْ يكفيك دلالةً من
هذا الحديث ، لتعلم أن هناك ربّا لطيفاً حكيماً لا تغيبُ عنه غائبةٌ . إن علم الله
يلاحقُ الناس ، ولطفه سبحانه وتعالى وشهوده واطلاعه :
﴿ مَا
يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا
هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ
أَيْنَ مَا كَانُوا
.


*****************************************


كفى
باللهِ وكيلاً وشهيداً






ذكر البخاريُّ في صحيحهِ : أن رجلاً من بني
إسرائيل طلب من رجلٍ أن يُقرضه ألف دينارٍ ، قال : هل لك شاهدٌ ؟ قال : ما معي
شاهدٌ إلا اللهُ . قال : كفى بالله شهيداً . قال : هل معك وكيلٌ ؟ قال : ما معي
وكيل إلا اللهُ . قال : كفى بالله وكيلاًً. ثم أعطاه ألف دينار ، وذهب الرجل وكان
بينهما موعدٌ وأجلٌ مسمَّى ، وبينهما نهرٌ في تلك الديارِ ، فلما حان الموعدُ أتى
صاحبُ الدنانيرِ ليعيدها لصاحبِها الأولِ ، فوقف على شاطئ النهرِ ، يريدُ قارباً
يركبُه إليه ، فما وجد شيئاً ، وأتى الليلُ وبقي وقتاً طويلاً ، فلم يجدْ من
يحملُه ، فقال : اللهمَّ إنه سألني شهيداً فما وجدتُ إلا أنت ، وسألني كفيلاً فما
وجدتُ إلا أنت ، اللهمّ بلِّغْه هذه الرسالة . ثم أخذ خشبةً فنقرها وأدخل الدنانير
فيها ، وكتب فيها رسالةً ، ثم أخذ الخشبة ورماها في النهرِ ، فذهبتْ بإذنِ الله ،
وبلطفِ اللهِ ، وبعنايةِ اللهِ سبحانه وتعالى ، وخرج ذاك الرجلُ صاحبُ الدنانير
الأولُ ينتظرُ موعد صاحبهِ ، فوقف على شاطئ النهرِ وانتظر فما وجد أحداً ، فقال :
لِم لا آخذ حطباً لأهل بيتي ؟! فعرضتْ له الخشبةُ بالدنانير ، فأخذها وذهب بها إلى
بيتِه ، فكسرها فوجد الدنانير والرسالة .



لأنَّ الشهيد سبحانه وتعالى أعان ، ولأن الوكيل
أدَّى الوكالة ، فتعالى اللهُ في عُلاهُ .



﴿ وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
.


﴿ وَعَلَى اللّهِ
فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
.


**********************************************


وقفــــةٌ





قال
لبيدُ :




فاكذبِ النفس إذا حدَّثْتها







إنَّ صِدْق النفسِ يُزْرِي بالأملْ








وقال البستيُّ :



أفِدْ طبعك المكدود بالهمِّ راحةً















تجمَّ وعلِّلْهُ بشيءٍ من المزْحِ





ولكنْ إذا أعطيته ذاك فليكنْ











بمقدارِ ما يُعطى الطعامُ مِن الملحِ








وقال أبو علي بن الشبل :



بحفظِ الجسمِ تبقى النفسُ فيهٍ











بقاء النارِ تُحفظُ بالوعاءِ





فباليأسِ المُمِضِّ فلا تُمِتْها












ولا تمددْ لها طول الرجاءِ





وعِدْها في شدائدها رخاءً












وذكِّرْها الشدائد في الرخاءِ





يُعدُّ صلاحُها هذا وهذا








وبالتركيبِ مَنْفَعَةُ الدواءِ








*****************************************


أطِبْ
مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ






كان سعدُ بنُ أبي وقَّاص يدركُ هذه الحقيقة ،
وهو أحدُ العشرةِ المبشرين بالجنةِ ، وقد دعا له
r بسدادِ
الرمي وإجابةِ الدعوةِ ، فكان إذا دعا أُجيبْت دعوتُه كَفَلقِ الصبحِ .



أرسل عمرُ – رضي اللهُ عنه – أناساً من الصحابة
يسألون عن عدْلِ سعدٍ في الكوفةِ ، فأثنى الناسُ عليه خيْراً ، ولما أتْوا في
مسجدِ حيٍّ لبني عبْسٍ ، قام رجلٌ فقال : أما سألتموني عنْ سعدٍ ؟ فإنه لا يعدلُ
في القضيةِ ، ولا يحكمُ بالسَّويَّةِ ، ولا يمشي مع الرعية . فقال سعدٌ : اللهمَّ
إنْ كان قام هذا رياءً وسمعةً فأعْمِ بصره ، وأطلْ عمره ، وعرِّضْه للفتنِ . فطال
عُمْرُ هذا الرجلِ ، وسقط حاجباهُ على عينيه ، وأخذ يتعرَّضُ للجواري ويغمزهُنّ في
شوارعِ الكوفةِ ، ويقول : شيخٌ مفتون ، ، أصابتْني دعوة سعْدٍ .



إنه الاتصالُ باللهِ عزَّ وجلَّ ، وصدق النية
معه ، والوثوق بموعودِه ، تبارك اللهُ ربَّ العالمين .



وفي « سيرِ أعلامِ النبلاءِ» : عن سُعد أيضاًَ
: أن رجلاً قام يَسُبُّ علياً -رضي اللهُ عنه– ، فدافع سعدٌ عن علي ، واستمرَّ
الرجل في السبِّ والشتمِ ، فقال سعدٌ : اللهم اكفنيه بما شئت . فانطلق بعيرٌ من
الكوفةِ فأقبل مسرعاً ، لا يلوي على شيء ، وأخذ يدخل من بينِ الناس حتى وَصَلَ إلى
الرجلِ ، ثم داسه بخفَّيْه حتى قتله أمام مشهدٍ ومرأى من الناسِ .



﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ
.


وإنني أعرضُ لك هذه القصص لتزداد إيماناً
ووثوقاً بموعودِ ربِّك فتدعوه وتناجيه ، وتعلم أن اللطف لطفُه سبحانه ، وأنه قد
أمرك في محكم التنزيل فقال :
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ

. ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
..


لقد استدعى الحجَّاجُ الحسن البصريَّ ليبطش به
، وذهب الحسنُ وما في ذهنه إلا عنايةُ اللهِ ولطفُ الله ، والوثوقُ بوعِد اللهِ ،
فأخذ يدعو ربَّه ، ويهتفُ بأسمائِه الحسنى ، وصفاتِه العلى ، فيحوِّل اللهُ قلب
الحجاجِ ، ويقذفُ في قلبه الرعب ، فما وصل الحسَنُ إلا وقد تهيأ الحجاجُ
لاستقبالِه ، وقام إلى البابِ ، واستقبل الحَسَنَ ، وأجلسَه معه على السريرِ ،
وأخذ يُطيِّب لحيته ، ويترفَّقُ به ، ويُلينُ له في الخطابِ !! فما هو إلا تسخيرُ
ربِّ العزةِ والجلالِ .



إنَّ لطف اللهِ يسري في العالمِ ، في عالم
الإنسانِ ، في عالمِ الحيوانِ ، في البرِّ والبحْرِ ، في الليلِ والنهارِ ، في
المتحركِ والساكنِ ،
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ
إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ
كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
.


صحَّ : أنَّ سليمان عليه السلام قد أُوتي منطق
الطيرِ ، خَرَجَ يستسقي بالناسِ ، وفي طريقِه من بيتِه إلى المصلَّ رأى نملةً قد
رفعتْ رجليها تدعو ربَّ العزِة ، تدعو الإله الذي يعطي ويمنحُ ويلطفُ ويُغيثُ ، فقال
سليمان : أيُّها الناسُ ، عودُوا فقد كُفيتُم بدعاءِ غيرِكم .



فأخذ الغيثُ ينهمرُ بدعاءِ تلك النملةِ ،
النملةِ التي فهِم كلامها سليمانُ عليه السلامُ ، وهو يزجفُ بجيشه الجرَّار ،
فتعظُ أخواتها في عالم النملِ :
﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا
أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
{18}
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا
. في كثير
من الأحيان يأتي لطفُ البري سبحانه وتعالى بسبب هذه العجماواتِ .



وقد ذكر أبو يعلى في قدسي أن الله يقولُ : ((
وعِزَّتي وجلالي ، لولا شيوخٌ رُكَّعٌ ، وأطفال رُضَّعٌ ، وبهائمُ رُتَّعٌ ،
لمنعتُ عنكم قطْرَ السماءِ )) .



********************************************


وإنْ
منْ شيء إلا يسبِّحُ بحمدِ ربِّه






إنَّ الهدد في عالمِ الطيورِ عرف ربَّهُ ،
وأذعنّ لمولاهُ ، وأخبت لخالقِه .



ذهب الهدهدُ ، وكانت تلك القصةُ الطويلةُ ،
وانتهتْ إلى تلك النتائجِ التاريخيةِ ، وكان سببها هذا الطائرُ الذي عَرَفَ ربَّه
، حتى قال بعضُ العلماءِ : عجيبٌ ! الهدد أذكى من فرعون ، فرعونُ كَفَرَ في
الرخاءِ فما نفعه إيمانُه في الشِّدَّة ، والهدهدُ آمن بربِّه في الرخاءِ ، فنفعه
إيمانُه في الشّدةِ .



الهدهدُ قال : ﴿ أَلَّا
يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ
...... . وفرعونُ
يقول :
﴿ مَا
عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي......
. إن
الشقيَّ من كان الهدهد أذكى منه ، والنملة أفهمُ لمصيرِها منه . وإن البليد من
أظلمتْ سبُله ، وتقطَّعتْ حبالُه ، وتعطَّلتْ جوارحُه عن النفعِ ،
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا
.


في عالم النحل لطفٌ اللهِ يسري ، وخيرُه يجرِي
، وعنايتُه تلاحقُ تلكم الحشرة الضئيلة المسكينة ، تنطلقُ من خليّتها بتسخيرٍ من
الباري ، تلتمسُ رزقها ، لا تقعُ إلا على الطيبِ النقيِّ الطاهرِ ، تمصُّ الرحيقَ
، تهيمُ بالورودِ ، تعشقُ الزَّهْر ، تعودُ محمَّلةً بشرابٍ مختلفٍ ألوانُه فيه
شفاءٌ للناسِ ، تعودُ إلى خليتِها لا إلى خليةٍ أخرى ، لا تضلُّ طريقها ، ولا
تحارُ في سبلِها ،
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ
إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ
وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ
رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ
شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
.


إن سعادتك منْ هذا القصص ، ومن هذا الحديثِ ،
ومن هذه العِبر : أن تعلم أن هناك لطفاً خفياً للهِ الواحدِ الحدِ ، فتدعوه وحده ،
وترجوه وحده ، وتسألهُ وحده ، وأنَّ عليك واجباً شرعياً نزلَ في الميثاقِ
الربانيِّ ، وفي النَّهْجِ السماويِّ أن تسجد له ، وأن تشكره ، وأن تتولاَّه ، وأن
تتجه بقلبِك إليه . إن عليك أنْ تعلم أن هذا البشَرَ الكثير وهذا العالم الضخم ،
لا يُغنون عنك من اللهِ شيئاً ، إنهم مساكينُ ، إنهم كلهم محتاجون إلى اللهِ ،
إنهم يطلبون رزقهم صباح مساء ، ويطلبون سعادتهم وصحَّتهم وعافيتهم وأشياءهم
وأموالهم ومناصبهم من اللهِ الذي يملكُ كلَّ شيءٍ .



﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
، إن عليك
أن تعلم علم اليقينِ أنه لا يهديك ولا ينصرُنك ، ولا يحميك ولا يتولاك ، ولا
يحفظُك ، ولا يمنحُك إلا اللهُ ، إن عليك أن توحِّد اتجاه القلبِ ، وتفرد الربِّ
بالوحدانيةِ والألوهيةِ والسؤالِ والاستعانةِ والرجاءِ ، وأن تعلم قْدر البشرِ ،
وأن المخلوق يحتاجُ إلى الخالقِ ، وأن الفاني يحتاجُ إلى الباقي ، وأن الفقيرَ
يحتاجُ إلى الغني ، وأن الضعيف يحتاجُ إلى القويِّ . والقوةُ والغنى والبقاءُ
والعزَّةُ المطلقةُ يملكُها اللهُ وَحْدَهُ .



إذا علمت ذلك ، فاسعدْ بقربهِ وبعبادتِه
والتبتلِ إليه ، إليه ، إنِ استغفرته غَفَرَ لك ، وإن تبت إليه تاب عليك ، وإن
سألته أعطاك ، وإن طلبت منه الرزق رزقك ، وإن استنصرته نصرك ، وإن شكرته زادك .



******************************************


ارض
عن الله عزَّ وجلَّ






من لوازمِ ((رضيتُ باللهِ رباً ، وبالإسلام
ديناً، وبمحمدٍ
r نبياً)). أن ترضى
عن ربِّك سبحانه وتعالى ، فترضى بأحكامِه ، وترضى بقضائِه وقدرِهِ ، خيرِه وشرِه ،
حُلوِه ومُرِّه .



إن الانتقائية بالإيمانِ بالقضاءِ والقدرِ
ليستْ صحيحةً ، وهي أن ترضى فَحَسْبُ عند موافقةِ القضاءِ لرغباتِك ، وتتسخَّط إذا
خالف مرادك وميْلك ، فهذا ليس من شأنِ العبدِ .



إن قوماً رضُوا بربِّهم في الرخاءِ وسخطُوا في
البلاءِ ، وانقادُوا في النعمةِ وعاندُوا وقت النقمةِ ،
﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ
.


لقدْ كان الأعرابُ يُسْلمون ، فإذا وجدُوا في
الإسلامِ رغداً بنزولِ غيثٍ ، ودرِّ لبنٍ ، ونبْتِ عشبٍ ، قالوا : هذا دينُ خيْرٍ
. فانقادُوا وحافظوا على دينِهم .



فإذا وجدُوا الأخرى ، جفافاً وقحْطاً وجدْباً
واضحملالاً في الأموالِ وفناءً للمرعى ، نكصُوا على أعقابهم وتركُوا رسالتهم
ودينهم .



هذا إذن إسلامُ الهوى ، وإسلامُ الرغبةِ للنفس
. إن هناك أناساً يرضون عن اللهِ عزَّ وجلَّ ، لأنهم يريدون ما عند اللهِ ، يريدون
وجهه ، يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً ، يسعون للآخرةِ .







رضينا بك اللهمَّ رباً وخالقاً











وبالمصطفى المختارِ نوراً وهاديا





فإمَّا حياةٌ نظَّم الوحيُ سيرها








وإلا فموتٌ لا يسُرُّ الأعاديا








إن من يرشحُه اللهُ للعبوديّةِ ويصطفيه للخدمةِ
ويجتبيه لسدانةِ الملَّةِ ، ثم لا يرضى بهذا الترشيحِ والاصطفاءِ والاجتباءِ ، لهو
حقيقٌ بالسقوطِ الأبدي والهلاك السَّرمديِّ :
﴿ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ
، ﴿ وَلَوْ
عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ
وَّهُم مُّعْرِضُونَ
.


إن الرّضا بوابةُ الديانةِ الكبرى ، منها يَلجُ
المقرَّبون إلى ربِّهم ، الفرحون بهداه ، المنقادون لأمرِه ، المستسلمون لحكمه .



قَسَّمَ r غنائم
حُنَيْنٍ ، فأعطى كثيراً من رؤساءِ العربِ ومتأخري العرب ، وترك الأنصار ، ثقةً
بما في قلوبِهم من الرضى والإيمانِ واليقين والخيرِ العميمِ ، فكأنهم عتبُوا لأن
المقصود لم يظهر لهم ، فجمعهم
r وفسَّرَ لهم السرَّ
في المسألةِ ، وأخبرهم أنه معهم ، وأنه يحبُّهم ، وأنه ما أعطى أولئك إلا تأليفاً
لقلوبهم ، لنقْصِ ما عندهم من اليقين ، وأما الأنصارُ فقال لهم : (( أما ترضون
أن ينطلق الناس بالشاء والبعير ، وتنطلقون برسولِ اللهِ
r إلى رحالِكم
؟! الأنصار شعارٌ ، والناسُ دِثار ، رحم اللهُ الأنصار ، وأبناء الأنصارِ ، وأبناء
أبناءِ الأنصارِ ، لو سلك الناسُ شِعْباً ووادياً ، وسلك الأنصارُ شعباً ووادياً
لسلكتُ وادي الأنصارِ وشِعْبَ الأنصارِ ))
. فغمرتْهم الفرحةُ .
وملأتْهم المسرَّةُ ، ونزلتْ عليهم السكينةُ ، وفازوا برضا اللهِ ورضا رسولِهِ
r .


إن الذين يتطلعون إلى رِضْوانِ اللهِ
ويتشوَّقون إلى جنَّةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ ، لا يقبلون الدنيا بحذافيرِها
بدلاً من هذا الرضوانِ ، ولا عوضاً عن هذا النوالِ العظيمِ .



أسلم أعرابيٌّ بين يدي رسول اللهِ r فأعطاه r بعض
المالِ ، فقال : يا رسول اللهِ ، ما على هذا بايعتُك . فقال رسولُ اللهِ
r : ((على
ماذا بايعتني ؟))
قال : بايعتُك على أن يأتيني سهمٌ طائش فيقع هنا (وأشار إلى
حلْقِه) ويخرج من هنا (وأشار إلى قفاه).قال له: ((إن تصْدُقِ اللهُ يصدقُكَ)).
وحضر المعركة، وجاءه سهمٌ طائش ونفذ من نحرِه، ولقي ربَّه راضياً مرضيّا .




ما المالُ والأيَّامُ ما الدُّنيا وما











تلك الكنوزُ من الجواهرِ والذَّهَبْ





ما المجدُ والقصرُ المنيفُ وما المنى












ما هذه الأكداسُ مِن أغلى النشبْ





لا شيء كُلُّ نفيسةٍ مرغوبةٍ








تفنى ويبقى اللهُ أكرم من وَهَبْ








ووزَّع r ذات يوم
أموالاً ، فأعطى أناساً . قليلي الدين ، ضحلى الأمانة ، مقفرين في عالم المُثُل ،
وترك أناساً ثُلَّمتْ سيوفُهم في سبيلِ اللهِ ، وأُنفقتْ أمواُلهم، وجُرحتْ
أجسامُهم في الجهادِ والذبِّ عن الملَّةِ ، ثم قام
r خطيباً في
المسجدِ وأخبرهم بالأمرِ ، وقال لهم : (( إني أعطي أناساً لمِا جعل اللهُ في
قلوبِهم من الجزعِ والطمعِ ، وأدَعُ أناساً لما جعل اللهُ في قلوبِهم من الإيمانِ –
أو الخيْرِ – منهم : عمرو بنُ تغلب ))
. فقالَ عمروُ بنُ تغلب : كلمةً ما
أريدُ أنَّ لي بها الدنيا وما فيها .



إنه
الرضا عن اللهِ عزَّ وجلَّ الرضا عن حكْمِ رسولِهِ
r ، طلبَ ما
عندَ اللهِ ، إنَّ الدنيا لا تساوي عند الصحابي الواحد كلمة راضية باسمة منه
r .


لقد كانت وُعودُ الرسول r لأصحابِه
ثواباً من عندِ اللهِ ، وجنةً عنده ورضواناً منه ، لم يَعِدْ
r أحداً
منهم بقصرِ أو ولايةِ إقليمٍ أو حديقةٍ . كان يقول لهم : من يفعلُ كذا وله الجنةُ
؟ ولآخر : وهو رفيقي في الجنةِ ؟ لأن البذلُ الذي بذلوه والمالُ الذي أنفقوه
والجهدُ الذي قدموه ، لا جزاء له إلا في الدارِ الآخرةِ ، لأن الدنيا بما فيها لا
تكافئُ المجهود الضخم ؛ لأنها ثمنٌ بخيسٌ ، وعطاءٌ رخيصٌ وبذْلٌ زهيدٌ .



وعند الترمذيِّ : يستأذنُ عمرُ -رضي اللهُ عنه
- رسول اللهِ
r في
العمرةِ ، قال : ((لا تنسنا من دعائِك يا أخي )) .



وقائل هذه الكلمة هو رسولُ الهدى r ، الإمامُ
المعصومُ ، الذي لا ينطقُ عن الهوى ، ولكنها كلمةٌ عظيمةٌ وثمينةٌ ونفيسةٌ ، قال
عمرُ فيما بعدُ : كلمة ما أريد أنَّ لي بها الدنيا وما فيها .



ولك أنْ تشعر أن رسول اللهِ r ، قال لك
أنت بعينكِ : لا تْنسنا من دعائك يا أخي .



كان رضا رسول الله r عن ربِّه
فوق ما يصفُه الواصفون ، فهو راضٍ في الغنى والفقرِ ، راضٍ في السلْمِ والحربِ ،
راضٍ وقت القوةٍ والضعفِ ، راضٍ وقت الصحةِ والسقمِ ، راضٍ في الشدةِ والرخاءِ .



عاش r مرارة
اليُتْمِ ، وأسى اليتمِ ، ولوعة اليتمِ فكان راضياً ، وافتقر
r حتى ما
يجد دَقَلَ التمرِ – أي رديئه - ، وكان يربطُ الحجر على بطنِه من شدَّةِ الجوعِ ،
ويقترضُ شعيراً من يهودي ويرهنُ درعه عنده ، وينامُ على الحصير فيؤثرُ في جنبِه ،
وتمرُّ ثلاثةُ أيام لا يجدُ شيئاً يأكلُه ، ومع ذلك كان راضياً عن اللهِ ربِّ
العالمين
﴿ تَبَارَكَ
الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً
.


ورضي عن ربِّه وقت المجابهةِ الأولى ، يوم
وقَفَ هو في حزبِ اللهِ ، ووقفتِ الدنيا – كلُّ الدنيا – تحاربُه بخيلِها ورجِلها
، بغناها بزخرفِها ، بزهوِها بخيلائها ، فكان راضياً عن اللهِ . رضي عنِ اللهِ في
الفترةِ الحرجةِ ، يوم مات عمُّه وماتت زوجتٌه خديجةُ ، وأُوذي أشدَّ الأذى ،
وكُذب أشدَّ التكذيبِ ، وخُدشتُ كرامتُه ، ورُمي في صِدْقِهِ ، فقيل له : كذَّابٌ
، وساحرٌ ، وكاهنٌ ، ومجنونٌ ، وشاعرٌ .



ورضي يوم طُرِد من بلدِه ، ومسقطِ رأسهِ ، فيها
مراتعُ صباه ، وملاعبُ طفولتِه ، وأفانينُ شبابِه ، فيلتفتُ إلى مكة وتسيلُ دموعُه
، ويقول : (( إنكِ أحبُّ بلادِ اللهِ إليَّ ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منك ما
خرجتُ ))
.



ورضي
عن اللهِ وهو يذهبُ إلى الطائفِ ليعرِض دعوته ، فيُواجه بأقبحِ ردٍّ ، وبأسوأِ
استقبالٍ ، ويُرمى بالحجارةِ حتى تسيل قدماه ، فيرضى عن مولاه .



ويرضى عن اللهِ وهو يخرج من مكة مرغماً ، فيسير
إلى المدينة ويُطاردُ بالخيلِ ، وتُوضعُ العراقيلُ في طريقِه أينما ذهب .



يرضى عن ربه في كلِّ موطنٍ ، وفي كل مكانٍ ،
وفي كل زمنٍ .



يحضر أُحُداً r فيُشجّ
رأسُه ، وتُكسرُ ثنيتُه ، ويُقتلُ عمُّه ، ويُذبحُ أصحابهُ ، ويُغلبُ جيشُه ،
فيقول : (( صُفُّوا ورائي لأُثني على ربي )) .



يرضى عن ربِّه وقد ظهر حِلْفٌ كافرٌ ضدَّه من
المنافقين واليهود والمشركين ، فيقف صامداً متوكِّلاً على اللهِ ، مفوِّضاً الأمر
إليه .



وجزاءُ هذا الرضا منه r : ﴿ وَلَسَوْفَ
يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
.


******************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
هِتافٌ
في وادي نخلة






أُخرج محمدٌ المعصومُ r من مكة
حيث أهلُه وأبناؤه ودارُه ووطنُه ، طُردُ طرداً وشًرِّد تشريداً ، والتجأ إلى
الطائفِ فقُوبل بالتكذيبِ وجُوبِه بالجحودِ ، وتهاوتْ عليه الحجارةُ والأذى والسُّ
والشتمُ .



فعيناه بدموع الأسى تكِفانِ وقدماه بدماءِ
الطهرِ تنزفانِ ، وقلبُه بمرارةِ المصيبة يَلْعَجُ ، فإلى من يلتجئ ؟ ومن يسألُ ؟
وإلى من يشكو ؟ وإلى من يقصدُ ؟ إلى اللهِ إلى القويِّ إلى القهارِ ، إلى العزيزِ
، إلى الناصرِ .



استقبل محمدٌ r القبلة ،
وقصد ربَّ ، وشكر مولاه ، وتدفَّق لسانهُ بعباراتِ الشكوى وصادقِ النجوى وأحرِّ
الطلبِ ، ودعا وألحَّ وبكى ، وشكا وتظلَّم وتألَّم .




المآقي من الخطوبِ بكاءُ







والمآسي على الخدودِ ظِماءُ





وشفاهُ الأيامِ تلثمُ وجهاً







نَحَتَتْهُ الرعودُ والأنواءُ








اسمع سؤال النبي r مولاهُ
وإلهه ليلة نخلة ، إذْ يقول : (( اللهم إني أشكو إليك ضعْف قوتي وقِلَّة حيلتِي
وهواني على الناسِ ، أنت أرحمُ الراحمين، وربُّ المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من
تكِلُني ؟ إلى قريبٍ يتجهَّمُني ، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري ، إن لم يكن عليَّ
غَضَبٌ فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لُي ، أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له
الظلماتُ ، وصَلُحَ عليه أمرُ الدنيا والآخرةِ ، أن ينزلُ بي غَضَبُك ، أو يحلَّ
بي سخطُك ، لك العُتْبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بكَ ))
.



**********************************************


جوائز
للرعيل الأول






﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
.


هذه غايةُ ما يتمناه المؤمنين وما يطلبُه
الصادقون وما يحرصُ عليه المفلحون .. رضوانِ اللهِ . إن الرضا أجلُّ المطالبِ
وأنبلُ المقاصدِ وأسمى المواهبِ .



هنا في هذه الآية جاء رضا اللهِ ، بينما ذُكِر
في موضعٍ آخر الغفرانُ :
﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ
.وفي موطنٍ
ثانٍ التوبةُ :
﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
. وفي ثالثٍ العفوُ : ﴿ عَفَا اللّهُ
عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ
.


أما هنا : فالرضوان المحقَّقُ ،
لأنهم يبايعونك تحت الشجرةِ وعلم اللهُ ما في قلوبِهم ، فبيْعتُهم بيعةٌ لأرواحهم
الثمينةِ عندهم لتزهق لمرضاةِ الملكِ الحقِّ ، وبيعةٌ لأنفسهم النفيسةِ لتذهب
لمرضاةِ الواحدِ القهارِ ، وبيعةٌ لوجودهم وحياتهم ، لأنَّ في موتهم حياة للرسالة
، وفي قتلهم خلوداً للملة ، وفي ذهابِهم بقاءً للميثاقِ .



وعِلم ما في قلوبهم من الإيمانِ المكينِ
واليقينِ المتين ، والإخلاصِ الصافي والصدقِ الوافي ، لقد تعبُوا وسهرُوا ،
وجاعُوا وظمئُوا ، وأصابهم الضررُ والضيقُ ، والمشقةُ والضنى ، لكنه رضي عنهم .



لقد فارقُوا الأهل والأموال والأولاد والديار ،
وذاقُوا مرارة الفراقِ ولوعة الغربةِ ، ووعثاء السفرِ وكآبة الارتحالِ ، لكنه رضي
عنهم .



لقد شُرِّدوا وطُرِدُوا وفُرِّقُوا وتعِبُوا
وأُجهدُوا ، لكنَّه رضي عنهم .



هل جزاءُ هؤلاء المجاهدين والمنافحين عن الملةِ
: غنائمُ من إبل وبقرٍ وغنمٍ ؟ هل مكافأةُ هؤلاء المناضلين عن الرسالة الذابِّين
عن الدينِ : عُروضٌ ماليةٌ ؟ هل تظنُّ أنه يُبرِدُ غليل هؤلاءِ الصفوةِ المجتباةِ
والنخبةِ المصطفاةِ ، دراهمُ معدودةٌ أو بساتينُ غنَّاء أو دورٌ منمَّقةٌ ؟ لا .



يُرضيهم رضوانُ اللهِ ، ويُفرحُهم عفوُ اللهِ ،
ويُثلجُ صدورهم كلمةٍ :
﴿ وَجَزَاهُم بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً{12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا
يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً{13} وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ
ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً{14} وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ
مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ
قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً
.


****************************************


الرضا
ولو على جمْر الغضَا






خرج رجلٌ من بني عبْسٍ يبحثُ عن إبلِه التي
ضلَّتْ ، فذهب والتمسها ، ومكث ثلاثة أيامٍ في غيابِه ، وكان هذا الرجل غنياً ،
أعطاه اللهُ ما شاء من المالِ والإبلِ والبقرِ والغنمِ والبنين والبناتِ ، وكان
هذا المالُ والأهلُ في منزلٍ رحْبٍ على ممرِّ سيْلٍ في ديارِ بني عبس ، في رغدٍ
وأمنٍ وأمانٍ ، لم يفكرْ والدُهم ولم يفكرْ أبناؤه أن الحوادث قد تزورهم ، وأن
المصائب قد تجتاحُهم .




يا راقد الليلِ مسروراً بأوَّلِه







إنَّ الحوادث قد يطْرُقْنَ أسْحارا











نام الأهلُ جميعاً كبارُهم وصغارُهم ، معهم
أموالُهم في أرضٍ مستوية ، ووالدهم غائبٌ يبحثُ عن ضالَّتِه ، وأرسل اللهُ عليهم
سيْلاً جارفاً لا يلوي على شيءٍ ، يحملُ الصخور كما يحملُ التراب ، ومرَّ عليهم في
آخر الليلِ ، فاجتاحهم جميعاً ، واقتلع بيوتهم من أصلها ، وأخذ الأموال معه جميعاً
، وأخذ الأهل جميعاً ، وزهقتْ أرواحُهم من تدفُّقِ الماء ، وصارُوا أثراً بعد
عيْنٍ ، فكأنهم لم يكونوا ، صارُوا حديثاً يُتلى على اللسانِ .



وعاد الأبُ ثلاثةِ أيامٍ إلى الوادي ، فلم
يُحِسَّ أحداً ، ولم يسمعْ رافداً ، لا حيَّ ولا ناطق ولا أنيس ، المكانُ قاعٌ
صَفْصَفٌ ، يا اللهُ !! يا للدَّاهيةِ الدهياءِ !! لا زوجة لا ابن لا ابنة ، لا
ناقةَ لا شاةَ لا بقرة ، لا درهم لا دينار ، لا ثوب لا شيء ، إنها مصيبةٌ !!



وزيادةً في البلاء : إذا جملٌ منْ جمالِهْ قْد
شرد ، فحاول أنْ يدركه وأخذ بذيِله علَّة أن يجد رجلاً يقودُه إلى مكان يأوي إليه
، وبعد حينٍ ووقتٍ من هذا اليوم سمعه أعرابيُّ آخرُ ، فأتى إليه وقاده ، وذهب به
إلى الوليدِ بنِ عبدِالملك الخليفةِ في دمشق ، وأخبره الخَبَرَ ، فقالَ : كيف أنتَ
؟ قال : رضيتُ عن اللهِ .



وهي كلمةٌ كبيرةٌ عظيمةٌ ، يقولُها هذا المسلُم
الذي حَمَلَ التوحيد في قلبِه ، وأصبح آيةً للسائلين ، وعظِةً للمتَّعظين ، وعبرةً
للمعتبرين .



والشاهد : الرضا عن اللهِ .


والذي لا يرضى ولا يسلِّمُ للمقدّر ، فإن
استطاع أن يبتغي نفقاً في الأرض أو سُلَّماً في السماء، وإن شاء:
﴿فَلْيَمْدُدْ
بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ
مَا يَغِيظُ



********************************************


وقفــــــة





قال أبو عليِّ بنِ الشبل :






وإذا هممت فناجِ نفسك بالمُنى











وَعْداً فخيراتُ الجنانِ عِداتُ





واجعلْ رجاءك دُون يأسِك جُنَّةً












حتى تزول بهمَّك الأوقاتُ





واسترْ عن الجُلَساءِ بثَّك إنما












جلساؤُك الحُسَّادُ والشُّمَّاتُ





ودعِ التوقُّع للحوادثِ إنه












للحيِّ منْ قبلِ المماتِ مماتُ





فالهمُّ ليس لهُ ثباتٌ مثلِ ما












في أهلِهِ ما للسرورِ ثباتُ





لولا مغالطةُ النفوسِ عقولها








لم تصْفُ للمتيقظين حياةُ








*******************************************


اتخاذُ
القرار






﴿ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ
. ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ .


إن كثيراً منا يضطربُ عندما يريد أن يتخذ
قراراً ، فيصيبُه القلقُ والحيرةُ والإرباكُ والشكُّ ، فيبقى في ألمٍ مستمرٍ وفي
صداعٍ دائمٍ . إن على العبدِ أن يشاور وأن يستخير اللهَ ، وأن يتأمَّل قليلاً ،
فإذا غلب على ظنه الرأيُ الأصوبُ والمسلكُ الأحسنُ أقدم بلا إحجام ، وانتهى وقتُ
المشاورةِ والاستخارةِ ، وَعَزَم وتوكَّل ، وصمَّم وَجَزَم ، لينهي حياة التردُّد
والاضطرابِ .



لقد شاور r الناس وهو
على المنبر يوم أُحُد ، فأشاروا بالخروجِ، فلبس لأمته وأخذ سيفه ، قالوا : لعلَّنا
أكرهناك يا رسول الله ؟ لو بقيت في المدينةِ . قال : (( ما كان لنبي إذا لبس
لأمته أن ينزعها حتى يقضي اللهُ بينه وبين عدوِّهِ ))
. وَعَزَم
r على
الخروجِ .



إن المسألة لا تحتاجُ إلى ترددٍ ، بل إلى مضاءٍ
وتصميمٍ وعزمٍ أكيدٍ ، فإن الشجاعة والبسالة والقيادة في اتخاذِ القرارِ .



تداول r مع
أصحابِه الرأي في بدرٍ :
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ

، ﴿ وَأَمْرُهُمْ
شُورَى


،
فأشارُوا عليه فَعَزَم
r وأقدم ، ولم يلوِ
على شيءٍ .



إن التردٌّد فسادٌ في الرأيِ ، وبرودٌ في الهمَّةِ
، وَخَورٌ في التصميمِ وشَتاتٌ للجهدِ ، وإخفاقٌ في السَّيْرِ . وهذا التردُّدُ
مرضٌ لا دواء له إلا العزمُ والجزمُ والثباتُ . أعرفُ أناساً من سنواتٍ وهم
يُقدِمون ويُحجمون في قراراتِ صغيرةٍ ، وفي مسائل حقيرةٍ ، وما أعرفُ عنهم إلا روح
الشكِّ والاضطرابِ ، في أنفسِهم وفي من حولهم .



إنهم سمحوا للإخفاقِ أن يصل إلى أرواحِهم فَوَصَلَ
، وسمحُوا للتشتُّتِ ليزور أذهانهم فزار .



إنه يجب عليك بعد أن تدرس الواقعة ، وتتأمَّل
المسألة ، وتستشير أهل الرأي، وتستخير ربَّ السماواتِ والأرضِ ، أن تُقدِم ولا
تُحجِم ، وأن تُنْفِذ ما ظهر لك عاجلاً غير آجلٍ .



وقف أبو بكر الصدِّيق يستشيرُ الناس في حروبِ
الردةِ ، فأشار الناسُ كلهم عليه بعدمِ القتالِ ، لكنَّ هذا الخليفة الصدِّيق
انشرح صدرُه للقتالِ ، لأن هذا إعزازٌ للإسلامِ ، وقطْعٌ لدابر الفتنةِ ، وسحقٌ
للفئاتِ الخارجةِ على قداسةِ الدينِ ، ورأى بنورِ اللهِ أن القتال خيرٌ ، فصمَّم
على رأيه ، وأقسم : والذي نفسي بيدهِ ، لأُقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ
، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه لرسولِ الله
r لقاتلتُهم عليه .
قال عمر : فلما علمتُ أن الله شرح صدر أبي بكر ، علمتُ أنه الحقُّ . ومضى وانتصر
وكان رأيهُ الطيب المبارك ، الصحيح الذي لا لُبْس فيه ولا عِوَجَ .



إلى متى نضطربُ ؟ وإلى متى نراوحُ في أماكنِنا ؟
وإلى متى نتردَّد في اتخاذِ القرارِ ؟







إذا كنت ذا رأي فكنْ ذا عزيمةٍ







فإنَّ فساد الرأي أنْ تتردَّدا











إنَّ منْ طبيعةِ المنافقين إفشال الخطَّةِ
بكثرةِ تكرارِ القولِ ، وإعادةِ النظرِ في الرأي :
﴿لَوْ
خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ
. ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ
لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ
أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
.


إنهم يصطحبون « لو
» دائماً ، ويحبون « ليت » ويعشقون « لعلَّ » فحياتُهم مبنيةٌ على التسويقِ ، وعلى
الإقدامِ والإحجامِ ، وعلى التذبذبِ ،
﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ
إِلَى هَـؤُلاء
.


مرةً معنا ومرةً معهم ، مرةً هنا ومرةً هناك .


كما في الحديثِ : (( كالشاة العائرةِ بين
القطيعين من الغنمِ ))
وهو يقولون في أوقاتِ الأزماتِ :
﴿ لَوْ نَعْلَمُ
قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ
. وهم كاذبون على اللهِ ، كاذبون على أنفسهم ،
فهم يسرون وقت الأزمةِ ، ويأتون وقت الرخاءِ وأحدُهم يقول :
﴿ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي .
إنه لم يتخذ إلا قرار الإخفاقِ والإحباطِ . ويقولون في الأحزابِ :
﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ . ولكنَّه
التخلصُ من الواجبِ ، والتملُّصُ من الحقِّ المبينِ .



*******************************************


اثبتْ
أُحُـدُ



إنَّ منْ طبيعِة المؤمنِ : الثبات والتصميم
والجزم والعزم ،
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا
، أما
أولئك :
﴿ فَهُمْ فِي
رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
، وفي قرارِهم يضطربون
، وعلى أدبارِهم ينكصون ، ولعهودِهم ينقضون . إن عليك أيُّها العبدُ إذا لمع بارقُ
الصوابِ ، وظهر لك غالبُ الظنِّ ، وترجَّح لديك النفعُ ، أن تُقدِم بلا التواءٍ
ولا تأخُّرٍ .




اطَّرحْ ليتاً وسوفاً ولعلْ







وامضِ كالسيف على كفِّ البطلْ








لقد تردَّدَ رجلٌ في طلاق زوجته التي أذاقْته
الأمرَّيْن ، وذهب إلى حكيمٍ يشتكيه ، قال: كم لك من سنة مع هذه الزوجةِ ؟ قال :
أربع سنواتٍ . قال : أربع سنواتٍ وأنت تحتسي السُّمَّ ؟!



صحيحٌ أن هناك صبراً وتحمُّلاً وانتظاراً ، لكن
إلى متى ؟ إن الفطِن يعلمُ أن هذا الأمرين يتمُّ أو لا يتمُّ ، يصلحُ أو لا يصلحُ
، يستمرُّ أو لا يستر ، فْليتخذْ قراراً .



والشاعرُ يقولُ :



وعلاجُ ما لا تشْتهِيـ







ـهِ النفسُ تعجلُ الفراقِ








والذي
يظهرُ من السِّيرِ واستقراءِ أحوالِ الناسِ ، أن الإرباك والحيرة يأتيهم في مواقف
كثيرةٍ ، لكن غالب ما يأتيهم في أربعِ مسائل :



الأولى : في الدراسةِ واختيارِ
التخصُّصِ ، فهو لا يدري أيَّ قسم يسلكُه ، فيبقى في ذلك فترةً . وعرفتُ طُلاَّباً
ضيَّعُوا سنواتٍ بسبب تردُّدِهم في الأقسامِ ، وفي الكلياتِ ، فيبقى بعضهم متردداً
قبل التسجيل ، حتى يفوته التسجيلُ ، وبعضُهم يدخلُ في قسمٍ سنةً أو سنتين ، فيرتضي
الشريعة ثم يرى الاقتصاد ، ثم يعودُ إلى الطبِّ ، فيذهبُ عمرُ شَذَرَ مَذَرَ .



ولو أنه درس أمره وشاور واستخار الله في أولِ
أمرِهِ ، ثم ذهب لا يلوي على شيء ، لأحرز عمره وصان وقته ، ونال ما أراد من هذا
التخصُّصِ .



الثانية : العملُ المناسبُ ،
فبعضهم لا يعرفُ ما هو العمل الذي يناسبُه ، فمرةً يعتنقُ وظيفةً ، ثم يتركُها
ليذهب إلى شركةٍ ، ثم يهجرُ الشركة إلى عمل تجاري بحتٍ ، ثم يحصلُ على العدمِ
والإفلاسِ والفقرِ ثم يلزمُ بيته مع صفوفِ العاطلين .



وأقولُ لهؤلاءِ : من فُتح له بابُ رزقٍ
فلْيلزمْهُ ، فإنَّ رزقه منْ هذا المكانِ ، ومنْ لزم باباً أُوتي سهولته وفَتْحه
وحكمته .



الثالثة : الزواجُ ، وأكثرُ ما
يأتي الشباب الحيرةُ والاضطرابُ في مسألةِ اختيارِ الزوجةِ ، وقد يدخلُ رأي
الآخرين في الاختيارِ ، فالوالدُ يرى لولدهِ امرأةً غير التي يراها الابنُ أو التي
تراها الأمُّ ، فربما وافق الابنُ رغبة والدِه ، فيحصلُ ما لا يريدُه ، وما يحبَّه
، وما لا يقدمُه .



ونصيحتي لهؤلاءِ أن لا يُقدمُوا في مسألة
الزواجِ بالخصوصِ إلا على ما يرتاحون إليه في جانبِ الدين والحُسْنِ والموافقةِ ،
لأن المسألة مسألةُ مصيرِ امرأةٍ لا مكان للمجازفةِ بها .



الرابعة : تأتي الحيرةُ والاضطرابُ
في مسألةِ الطلاقِ ، فيوماً يرى الفراق ويوماً يرى المعايشة ويوماً يرى أن يُنهي
المعايشة ، وآخر يرى أن يقطع الحبْل ، فيصيبه من الإعياء ، وحُمَّى الروحِ ،
وفسادِ الرأي ، وتشتُّتِ الأمرِ ، ما اللهُ به عليمٌ .



إن على العبدِ أن يُنهي هذه الضوائق النفسية بقرارِه
الصارمِ ، إن العمر واحدٌ ، وإن اليوم لن يتكرَّر ، وإن الساعة لن تعود ، فعليه أن
يعيشها سعادةً يشارك فيها بنفسِه ، يشاركُ بنفسِه في استجلابِ هذه السعادةِ ،
وتأتي هذه السعادةُ باتخاذِ القرارِ . إن العبد المسلم إذا همَّ وعزم وتوكل على
اللهِ بعد أن يستخير ويُشاوِر ، صار كما قال الأول :




إذا همَّ ألقى بين همَّيْه عينهُ







وأعرض عن ذكْرِ العواقبِ جانبا








إقدامٌ
كإقدام السيل ، ومضاءٌ كمضاءِ السيفِ ، وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ ، وانطلاقٌ
كانطلاقِ الفجرِ ،
﴿ فَأَجْمِعُواْ
أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ
اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ
.


***********************************************


كما
تدين تُدان






عجباً لنا ! نريدُ من الناسِ أن يكونوا حلماء
ونحنُ نغضبُ ، ونريدُ منهم أن يكونوا كرماء ونحن نبخلُ ، ونريد منهم الوفاء بحسن
الإخاءِ ، ونحن لا نؤدي ذلك .




تُريدُ مهذَّباً لا عيب فيهِ







وهل عُودٌ يفوحُ بلا دُخانِ








وقالوا : من لأخيك كلِّه .


وقال آخر :



ولست بِمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ







على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذَّبُ








وقال ابنُ الروميُّ :



ومِنْ عجبِ الأيامِ أنَّك تبتغي الـ







ـمهذَّب في الدنيا ولست مُهذَّبا








*************************************************


وقفــــةٌ





قال إيليا أبو ماضي :



أيُّها الشاكي وما بك داءٌ











كيف تغدو إذا غدوت عليلا





إنَّ شرَّ الجُناةِ في الأرض نفسٌ












تتوقَّى ،قبل الرحيلِ الرَّحيلا





وترى الشَّوْك في الورودِ، وتعمْى












أن ترى فوقها الندى إكليلا





هو عبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ












مَنْ يظُنُّ الحياة عبئاً ثقيلا





والذي نفسُهُ بغير جمالٍ












لا يرى في الوجودِ شيئاً جميلا





فتمتَّعْ بالصُّبحِ ما دُمت فيهِ












لا تخفْ أنْ يزول حتى يزُولا





وإذا ما أظلَّ رأْسك همٌّ












قصِّر البحث فيه كيْلا يطُولا





أدركتْ كُنْهَهَ طيورُ الرَّوابي












فمِن العارِ أن تظلَّ جهُولا





ما تراها والحقلُ مِلْكُ سواها








تخِذتْ فيه مَسْرَحاً ومقيلا








**********************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
ضريبةُ
الكلامِ الخلاَّبِ






إنّ سعادتنا تكملُ في قيامِنا بواجبنا مع
خالقِنا ، ثم مع خلْقِه ، مع اللهِ ثم مع الإنسانِ . إن الكلام سهلٌ نطقُه
وتجبيرُه وزخرفتُه ، لكن الأصعب من ذلك صياغتُه في مُثُلٍ عليا من الصفاتِ
الحميدةِ والأعمالِ الجليلةِ
﴿ أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ
أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
.


إنَّ الآمر بالمعروفِ التارك له ، والناهي عن
المنكرِ الفاعل له ، يُوضعُ – كما في الحديث الصحيح – يوم القيامةِ في النارِ ،
فيدورُ بأمعائِه كما يدورُ الحمارُ برحاهُ ، فيسأله أهلُ النارِ عن سرِّ هلاِكه ،
فقال : كنتُ آمرُكم بالمعروفِ ولا آتيهِ ، وأنهاكُم عن المنكرِ وآتيةِ .




يا أيُّها الرجلُ المعلِّمُ غَيرهُ







هلاَّ لنفسِك كان ذا التعليمُ








وقف الوعظُ الشهيرُ أبو معاذ الرازي فبكى وأبكى
الناس ، ثم قال :




وغيرُ نقيِّ يأمرُ الناس بالتقى







طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليلٌ








كان بعضُ السلفِ إذا أراد أن يأمر الناس
بالصدقةِ ، تصدَّق هو أولاً ، ثم أمرهم ، فاستجابُوا طواعيةً .



وقرأتُ أن واعظاً في عهدِ القرونِ المفضَّلةِ ،
أراد أن يأمر الناس بالعِتْقِ ، وقد طلب منه كثيرٌ من الرقيق أن يسأل الناس ذلك ،
فجمع نقوداً في وقتٍ طويل ثم أعتق رقبةً ، ثم أمَّ فأمرَ بالعِتْق ، فاقتدى الناسُ
وأعتقُوا رقاباً كثيرة .



**********************************


الراحةُ
في الجنَّةِ






﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ
.


يقولُ أحمدُ بنُ حنبلَ ، وقد قيل له : متى الراحةُ
؟ قال : إذا وضعت قدمك في الجنةِ ارتحت .



لا راحة قبل الجنةِ ، هنا في الدنيا إزعاجاتُ
وزعازعُ وفتنٌ وحوادثُ ومصائبُ ونكباتُ ، مَرَضٌ وهمٌّ وغمُّ وحزنٌ ويأسٌ .




طُبِعَتْ على كدرٍ وأنت تريدُها







صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ








أخبرني زميلُ دراسةٍ من نيجيريا ، وكان رجلاً
صاحب أمانةٍ ، أخبرني أن أمَّه كانت تُوقظُه في الثلثِ الأخير ، قال : يا أمَّاهُ
، أريد الراحة قليلاً . قالت : ما أوقظك إلا لراحتِك ، يا بني إذا دخلت الجنة
فارتحْ .



كان مسروقٌ – أحدُ علماءِ السلفِ – ينامُ
ساجداً ، فقال له أصحابهُ : لو أرحت نفسك . قال : راحتها أريدُ .



إن الذين يتعجَّلون الراحة بتركِ الواجبِ ،
إنما يتعجَّلون العذاب حقيقةً .



إنَّ الراحةً في أداءِ العمل الصالحِ ، والنفعِ
المتعدِّي، واستثمارِ الوقتِ فيما يقرِّبُ من اللهِ .



إنَّ الكافر يريدُ حظَّه هنا ، وراحتَهُ هنا ،
ولذلك يقولون :
﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ
الْحِسَابِ

.


قال بعضُ المفسِّرين : أي : نصيبنا من الخَيْرِ
وحظَّنا من الرزقِ قبل يومِ القيامةِ .



﴿ إِنَّ هَؤُلَاء
يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ
،
ولا يفكِّرون في الغدِ ولا في المستقبلِ ، ولذلك خسرُوا اليوم والغد ، والعمل
والنتيجة ، والبداية والنهاية .



وهكذا خُلقتِ الحياةِ
، خاتمتُها الفناءُ فهي شربٌ مكدَّرٌ ، وهي مزاجٌ ملوَّن لا تستقرُّ على شيء ،
نعمةٌ ونقمةٌ ، شدَّةٌ ورخاءٌ ، غنىً وفقرٌ .



هذه هي النهاية :


﴿ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ
مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ

.


**********************************************


وقفـــــةٌ





قال إيليا أبو ماضي :




كمْ تشتكي وتقولُ
إنك معُدِمُ











والأرضُ ملكُك
والسما والأنجُمْ؟





ولك الحقولُ
وزهرُها وأريجُها












ونسيمُها والبُلْبلُ
المترنِّمُ





والماءُ حولك
فضَّةٌ رقْراقةٌ












والشمسُ فوقك
عسْجدٌ يتضرَّمُ





والنورُ يبني في
السُّفوح وفي الذُّرا












دوراً مزخرفةً
وحيناً يهْدِمُ





هشَّتْ لك الدنيا
فما لك واجماً ؟












وتبسَّمتْ فعلام لا
تتبسَّمُ ؟





إن كنت مكتئباً
لعزٍّ قد مضى












هيهات يُرجعُه إليك
تَنَدُّمُ





أو كنت تُشفقُ من
حلولِ مصيبةٍ












هيهات يمنعُ أنْ
يحِلَّ تجهُّمُ





أو كنت جاوزت
الشباب فلا تقلْ












شاخ الزمانُ فإنه
لا يَهْرَمُ





انظرْ فما زالتْ
تُطِلُّ من الثَّرى








صورٌ تكادُ لحِسْنِها
تتكلَّمُ








**************************************************


الرِّفْقُ يُعينُ على حصولِ المقصودِ





مرَّتْ آثارٌ ونصوصٌ
في الرفقِ ، والرفقُ شفيعٌ لا يُرَدُّ في طلبِ الحاجاتِ ، ولك أن تعلم أن الطريق
الضيق بين جدارين ، الذي لا يتسع إلا لمرور سيارةٍ واحدةٍ فَحَسْبُ ، لا تدخلُها
هذه السيارة إلا برفقٍ من قائدِها وحذرٍ وتوقٍّ ، بينما لو أقبل بها مسرعاً وأراد
المرور من هذا المكان الضيقِ لاصطدم يمْنةً وَيسْرَةً وتعطلتْ سيارتُه ، والطريقُ
لم يزِد ولم ينقصْ ، والسيارةُ هي هي ، لكنَّ الطريقة هي التي اختلفت، تلك برفقٍ
وهذه بشدَّةٍ . والشجرةُ الصغيرةُ التي نغرسُها في حوضِ فناءِ أحدِنا ، إذا سكبت
عليها الماء شيئاً فشيئاً تشربُ منه وينفعُها ، فإذا أخذت كميةً من هذا الماء
بعينهِ وحجْمه وألقيته دفعةً واحدة لاقتلعت هذه النبتة من مكانِها ، إن كمية
الماءِ واحدةٌ ولكن الأسلوب تغيَّر .



إن منْ يخلعُ ثوبه برفقٍ
يضمنُ سلامة ثوبِه ، خلاف من يجذِبُه بقوةٍ ويسحبُه بسرعةٍ ، فإنه يشكو من تقطُّعِ
أزرارِه وتمزُّقِهِ .



ومن اللطائف في
انكشافِ عَدَمَ صدقِ إخوةِ يوسف في مجيئِهم بثوبِهِ ، وزعْمِهم أن الذئب أكله :
أنهم خلعُوا الثوب برفق فلم يحصل فيه شقوقٌ ، ولو أكله الذئبُ كما زعموا لمزَّق
الثوب كلَّ ممزَّقٍ ، ولم يخلْعْه خلْعاً .



إن حياتنا تحتاجُ إلى
رفقٍ نرفقُ بأنفسِنا : (( وإن لنفسِك عليك حقاً )) . نرفقُ بإخواننا : ((
إن الله رفيق يحب الرفق ))
. نرفقُ بالمرأةِ : (( رفقاً بالقواريرِ ))
.



على الجسورِ الخشبيِة
التي بناها الأتراكُ على ممراتِ الأنهارِ ، مكتوبٌ في أول الجسرِ : رفقاً رفقاً .
لأن المارَّ بهدوءٍ لا يسقطُ ،أما المسرعُ فجديرُ أن يهوي إلى مستقرِّ النهر .



وفي مذكّراتٍ لأديب
سوريٍّ كان يسكنُ في مدينة
« السلمية » ، وله
درَّاجةٌ ناريةٌ ، أراد أن يعبر بها على جسر بناه الأتراكُ من الخشبِ على النهرِ ،
وهم بنوْه لمن أراد أن يمشي بدراجته متئداً متأنياً ، قال هذا الرجل : فذهبتُ
مسرعاً على جسري ، فلما أصبحتُ من أعلى الجسرِ متوسِّطاً النهر ، نظرتُ يَمْنَةً
ويَسْرَةً ، وأنا لم أرفقْ بنفسي ولا بدراجتي فاضطربتْ بي واختلَّ نظري ، فوقعتُ
بدراجتي في النهرِ ... وكانت قصةً طويلة .



إنَّ على مداخلِ
حدائقٍ الزهورِ والورود في بعضِ مدنِ أوروبة : لوحةٌ مكتوب فيها : «تَرَفَّقْ» ،
لأن الداخل مسرعاً لا يرى ذاك النبت الجميل ولا يضمنُ سلامة ذاك الوردِ الباهي ،
فيحصل الدعس والدفس والإبادة ، لأنه ما رفق ولا تأنَّى .



هناك معادلة تربوية
تقول : إن العصفور تربوية تقول : إن العصفور لا يترفَّقُ كالنحلة . وفي الحديث : ((
المؤمنُ كالنحلة ، تأكلُ طيباً وتضعُ طيباً ، وإذا وقعتْ على عُودٍ لم تكسْرِه ))
.
فالنحلة لا تُحِسُّ بها الزهرةُ أبداً ، وهي تعلقُ الرحيق بهدوء ، وتنالُ مطلوبها
برفقٍ . والعصفورُ على ضآلةِ جسمِه يخبرُ الناس بنزولِه على سنابل ، فإذا أراد
النزول سقط سقوطاً ، ووثب وثْباً .



ولا أزالُ أذكرُ قصة الرسَّام الهنديِّ ، وقد
رسم لوحةً بديعة الحسنِ ملخَّصها : سنبلةُ قمح عليها عصفورٌ قد وقع ، وهذه السنبلة
مليئةٌ بالحبِّ ، مترعرعةُ النموِّ ، باسقةُ الطولِ ، وعلَّقها الملِكُ على جدارِ
ديوانِه ، ودخل الناسُ يهنِّئون الملك بهذه اللوحةِ ويشكرون الرسَّام على حسنِها ،
ودخل رجلٌ فقيرٌ مغمورٌ في وسطِ الزحامِ فاعترض على اللوحةِ ، وأخبرَ أنها خطٌأ ،
وضجَّ الناسُ به وصجُّوا ، لأنه خالف الإجماع، فاستدعاه الملكُ برفقٍ وقال : ما
عندك؟ قال : هذه اللوحةُ خطٌأ رسمُها ، وَغَلطٌ عرْضها . قال : ولِمَ ؟ قال :
لأنَّ الرسام رسمَ العصفور على السنبلةِ وترك السنبلة مستقيمةً ممتدةً ، وهذا خطٌأ
، فإنِّ العصفور إذا نزل على سنبلة القمحِ أمالها، وأخضعها ، لأنه ثقيلٌ لا يملكُ
الرفق . قال الملكُ : صدقت . وقال الناسُ: صدقت . وأنزل اللَّوْحة ، وسُحبت
الجائزةُ من الرسامِ .



إنَّ الأطباء
يُوصون بالرفقِ في تناولِ العلاجِ ، وفي مزاولةِ العملِ والأخذِ والعطاءِ .



فذاك يقلعُ ظفْره
بيده ، وذاك يباشرُ سِنِّه بنفسِه ، وآخر يَغُصُّ باللقمة ، لأنه أَكَبرَها وما
أحسن مضْغها .



إن الماء يترفَّقُ
، وإن الريح تُزمجرُ فتدمِّرُ . قرأتُ لبعضِ السلفِ أنه قال : إن مِن فِقْهِ الرجل
رِفْقَهُ في دخولِه وخروجِه منه ، وارتداءِ ثوبِه وخَلْعِ نعلِه وركوبِ دابتهِ .



إن العَجَلةَ
والهوجَ والطيْشَ في أخذ الأمورِ وتناولِ الأشياء ، كَفِيلةٌ بحصولِ الضررِ
وتفويتِ المنفعِة ، لأن الخَيْرَ بُني على الرفقِ : (( ما كان الرفقُ في شيء
إلاَّ زانه ، وما نُزع الرفقُ من شيء إلاَّ شانهُ ))
.



إنَّ الرفق في
التعاملِ تُذعنُ له الأرواحُ ، وتنقادُ له القلوبُ ، وتخشعُ له النفوسُ .



إن الرفيق من
البشرِ مِفتاحٌ لكلِّ خَيْرٍ ، تستسلمُ له النفوسُ المستعصية ، وتثوبُ إليه
القلوبُ الحاقدةُ ،
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ
الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ

.


*******************************************


وقفــــةٌ





طه حسين يتحدَّثُ
بصيغةِ الغائب :



« كان يرى نفسه
إنساناً من الناسِ وُلد كما يُولدون ، وعاش كما يعيشون ، يقسِّم الوقت والنشاط
فيما يقسِّمون فيه وقتهم ونشاطهم ، ولكنه لم يكنْ يأنسُ إلى أحدٍ ، ولم يكنْ
يطمئنُّ إلى شيء ، قد ضُرِب بينه وبين الناسِ والأشياء حجابٌ ظاهرُه الرضا والأمنُ
، وباطنُه من قِبَلِه السخطُ والخوفُ والقلقُ واضطرابُ النفسِ ، في صحراء موحشة لا
تحدُّها الحدودُ ، ولا تقومُ فيها الأعلام ، ولا يتبيَّن فيها طريقه التي يمكنُ أن
يسلكها ، وغايته التي يمكن أن ينتهي إليها »
.


يقولُ شيخُ الإسلامِ
ابنُ تيميةَ :
« إنها تمرُّ بالقلبِ لحظاتٌ من السرور أقول : إن كان
أهلُ الجنة في مِثْلِ هذا العيش ، إنَّهم لفي عيشٍ طيِّبٍ » .



وقال إبراهيم بن
أدهم : « نحن في عيش لو علم به الملوكُ لجالدونا عليه بالسُّيوفِ »
.

************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
حتى تكون أسعد الناس





· الإيمانُ يُذْهِبُ الهموم ,ويزيلُ الغموم , وهو قرةُ
عينِ الموحدين , وسلوةُ العابدين .



· ما مضى فاتَ , وما ذهبَ ماتَ ,فلا تفكرْ فيما مضى , فقد
ذهب وانقضى .



· ارض بالقضاءِ المحتومِ , والرزقِ المقسومِ , كلُّ شيءٍ
بقدرٍ ، فدعِ الضَّجَرَ .



· ألا بذكر اللهِ تطمئنُّ القلوبُ , وتحطُّ الذنوبُ , وبه
يرضى علاّمُ الغيوبِ , وبه تفرجُ الكروبِ .



· لا تنتظرْ شكراً
من أحدٍ , ويكفي ثواب الصمدِ , وما عليك ممَّنْ جحدَ , وحقدَ, وحسدَ.



· إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساء , وعشْ في حدودِ اليومِ ,
وأجمعْ همَّك لإصلاحِ يومِك .



· اتركِ المستقبلَ حتى يأتي , ولا تهتمَّ بالغدِ ؛ لأنك
إذا أصلحت يومك صلح غَدُكَ .



· طهِّرْ قلبك من الحسدِ, ونقِّهِ من الحقدِ , وأخرجْ منه
البغضاء , وأزلْ منه الشحناءَ.



· اعتزلِ الناس إلا من خيرٍ , وكن جليس بيتِك , وأقبلْ
على شأنِك , وقلِّلْ من المخالطةِ .



· الكتابُ أحسنُ الأصحابِ , فسامرِ الكتب , وصاحبِ
العِلْمَ , ورافقِ المعرفة .



· الكونُ بُني على النظامِ , فعليك بالترتيبِ في ملبسِك
وبيتِك ومكتبِك وواجبِك .



· اخرجْ إلى الفضاءِ , وطالعِ الحدائق الغناء وتفرَّجْ في
خَلْقِ الباري وإبداعِ الخالقِ .



· عليك بالمشي والرياضةِ , واجتنبِ الكَسَلَ والخمولَ,
واهجرِ الفراغَ والبطالةَ .



· اقرأ التاريخَ ، وتفكرْ في عجائبهِ ، وتدبْر غرائبَه
واستمتعْ بقصصِه وأخبارِه .



· جدِّدْ حياتَك , ونوِّعْ أساليبَ معيشتِك , وغيِّرْ من
الروتينِ الذي تعيشُه .



· اهجر المنبهاتِ والإكثار منها كالشاي والقهوةِ, واحذرِ
التدخين والشيشةَ وغَيْرَها.



· اعتنِ بنظافة ثوبِك وحسنِ رائحتِك وترتيبِ مظهرِك مع
السواكِ والطيبِ .



· لا تقرأْ بعض الكتبِ التي تربِّي التشاؤمَ والإحباطَ
واليأسَ والقنوطَ .



· تذكرْ أن ربَّك واسعُ المغفرةِ يقبلُ التوبة ويعفو عن
عباده , ويبدلُ السيئاتِ حسناتٍ .



· اشكرُ ربَّك على نعمةِ الدينِ والعقلِ والعافيةِ
والسِّتْرِ والسمعِ والبصرِ والرزقِ والذريةِ وغيرِها .



· ألا تعلمُ أن في الناس من فَقَدَ عقله أو صِحَّتَه أو
هو محبوسٌ أو مشلولٌ أو مبتلًى ؟! .



· عشْ مع القرانِ حفظاً وتلاوةٌ وسماعاً وتدبراً فإنه من
أعظمِ العلاجِ لطردِ الحزنِ والهمَّ .



· توكلْ على اللهِ وفوِّضْ الأمرَ إليه , وارضَ بحكمِه ,
والجأ إليه , واعتمْد عليه فهو حَسْبُك وكافيكَ .



· اعفُ عمَّنْ ظلَمَك , وصلْ من قطعَك , وأعطِ من حرمَك ,
واحلمْ على من أساءَ إليكَ تجدِ السرورَ والأمنَ .



· كَرِّرْ «لا
حولَ ولا قوَة إلا باللهِ »
فإنها
تشرحُ البالَ وتصلح الحالَ , وتُحمل بها الأثقالُ , وترضي ذا الجلال .



· أكثر من الاستغفارِ , فمعَه الرزقُ والفرجُ والذريةُ
والعِلْمُ النافعُ والتيسيرُ وحطُّ الخطايا .



· اقنعْ بصورتِك وموهبتِك ودخلِك وأهلِك وبيِتك تجدِ
الراحةَ والسعادةَ .



· اعلم أن مع العسرِ يسراً ، وأن الفرجَ مع الكَرْبِ وأنه
لا يدومُ الحالُ ، وأن الأيامَ دولٌ .



· تفاءلْ ولا تقنطْ ولا تيأسْ , وأحسن الظنَّ بربِّك
وانتظرْ منه كلَّ خيرٍ وجميلِ .



· افرحْ باختيارِ اللهِ
لك , فإنك لا تدري بالمصلحِة فقد تكونُ الشدةُ لك خيْراً من الرخاء .



· البلاءُ يقرِّبُ بينك وبين اللهِ ويعلِّمك الدعاء
ويذهبُ عنك الكِبْرَ والعُجْبَ والفَخْرَ .



· أنت تحملُ في نفسِك قناطير النعم وكنوز الخيرات التي
وهبك الله إياها .



· أحسن إلى الناس وقدمِ الخير للبشرِ ؛ لتلقى السعادة من
عيادةِ مريضٍ وإعطاءِ فقيرٍ والرحمةِ بيتيمٍ .



· اجتنبْ سوء الظنِّ ، واطرحِ الأوهامَ ، والخيالاتِ
الفاسدةَ ، والأفكارَ المريضةَ .



· اعلم أنك لستَ الوحيدَ في البلاءِ , فما سَلِمَ من
الهمِّ أحدٌ , وما نجا من الشدةِ بَشَرٌ .



· تيقَّن أن الدنيا دارُ محنٍ وبلاءٍ ومنغِّصاتٍ وكدرٍ
فاقبلْها على حالِها واستعنْ باللهِ .



· تفكرْ فيمن سبقوك في مسيرةِ الحياةِ ممَّن عُزِلَ
وحُبِسَ وقتلَ وامْتُحِنَ وابتليَ ونكبَ وصودرَ .



· كل ما أصابك فأجرُه على اللهِ من الهمِّ والغمِّ
والحزنِ والجوعِ والفقرِ والمرضِ والدَيْنِ والمصائبِ .



· اعلمْ أن الشدائد تفتحُ الأسماع والأبصار وتحيي القلبَ
، وتردعُ النفسَ ، وتذكر العبدَ وتزيد الثوابَ .



· لا تتوقعِ الحوادثَ , ولا تنتظر السوءَ, ولا تصدقِ
الشائعاتِ , ولا تستسلمْ للأراجيفِ .



· أكثرُ ما يُخافُ لا يكونُ , وغالبُ ما يُسمع من مكروهٍ
لا يقعُ , وفي اللهِ كفايةٌ وعنده رعايةٌ ومنه العَوْنُ .



· لا تجالسِ البُغضاءَ والثُقلاءَ والحَسَدَة فإنهم
حُمَّى الروحِ , وهمْ رُسُلُ الكَدَرِ وحملةُ الأحزانِ .



· حافظْ على تكبيرة الإحرامِ جماعةً , وأكثرِ المُكْثَ في
المسجدِ , وعوِّد نفسَك المبادرةَ للصلاةِ لتجدَ السرورَ .



· إياك والذنوبَ , فإنها مصدرُ الهمومِ والأحزانِ ، وهي
سبب النكباتِ ، وبابُ المصائبِ والأزماتِ .



· داومْ على ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾
. فلها سرٌّ عجيبٌ في كشف الكْربِ , ونبأٌ
عظيمٌ في رفعِ المحنِ .



· لا تتأثْر من القولِ القبيحِ والكلامِ السيئِ الذي يقال
فيك ، فإنه يؤذي قائلَه ولا يؤذيك .



· سَبُّ أعدائك لك وشتمُ حسّادِك يساوي قيمتَك ؛ لأنك أصبحتَ
شيئاً مذكوراً ، ورجلاً مهماً .



· اعلمْ أن من اغتابك فقد أهدَى لك حسناتِه ، وحطَّ من
سيئاتِك ، وجعلَك مشهوراً، وهذه نعمةٌ .



· لا تشدِّدْ على نفسِك في العبادةِ , والزمِ السنةَ
واقتصدْ في الطاعةِ , واسلكِ الوسطَ وإياكَ والغُلُوَّ .



· أخلصْ توحيدك لربك لينشرحَ صدرُك , فبقدرِ صفاءِِ
توحيدِك ونقاءِ إخلاصِك تكونُ سعادتُك .



· كن شجاعاً قويَّ القلبِ ، ثابتَ النفسِ ، لديك همةٌ
وعزيمةٌ , ولا تغرنَّك الزوابعُ والأراجيفُ .



· عليك بالجود فإن صدرَ الجوادِ منشرحٌ وباله واسعٌ ،
والبخيلُ ضيقُ الصدرِ ، مظلمُ القلبِ ، مكدرُ الخاطرِ .



· أبسط وجهَك للناسِ تكسبْ ودَّهم , وألنْ لهم الكلامَ
يحبوك , وتواضْع لهم يجلّوك .



· ادفع بالتي هي أحسنُ , وترفقْ بالناسِ , وأطفئِ
العداواتِ , وسالمْ أعداءُك , وكثّر أصدقاءَكَ .



· من أعظم أبوابِ السعادةِ دعاءُ الوالدين , فاغتنمْه
ببرِّهما ليكون لك دعاؤهما حصناً حصيناً من كلِّ مكروهٍ .



· اقبل الناس على ما هم عليه وسامحْ ما يبدرُ منهم , واعلمْ
أن هذه هي سنة اللهِ في الناسِ والحياةِ .



· لا تعشْ في المثاليّاتِ بل عشْ واقعَك , فأنت تريدُ من
الناسِ ما لا تستطيعه فكنْ عادلاً.



· عشْ حياة البساطةِ وإياكَ والرفاهيةَ والإسراف
والبَذْخَ فكلما ترفَّهَ الجسمُ تعقَّدتِ الروحُ .



· حافظْ على أذكارِ المناسباتِ فإنها حفظُ لك وصيانةٌ ,
وفيها من السدادِ والإرشادِ ما يصلحُ به يومُكَ .



· وزّعِ الأعمالَ ولا تجمعْها في وقتٍ واحدٍ ، بل اجعلْها
في فتراتٍ وبينها أوقاتُ للراحةِ ليكنْ عطاؤُك جيداً .



· انظرْ إلى من هو دونك في الجسمِ والصورةِ والمالِ
والبيتِ والوظيفةِ والذريةِ ، لتعلمَ أنك فوقَ ألوفِ الناسِ .



· تيقّنْ أن كل من تعاملُهم من أخٍ وابنٍ وزوجةٍ قريبٌ
وصديقٌ لا يخلو من عيبٍ، فوطِّنْ نفسَك على تقبلِ الجميعِ .



· الزمِ الموهبة التي أعطيتها، والعلمَ الذي ترتاحُ له،
والرزقَ الذي فُتِح لك ، والعمل الذي يناسبُك.



· إياك وتجريح الأشخاصِ والهيئاتِ، وكن سليمَ اللسانِ
،طيبَ الكلامِ ، عَذْبَ الألفاظِ ، مأمونَ الجانبِ .



· اعلمْ أن الاحتمالَ دفنٌ للمعائب ،والحلمَ سترٌ للخطايا
, والجودَ ثوبٌ واسعٌ يغطي النقائصَ والمثالبَ .



· انفردْ بنفسِك ساعةً تدبِّرُ فيها أمورك ، وتراجعُ فيها
نفسك ، وتتفكرْ في آخرتِك ، وتصلحُ بها دنياك .



· مكتبتُك المنزليةُ هي بستانُك الوارفُ , وحديقتُك
الغنَّاءُ ,فتنزَّهْ فيها مع العلماءِ والحكماءِ والأدباءِ والشعراءِ .



· اكسبِ الرزقَ الحلالَ وإياكَ والحرامَ , واجتنبْ سؤالَ
الناسِ , والتجارةُ خَيْرٌ من الوظيفةِ , وضاربْ بمالِكِ واقتصدْ في المعيشةِ .



· البسْ وسطاً , لا لباسَ المترفين ولا لباسَ البائسين ,
ولا تُشهرْ نفسَك بلباسٍ , وكْن كعامةِ الناسِ .



· لا تغضبْ فإن الغَضَبَ يفسدُ المزاجَ ، ويغيِّر الخلقَ
ويسيءُ العشرةَ ، ويفسدُ المودةَ ، ويقطعُ الصلة .



· سافر أحياناً لتجدد حياتك ، وتطالعَ عوالمَ أخرى ،
وتشاهدَ معالمَ جديدةً ، وبلداناً أخرى ، فالسفرُ متعةٌ .



· احتفظُ بمذكرة في جيبِك ترتّبُ لك أعمالَك ، وتنظمُ
أوقاتِك ، وتذكرُك بمواعيدِك ، وتكتبُ بها ملاحظاتك.



· ابدأِ الناسَ بالسلامِ ، وحيَّهم بالبسمةِ ، وأعِرْهمُ
الاهتمام ؛ لتكون حبيباً إلى قلوبهم قريباً منهم .



· ثق بنفسِك ولا تعتمدْ على الناس ، واعتبرْ أنهم عليك لا
لك وليس معك إلا اللهُ ولا تغترَّ بإخوانِ الرخاءِ .



· احذرْ كلمة (سوف) وتأخيرَ الأعمالِ والتسويفَ بأداء
الواجبِ ، فإن هذ عنوانُ الفشلِ والإخفاقِ .



· اترك الترددَ في اتخاذِ القرارِ ، وإياك والتذبذبَ في
المواقفِ ، بل اجزمْ واعزمْ وتقدمْ .



· لا تضيِّع عمرك في التنقلِ بين التخصصاتِ والوظائفِ
والمهنِ ، فإن معنى هذا أنك لم تنجحْ في شيء.



· افرحْ بمكفراتِ الذنوبِ كالصالحاتِ ، والمصائبِ
والتوبةِ ودعاءِ المسلمين ، ورحمةِ الرحمنِ، وشفاعةِ الرسولِ
r .


· عليك بالصدقةِ ولو بالقليلِ ، فإنها تطفئُ الخطيئةَ ،
وتسرُّ القلبَ ، وتُذْهِبُ الهمَّ ، وتزيدُ في الرزقِ .



· اجعلْ قدوتك إمامك محمداً r فإنه القائدُ إلى السعادةِ ,
والدالُّ على النجاحِ ، والمرشدُ إلى النجاةِ والفلاحِ .



· زُرِ المستشفى لتعرف نعمةَ العافية , والسجْنَ لتعرفَ
نعمة الحريةِ , والمارستان لتعرف نعمةَ العقلِ ؛ لأنك في نِعَم لا تدري بها .



· لا تحطمْك التوافِهُ , ولا تعطِ المسألةَ أكبرَ من
حجمِها , واحذرْ من تهويلِ الأمورِ والمبالغةِ في الأحداثِ .



· كن واسع الأفُقِ ، والتمسِ الأعذارَ لمن أساءَ إليك
لتعش في سكينةٍ وهدوءٍ , وإياك ومحاولةَ الانتقامِ .



· لا تُفرِحْ أعداءك بغضبِك وحزنِك فإن هذا ما يريدون ,
فلا تحققْ أمنيتَهم الغالية في تعكيرِ حياتِك .



· لا توقد فرناً في صدرك من العداواتِ والأحقادِ ، وبغضِ
الناسِ ، وكرهِ الآخرين , فإن هذا عذابٌ دائمٌ .



· كن مهذباً في مجلسِك , صموتاً إلا من خيرٍ , طلق
الوَجْهِ محترماً لجلاّسِك ، منصتاً لحديثِهم , ولا تقاطِعْهُم أثناء الكلامِ .



· لا تكنْ كالذبابِ لا يقعُ إلا على الجُرْحِ , فإياك
والوقوعَ في أعراضِ الناسِ وذكرِ مثالبِهم والفرحِ بعثراتِهم وطلبِ زلاتِهم .



· المؤمنُ لا يحزنُ لفواتِ الدنيا ولا يهتمُّ بها ، ولا
يرهبُ من كوارثِها ، لأنها زائلةٌ ذاهبةُ حقيرةٌ فانيةٌ .



· اهجرِ العِشْقَ والغرامَ ، والحبَّ المحرمَ ؛ فإنه عذاب
للروحِ ، ومرضٌ للقلبِ , وافزعْ إلى اللهِ وإلى ذكرِه وطاعتِه .



· إطلاقُ النظرِ إلى الحرامِ يورثُ هموماً وغموماً
وجراحاً في القلبِ , والسعيدُ من غضَّ بصرَه وخافَ ربَّهُ .



· احرص على ترتيبِ وجباتِ الطعامِ , وعليك بالمفيدِ ،
واجتنبِ التخمة ، ولا تنمْ وأنت شبعانُ .



· قدرِّ أسوأ الاحتمالاتِ عند الخوفِ من الحوادثِ , ثم
وطّنْ نفسك لتقبلَ ذلك فسوف تجدُ الراحةَ واليسرَ .



· إذا اشتدَّ الحبلُ انقطَعَ , وإذا أظلمَ الليلُ انقشَعَ
, وإذا ضاقَ الأمرُ اتَّسَعَ , ولن يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ .



· تفكّرْ في رحمةِ الرحمنِ ، غَفَرَ لبغيٍّ سقتْ كلباً،
وعفا عمن قَتَلَ مائةَ نفسٍ ، وبسط يده للتائبين ، ودعا النصارى للتوبةِ .



· بعدَ الجوع شبَعٌ ، وعقب الظمأِ رِيٌّ، وإثر المرض
عافيةٌ ، والفقرُ يعقبُه الغنى ، والهمُّ يتلوه السرورُ ، سَنَّةٌ ثابتةٌ .



· تدبّرْ سورة ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾
وتذكرْها عند الشدائدِ ، واعلمْ أنها من أعظمِ الأدويةِ عند الأزماتِ .



· أين أنت من دعاءِ الكَرْبِ (( لا إله إلا اللهُ
العظيمُ الحليمُ ، لا إله إلا اللهُ ربٌّ العرشِ العظيم ،لا إله إلا الله ربُّ
السمواتِ وربُّ الأرضِ ربُّ العرشِ الكريم ))
.



· لا تغضبْ إذا غضبتَ فاسكتْ و تعوذْ من الشيطانِ وغيّرْ
مكانك ، وإن كنت قائماً فاجلسْ وتوضأ وأكثرْ من الذكرِ .



· لا تجزَعْ من الشدةِ فإنها تقوي قلبَك ، وتذيقُك طعمَ
العافيةِ ، وتشدُّ من أزرِك وترفعُ شأنِك ، وتظهرُ صبرَك.



· التفكر في الماضي حُمْقٌ وجنون ، وهو مثل طَحْنِ
الطحينِ ونَشْرِ النشارةِ وإخراجُ الأمواتِ من قبورِهم .



· انظرْ إلى الجانبِ المشرقِ من المصيبةِ ، وتلمّحْ أجرها
، واعلمْ أنها أسهلُ من غيرِها ، وتأسَّ بالمنكوبين .



· ما أصابك لم يكن ليخطئَك ، وما أخطأك لم يكنْ ليصيبَك ,
وجُفَّ القلمَ بما أنت لاقٍ , ولا حيلة لك في القضاءِ .



· حوِّل خسائرك إلى أرباحٍ , واصنعْ من الليمونِ شراباً
حلواً , وأضفْ إلى ماءِ المصائبِ حفنة سكرٍ , وتكيَّفْ مع ظرفِك .



· لا تيأسْ من روحِ الله ولا تقنط من رحمة الله ، ولا تنس
عون الله , فإن المعونة تنزل على قدر المؤونةِ .



· الخيرةُ فيما تكرهُ أكثرُ منها فيما تُحُّب , وأنت لا
تدري بالعواقبِ , وكم من نعمةٍ في طيِّ نقمةٍ ، ومن خيرٍ في جلبابِ شرٍّ .



· قيّدْ خيالَك لئلا يجمحَ بك في أوديةِ الهمومِ , وحاولْ
أن تفكرَ في النعمِ والمواهبِ والفتوحاتِ التي عندَك .



· اجتنب الصخبَ والضجةَ في بيتِك ومكتبِك , ومن علامات
السعادةِ الهدوءُ والسكينةُ والنظامُ .



· الصلاةُ خَيْرُ معين على المصاعبِ , وهي تسمو بالنفسِ
في آفاقٍ علويةٍ ، وتهاجرُ بالروحِ إلى فضاءِ النورِ والفلاحِ .



· إن العملَ الجادَ المثمرَ يحررُ النفسَ من النزواتِ
الشريرةِ والخواطرِ الآثمةِ ، والنزعاتِ المحرَّمةِ .



· السعادةُ شجرةٌ ماؤُها وغذاؤُها وهواؤُها وضياؤها
الإيمانُ باللهِ ، والدارُ الآخرةُ .



· منْ عندَه أَدَبٌ جمٌّ ، وذوقٌ سليمٌ وخُلُقٌ شريفٌ ،
أسعدَ نفسَه وأسعدَ الناسَ ، ونال صلاحَ البالِ والحالِ .



· روّح على قلبِك فإن القلبَ يكّلُّ ويملُّ , ونوّعْ عليه
الأساليبَ , والتمسْ له فنون الحكمةِ وأنواع المعرفةِ .



· العلم يشرحُ الصدرَ ، ويوسعُ مدارِك النظرِ ويفتحُ
الآفاقَ أمامَ النفسِ فتخرجُ من همِّها وغمِّها وحزنِها .



· من السعادةِ الانتصارُ على العقباتِ ومغالبةُ الصعابِ ,
فلذةُ الظفرِ لا تعدلها لذةٌ ، وفرحة النجاحِ لا تساويها فرحةٌ .



· إذا أردتَ أن تسعدَ مع الناسِ فعامِلْهم بما تحبُّ أن
يعاملوك به . ولا تبخَسْهم أشياءَهم ، ولا تضعْ من أقدارِهم .



· إذا عرف الإنسانُ نفسَه ، والعلم الذي يناسبُه ، وقام
به على أكملِ وجهٍ ؛ وجد لذة النجاح ومتعة الانتصارِ .



· المعرفةُ والتجربةُ والخبرةُ أعظمُ من رصيدِ المالِ ؛
لأن الفرح بالمالِ بهيميٌّ ، والفرح بالمعرفةِ إنسانيٌّ .



· إذا غضبَ أحدُ الزوجين فليصمتِ الآخَرُ ، وليقْبَلْ كلٌّ
منهما الآخرَ على ما فيه فإنه لن يخلوَ أحدٌ من عيبٍ .



· الجليسُ الصالحُ المتفائلُ يهوَّن عليك الصعابَ ويفتح
لك بابَ الرجاءِ ، والمتشائمُ يسوّدُ الدنيا في عينك .

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· من عنده زوجةٌ وبيتٌ وصحةٌ وكفايةٌ مالٍ فقد حاز صَفْوَ
العيشِ ، فليحمدِ الله وليقنعْ ، فما فوق ذلك إلا الهمُّ .



· ((من أصبح منكم
آمناً في سِرْبِهِ , معافىً في جسدِهِ ،عندهُ قوتُ يومِهِ ، فكأنما حِيزت له
الدنيا ))
.


· (( من رضي باللهِ رّباً وبالإسلامِ ديناً ، وبمحمدٍ r رسولاً ، كان حقاً على الله أن
يرضيه ))
، وهذه أركانُ الرضا.


· أصولُ النجاحِ أن يرضى اللهُ عنك ، وأن يرضى عنك منْ
حَوْلَكَ وأن تكونَ نفسُك راضية وأن تقدم عملاً ًمثمراً.



· الطعامُ سعادةُ يومٍ ، والسفرُ سعادةُ أسبوعٍ ،
والزواجُ سعادة شهرٍ ، والمالُ سعادةُ سنةٍ، والإيمانُ سعادةُ العمرِ كلِّه .



· لن تسعدَ بالنومِ ولا بالأكلِ ولا بالشربِ ولا بالنكاحِ ، وإنما تسعدُ بالعملِ
وهو الذي أوجدَ للعظماءِ مكاناً تحت الشمسِ
.



· من تيسرتْ له القراءةُ فإنه سعيدٌ لأنه يقطف من حدائقِ
العالمِ ، ويطوفُ على عجائبِ الدنيا ويطوي الزمانَ والمكانَ .



· محادثةُ الإخوان تُذْهِبُ الأحزان ،والمزاحُ البريءُ
راحةٌ ، وسماعُ الشعرِ يريحُ الخاطرَ .



· أنت الذي تلوّن حياتَك بنظرِك إليها ،فحياتُك من صنعِ
أفكارِك ، فلا تضعْ نظارةً سوداءَ على عينْيكَ .



· فكرْ في الذين تحبهم ولا تعطِ من تكرههم لحظةً واحدةً
من حياتِك ، فإنهم لا يعلمون عنك وعن همِّك.



· إذا استغرقْت في العملِ المثمر بردتْ أعصابُك ، وسكنتْ
نفسُك ، وغمرَكَ فيضٌ من الاطمئنانِ .



· السعادةُ ليستْ في الحَسَبِ ولا النَّسَبِ ولا الذهبِ،
وإنما في الدينِ والعلمِ والأدبِ وبلوغِ الأربِ .



· أسعدُ عبادِ اللهِ عند اللهِ أبذُلهم للمعروفِ يداً،
وأكثرُهم على الإخوانِ فضلاً ، وأحسنُهم على ذلك شكراً.



· إذا لم تسعدْ بساعتِك الراهنةِ فلا تنتظرْ سعادةً سوف
تطلُّ عليك من الأفقِ ، أو تنزلُ عليك من السماءِ .



· فكّرُ في نجاحاتِك وثمارِ عملِك وما قدْمَته من خَيْرٍ
وافرحْ به ، واحمدِ الله عليه ، فإنه هذا مما يشرحُ الصدرَ .



· الذي كفاك همَّ أمسِ يكفيك همَّ اليومِ وهمَّ غدٍ،
فتوكلْ عليه، فإذا كان معك فمنْ تخافُ ؟ وإذا عليك فمن ترجو؟



· بينك وبين الأثرياءِ يومٌ واحدٌ ، أما أمس فلا يجدون
لذتَه ، وغدٌ فليس لي ولا لهم ، وإنما لهم يومٌ واحدٌ ، فما أقله من زمنٍ !



· السرور ينشطُ النفسَ ، ويفرحُ القلبَ ، ويوازنُ بين
الأعضاءِ ، ويجلُب القوة ، ويعطي الحياةَ قيمةً والعمرَ فائدةً .



· الغنى والأمنُ والصحةُ والدينُ وركائزُ السعادةِ ، فلا
هناءَ لمعدمٍ ، ولا خائفَ ولا مريضَ ولا كافرَ , بل هم في شقاء .



· من عرف الاعتدالَ عرفَ السعادةَ , ومن سلكَ التوسطَ
أدركَ الفوزَ , ومن اتبعَ اليسرَ نال الفلاحَ .



· ليس في ساعةِ الزمنِ إلا كلمةٌ واحدةٌ : الآنَ , وليس
في قاموسِ السعادة إلا كلمة واحدةٌ : الرضا .



· إذا أصابتْك مصيبةٌ فتصوَّرها أكبرَ تَهُنْ عليك,
وتفكّرْ في سرعةِ زوالِها , فلولا كربُ الشدةِ ما رُجيتْ فرحةُ الراحةِ .



· إذا وقعت في أزمة فتذكر كم أزمةٍ مرتْ بك ونجاك اللهُ
منها ، حينها تعلمُ أن من عافاك في
الأولى سيعافيك في الأخرى .



· العاقُّ ليومِه من أذهبه في غير حقٍّ قضاه ،أو فرض
أدَّاه ، أو مجدٍ شيّدهُ ، أو حمدٍ حصَّله ، أو علمٍ تعلمَه، أو قرابةٍ وصلها، أو
خيرٍ أسداه.



· ينبغي أن يكون حولك أو في يدك كتابُ دائم ؛ لأن هناك
أوقاتاً تذهب هدراً، والكتاب خير ما يحفظُ به الوقتُ ويعمرُ به الزمنُ .



· حافظُ القرآنِ ، التالي له آناءَ الليلِ وأطرافَ
النهارِ لا يشكو مللا ًولا فراغا ًولا سأماً، لأن القرآن ملأ حياته سعادةً .



· لا تتخذ قراراً حتى تدرسه من جوانبِه كافَّةً , ثم
استخرِ الله وشاورْ أهلَ الثقة , فإن نجحت فهذا المراد و إلا فلا تندمْ .



· العاقل يُكثِرُ أصدقاءه ويُقللُ أعداءه ، فإن الصديق
يحصلُ في سنةٍ والعدو يحصل في يوم ، فطوبى لمن حببه الله إلى خَلْقِهِ .



· اجعل لمطالبِك الدنيوية حداً ترجع إليه ،وإلا تشتَّت
قلبُك وضاقَ صدرُك ، وتنغّص عيشُك ، وساء حالُك .



· ينبغي لمن تظاهرتْ عليه نعمُ اللهِ أن يقيّدَها بالشكرِ
، ويحفظها بالطاعةِ ، ويرعاها بالتواضعِ لتدومَ .



· من صفتْ نفسُه بالتقوى ،وطَهُرَ فكرُه بالإيمانِ ،
وصُقِلَتْ أخلاقُه بالخَيْرِ نال حُبَّ اللهِ وحُبَّ الناسِ .



· الكسولُ الخاملُ هو المتعبُ الحزينُ حقيقةً ، أما
العاملُ المجِدُّ فهو الذي عرف كيف يعيشُ وَعَرَفَ كيفَ يسعدُ .



· إن لذةَ الحياة ومتعتَها أضعافُ أضعافِ مصائبِها
وهمومِها، ولكنَّ السرَّ كيف نصل إلى هذه المتعةِ بذكاءٍ .



· لو ملكت المرأةُ الدنيا ، وسيقتْ لها شهاداتُ العالمِ ،
وحصلتْ على كلِّ وسامٍ وليس عندها زوجٌ فهي مسكينة .



· الحياةُ الكاملةُ أن تنفق شبابك في الطموحِ ،ورجولتك في
الكفاحِ ،وشيخوخَتَكَ في التأملِ .



· لُمْ نفسك على التقصير ، ولا تَلْمْ أحداً ، فإن عندك
من العيوبِ ما يملأُ الوقتَ إصلاحُه فاتركْ غيرَك .



· أجملُ من القصوِر والدورِ كتابٌ يجلوُ الأفهام ،
ويُسِرُّ القلوب ، ويؤنسُ النفسَ ، ويشرحُ الصدرَ، وينمي الفِكْرَ .



· اسأل الله العَفْوَ والعافيةَ ، فإذا أعطيتهُما فقد حزت
كلَّ خَيْرٍ ، ونجوت من كل شرٍّ ، فُزْتَ بكلَّ سعادةٍ .



· رغيفٌ واحدٌ ، وسبعُ تمراتٍ ، وكوبُ ماء ، وحصيرٌ في
غرفة مع مصحفٍ ، وقلْ على الدنيا السلامُ .



· السعادة في التضحية وإنكارِ الذاتِ ، وبذلِ الندى وكفِّ
الأذى ، والبعدِ عن الأنانيةِ والاستئثارِ .



· الضحكُ المعتدلُ يشرحُ النفسَ ، ويقوي القلب ويُذْهِبُ
المَلَلَ وينشطُ على العملِ ، ويجلو الخاطرَ .



· العبادةُ هي السعادةُ ، والصلاح هو النجاحُ ، ومن لزِمَ
الأذكارَ ، وأدمنَ الاستغفارَ وأكثرَ الافتقارَ فهو أحدُ الأبرار .



· خيرُ الأصحابِ من تثِقُ به وترتاحُ ، وتفضي إليه
بمتاعِبك ، ويشاركُكَ همومَك ولا يفشي سرَّك .



· لا تتوقعْ سعادةً أكبر مما أنت فيه فتخسرَ ما بين يديك
، ولا تنتظرْ مصائب قادمةً فتستعجل الهمَّ والحَزَنَ .



· لا تظن أنك تعطي كل شيء ، بل تعطي خيراً كثيراً ، أما
أن تحوي كل موهبة وكل عطية فهذا بعيدٌ .



· امرأةٌ حسناءُ تقيةٌ ، ودارٌ واسعةُ ، وكفافٌ من رزقٍ ،
وجارٌ صالحٌ .. نِعمٌ جهلُها الكثيرُ .



· فنُّ النسيانِ للمكروهِ نعمةٌ ، وتذكُّرُ النعمِ
حَسَنَةٌ ، والغفلةُ عن عيوبِ الناسِ فضيلةٌ .



· العفْوُ ألذُّ من الانتقامِ ، والعملُ أمتعُ من الفراغِ
، والقناعةُ أعظمُ من المالِ ، والصحة خَيْرٌ من الثروةِ .



· الوحدةُ خَيْرٌ من جليسِ السوءِ ، والجليسُ الصالحُ
خَيْرٌ من الوحدةِ ، والعزلةُ عبادةٌ ، والتفكرُ طاعةٌ .



· العزلةُ مملكةُ الأفكار ، وكثرةُ الخلطة حُمْقٌ ،
والوثوقُ بالناسِ سَفَهٌ ، واستعداؤُهم شُؤْمٌ.



· سوءُ الخُلُقِ عذابٌ ،والحقدُ سُمٌّ ، والغيبةُ رذالةٌ
،وتتبعُ العثراتِ خِذْلانٌ .



· شكرُ النعمِ يدفعُ النقمَ ، وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ
، والانتصارُ على النفسِ لذةُ العظماءِ .



· خبزٌ جاف مع أمنٍ ألذُّ من العَسَلِ مع الخوفِ ، وخيمةُ
مع سترٍ أحبٌّ من قَصْرٍ فيه فتنةٌ.



· فرحةُ العلمِ دائمةٌ ، ومجدُه خالدٌ ، وذكرُه باقٍ ،
وفرحةُ المالِ منصرمةٌ ، ومجدُه إلى الزوالٍ ، وذكرُه إلى نهايةٍ .



· الفرحُ بالدنيا فرحُ الصبيانِ ، والفرحُ بالإيمانِ
فَرَحُ الأبرارِ ،وخدمةُ المالِ ذلُّ ، والعملُ للهِ شَرَفٌ.



· عذابُ الهمةِ عَذْبٌ ،وتعبُ الإنجازِ راحةٌ، وعَرَقُ
العملِ مِسْكٌ ،والثناءُ الحَسَنُ أحسنُ طِيبٍ.



· السعادةُ أن يكون مصحفُك أ نيسَك ، وعملُك هوايتك ، وبيتُك
صومعتَك ، وكنزُك قناعتَك .



· الفرحَ بالطعامِ والمالِ فرحٌ الأطفالِ ، والفَرَحُ
بحسنِ الثناءِ فَرَحُ العظماءِ ، وعملُ البرِّ مجدٌ لا يفَنى .



· صلاة الليل بهاءُ النهارِ ، وحبُّ الخيرِ للناسِ من
طهارةِ الضميرِ ، وانتظارُ الفرجِ عبادةٌ.



· في البلاءِ أربعةُ فنون : احتسابُ الأجرِ ، ومعايشةُ
الصَّبْرِ ، وحُسْنُ الذِّكْرِ ، وتوقُّعُ اللطفِ.



· الصلاةُ جماعة، وأداءُ
الواجبِ ، وحبُّ المسلمينُ ، وترك الذنوبِ ، وأكلُ الحلالِ صلاحٌ الدنيا
والآخرةِ .



· لا تكنْ رأساً فإن الرأس كثيرُ الأوجاعِ ، ولا تحرصْ
على الشهرةِ فإن لهل ضريبةً ، والكفافُ مع الخمولِ سعادةٌ .



· علامةُ الحُمْقِ ضياعُ الوقتِ ،وتأخيرُ التوبةِ ،
واستعداءُ الناسِ ، وعقوقُ الوالدين ،
وإفشاءُ الأسرارِ .



· يُعْرَفُ موتُ القلبِ بترْكِ الطاعةِ ، وإدمانِ الذنوب
، وعدمِ المبالاةِ بسوءِ الذكرِ ، والأمنِ من مكرِ اللهِ ، واحتقارِ الصالحين .



· من لم يسعدْ في بيتِه لن يسعدَ في مكانٍ آخرَ ،ومن لم
يحبَّه أهلُه لن يحبَّه أحدٌ ، ومن ضيَّعَ يومَه ضيَّعَ غدَه.



· أربعة يجلبون السعادة : كتابٌ نافعٌ ، وابنٌ بارٌّ ،
وزوجةٌ محبوبةٌ ، وجليسٌ الصالحٌ ، وفي اللهِ عِوضٌ عن الجميعِ .



· إيمانُ وصحةُ وغنىً وحريةُ وأمنٌ وشبابٌ وعلم هي ملخصُ
ما يسعى له العقلاءُ ، لكنها قلَّ أن تجتمعَ كلُّها .



· اسعد الآنَ فليس عندك عهدٌ ببقائِك ، وليس لديك أمانٌ
من روعةِ الزمانِ ، فلا تجعلِ الهمَّ نَقْداً والسرورَ دَيْناً.



· أفضل ما في
العالمِ إيمانٌ صادقٌ ،وخُلُقٌ مستقيمٌ ، و عَقْلٌ صحيحٌ وجِسْمٌ سليمٌ ،
ورِزْقٌ هانِئٌ وما سوى ذاك شغلٌ .



· نعمتان خفيَّتان: الصحةُ في الأبدانِ ، والأمنُ في
الأوطانِ . نعمتان ظاهرتان: الثناءُ الحَسَنُ، والذريةُ الصالحةُ .



· القلبُ المبتهجُ يقتلُ ميكروباتِ البغضاءِ ، والنفسُ
الراضيةُ تطاردُ حشراتِ الكراهيةِ .



· الأمنُ أمهدُ وطاءٍ ، والعافيةُ أسبغُ غطاءٍ ، والعلمُ
ألذُّ غذاءٍ ، والحبُّ أنفعُ دواءٍ ، والسترُ أحسنُ كساءٍ .



· السعيد لا يكون فاسقاً ولا مريضا ولا مديناً ولا غريباً
ولا حزيناً ولا سجيناً ولا مكروهاً.



· السعيد: انجلاءُ الغمراتِ ، وإزالةُ العداواتِ ، وعَمَلُ
الصالحاتِ ، والانتصارُ على الشهواتِ.



· أقلُ الطرقِ خطراً طريقُك إلى بيتِك ، وأكثر الأيامِ
بركةً يوم تعملُ صالحاً، وأشأمُ الأزمانِ زمنٌ تسيء فيه لأحدٍ .



· إن سبَّك بَشَرٌ فقد سبُّوا ربهم تعالى ، أوجدهم من العَدَمِ
فشكّوا في وجودِه ، وأطعَمَهُم من جوعٍ فشكروا غيْرَهُ ، وآمَنَهُمْ من خوفٍ فحارَبُوه
.



· لا تحملِ الكرةَ الأرضيةَ على رأسِك ،ولا تظنَّ أنَّ
الناس يهمهُّم أمرُنا إن زكاماً يصيبُ أحدكم ينسيهم موتي وموتِك .



· السرورُ كفايةٌ ووطنٌ ، وسلامةٌ وسَكَنٌ ، وأمْنٌ من
الفتنِ ، ونجاةٌ من المِحن ، وشكرٌ على المننِ ، وعبادةٌ طيلة الزمنِ .



· (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيلٍ ))، (( وصلِّ
صلاة المودِّعٍ )) ، (( ولا تكلَّمْ بكلامٍ تعتذر مُنه )) ، (( وأجمعُ اليأس عما في أيدي الناسِ ))
.


· ازهد في الدنيا يحبُّك الله ، وازهدْ فيما عند الناسِ يحبُّك
الناسُ ، واقنعْ بالقليلِ واعملْ بالتنزيلِ واستعدَّ للرحيلِ ، وخفِ الجليلَ .



· لا عيش لممقوتٍ ، ولا راحة لمعادٍ ، ولا أمن لمذنبٍ ،
ولا محبَّ لفاجرٍ ، ولا ثناءَ على كاذبٍ ، ولا ثقة بغادرٍ .



· (( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلُّه خَيْرٌ وليس ذاك
لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له ،وأن أصابته ضراءُ صَبَرَ فكان
خيراً له )) .



· الابتسامةُ مِفْتاحُ السعادةِ ، والحبُّ بابُها ،
والسروُر حديقتُها ، والإيمانُ نورُها ، والأمنُ جدارُها .



· البهجةُ : وجهٌ جميلٌ ، وروضٌ أخضرُ، وماءٌ باردٌ ،
وكتابٌ مفيدٌ مع قلب يقدِّرُ النعمة ويتركُ الإثم ويحبُّ الخيرَ .



· ينام المعافى على صخر كأنه على ريش حريرٍ ، ويأكلُ خبزَ
الشعيرِ كالثريدِ ، ويسكنُ الكوخَ كأنه في إيوانِ كسرى.



· البخيل يعيش فقيراً أو يموتُ غنياً خادماً لذريتِه ،
حارساً لمالِه ، بغيضاً عند الناسِ ، بعيداً من اللهِ ، سيئ السمعةِ في العالمِ .



· الأولاد أفضلُ من الثروةِ ، والصحةُ خيرٌ من الغِنَى
،والأمنُ أَحْسَنُ من السكنِ ، والتجربةُ أغلى من المالِ .



· اجعل الفرح شكراً، والحزن صبراً، والصمت تفكراً، والنظر
اعتباراً، والنطقِ ذِكْراً ، والحياء طاعةً ، والموت أمنيةً .



· كُنْ مثل الطائرِ يأتيه رزقُه صباحَ مساءَ ،ولا يهتمُّ
بغدٍ ولا يثقُ بأحدٍ ولا يؤذي أحداً، خفيف الظلِّ رفيقَ الحركةِ .



· من أكثرَ مخالطةَ الناسِ أهانُوه ، ومن بخلَ عليهم
مقتوه ، ومن حلمَ عليهم وقَّروه ، ومن أجادَ عليهم أحبوه ،ومن احتاجَ إليهم ابغضوه
.



· الفلك يدورُ ، والليالي حبالى ، والأيامُ دُوَلٌ ،ومن
المحالِ دوامُ الحالِ ، والرحمنُ كلَّ يومٍ هو في شأنٍ .. فلماذا تحزنً ؟.



· كيف تقفُ على أبوابِ السلاطينِ ونواصيهم في قبضةِ ربِّ
العالمين؟! تسألُ المال من فقيرٍ ، وتطلب بخيلاً ، وتشكو إلى جريحٍ !! .



· ابعثْ رسائل وقت السَّحرِ : مدادُها الدمعُ وقراطيسُها
الخدودُ ، وبريدُها القبولُ ووجهتُها العرشُ : وانتظرِ الجوابَ .



· إذا سجدت فأخبرْه بأمورك سراً فإنه يعلمُ السرَّ وأخفى
، ولا تُسمعْ من بجوارِك ؛ لأن للمحبةِ أسراراً والناسُ حاسدٌ وشافعٌ .



· سبحان من جَعَلَ الذلَّ له عِزَّةً ، والافتقار إليه
غنىً ، ومسألته شرفاً ،والخضوع له رِفْعَةً ، والتوكل عليه كفايةً .



· إذا دارهمٌّ ببالِك وأصبح حالُك من الحزنِ حالكِاً
،وفجعت في أهلك ومالك ، فلا تيأسْ لعلَّ الله يحدثُ بعد ذلك أمراً .



· لا تنس ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
فإنها تطفئُ الحريقَ ، وينجو بها الغريقُ ، ويعرف بها الطريق ، وفيها العهد الوثيق
.



· طوبى لك يا طائر : ترِدُ النهر ، وتسكن الشجر ، وتأكل
الثمر، ولا تتوقع الخطر ، ولا تمرُّ على سَقَر ، فأنت أسعد حالاً من البشرِ .



· السرورُ لحظةٌ مستعارةٌ ، والحزنُ كفارةٌ ، والغضبُ
شرارةٌ ، والفراغُ خسارةٌ ، والعبادةُ تجارةٌ .



· أمسِ ماتَ ، واليومُ في السياقِ ، وغداً لم يولدْ ،
وأنت ابنُ الساعةِ فاجعلْها طاعةً ، تَعُدْ لك بأربحِ بضاعةٍ .



· نديمك القلمُ ، وغديرُك الحبرُ، وصاحبك الكتابُ،
ومملكتك بيتُك، وكنزُكَ قوتُك ، فلا تأسفْ على ما فاتَ .



· ربما ساءتْك أوائلُ الأمورِ وسرَّتك أواخرُها، كالسحابِ
أوله بَرْقٌ ورعدٌ وآخره غيثٌ هنيءٌ



· الاستغفارُ يفتح الأقفال، ويشرحُ البالّ ، ويُذْهِبُ
الأدغال، وهو عُرْبونُ الرزقِ ودروازةُ التوفيقِ .



· ستٌّ شافية كافية : دينٌ وعلمٌ وغنىً ومروءةٌ وعفوٌ
وعافيةٌ .



· من الذي يجيبُ المضطر إذا دعاهُ ، وينقذُ الغريق إذا
ناداه، ويكشف الكرب عنا مَنْ؟ قال : يا اللهُ ؟ إنه اللهُ .



· ابتعد عن الجدلِ العقيمِ ، والمجلسِ اللاغي ، والصاحبِ
السفيِه، فإن الصاحبَ ساحبٌ ، والطبعَ لصٌ والعينَ سارقةٌ .



· التحلِّي بحسنِ الاستماعِ ، وعدمِ مقاطعة المتحدثِ ،
ولينِ الخطابِ ، ودماثةِ الخلقِ ، أوسمةٌ على صدورِ الأحرارِ .



· عندك عينانِ وأذنانِ ويدانِ ورجلانِ ولسانٌ وإيمانٌ
وقرآنٌ وأمانٌ .. فأين الشكرُ يا إنسانُ ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ ﴾
.



· تمشي على قدميك وقد بُتِرَتْ أقدامٌ ، وتعتمدُ على ساقُيْك
وقد قُطعتْ سيقان ، وتنام وغيرك شرّدَ الألمُ نومهً ، وتشبع وسواك جائعٌ .



· سلمت من الصَّممِ والبُكْمِ والعمى ، ونجوت من البرص
والجنون والجذام ، وعوفيت من السل والسرطان ، فهل شكرت الرحمن ؟!



· مصيبتنا أننا نعجزُ عن حاضرنا و نشتغلُ بماضينا ، ونهملُ
يومنا ونهتمُّ بغدِنا فأين العقلُ وأين الحكمةُ ؟!



· نقدُ الناسِ لك معناه أنك فعلت ما يستحقُّ الذكر، وأنك
فقتهُم علماً أو فَهْماً أو مالاً أو مَنْصِباً أو جاهاً.



· تقمُّصُ شخصية الغيرِ ، والذوبانُ في الآخرين ، ومحاكاةُ
الناسِ انتحارٌ وإزهاقٌ لمعالم الشخصيةِ .



· ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾، ﴿
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
((لا تكونوا إمِّعةً )) ، ﴿
صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ﴾.



· مع الدمعةِ بسمةٌ ، ومع التَّرحةِ فَرْحةٌ ، ومع البليةِ
عطيةٌ ، ومع المحنةِ مِنْحةٌ ، سنة ثابتةٌ وقاعدةٌ مطردةٌ .



· انظرْ هل ترى إلا مبتلًى ،وهل تشاهدُ إلا منكوباً ، في
كل دارِ نائحةٌ ، وعلى كل خدٌّ دمعٌ ، وفي كل وادٍ بنو سَعْدٍ .



· صوتٌ من شكرِ معروفِك
أجملُ من تغريدِ الأطيارِ ، و نسيمِ الأسحارِ ،وحفيفِ الأشجارِ، وغناءِ
الأوتارِ .



· إذا شربت الماء الساخن قلت الحمدُ للهِ بكلفةٍ ، وإذا
شربْت الماء البارد قال كل عضو فيك: الحمدُ للهِ .



· أرخصُ سعادةٍ تُباعُ في سوقِ العقلاءِ تَرْكُ مالا يعني
، وأغلى سلعةٍ عند العالمِ أن تألفَ الناسَ
ويألفوك .



· إياك والهمَّ فإنه سُمٌّ ، والعجز فإنه موتٌ ، والكَسَلَ
فإنه خيبةٌ ، واضطرابَ الرأيِ فإنه سوءٌ تدبيرٍ.



· جارُ السوءِ شرٌّ من غربةِ الإنسانِ ، واصطناعُ المعروفِ
أرفع من القصورِ الشاهقةِ ، والثناءُ الحَسَنُ هو المجدُ .



· أحقُّ الناس بزيادة النعمِ أشكرُهم ، وأولاهم بالحبِّ من بذل نداه ومنعِ أذاه وأطلقِ محياه .


· السرور
محتاجٌ إلى الأمنِ ، والمالُ محتاجٌ إلى صدقةِ ، والجاهُ محتاجٌ إلى الشفاعةِ ، والسيادة محتاجةٌ إلى التواضعِ .



· لا تُنال
الراحةُ إلا بالتعبِ ، ولا تدركُ الدَّعةُ إلا بالنَّصبِ ،ولا يُحصلُ على الحبِّ
إلا بالأدبِ .



· الأبناءُ
أهمُّ من الثروةِ ، والخُلُقُ أجلُّ من المَنْصِبِ ، والهمةُ أعلى من الخِبْرَةِ ،
والتقوى أسمى من المجدِ .



· لا تطمعْ في كل ما تسمعُ ، ولا تركنْ لكل صديقٍ ، ولا تُفْشِ
سرَّك إلى امرأةٍ ، ولا تذهبْ وراء كلِّ أمنيةٍ .



· ما رأيتُ الراحة إلا مع الخلوةِ ، ولا الأمن إلا مع
الطاعةِ ، ولا المحبةَ مع الوفاءِ ، ولا الثقة إلا مع الصِّدْقِ .



· رُبَّ أكلةٍ تمنع أكلاتٍ , وكلمة تجلبُ عداواتٍ , وسيئةٍ
تمنعُ الخيراتٍ , ونظرةٍ تُعْقِبَ حسراتٍ .



· لا يكنْ حبُّك كَلفاً، ولا بغضُك سَرَفاً ، ولا حياتك تَرَفاً
، ولا تذكّرُك أَسَفاً ، ولا قصدك شرفاً.



· كل امرئ في بيته أميرٌ لا يهيُنه أحدٌ ، ولا يحجبُه بَشَرٌ
، ولا يذلُّهُ جبّارٌ ولا يرده بخيلٌ .



· أفضلُ الأيام ما زادك حِلْماً ، ومنحَك عِلْماً، ومنَعَك
إثْماً ، وأعطاك فهْماً، ووهبَك عزْماً .



· الحياة فرصةٌ لا نعرفُها إلا بعد أن نفقدها ، والعافيةُ
تاجٌ على رؤوسِ الأصحاءِ لا يراها إلا المرضى .



· متى يسعدُ منْ له ابنٌ عاقٌّ ، وزوجةُ مشاكسةٌ ، وجارٌ
مؤذٍ ، وصاحبٌ ثقيلٌ ، ونفسٌ أمارةٌ ، وهوًى متّبَعٌ .



· إن لرِّبك عليك حقاً ، ولنفسِك عليك حقاً ، ولعينِك
عليك حقاً ، ولزوجِك عليك حقاً ، ولضيفِك عليك حقا ، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقههُ .



· استمتعْ بالنظرِ إلى الصباحِ عند طلوعهِ فإن له جمالاً
جلالاً إشراقاً يفتح لك الأمل والتفاؤل.



· عليك بالبكورِ فإنه بركةٌ ، فأنجزْ فيه عَمَلَكَ من ذِكْرٍ
أو تلاوةٍ أو حفظٍ أو مطالعةٍ أو تأليفٍ أو سَفْرٍ .



· كنْ وسطاً ، وامشِ جانباً ، وارضِ خالقاً ، وارحمْ
مخلوقاً ، وأكملْ فريضةً ، وتزود بنافلةِ تكنْ راشداً .



· التوفيق : حسنُ الخاتمةِ، وسدادُ القولِ ، وصلاحُ العملِ
، والبعدُ عن الظلمِ، وقطيعةُ الرَّحِمِ.



· ربَّ كلمةٍ سلبْت نعمةً ، وربَّ زلَّةٍ أ وجبتْ ذِلَّةً
، وكم من خلوةٍ حلوةٍ ، وصاحبُ العزلة فيها عِزٌّ له .



· (( المسلم من
سلم المسلمون من لسانِه ويدِه، والمؤمنُ من أمِنه الناسُ على دمائِهم وأموالهِم
)) ، (( والمهاجرُ من هَجَرَ ما نهى اللهُ
عنه))
.


· خيرُ مالِك ما نَفَعَكَ ، وأجلُّ علمِك ما رَفَعَكَ ،
وخيرُ البيوتِ ما وسِعَكَ، وخيرُ الأصحاب من نَصَحَكَ .



· إذا لم يكن لك حاسدٌ فلا خَيْرَ فيك ، وإذا لم يكن لك
صاحبٌ فلا خُلُقَ لك ، وإذا لم يكن لك دٌين فلا مبدأ لك .



· سُرَّ نفسك بتذكرِ حسناتِك ، وأرحْ قلبك بالتوبةِ من
سيئاتِك ، وطوقِ الأعناق بأياديك البيضاءِ .



· السمنة غفلةٌ ، والبطنةٌ تذهب الفِطْنَةَ ، وكثرةُ
النومِ إخفاقٌ ، وكثرة الضحكِ تُميتُ القلب ، والوسوسةُ عذابٌ .



· الإمارةُ حُلْوَةُ الرضاعِ مرة الفطامِ ، وفَرْحَةُ
الولايةِ يذهبُها حزنُ العزلِ ، والكرسيُّ دوّارٌ .



· من لذائد الدنيا : السفرُ مع من تُحِبُّ ، والبعدُ عمن
تبغضُ ، والسلامةُ من يؤذي ، وتذكرُ النجاح .

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· البرُِّ يستبعدُ الحرَّ ، والإحسانُ يقيد الإنسانَ ،
الحلمُ يقهرُ الخَصْمَ ، والصبر يطفئ الجَمْرَ



· الدنيا أهنأُ ما تكونُ حين تُهانُ ، والحاجةُ أرخصُ ما
تكون حينما يُستْغنْىَ عنها .



· إذا أهَّمك رزقُ غد فمن يكفلُ لك قدوم غٍد ، وإذا أحزنك
ما حدث بالأمسِ فمن يعيدُ لك الأمسَ .



· توفيقٌ قليلٌ خيرٌ من مالٍ كثيرٍ ، وعزلٌ في عزّةٍ خَيْرٌ
من ولايةِ في ذِلَّةٍ ، وخمولٌ في طاعةٍ خَيْرٌ من شدةٍ في معصيةٍ .



· القانعُ ملكٌ ، والمسرفُ أهوجُ ، والغضبانُ مجنونٌ ،
والعجولُ طائشٌ ، والحاسدُ ظالمٌ .



· ذِكْرُ اللهِ يرضي الرحمنَ ، ويسعدُ الإنسانَ ، ويخسئ
الشيطان ، ويُذْهِبُ الأحزان ، ويملأ الميزانَ .



· سعيدٌ من طال عمرُه وحسن عملُه ، وموفقٌ من كثُر مالُه
فكثر برُّه ، ومباركٌ من زاد علمُه فزادتْ تقواه.



· جزاءُ من اهتمَّ بالناسِ أن ينسى همومه ، وثوابُ من خَدَمَ
مولاه أن يخدمه الناسُ ، وجائزةُ من ترك الدنيا أن يأتيَه رزقُه رَغَداً .



· لا تستقلَّ شيئاً من النعم مع العافيةِ ، ولا تحتقرْ
شيئاً من الذنِب مع عدمِ التوبةِ ، ولا تكثرْ طاعةً مع عدم الإخلاصِ .



· الفرح بالدنيا فرحُ الأطفالِ ، والفرح بالثناءِ الحسنِ
فرح الرجالِ ، والفرحُ بما عند الله فرحٌ الأولياءِ الأبرارِ .



· الصدقُ طمأنينةٌ، والكذبٌ ريبةٌ، والحياءُ صيانةٌ ،
والعلمٌ حُجَّةٌ، والبيانُ جمالٌ ، والصمتُ حكمةٌ .



· حلاوةُ الظفرِ تمحو مرارة الصبر ، ولذةُ الانتصارِ تُذْهِبُ
وعثاءِ المعاناةِ ، وإتقانٌ العملِ يزيلُ مشقته.



· أطيبُ ما في الدنيا محبةُ اللهِ ، وأحسنُ ما في الجنةِ
رؤيةُ اللهِ ، وأنفعُ الكتبِ كتابُ الله ، وأبرُّ الخلقِ رسولُ اللهِ
r .


· السعيُد منِ اعتبر بأمسِه ، ونظر لنفسه ، وأعدَّ لرمسِه
وراقبَ الله في جهرِه وهمسِه .



· الحرصُ ذلٌّ والطمعُ مهانةٌ، والشُّحُّ خِسَّةُ ،
والهيبةُ خيبةٌ ، والغفلةُ حجابٌ .



· (( احفظِ
الله يحفظْك ، احفظِ الله تجدْه أمامك ، تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ يعرفْك في
الشدةِ ، إذا سألت فاسألِ الله ، وإذا استعنت فاستعنْ باللهِ )) .



· اجعلْ زمان رخائِك عدةً لزمانِ بلائِك ، واجعلْ مالكَ
صيانةً لحالِك ، واجعلْ عمرك طاعةً لرِّبكَ .



· ربَّ لذةٍ أو جبتْ حسرةً ، وزلةً أعقب ذِلَّة ، ومعصيةٍ
سلبتْ نعمةً ، وضحكةٍ جرَّتْ بكاءً.



· النعمُ إذا شكرتْ قرّتْ ، وإذا كفرتْ فرَّتْ ، والدنيا
إذا سرّتْ مرَّتْ ، وإذا برّتْ غرّتْ.



· السلامة إحدى الغنيمتين ، وصحةُ الجسمِ قلةُ الطعامِ ,
وصحةُ الروحِ قلةُ الآثامِ , وصحة الوقتِ البعدُ عن المقْتِ .



· دقيقةُ الألمِ يوم , ويومُ اللذةِ دقيقةٌ , وليلةُ
السرورِ قصيرةٌ , ويومُ الهمِّ طويلٌ ثقيلٌ .



· البؤسُ ذكَّرك النعيم , والجوع حبَّب إليك الطعام ,
والسجنُ ثمَّن لديك الحرية , والمرضُ شوّقك للعافيةِ .



· عليك بثلاثة أطباء: الفرحِ والراحةِ والحِمْيةِ وإياك
وثلاثة أعداءٍ : التشاؤمِ والوهمِ والقنوطِ .



· السعادةُ هي أن تصل النفس إلى درجة كمالِها, والفوز أن
تجد ثمرةَ أعمالها , والحظّ أن تخدمُه الدنيا بإقبالِها.



· اجلسْ في السحرِ ، ومدَّ يديَكَ ، وأرسلْ عينيك وقلْ :
وجئْنا ببضاعةٍ مزجاةٍ فأوفِ لنا الكيل يا جليلُ .



· من النعم السلامةُ من الألمِ والسقمِ والهرمِ , ولا
تشربْ حتى تظمأً , ولا تأكلْ حتى تجوعَ , ولا تنمْ حتى تتعب.



· من تأنَّى حصل على ما تمنّى , ومن للخيرِ تعنَّى فبالفوِز
تهنَّا , والعجلةُ عقمٌ , والأمانيُّ إفلاسٌ .



· ارض عن اللهِ فيما فعله بك, ولا تتمنَّ زوال حالةٍ
أقامك فيها, فهو أدرى بك منك وأرحمُ بك من أمِّك.



· قضاءُ اللهِ كلُّه خَيْرٌ, حتى المعصيةُ بشرطِها من ندمٍ
وتوبةٍ , وانكسارٍ واستغفارٍ , وإذهابِ الكبرٍ والعُجْبِ .



· داومْ على الاستغفارِ فإن للهِ نفحاتٍ في الليلِ
والنهارِ, فعسى أن تصيبك منها نفحةٌ تسعدُ بها إلى يومِ الدينِ .



· طُوْبى لمن إذا أُنْعِم عليه شَكَرَ , وإذا ابتُلِي صَبَرَ,
وإذا أذنب استغفر, وإذا غضِب حلمَ , وإذا حَكَمَ عَدَلَ.



· من فوائد القراءةِ فتقُ اللسانِ , وتنميةُ العقلِ ,
وصفاءُ الخاطرِ , وإزالةُ الهمِّ , والاستفادةُ من التجاربِ ، واكتسابُ الفضائِل .



· غذاءُ القلب في الإخلاصِ والتوبةِ والإنابةِ , والتوكلِ
على اللهِ , والرغبةِ فيما عنده والرهبةِ
من عذابهِ , وحبِه تعالى.



· الزم (( يا ذا الجلال والإكرام )) وداومْ على ((
يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك استغيثُ ))

لترى الفَرَج والفَرَحَ والسكينةَ .



· إذا آذاك أحد فتذكرِ القضاءَ ، وفَضِّلِ العَفْوَ ، وأجرِ
الحلم ، وثواب الصبرِ ، وأنه ظالمٌ وأنت مظلومٌ , فأنت أسعدُ حظاً .



· القضاء نافذُ والأجلُ محتومٌ والرزقُ مقدَّر , فلماذا
الحزنُ ؟ والمرضُ والفقرُ والمصيبةُ بأجرِها فلم الهمُّ ؟.



· في الدنيا جنَّةٌ من لم يدخلْها لم يدخلْ جنة الآخرةِ,
وهي ذكرُه سبحانه وطاعتُه وحبُّه والأنسُ به والشوقُ إليه.



· رضي الله عنهم لأنهم أطاعوا أمره واجتُنبوا نهيه ورضوا
عنه ؛ لأنه أعطاهم ما أمِلُوا ، وآمنهم مما خافُوا .



· كيف يخزنُ من عندَه ربٌّ يقدرُ ويغفرُ ويسترُ ويرزقُ
ويرىُ ويسمعُ ، وبيدِهِ مقاليدُ الأمورِ.



· الرحمةُ واسعةٌ والبابُ مفتوحٌ ، والعفوُ ممنوحٌ ،
وعطاؤُه يغدو ويروحُ ، والتوبةُ مقبولةٌ ، وحلمه كبيرٌ .



· لا تحزْن لأن القضاء مفروغٌ منه ، والمقدور واقعٌ ،
والأقلام جفتْ ، والصحف طُوِيَتْ والأجرُ حاصلٌ ، والذنب مغفورٌ .



· أحسِن العمل وقصِّرِ الأمَلَ ، وانتظرِ الأجل ، وعش
يومك ، وأقبلْ على شأنِك واعرفْ زمانَك واحفظْ لسانَك .



· لا أَفْيَدَ من كتابٍ ، ولا أَوْعَظَ من قبرٍ ، ولا أَسْأَمَ
من معصيةٍ ، ولا أَشْرَفَ من زهدٍ ، ولا أغْنى من قناعةٍ .



· بقدر همتك وجدِّك ومثابرتِك يُكتبُ تاريخُك، والمجدُ لا يُعطى جزافاً وإنما يؤخذ بجدارةٍ ويُنالُ
بتضحيةٍ .



· هوّن الأمر يَهُنْ ، واجعلِ الهمَّ همَّ الآخرةِ فحسبُ ،
وتهيأ للقاءِ اللهِ تعالى ، واتركِ الفضولَ من كل شيءٍ .



· فضولُ المباحاتِ من المزعجاتِ كفضولِ الكلامِ والطعامِ
والمنامِ والخلطةِ والضحكِ , وهي سببُ الغمِّ .



· ﴿
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
فلا تذوبوا حسرةً ونَدماً, ولا تهلكوا بكاءً وأسفاً,
ولا تنقطعوا عويلاً وتسخُّطاً.



· ﴿
حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
يكفيكم اللهُ فيسددكم ويرعاكم ويدفع عنكم ويحميكم فلا
تخافون.



· ﴿
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
يدفع عنهم الأعداء , يعافيهم من البلاءِ , ويشافيهم من
الداءِ , يحفظُهم في البأساءِ والضراءِ .



· ﴿لا
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
يرانا, يسمع كلامَنا, ينصرُنا على عدوِنا, ييسرُ لنا ما أهمَّنا, يكشفُ
عنا ما أغمَّنا.

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ أما جعلناه فسيحاً وسيعاً مبتهجاً مسروراً ساكناً
مطمئناً فرِحاً معموراً ؟!



· ﴿
وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ
فنحن نكفيك مكرهم, ونصدُّ عنْك كيدهم, ونردُّ عنك أذاهم
فلا تضِقْ ذرْعاً.



· ﴿وَلا
تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا
وأنتم الأعلون عقيدةٌ وشريعةٌ , والأعلون منهجاً وسيرةً , والأعلون
سنداً ومبدأً, وأخلاقاً وسلوكاً.



· ﴿
إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ
يعفو عن المذنبِ , يقبلُ التوبة, يقيلُ العثرة, يمحو
الزلة, يستر الخطيئة, يتوبُ على التائب.



· ﴿
وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
فإن فرجهٌ قريب, ولطفهُ عاجلٌ , وتيسيرهُ حاصلٌ , وكرمُه
واسع, وفضله عامٌ .



· ﴿
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
يُشافي ويُعافي وَيُجتِبي ويختار, ويحفظُ ويتولى, ويسترُ ويغفرُ,
ويحلمُ ويتكرمُ .



· ﴿
فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً
يحفظ الغائب, يرد الغريبَ , يهدي
الضالَ , يعافي المبتلى , يشفي المريضَ , يكشفُ الكربِ .



· ﴿وَعَلَى
اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا
فوِّضوا الأمر إليه, وأعيدوا الشأن إليه, واشكوا الحال عليه, ارضوا
بكفايته, اطمئنوا لرعايته .



· ﴿
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
فيفتح الأقفال, ويكشف الكُرَبَ الثقال, ويزيل الليالي
الطوال, ويشرح البالَ , ويصلح الحالَ .



· ﴿
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً
فيذهب غمّاً ويطرُد هَمّاً ويزيلُ حزناً ويسهل أمراً
ويُقرِّبُ بعيداً.



· ﴿
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
يكشفُ كرْباً ويغفرُ ذنباً ويعطي رِزْقاً ويشفي مريضاً ويعافي مبتلًى ،
ويفكُّ مأسوراً ، ويجبرُ كسيراً .



· ﴿
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
مع الفقرِ غنى, وبعد المرضِ عافيةٌ , وبعد الحزنِ سرورٌ , وبعد الضيق
سَعَةٌ , وبعد الحبسِ انطلاقٌ , وبعد الجوعِ شبعٌ .



· ﴿
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
سُيحلُّ القيدُ , وينقطعُ الحبلُ , ويُفتحُ البابُ ,
وينزل الغيث , ويصلُ الغائبُ , وتصلح الأحوالُ .



· ﴿
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
فسوف يبدل الحالْ , وتهدأُ النفسُ , وينشرحُ الصدرُ, ويسهل الأمرُ,
وتحل العقدُ, وتنفرجُ الأزمةُ .



· ﴿
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
ليصلح حالُك, ويشرح بالُك, ويحفظ مالُك , ويرعى عيالُك
, ويكرم مآلُك, ويُحقَّقَ آمالُك.



· ﴿حَسْبُنَا
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
يكشف عنا الكروب, ويزيلُ عنا الخطوب, يغفرُ لنا الذنوب, يصلح لنا
القلوب , يذهبْ عنا العيوبَ .



· ﴿
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
هديناك واجتبيناك, وحفظناك ومكناك, ونصرناك وأكرمناك,
ومن كل بلاء حسنٍ أبليناك.



· ﴿
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
فلا ينالُك عدوٌّ , ولا يصل إليك طاغيةٌ , ولا يغلبك
حاسدٌ , ولا يعلو عليك حاقدٌ , ولا يجتاحك جبارٌ .



· ﴿وَكَانَ
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
خلقك ورزقك , علّمك وفهّمك , هداك وسددك, أرشدك وأدبك,
نصرك وحفظك, تولاك ورعاك.



· ﴿
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
أعطى الخَلْقَ والرزق , والسمع والبصر , والهداية
والعافية , والماء والهواء , والغذاء والدواء , والمسكن والكساء .



· إذا سألت فاسألِ الله تجدِ العون والكفاية والرشد
والسداد , واللطف والفرج , والنصر والتأييدَ .



· على الله توكلْنا وبدينِه آمنا ولرسولِه اتبعنا ولقولِه
استمعنا وبدعوتِه اجتمعنا, فلا تحزْن إنَّ الله معنا.



· ولينصرنَّ اللهُ من ينصرُه , فيرفُع قدره ، ويعلي شأنه ،
ويتولى أمره ، ويخذلُ عدوه ويكبتُ خصمه ويخزي من كاده.



· (( لا حول
ولا قوة إلا بالله))
لا إرادة ولا قدرة ولا تأييدَ ولا نصرَ ولا فرجَ ولا عونَ
ولا كفايةَ ولا طاقةَ إلا باللهِ العظيمِ .



· ﴿
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ
يطالع كتابَ الكونِ ، ويقرأ دفتر الجمالِ , ويتمتعُ بمشاهدِ الحُسْنِ
ويسرحُ طرفه في مهرجانِ الحياةِ .



· ﴿
وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ
يتكلمُ بالبيانِ المشرقِ , ينطقُ بالحديثِ الجذابُ , يتحدثُ بالكلماتِ
الآسراتِ , يترجم عما في قلبِهِ.



· ﴿
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
فيعظم علمُكم ويزيد فهمُكم ويبارك في رزقِكُمْ ، ويتحققُ
نصرُكم ويكثرُ خيرُكم.



· ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً عامةً وخاصةً , في الدينِ والدنيا, في الأهلِ والمالِ ,
في المواهبِ والجوارحِ , في الروحِ .



· ﴿
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ
أرفع شكايتي إليه , أعرضُ حالي عليه, أُحَسِّنُ ظني به
, أتوكلُ عليه, أرضى بحكمِه, أطمئنُّ إلى كفايتِه.



· ﴿اللَّهُ
لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ
يرزقهم إذا افتقروا , يغيثهم
إذا قحطُوا , يغفرُ لهم إذا استغفروا, يشفيهم إذا مرضُوا, يعافيهم إذا ابتُلوا .



· ﴿لا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
لم يغلقْ بابه , لم يسدلْ حجابه, لم تنْفَدْ خزائنُه ,
لم ينتهِ فضلُه, لم ينقطعْ حبلُه .



· ﴿ أَلَيْسَ
اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ
يكفيه ما أهمَّه وأغمَّه , يحميه ممن قصده , يمنعه ممن كاد له , يحفظُه
ممّن مكر به.



· ﴿ فَابْتَغُوا
عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
فعنده الخزائُن ، ولديه الكنوزُ ، وبيده الخيرُ , وهو الجوادُ المنانُ
الفتاحُ العليمُ .



· ﴿وَمَنْ
يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ
يكشف كربه ويغفر ذنبه, ويذهب غيظه وينيرُ طريقه ويسددُ
خطاه.



· ﴿
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
كنتم أمواتاً فأحياكم , وضُلاَّلاً فهداكُم , وفقراءً
فأغناكم , وجهلةً فعلَّمكم, ومستضعفين فنصركم.



· كم مرةٍ سألت فأعطاك , كم مرةٍ طلبت فحباك , كم مرةٍ
عثرت فأقالك , كم مرةٍ أعسرت فيسر عليك, كم مرةٍ دعوته فأجابَك.



· الصلاةُ والسلامُ على المعصومِ تذهبُ الغمومُ ، وتزيلُ
الهمومُ , وتشافي القلب المكلوم ، وتفتحُ العلوم ويحصل بها الفضلُ المقسومُ .



· ﴿ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ
ارفعوا إلى الله أكفَّكم , قدموا إليه حوائجكم , اسألوه مرادكم ,
اطلبوه رزقكم, اشكوا عليه حالكم .



· ﴿
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
فيزيل كربه وبلواه ويُذْهِبُ ما أضناه , ويعطيه ما
تمناه , ويحققُ مبتغاه.



· تصدق بعَرْضِك على فقراءِ الأخلاقِ , واجعلْهم في حلِّ
إن شتموك أو سبوك أو آذوك فعند اللهِ العِوَضُ .



· إذا خاف رُبَّان السفينة نادى : يا اللهُ , إذا ضلَّ
الحادي هتف : يا اللهُ , إذا اغتم السجين دعا : يا اللهُ , إذا ضاق المريضُ صاح : يا اللهُ .



· ﴿
اللَّهُ الصَّمَدُ
تصمدُ إليه الكائناتُ , تقصدُه
المخلوقاتُ , تدعوه البرياتُ بشتى اللغاتِ ومختلف اللهجاتِ في سائر الحاجاتِ .



· ﴿
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا
ينيرُ لهم الطريقِ , يبين لهم المَحَجَّة , يوضحُ لهم
الهداية , يحميهم من الضلالةِ , يعلمُهم من الجهالةِ.



· رفقاًَ بالقواريرِ ولطفاً بالقلوبِ ، ورحمةً بالناسِ ،
ورويداً بالمشاعرِ ، وإحساناً للغيرِ ، وتفضلاً على العالمِ .. أيها الناسُ .



· اكتمِ الغيظ , وتغافلْ عن الزلةِ , وتغاض عن الإساءةِ ,
واعفُ عن الغلطةِ , وادفنِ المعائب تكنْ أحبَّ الناسِ إلى الناسِ .



· بابٌ ومِفْتاحٌ , وغرفةٌ تدخلُها الرياحُ , وقلب مرتاحٌ
, مع تقوى وصلاحٍ , وقد نلت النجاح .



· فضول العيشِ أشغالٌ , والزائدُ عن الحاجة أثقالُ ,
وعفافٌ في كفافٍ خَيْرٌ من بَذْخٍ وإسرافٍ .



· لا تحمل عقدة المؤامرةِ , ولا تفكْر في تربصِ الآخرينَّ
, ولا تظن أن الناسَ مشغولون بك, فكلٌّ في فَلَكٍ يسبحون .



· ﴿
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ
فيرد كيدهم ويبطل مكرهمِ ، ويخذلُ جندهم ، ويفلُّ حدَّهم, ويمحقُ
قوتهم , ويُذْهِبُ بأسهم ويشتتُ شملهم .



· ﴿
فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ
فشفى غليلهم , وأبرد عليلهم , وأطفأ لهب صدورِهم ,
وأراحَ ضمائرَهم , وطهرَ سرائرَهم.



· (( الكلمة
الطيبة صدقةٌ ))
لأنها تفتحُ النفسَ ، وتسعدُ القلب ، وتدملُ الجراح ، وتذهبُ
الغيظ وتعلنُ السلام .



· (( تبسمك في وجهِ أخيك صدقةٌ )) لأن الوجه عنوانُ الكتاب ,
وهو مرآةُ القلبِ ، ورائدُ الضميرِ وأولُ الفألَ .



· ﴿
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
بتركِ الانتقامِ ، ولطفِ الخطابِ ، ولينِ الجانبِ ,
والرفقِ في التعاملِ ونسيانِ الإساءةِ .



· ﴿
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى
ولكن لتسعد
وتفرحَ روحُك ، وتسكنَ نفسُك ، وتدخل به جنةَ الفلاحِ ، وفردوس السعادةِ .



· ﴿وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
بل يسرٌ وسهولةٌ ، ومراعاةٌ للمشقةِ ، وبعدٌ عن الكلفةِ
، وسلامةٌ من التعبِ والإرهاقِ .



· ﴿
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فيسعدون بعد شقاءٍ ويرتاحون بعد عناءٍ ويأمنون بعد خوفٍ
، ويسرون بعد حُزْنٍ .



· ﴿
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي
فأرى النور أمامي ، وأحسّ الهدى بقلبي ، وأمسك الحبل
بيدي ، وأنال النجاح في حياتي ، والفوز بعد مماتي .



· ﴿ وَنُيَسِّرُكَ
لِلْيُسْرَى

فتعبد ربك بحبٍ وتطيعه بودٍّ وتجاهد فيه بصدقٍ ؛ فيصبح العذابُ فيه عذاباً ، والعلقمُ
في سبيلهِ شهْداً.



· ﴿
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا
فلا تكليف فوق الطاقةِ ، وإنما على حَسَبِ الجهدِ وعلى
قدرِ الموهبةِ وعلى مقدارِ القوةِ .



· ﴿
رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا
فأنا نهِمُ أحياناً ، ونغفلُ أوقاتاً ، ويصُيبنا
الشرودُ ويعترينا الذهولُ فعفوك يا ربُّ .



· ﴿
أَوْ أَخْطَأْنَا
فلسنا معصومين ولا من الذنب بسالمين ، ولكنَّا في فضلِك طامعون وفي
رحمتك راغبون .



· ﴿
رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً
فنحن عبادٌ ضعفاءٌ وبشر مساكينُ ، أنت الذي علمتنا كيف
ندعوكَ فأجبْنا كما دعوتنا .



· ﴿
رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ
فنعجَزَ وتكلَّ قلوبُنا وتملَّ نفوسنا ، بل يسرْ علينا
وقد فعلتَ ، وسهلْ علينا وقد أوجبتَ .



· ﴿
وَاعْفُ عَنَّا
فنحن أهل الخطأ والحيفِ ومنا تبدرُ الإساءةُ ، وفينا نَقْصٌ وتقصيرٌ ،
وأنت جوادٌ كريمٌ رحمانٌ رحيمٌ .



· ﴿
وَاغْفِرْ لَنَا
فلا يغفرُ الذنوب إلا أنت ، ولا يسترُ العيوبَ إلا أنت ، ولا يحلمُ عن
المقصر إلا أنت ، ولا يتفضلُ على المسيءِ إلا أنتَ .



· ﴿
وَارْحَمْنَا
فبرحمتك نسعدُ, وبرحمتِك تعيشُ آمالنا , وبرحمتك تُقْبَلُ أعمالُنا ,
وبرحمتك تصلح أحوالُنا.

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· ((
بعثت بالحنيفة السمحة ))
فلاعَنَتَ
فيها ولا تنطّعَ ولا تكلّفَ ولا مشقةَ ولا غلوَّ , بل فطرةٌ وسنةٌ ويسرٌ واقتصادٌ .



· (( إياكم والغلو ))
بل الزموا السنة, اتباعٌ لا ابتداعٌ , وسهولةٌ لا مشادةٌ , وتوسطٌ لا تطرفٌ ,
واقتفاءٌ بلا زيادةٍ .



· (( أمتي أمة مرحومة )) تولاها ربها, فرسولُها سيدُ الرسل ودينُها أحسنُ الأديانِ ، وهي أفضل الأممِ وشريعتُها أجملُ الشرائعِ .


· (( ذاق طعم الإيمانِ من رضى باللهِ رباً ، وبالإسلامِ
ديناً وبمحمدٍ رسولاً ))
وهذه الثلاثة
أركان الرضا وأصول الفلاحِ .



· إياك والتسخط فإنه باب الحزنِ والهمِّ والغمِّ وشتاتُ
القلبِ وكسفُ البالِ وسوءُ الحالِ وضياعُ العمرِ .



· الرضا يكسب في القلب السكينة والدَّعَةَ ، والراحة
والأمنَ ، والطمأنينة وطيبَ العيشِ والسرورَ والفَرَحَ .



· الرضا يجعل القلبُ سليماً من الغشِ والدغلِ ، والغلِ
والتسخطِ ، والاعتراضِ والتذمرِ ، والمللِ والضجرِ والتبرمِ .



· من رضي عن الله ملأ قلبه نوراً وإيماناً ، ويقيناً
وحباً وقناعةً ورضىً وغنىً وأمناً ، وإنابةً وإخباتاً .



· أيها الفقير: صبرٌ جميل , فقد سلمتَ من تبعاتِ المالِ ,
وخدمةِ الثروةِ , وعناءِ الجَمْعِ ، ومشقةِ وحراسةِ المالِ وخدمتِه ، وطولِ الحسابِ
عند اللهِ .



· يا من فقدَ بصرهَ : أبشرْ بالجنة ثمناً لبصرِك ، واعلمْ
أنك عُرِّضْتَ نوراً في قلبِك ، وسلمت من رؤيةِ المنكراتِ , ومشاهدةِ المزعجاتِ
والملهياتِ .



· يا أيها المريض: طهورٌ إن شاء اللهُ فقد هُذّبْتَ من
الخطايا , ونُقِّيت من الذنوبِ , وصُقِل قلبكُ وانكسرتْ نفسُك , وذهب كِبْرُك وعَجْبَك
.



· لماذا تفكر في المفقودِ ولا تشكرُ على الموجودِ , وتنسى
النعمة الحاضرة , وتتحسرُ على النعمةِ الغائبةِ , وتحسدُ الناس وتغفلُ عما لديك .



· (( كن في الدنيا كأنك غريب)) قطعةُ خبزٍ , وجرعةُ ماء ,
وكساءٍ , وأيامٌ قليلةٌ , وليالٍ معدودةٌ , ثم ينتهي العالم , فإذا قبرُ أغنى
الأغنياءِ وأفقرِ الفقراءِ سواء .



· يدفن الملكُ بجانبِ الخادمِ , والرئيسُ بجوارِ الحارسِ ,
والشاعرُ المشهورُ مع الفقيرِ الخاملِ , والغنيُ مع المسكينِ والفقيرُ والكسيرُ ,
ولكنْ داخل القبرِ أعمالٌ مختلفةٌ ودرجاتٌ متباينةٌ .



· إذا زارك يومٌ جديدٌ فقلْ له مرحباً بضيفٍ كريم , ثم
أحسِنْ ضيافتَه بفريضةٍ تؤدَّى , وواجبٍ يُعْمَلُ وتوبةٍ تجدَّدُ, ولا تكدْرهُ
بالآثامِ والهمومِ فإنه لن يعود.



· إذا تذكرت الماضي فاذكر تاريخك المشرق لتفرح , وإذا
ذكرت يومك فاذكرْ إنجازك تسعدْ , وإذا ذكرت الغد فاذكرْ أحلامك الجميلةَ لتتفاءلَ .



· طولُ العمرِ ثروةٌ من التجاربِ , وجامعةٌ من المعارفِ ,
ومستودعٌ من المعلوماتِ , وكلما مرّ بك يومٌ تلقيت درساً في فنِّ الحياة , إن طول
العمرِ بركةٌ لقومٍ يعقلون.



· لابد من شيء من الخوفِ يذكرك الأمنَ , ويحثك على الدعاءِ
, ويردعُك عن المخالفِة , ويحذّرك من خطرِ أعظم .



· ولابد من شيء من المرضِ يذكرك العافيةَ , ويجتثُّ شجرة
الكِبْرَ ودرجة العُجْبِ ليستيقظ قلبُك من رقدِة الغافلين .



· الحياةُ قصيرةٌ فلا تقصِّرْها أكثر بالنكدِ , والصديقُ
قليلٌ فلا تخسرْه باللومِ , والأعداءُ كثير فلا تزدْ عددهم بسوءِ الخُلُقِ .



· كن كالنملةِ في المثابرةِ , فإنها تصعدُ الشجرةَ مائةٍ
مرةٍ وتسقطُ ، ثم تعودُ صاعدةً حتى تصل , ولا تكلُّ ولا تملُّ .



· وكن كالنحلةِ فإنها تأكلُ طيباً ، وتضعُ طيباً ، وإذا
وقعتْ على عودٍ لم تكسِرْه ، وعلى زهرةٍ لا تخدشُها.



· لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ , فكيف تدخل السكينُة
قلباً فيه كلابُ الشهواتِ والشبهاتِ .



· احذر مجالس الخصومات ففيها يباعُ الدينُ بثمنٍ بَخْسٍ ,
ويحرّجُ على المروءةِ , ويداسُ فيها العِرْضُ بأقدامِ الأنذالِ .



· ﴿ وَسَابقوا
, ليس إلا المسابقة
فالزمنُ يمضي , والشمسُ تجري , والقمرُ يسير , والريحُ تهبُّ , فلا تقفْ ، فلن
تنتظرك قافلةُ الحياةِ .



· ﴿وَسَارِعُوا ثِبْ وَثْباً إلى العلياءِ فإن المجد مناهَيَهٌ , ولن
يقدم النصرُ على أقدام مًن ذهبٍ ولكنْ مع دموعٍ ودماء وسهرٍ ونصبٍ وجوعٍ ومشقةٍ .



· عَرَقُ العامل أزكى من مْسكِ القاعدِ , وزفراتُ الكادحِ
أجملُ من أناشيدِ الكسولِ , ورغيفُ الجائع ِألذّ من خروفِ المترفِ .



· الشتمُ الذي يوجه للناجحين من حسادِهم هي طلقاتُ مِدْفعِ
الانتصارِ , وإعلاناتُ الفوزِ , ودعايةٌ مجانيةٌ للتفوقِ .



· التفوقُ والمثابرةُ لا تعترفُ بالأنسابِ والألقابِ
ومستوى الدخلِ والتعليمِ , بل من عنده همةٌ وثَّابةٌ , ونفسٌ متطلعة, وصبرٌ جميلٌ ,
أدركَ العلياءَ .



· لا تتهيبِ المصاعب فإن الأسد يواجه القطيع من الجمالِ غَيْرَ
هيابٍ , ولا تَشْكُ المتاعب فإن الحمارَ يحملُ الأثقالَ ولا يئنُّ , ولا تضجرْ من
مطلبِك فإن الكلب يطاردُ فريسته ولو في النار .



· لا تستقلَّ برأيك في الأمورِ بل شاورْ فإن رأي الاثنين
أقوى من رأي الواحدِ , كالحبلِ كلما قُرن به حبل آخر قوي وأشتدَّ .



· لا تحملْ كلَّ نقدٍ يوجّه إليك على أنه عداوةٌ , بل
استفدْ منه بغضِ النظرِ عن مقصدِ صاحبِه فإنك إلى التقويم أحوجُ منك إلى المدحِ .



· من عَرَفَ الناس استراحَ , فلا يطربْ لمدحهم ، ولا يجزعْ
من ذمِّهم , لأنهم سريعو الرضا , سريعو
الغضبِ , والهوى يُحرِكُهم.



· لا تظنَّ العاهاتِ تمنعك من بلوغِ الغاياتِ , فكم من
فاضلٍ حاز المجدَ وهو أعمى أو أصمَّ أو أشلَّ أو أعرجَ , فالمسألةُ مسألةُ هممٍ لا
أجسامٍ .



· عسى أن يكون منعَه لك سبحانهُ عطاءً وحجزك عن رغبتِك
لطفاً , وتأخرك عن مرادك عنايةً , فإنه أبصرُ بك منك .



· إذا زارتك شدةٌ فاعلمْ أنها سحابةُ صيفٍ عن قليلٍ تُقْشعُ
, ولا يُخِفُك رعدُها ، ولا يرهبْك برقُها فربما كانت محملة بالغيثِ .



· اخرجْ بأهلك في نزهةٍ عائلية كَّل أسبوعٍ فإنها تعرّفْك
بأطفالِك أكثرَ وتجدد حياتك وتذهبُ عنك الملل .



· من لم يسعد في بيته فلن يسعد في أي مكان , واعلم أن
أنسب مكان لراحة النفس وهدوء البالِ ، والبعد عن التكلف هو بيتُك.



· العلم والثقافةُ مجدُها باقٍ خاصةً لمن علّم الناسَ وألّفَ
, أما مجدُ الشهرةٍ والمنصبٍ فظلٌّ زائل ، وطيفٌ زائفٌ .



· الفكر إذا تُرك ذهب إلى خانةِ المآسي , فَجَرَّ الآلاَم
والأحزانَ , فلا تتركْه يطِيشْ ولكن قيدْه فيما ينفع .



· مما يشوش البالَ ويقسي القلبَ مخالطةُ الناسِ وسماعُ
كلامهم اللاهي ، وطول مجالستهم , وما أحسنَ العزلةِ مع العبادةِ والعلمِ .



· أشرف السبل سبيلكَ إلى المسجدِ , وآمنُ الطرقِ طريقُك
إلى بيتِك , وأصعبُ المواقفِ وقوفك أمام السلطانِ , وأعظمُ الهيئاتِ سجودُك للديانِ
.



· سماعَ القرآنِ بصوتٍ حَسَنٍ, والذكرُ بقلبٍ حاضرٍ ,
والإنفاقُ من مالٍ حلالٍ , والوعظُ بلسانٍ فصيحٍ موائدُ للنفسِ وبساتينُ للقلبِ .



· الأخلاق الجميلة والسجايا النبيلة, أجملُ من وسامةِ
الوجوهِ ، وسوادِ العيونِ ، ورقةِ الخدودِ ؛ لأن جمال المعنى أجلُّ من جمالِ الشكلِ
.

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· صنائعُ المعروفِ تقي مصارع السوءِ , وجدارُ العقلِ يمنعُ
من مزالقِ الهوى , ومطارقُ التجاربِ أنفعُ من ألفِ واعظٍ .



· إذا رأيت الألوف من البشرِ وقد أذهبُوا أعمارهم في الفنِّ
واللهو واللعبِ والضياعَ فاحمدَ الله على ما عندك من خيرٍ , فرؤيةُ المبتلَى سرورٌ
للمعافى .



· إذا رأيت الكافر فاحمدِ اللهَ على الإسلامِ , وإذا رأيت
الفاجرَ فاحمدِ الله على التقوى , وإذا رأيت الجاهلَ فاحمدِ الله على العلم , وإذا
رأيت المبتلى فاحمدِ الله على العافيةِ .



· خلقت الشمسُ لك فاغتسلْ بضيائها , وخلقتِ الرياحُ لك
فاستمتعْ بهوائِها , وخلقتِ الأنهارُ لك فتلذذْ بمائها , وخلقتِ الثمارُ لك فاهنأْ
بغذائها, واحمد من أعطى جل في علاه.



· الأعمى يتمنى أن يشاهدَ العالمَ , والأصمُّ يتمنى سماعَ
الأصواتِ , والمقعدُ يتمنى المشي خطواتٍ , والأبكمُ يتمنى أن يقول كلماتٍ , وأنت
تشاهدُ وتسمع وتتكلمُ .



· لا تظنَّ أن الحياة كملتْ لأحدٍ , من عنده بيتٌ ليس
عنده سيارةٌ , ومن عنده زوجةٌ ليس عنده وظيفةٌ , ومن عنده شهيةٌ قد لا يجد الطعامَ
, ومن عنده المأكولاتُ مُنِعَ من الأكلِ .



· المسجدُ سوقٌ الآخرة , والكتابُ صديقُ العمرِ , والعملُ
أنيسُ في القبر , والخَلَقُ الحسنُ تاجُ الشرفِ , والكرمُ أجملُ ثوبٍ .



· إياك وكتاب الملاحِدةِ فإن فيها رجساً ينجسُ القلبَ ,
وسماً يقتلُ النفسَ , ولوثةً تعصفُ بالضميرِ ، وليس أصلح لك من الوحيِ ، يطهرُ روحَك
ويشفى داءَكَ.



· لا تتخذْ قراراً وأنت مغضَبٌ فتندم ؛ لأن الغضبان بفقدُ
الصواب ، وتفوته الرويّة ، وينقصُه التأملُ .



· الحزنُ لا يرد الغائبَ , والخوفُ لا يصلحُ للمستقبلُ ,
والقلقُ لا يحققُ النجاحَ , بل النفسُ السويةُ ، والقلبُ الراضي هما جناحا السعادةِ
.



· لا تطالبِ الناس باحترامِك حتى تحترمهم , ولا تَلُمَّهم
على إخفاقٍ حصل لك , بل لُمَّ نفسك , وإن أردت أن يكرمَك الناسُ فأكرمْ نفسك .



· على صاحبِ الكوخِ أن يرضى بكوخِه إذا علم أن القصورَ
سوف تخربُ , وعلى لابس الثيابِ الممزقةِ أن يقنع بثيابِه إذا تيقن أن الحرير سوف
يبلى .



· من أعطى نفسَه كلما تطلبُ تشتَّتَ قلبُه , وضاع أمُره ,
وكثرُ همُّه ؛ لأنّه لا حدَّ لمطالبِ النفسِ فهي أمّارةٌ غرّارةٌ .



· يا من فقد ابنه : لك قصرُ الحمد في الجنةِ , ويا من
فاته نصيُبه من الدنيا : نصيبك في جناتِ عدنٍ تنتظرك .



· الطائرُ لا يأتيه رزقُه في العشِ , والأسدُ لا تقدم له
وجبتُه في العرين , والنملةُ لا تعطي طعامها في مسكنِها, ولكن كلهم يطلبون ويبحثون
فاطلبْ كما طلبوا تجدْ ما وجدوا .



· ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ
عَلَيْهِمْ

يموتون قبلَ الموتِ , وينتظرون كلَّ مصيبةٍ , ويتوقعون كل كارثةٍ , ويخافون من كلِّ
صوتٍ وخيالٍ وحركةٍِ ؛ لأن قلوبَهم هواءٌ ونفوسهم ممزقةٌ .



· إذا أقامَك اللهُ في حالةٍ فلا تطلبْ غيرها لأنه عليمٌ
بك , فإن أفقرَك فلا تقل ليته أغناني ، وإن أمرضَك فلا تقلْ ليته شفاني .



· عسى تأخيرُك عن سفرٍ خيراً , وعسى حرمانُك زوجةٍ بركةً ,
وعسى ردك عن وظيفة مصلحةً , لأنه يعلمُ وأنت لا تعلمُ .



· الصخرُ أقوى من الشجر , والحديدُ أقوى من الصخرِ ,
والنارُ أقوى من الحديدِ , والريح أقوى من النارِ , والإيمانُ أقوى من الريحِ
المرسلةِ .



· كلُّ مأساةٍ تصيبُك فهي درسٌ لا يُنْسَى , وكلُّ مصيبةٍ
تصيبُك فهي محفورةُ في ذاكرتك, ولهذا هي النصوص الباقية في الذهنِ .



· النجاحُ قطراتٌ من المعاناةِ والغصصِ والجراحاتِ
والآهاتِ والمزعجاتِ , الإخفاقُ قطراتٌ من الخمولِ والكسلِ والعجزِ والمهانةِ والخَوَرِ
.



· الذي يحرص على الشهرةِ المؤقتةِ ، ولا يسعى للخلودِ
بثناءِ حَسَنٍ ، وعلمٍ نافعٍ صالحٍ ، إنما هو رجلٌ بسيطٌ لا همةَ له .



· (( يا بلال, أقمِ الصلاةَ , أرحْنا بها )) لأن الصلاة فيضٌ من السكينةِ , ونهرٌ من الأمنِ , وريحٌ طيبةٌ باردةٌ
تهبُّ على النفسِ فتطفئَ نارَ الخوفِ والحزنِ .



· إذا لم تَعْص رباً ؛ ولم تظلمْ أحداً ، فنم قرير العينِ
, وهنيئاً لك فَقَدَ علا حظك وطاب سعيُك فليس لك عدوٌ .



· هنيئاً لمن بات والناسُ يدعون له, وويلٌ لمن نامَ
والناسُ يدعون عليه , وبُشْرَى لمنى أحبته القلوبُ , وخسارةً لمن لعنتْه الألسنُ .



· إذا لم تجدْ عدلاً في محكمة الدنيا فارفعْ ملفَّك
لمحكمةِ الآخرة فإن الشهود ملائكةٌ , والدعوى محفوظةُ , والقاضي أحكمُ الحاكمين.



· ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ لولم يكن للذكر من فائدةٍ إلا هذه لكفى , ولو لمْ يكنْ
له نفعٌ إلا أن يذكرك ربُّك لكفى بهِ نفْعاً , فيا له من مَجْدٍ وسؤددٍ وزُلْفى
وشرفٍ .



· بشرى لك. . فالطهورُ شطرُ الإيمان فهو يذهبُ الخطايا
ويغسلُ السيئاتِ غسلاً ، ويطهرك لمقابلةِ ملكِ الملوكِ تعالى .



· طُوْبَى لك فالصلاةُ كفارةٌ تذهبُ ما قبلها , وتمحو ما
أمامها , وتصلح ما بعدَها , وتفك الأسر عن صاحبِها , فهي قرةُ العيون .



· الرجل الذي يسعى دائماً للظفر باحترام الناس ولا يتعرضُ
لنقدهم , كثيراً ما يعيشُ شقياً بائساً , والسعيُ وراء الظهورِ والشهرةِ عَدُوٌ
للسعادةِ .



· النظرياتُ والدروسُ في فنِّ السعادةِ لا تكفى , بل لابدَّ
من حركةٍ وعملٍ وتصرفٍ كالمشي كل يوم ساعة أو السفرِ أو الذهابِ إلى المنتزهاتِ .



· تتعرضُ البعوضةُ للأسدِ كثيراً وتحاولُ إيذاءه فلا يعيرُها
اهتماماً ولا يلتفتُ إليها ، لأنه مشغولٌ بمقاصدِه عنها .



· احذر المتشائم , فإنك تريهِ الزهرة فيريك شوكَها ,
وتعرضُ عليه الماءَ فيخرجُ لك منه القذى , وتمدحُ له الشمس فيشكو حرارتَها .



· أتريدُ السعادة حقاً ؟! لا تبحثُ عنها بعيداً , إنها
فيك ؛ في تفكيرِك المبدعِ , في خيالك الجميلِ , في إرادتِك المتفائلةِ , في قلبك
المشرقِ بالخيرِ .



· السعادةُ عِطْرٌ لا يستطيعُ أن ترشَّهُ على من حولَك
دونَ أن تعلق به قطراتٌ منه.



· مصيبُتنا أننا نخافُ من غيرِ اللهِ في اليومِ أكثر من
مائةِ مرةٍ : نخاف أن نتأخر , نخافُ أن نخطئ , نخافُ أن نستعجلَ , نخافُ أن يغضبَ
فلانٌ , نخافُ أن يشكَّ فلانٌ .



· كثيرون من الناس يعتقدون أن كلَّ سرورٍ زائلٌ ولكنّهم
يعتقدون أنَّ كلَّ حزنٍ دائمٌ , فهم يؤمنون بموتِ السرورِ ، ويكفرون بموتِ الحُزْنِ
.



· بعضُنا مِثْلِ السمكةِ العمياءِ تظنُّ وهي في البحرِ
أنها في كأسٍ صغيرٍ , فنحن خلقنا في عالم الإيمانِ فأحطنا أنفسنا بجبالِ الكرهِ
والخوفِ والعداوةِ والحزنِ .



· إن الحياة كريمةٌ ، ولكن الهدية تحتاجُ لمن يستحقُّها,
وإن الذين تضحكُ لهم الحياة وهم يبكون ، وتبتسمُ لهم وهم يكشرون لا يستحقون البقاءَ
.



· وضع صيادٌ حمامة في قفصٍ فأخذت تغني فقال الصيادُ :
أهذا وقتُ الغناء ؟! فقالت : من ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ.



· قيل لحكيمٍ : لماذا لا تذهبُ إلى السلطانِ فإنه يعطي
أكياسَ الذهبِ ؟ قال : أخشى منه إذا غضب أن يقطع رأسي ويضعه في أحد تلك الأكياسِ
ويقدمه هديةً لزوجتي !!.



· لماذا تسمع نُباح الكلابِ ولا تنصتُ لغناءِ الحمامِ ؟!
لماذا ترى من الليل سواده ، ولا تشاهدْ حسنَ القَمَرِ والنجومِ ؟! لماذا تشكو لَسْعَ
النحلِ وتنسى حلاوة العَسَلِ ؟!.



· تاب أبوك آدمُ من الذنبِ فاجتباه ربك واصطفاه وهداه ,
وأخرجَ من صلبِه أنبياءَ وشهداءَ وعلماءَ وأولياءَ , فصار أعلى بعد الذنبِ منه قبل
أن يذنبَ .



· ناح نوح والطوفان كالبركان فهتف : يا رحمانُ يا منانُ ,
فجاءه الغوثُ في لمحِ البصرِ فانتصر وظفرَ , أما من كفرَ فقد خسرَ واندحرَ .



· أصبح يونس في قاع البحرِ في ظلماتٍ ثلاث فأرسلَ رسالة
عاجلةُ فبها اعترافُ بالاقترافِ , واعتذرٌ عن التقصير , فجاء الغوث كالبرقِ لأن
البرقية صادقةٌ .



· غسل داود بدموعه ذنوبه فصار ثوبُ توبِته أبيض ؛ لأن
القماشَ نُسِجَ في المحرابِ والخياطُ أمينٌ , وغُسِلَ الثوبُ في السَّحَرِ .



· إذا اشتد عليك الأمرُ وضاقَ بك الكَرْبُ وجاءك اليأسُ ؛
فانتظرِ الفَرَجَ .



· إذا أردت الله يفرجَ عنك ما أهمك فاقطعْ طمعَك في أي
مخلوقٍ صغرَ أم كبر , ولا تعلّقْ على أحدٍ أملاً غَيْرَ اللهِ ، وأجمع اليأسَ في
الناسِ كافةً .



· نفسك كالسائل الذي يلوّن الإناء بلونه ، فإن كانت نفسُك
راضيةً سعيدة رأيت السعادة والخيرَ والجمالَ ، وإن كانت ضيقةَ متشائمة رأيتَ
الشقاءَ والشرَّ والقُبْحَ .



· إذا أطعمت المعبودَ ، ورضيتَ بالموجودِ ، وسلوتَ عن
المفقودِ ، فقد نلتَ المقصودَ وأدركتَ كلَّ مطلبٍ محمودٍ .



· من عنده بستان في صدره من الإيمانِ والذكرِ ، ولديه حديقةٌ
في ذهنِه من العلمِ والتجاربِ فلا يأسفْ على ما فاته من الدنيا .



· إنّ من مؤخر السعادة حتى يعود ابنه الغائبُ , ويبني
بيته ويجدُ وظيفة تناسبه، إنما هو مخدوع بالسرابِ ، مغرورٌ بأحلامِ اليقظةِ .



· السعادةُ :
هي عدمُ الاهتمامِ ، وهجرُ التوقعاتِ واطِّراحُ التخويفاتِ .



· البسمة :
هي السحرُ الحلالُ ، وهي عُربونُ المودةِ وإعلانُ الإخاءِ ، وهي رسالةٌ عاجلة تحملُ
السلامَ والحبَّ ، وهي صَدَقَةٌ متقلبةٌ تدلُّ على أن صاحبَها راضٍ مطمئنٌّ ثابتٌ
.



· أنهاك عن الاضطرابِ والارتباكِ والفوضويةِ , وسببها تركُ
النظامِ وإهمالُ الترتيبِ , والحُّل أن يكون للإنسانِ جدولٌ متزنٌ فيه واقعيّةٌ
ومرانٌ .



· إذا وقعت عليك مصيبةٌ أو شدةٌ فافرحْ بكل يومٍ يمرُّ ؛ لأنه
يخففُ منها وينقصُ من عمرِها, لأن للشدة عمراً كعمرِ الإنسانِ لا تتعداه .



· ينبغي أن يكون لك حدٌّ من المطالبِ الدنيوية تنتهي إليه
, فمثلاً تطلبُ بيتاً تسكنه وعملاً يناسبك ، وسيارةً تحملُك , أما فتحُ شهيةِ
الطمعِ على مصراعيها فهذا شقاءٌ .



· ﴿لَقَدْ
خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ
سُنّةٌ لا تتغيرُ لهذا الإنسان فهو في مجاهدةٍ ومشقةٍ
ومعاناةٍ , فلابد أن يعترف بواقعِه ويتعاملَ مع حياتِه .



· يظنُّ من يقطعُ يومَه كله في اللعبِ أو الصيدِ أو اللهو
أنه سوف يسعدُ نفسه , وما علم أنه سوف يدفع هذا الثمنَ هماً متصلاً وكَدَراً
دائماً ؛ لأنه أهمل الموازنة بين الواجباتِ والمسلياتِ .



· تخلصْ من الفضولِ في حياتِك, حتى الأوراقُ الزائدةُ في
جيبِك أو على مكتبك, لأن ما زاد عن الحاجةِ - في كل شيء - ما كان ضاراً .



· كان الصحابة أسعدَ الناسِ لأنهم لم يكونوا يتعمقون في
خطراتِ القلوبِ ، ودقائقِ السلوكِ ، ووساوسِ النفسِ , بل اهتموا بالأصولِ ، واشتغلوا
بالمقاصدِ .



· ينبغي أن تهتمَّ بالتركيزِ ، وحضورِ القلب عند أداء
العبادات , فلا خَيْرَ في علم بلا فِقْهٍ , ولا صلاةٍ بلا خشوعٍ , ولا قراءةٍ بلا
تَدَبُّرِ .



· ﴿
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
فالطّيباتُ من الأقوالِ والأعمالِ والآدابِ والأخلاقِ والزوجاتِ
للأخيارِ الأبرارِ , لتتمَ السعادةُ بهذا اللقاءِ ، ويحصلَ الأُنْسُ والفلاحُ .



· ﴿
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
يكظمونه في صدورِهم فلا تظهرُ آثارُه من السبِّ والشتمِ والأذى
والعداوةِ , بل قهروا أنفسهم وتركوا الانتقامَ .



· ﴿
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وهم الذين أظهروا العَفْوَ والمغفرةَ وأعلنوا السماحَ وأعتقوا من
آذاهم من طلبِ الثأرِ , فلم يكظمُوا فَحَسْبُ بل ظَهَرَ الحلمُ والصفحُ عليهم .



· ﴿
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
وهم الذين عفوا عمن ظلمهم بل أحسنوا إليه وأعانوه
بمالهم وجاهِهم وكرمِهم, فهو يسيءَ وهم يحسنون إليه, ولهذا أعلى المراتبِ وأجلُّ
المقاماتِ .



· حدد بالضبطِ الأمر الذي يسعدُك . سجلْ قائمة بأسعدِ
حالاتك : هل تحدث بعد مقابلةِ شخص معين ؟ أو ذهابك إلى مكان محددٍ ؟ أو بعد أدائك
عملاً بذاته ؟ إذا كنت تتبعُ روتيناً جيداً, ضعه في قائمتك. تجدْ بعد أسبوع أنك
ملكت قائمةً واضحة بالأفكارِ التي تجعلُك سعيداً .



· تعوَّدْ على عملِ الأشياءِ السارةِ : بعد تحديدِ الأمورِ
التي تسعدُك أبعدْ كل الأمورِ الأخرى عن ذهنِك. أكدِ الأمور السعيدةَ , وانس
الأمورَ التي لا تسعدُك . وليكن قرارك بمحاولةِ بلوغِ السعادةِ تجربةً سارةً في حدِّ
ذاتِها .



· ارض عن نفسِك وتقبَّلْها : من المهم جداً أن تنتهي إلى
قرارٍ بالرضا عن نفسِك, والثقةِ في تصرفاتِك, وعدمِ الاهتمامِ بما يوجّه إليك من
نقدٍ , طالما أنت ملتزم بالصراطِ المستقيمِ , فالسعادةُ تهربُ من حيثُ يدخلُ الشكُّ
أو الشعورُ بالذنبِ .



· اصنعِ المعروف واخدِم الآخرين : لا تبْق وحيداً
معزولاً, فالعزلةُ مصدرُ تعاسةٍ , كلُّ الكآبةِ والتعاسةِ والتوترِ تختفي حينما
تلتحمُ بأسرتِك والناسِ , وتقدمُ شيئاً من الخدمات. وقد وصف العمل أسبوعين في خدمة
الآخرين علاجاً لحالات الاكتئاب.



· أشغل نفسك دائماً : يجب أن تحاول – بوعي وإرادة –
استخدم المزيدِ من إمكاناتِك . سوف تسعدُ أكثر إن شغلت نفسك بعملِ أشياء بديعةٍ ,
فالكسلُ ينمي الاكتئاب .



· حاربِ النكد والكآبة : إذا أزعجك أمرٌ , قمْ بعمل
جسماني تحبُّه تجدْ أن حالتك النفسية والذهنية قد تحسنت. ويمكنك أن تمارسَ مسلكاً
كانت تسعدك ممارسته في الماضي, كأن تزاول رياضة معينة أو رحلةً مع أصدقاء .



· لا
تبتئسْ على عمل لا تكملْه : يجب أن تعرف أن عمل الكبارِ لا ينتهي. من الناسِ من
يشعرون أنهم لن يكونوا سعداء راضين عن أنفسِهم إلا إذا أنجزُوا كل أعمالهم. والشخصُ
المسؤولُ يستطيع أن يؤدي القدرَ الممكن من عمله بلا تهاون, ويستمتع بالبهجة في
الوقت نفسِه , مادام لم يقصرْ .



· لا تبالغْ
في المنافسة والتحدي : تعلَّم ألا تقسو على نفسك, خاصة حينما تباري أحداً في عمل
ما بدون أن تشترط لشعورك بالسعادة أن تفوزَ .



· لا تحبسْ
مشاعرك : كبتُ المشاعرِ يسببُ التوتر, ويحولُ دون الشعورِ بالسعادةِ . لا تكتم
مشاعرك. عبرْ عنها بأسلوبٍ مناسبٍ ينفثُ عن ضغوطِها في نفسِك.



· لا تتحملْ وزر غيرك : كثيراً ما يشعرُ الناسُ بالابتئاسِ
, والمسؤوليةِ , والذنبِ , بسبب اكتئابِ شخصٍ آخرَ , رغم أنهم برءاء مما هو فيه,
تذكرْ أن كلَّ إنسان مسؤولٌ عن نفسه, وأن للتعاطف والتعاون حدوداً وأولوياتٍ . وأن
الإنسان على نفسِه بصيرة ﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ .



· اتخذ
قراراتِك فوراً : إن الشخص الذي يؤجل قراراتِه وقتاً طويلاً , فإنه يسلبُ من وقتِ
سعادته ساعاتٍ , وأياماً , بل وشهوراً. تذكر إن إصدار القرارِ الآن لا يعني
بالضرورةِ عدم التراجعِ عنه أو تعديله فيما بَعْدُ.



· اعرفْ
قدر نفسِك : حينما تفكرُ في الإقدامِ على عملٍ تذكرِ الحكمة القائلة : (( رحم الله
امرءاً عَرَفَ قدرَ نفسِه)) إذا بلغت الخمسين من عمرك, وأردت أن تمارس رياضة, فكر
في المشي أو السباحة أو التنس – مثلاً – ولا تفكر في كرةِ القدم. وحاول تنمية
مهاراتك باستمرار.



· تعلم
كيف تعرف نفسك : أما الاندفاعُ في خضِمِّ الحياةِ دون إتاحة الفرصة لنفسك كي تقيِّم
أوضاعك ومسؤولياتك في الحياة, فحماقة كبرى. فهؤلاء الذين لا يفهمون أنفسهم لن
يعرفوا إمكاناتهم.



· اعتدل
في حياتِك العملية : اعمل إن استطعت جزءاً من الوقت ، فقد كان الإغريق يؤمنون بأن
الرجال لا يمكن أن يحتفظ بإنسانيته إذا حُرِمَ من الوقت الفراغ والاسترخاء



· كن مستعداً لخوض مغامرات : الطريقة الوحيدة لحياة ممتعة
هي اقتحامُ أخطارِها المحسوبة ، لن تتعلم ما لم تكن عازماً على مواجهة المخاطرِ ، قمْ
مثلاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً
بتعلم السباحِة بمواجهةِ خطرِ الغَرَقِ .



· لا قفل إلا سوف يُفْتَحُ ، ولا قيد إلا سوف يُفَكٌّ،
ولا بعيد إلا سوف يقربُ ، ولا غائب إلا سوف يصلُ.. ولكن بأجل مسمّى .



· ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ فهما وَقودُ الحياةِ ، وزادُ السيرِ ، وباب الأملِ ، ومفتاحُ الفَرَجِ
، ومن لزم الصبرَ ، وحافظ على الصلاةِ ؛ فبشِّرْه بفجرٍ صادقٍ ، وفتحٍ مبينٍ ،
ونصرٍ قريبٍ .



· جُلد بلالٌ وضُرب عُذّبَ وسُحِب وطُرِدَ فأخذ يرددُ :
أحَدٌ أَحَدٌ ، لأنّه حفظ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما دخل الجنة
احتقر ما بذل ، واستقلَّ ما قدم لأن السّلعة أغلى من الثمن أضعافاً مضاعفة .



· ما هي
الدنيا ؟ هل هي الثوبُ إن غاليت فيه خدمته وما خدمك ، أو زوجةٌ إن كانت جميلة تعذبُ
قلبها بحبها ، أو مال كثرَ أصبحتَ له خازناً .. هذا سرورها فكيف خزنُها ؟



· كل
العقلاء يسعون لجلبِ السعادةِ بالعلمِ أو بالمال أو بالجاهِ ، وأسعدُهم بها صاحبُ
الإيمانِ لأن سعادته دائمةٌ على كل حالٍ حتى يلقى ربَّهُ.



· من السعادة سلامةُ القلبِ من الأمراضِ العقدية كالشكِّ
والسخطِ والاعتراضِ والريبةِ والشبهةِ والشهوةِ .



· أعقلُ الناسِ أعذرُهم للناسِ ، فهو يحمل تصرفاتِهم
وأقوالهَم على أحسنِ المحاملِ ، فهو الذي أراح
واستراحَ .



· ﴿ فَخُذْ
مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
اقنعْ بما عنك ، ارض بقسمِك ،
استثمرْ ما عندك من موهبةٍ ، وظِّفْ طاقتك فيما ينفعُ واحمدِ الله على ما أولاك .



· لا يكن
يومُك كلُّه قراءةً أو تفكراً أو تأليفاً أو حِفْظاً بل خذْ من كل عملٍ بطرفٍ ونوِّعْ
فيه الأعمالَ فهذا أنشطُ للنفسِ .



· الصلواتُ ترتبُ الأوقاتِ فجعلْ كل صلاة عملاً من
الأعمالِ النافعةِ .



· إن الخير للعبدِ فيما اختار له ربُّه ، فإنه أعلمُ به
وأرحمْ به من أمه التي ولدته ، فما للعبد إلا أن يرضى بحكم ربه ، ويفوض الأمر إليه
ويكتفي بكفاية ربه وخالقِه ومولاه.



· ولعبدُ لضعفه ولعجزِه لا يدري ما وراء حجبِ الغيبِ ،
فهو لا يرى إلا ظواهر الأمورِ أما الخوافي فعلمُها عند ربي، فكم من محنةٍ . صارت
منحةً وكم من بليةٍ أصبحت عطيةً ، فالخيرُ كامنٌ في المكروهِ .



· أبونا
آدم أكلَ من الشجرةِ وعَصَى ربَّه فأهبطَه إلى الأرضِ ، فظاهرِ المسألة أن آدم ترك
الأحسنَ والأصوبَ ووقع عليه المكروه ، ولكن عاقبة أمره خيرٌ عظيمٌ وفضلٌ جسيم ،
فإن الله تابَ عليه وهداه واجتباه وجعله نبياً وأخرج من صلبِه رُسُلاً وأنبياءَ
وعلماءَ وشهداءَ وأولياء ومجاهدين وعابدين ومنفقين ، فسبحان الله كم بين قوله ﴿
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾
، وبين قوله ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ
رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾
فإن حالة الأول سكنٌ وأكلٌ وشربٌ وهذا حال
عامة الناس الذين لا همّ لهم ولا طموحات ، وأما حاله بعد الاجتباءِ والاصطفاء
والنبوةِ والهدايةِ فحالٌ عظيمة ومنزلةٌ كريمة وشرفٌ باذخٌ .



· وهذا
داودُ عليه السلام ارتكب الخطيئةَ فندم وبكى, فكانت في حقِّه نعمةٌ من أجلِّ
النعم, فإنه عرف ربه معرفة العبدِ الطائعِ الذليل الخاشعِ المنكسرِ , وهذا مقصودُ
العبودية فإن من أركانِ العبودية تمامُ الذلِّ للهِ عزَّ وجلَّ. وقد سئِل شيخ
الإسلامِ ابنُ تيمية عن قوله
r : ((عجباً للمؤمنِ لا يقضي اللهُ له شيئاً إلا كان خيراً له))
هل يشمل هذا قضاء المعصيةِ على العبدِ ؟ , قال نعم ؛ بشرطِها من الندمِ والتوبةِ
والاستغفارِ والانكسارِ.



فظاهرُ
الأمرِ في تقديرِ المعصيةِ مكروهٌ على العبدِ ، وباطنُه محبوبٌ إذا اقترن بشرطِه .



· وخيرة اللهِ وللرسولِ محمدٍ r ظاهرةٌ باهرةٌ , فإن كلَّ
مكروهٍ وقعَ له صارَ محبوباً مرغوباً , فإن تكذيب قومِه له ؛ ومحاربتِهم إياه كان
سبباً في إقامةِ سوق الجهادِ ، ومناصرةِ اللهِ والتضحيةِ في سبيلِه , فكانت تلك
الغزواتُ التي نصر اللهُ فيها رسوله , فتحاً عليه, واتخذ فيها من المؤمنين شهداء
جعلهم من ورثةِ جنة النعيم, ولولا تلك المجابهة من الكفار لم يحصلْ هذا الخيرُ
الكبير والفوزُ العظيمُ , ولما طُرِد
r من مكة كان ظاهرُ الأمرِ مكروهاً ولكن في باطنِه الخيرُ والفلاحُ
والمنّةُ , فإنه بهذه الهجرةِ أقام
r دولة الإسلامِ ، ووجد أنصاراً
، وتميز أهلُ الإيمان من أهلِ الكفرِ , وعُرِفَ الصادق في إيمانِه وهجرته وجهادِه
من الكاذبِ. ولما غُلب عليه الصلاة والسلام وأصحابُه في أحدٍ كان الأمرُ مكروهاً
في ظاهرِه ، شديداً على النفوسِ ، لكن ظهر له من الخيرِ وحسنِ الاختيارِ ما يفوقُ
الوصف, فقد ذهب من بعضِ النفوسِ العجبُ بانتصارِ يوم بدرٍ ، والثقةُ بالنفسِ ، والاعتمادُ
عليها , واتخذ اللهُ من المسلمين شهداء أكرمهم بالقتلِ كحمزة سيدِ الشهداء , ومصعبِ
سفيرِ الإسلام , وعبدِالله ابن عمروٍ والدِ جابر الذي كلمه اللهُ وغيرهم , وامتاز
المنافقون بغزوةِ أحد ، وفضح أمرهم ، وكشفُ اللهُ أسرارهم وهتك أستارَهُمْ. . وقسْ
على ذلك أحواله
r ، ومقاماته التي ظاهرُها المكروهُ ، وباطنُها الخيرُ لهُ وللمسلمين .

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
· ومن عَرَفَ حُسْنَ اختيارِ اللهِ لعبدِه هانتْ عليه
المصائبُ ، وسهلتْ عليه المصاعبُ , وتوقعَ اللطفَ من اللهِ ، واستبشر بما حصل ، ثقةً
بلطفِ اللهِ وكرمِه ، وحسنِ اختيارِه ، حينها يذهبُ حزنُه وضجرُه وضيقُ صدرِه ,
ويسلم الأمر لربه جلَّ في علاه ، فلا يتسخطُ ولا يعترضُ ، ولا يتذمّرُ ، بل يشكرُ
ويصبرُ ، حتى تلوح له العواقبُ ، وتنقشعُ عنه سحبُ المصائبِ .



· نوحٌ
عليه السلامُ يُؤذى ألفَ عام إلا خمسين عاماً في سبيلِ دعوتِهِ , فيصبرُ ويحتسبُ
ويستمرُّ في نشرِ دعوتِه إلى التوحيدِ ليلاً ونهاراً , سراً وجهراً , حتى ينجيه ربُّه
ويهلك عدوه بالطوفانِ .



· إبراهيمُ
عليه السلامُ يُلقى في النارِ فيجعلُها الله عليه برْداً وسلاماً , ويحميه من
النمرودِ ، وينجيهِ من كيدِ قومه وينصرُه عليهم ، ويجعلُ دينه خالداً في الأرضِ .



· موسى
عليه السلام يتربصُ به فرعونُ الدوائر ، ويحيكُ له المكائد ، ويتفننُ في إيذائه
ويطاردُه , فينصرُه اللهُ عليه ويعطيه العصا تلقفُ ما يأفكون , ويشقُ له البحرَ
ويخرجُ منه بمعجزةٍ ، ويهلكُ اللهُ عدوَّه ويخزيه .



· عيسى
عليه السلامُ يحاربُه بنو إسرائيل ، ويؤذونه في سمعته وأمِّه ورسالتِه , ويريدون
قتله فيرفعُه اللهُ إليه وينصرُه نصراً مؤزراً ، ويبوءُ أعداؤه بالخسرانِ .



· رسولُنا
محمد
r
يؤذيه المشركون واليهودُ والنصارى أشدَّ الإيذاءِ , ويذوقُ صنوفَ البلاءِ ، من
تكذيبٍ ومجابهةٍ وردٍ واستهزاءٍ وسخريةٍ وسبٍّ وشتمٍ واتهامِ بالجنونِ والكهانةِ
والشعرِ والسحرِ والافتراءِ , ويُطردُ ويُحارَبُ ويُقتل أصحابُه ويُنكَّلُ بأتباعِه,
ويُتهمُ في زوجتِه ، ويذوقُ أصناف النكباتِ ، ويهدد بالغاراتِ ، ويمر بأزماتٍ ,
ويجوع ويفتقرُ ، ويجرحُ ، وتكسر ثنيتُهُ ، ويشج رأسُه ويفقدُ عمه أبا طالب الذي
ناصره , وتذهب زوجتُه خديجة التي واسته , ويُحْصَرُ في الشعب حتى يأكل هو وأصحابه
أوراق الشجرِ , وتموتُ بناتُه في حياتِه وتسيلُ روحُ ابنِه إبراهيم بين يديهِ ,
ويُغلبُ في أحد , ويُمزَّقُ عمه حمزةُ , ويتعرض لعدة محاولات اغتيال , ويربطُ الحَجَرَ
على بطنِه من الجوعِ ولا يجدُ أحياناً خبزَ الشعيرِ ولا رديءَ التمر , ويذوقُ
الغصص ويتجرع كأس المعاناة , ويُزلزلُ مع أصحابِه زلزالاً شديداً وتبلغُ قلوبهُم
الحناجر , وتعكس مقاصدُه أحياناً ، ويبتلى بتيه الجبابرةِ وصَلَفِ المتكبرين وسوءِ
أدبِ الأعرابِ وعجبِ الأغنياء ، وحقدِ اليهودِ ، ومكرِ المنافقين ، وبُطْءِ
استجابةِ الناسِ , ثم تكون العاقبةُ له ، والنصرُ حليفه ، والفوزُ رفيقه ، فيظهرُ
اللهُ دينه ، وينصرُ عبده ، ويهزم الأحزاب وحده ، ويخذل أعداءه ويكبتهم ويخزيهم ,
واللهُ غالبٌ على أمرِه ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون .



· وهذا أبو بكر يتحملُ الشدائد ، ويستسهلُ الصعابَ في
سبيل دينِه وينفقُ ماله ويبذلُ جاهه ، ويقدم الغالي والرخيصَ في سبيلِ اللهِ ، حتى
يفوز بلقبِ الصديقِ .



· وعمرُ بنُ الخطابِ يضرجُ بدمائِه في المحرابِ ، بعد
حياةٍ ملؤها الجهادُ والبذلُ والتضحيةُ والزهدُ والتقشفُ وإقامةُ العدلِ بين الناسِ
.



· وعثمانُ بن عفانَ ذُبِحَ وهو يتلو القرآن , وذهبتْ روحُه
ثمناً لمبادئِه ورسالتِه.



· وعلي بن أبي طالبٍ يُغتالُ في المسجدِ ، بَعْدَ مواقف
جليلةٍ ومقاماتٍ عظيمة من التضحيةِ والنصرِ والفداءِ والصدقِ .



· والحسينُ
بن علي يرزقُه اللهٌ الشهادة ويُقْتَلُ بسيفِ الظلمِ والعدوانِ .



· وسعيدُ بنُ حبيرٍ العالمُ الزاهدُ يقتله الحجاجُ فيبوءُ
بإثمِهِ .



· وابنُ
الزبيرِ يكرمُه اللهُ الشهادةِ في الحرِم على يدِ الحجاجِ بنِ يوسف الظالمِ .



· ويُحبس
الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلَ في الحق ، ويُجلد فيصيرُ إمامَ أهلِ السنةِ والجماعةِ .



· ويقتل الواثقُ الإمامَ أحمدَ بن نصرٍ الخزاعي الداعيةَ
إلى السنةِ بقولِه كلمة الحقِّ .



· وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ يسجن ويُمنعُ من أهلِه
وأصحابِه وكتبِه , فيرفعُ اللهُ ذكرهُ في العالمين .



· وقد جُلِدَ الإمامُ أبو حنيفة من قِبَل أبو جعفر
المنصور .



· وجُلد سعيدُ بن المسيب العالم الرباني , جلده أميرُ
المدينةِ .



· وضرب الإمام بن عبدُالله بن عونٍ العالمُ المحدثُ ,
ضربه بلا ل بن أبي برده.



· ولو ذهبت أعدد من ابتلُىَ بعزل أو سجنٍ أو جلدٍ أو قتلٍ
أو أذى لطالَ المقامَ ولكثرَ الكلامَ , وفيما ذكرت كفايةٌ .






وفي الختام ، تقبل تحياتي ، وهاك سلامي مقروناً بدعائي
لك بالسعادة ...



سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله أنت أستغفرك
زأتوب إليك .


***************************************

descriptionلا تحزن   للشيخ /  عائض القرني - صفحة 2 Emptyرد: لا تحزن للشيخ / عائض القرني

more_horiz
الخاتـمـة





أنا وأنت ، هيَّا
نقصد الغنيَّ الواحد الماجد ، الأحد الصمدَ الحيَّ القيومَ ، ذا الجلالِ والإكرامِ
، لننَّطِرح على عتبةِ ربوبيتِه ، ونلتجئ إلى بابِ وحدانيتِه ، نسأله ونُلحُّ في
السؤالِ ، ونطلبُه وننتظرُ النَّوالَ ، فهو المعافي الشافي الكافي وهو الخالق
الرزاقُ المحيي المميتُ .






﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
.


(( اللهم إنا نسألُك
العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة )).



(( اللهم إنا نسألك
من خير ما سألك منه نبيُّك محمدٌ
r ، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذك منه نبيُّك محمدٌ r )) .


(( اللهم إنا نعوذُ
بك من الهمِّ والحزِ ، ونعوذُ بك من العَجْزِ والكَسَلِ ، ونعوذُ بك من البخلِ
والجُبْنِ ، ونعوذُ بك من غلَبَةِ الدينِ وقهْرِ الرجالِ )) .






سبحان ربك ربِّ
العزةِ عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .






**********************************************
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد