تمهيد:
الأصل أن القانون لا يعاقب على مجرد إحراز المواد التي قد تستعمل في
ارتكاب الجرائم، إلا أن الشارع رأى وقاية للنظام الاجتماعي وكوسيلة من
وسائل الأمن
mésure de sureté تجريم فعل الإحراز في ذاته كي تتقي الهيئة الاجتماعية شر إحرازها الذي يهدد سلامتها حماية لكيانها ومن تلك المواد المفرقعات.
2 - تطور تشريعي:
وعندما صدرت مجموعة قانون العقوبات المصري سنة 1883 واستعيض عنها بمجموعة
أخرى سنة 1904 لم يرد في هاتين المجموعتين نص يحرم إحراز المفرقعات وذاك
إلى أن جاء القانون رقم (37) سنة 1923 فضمن قانون العقوبات مادة جديدة هي
المادة (317) مكررة والتي تقرر ما يأتي:
المادة (317) مكررة:
(يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على 100 جنيه كل من
صنع أو استورد من الخارج أو أحرز قنابل أو ديناميتًا أو مفرقعات أخرى بدون
رخصة أو بدون مسوغ قانوني).
وقد عدلت هذه المادة بالقانون رقم (35) سنة 1932 وصدرت مجموعة قانون
العقوبات الجديدة سنة 1937 متضمنة هذا التعديل، فاحتوى الباب الثالث عشر
الخاص بالتخريب والتعييب والإتلاف على المادة (363) والتي تنص على الآتي:
المادة (263):
(يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنين وبغرامة لا
تقل عن 30 جنيهًا ولا تزيد على 300 جنيه كل من صنع أو استورد من الخارج أو
أحرز قنابل أو ديناميتًا أو مفرقعات أخرى بدون رخصة أو بدون مسوغ قانوني،
ويسري حكم الفقرة الثالثة من المادة (88) على هذه الجريمة).
المادة (88/ 3):
(ويعتبر في حكم المفرقعات كل مادة معدة لأن تدخل في تركيب المفرقعات وكذلك
الأجهزة والآلات والأشياء التي تستخدم لصنعها أو انفجارها).
ثم جاء القانون رقم (50) لسنة 1949 بشأن المفرقعات فنص في مادته الرابعة على إلغاء المواد:
(88) من قانون العقوبات الخاصة باستعمال المفرقعات بغية ارتكاب جريمة قلب
دستور الدولة أو شكل الحكومة أو نظام توارث العرش أو بغرض ارتكاب قتل
سياسي.
(258) الخاصة باستعمال المفرقعات في جناية الحريق أو في تعريض حياة وأموال الناس عمدًا للخطر.
(363) الخاصة بإحراز المفرقعات.
واستعاض عنها بأحكام أخرى أدرجها بين ثنايا مواد قانون العقوبات في الباب الثاني مكررًا.
والذي يعنينا في هذا الصدد المادة (102) ( أ ) من قانون العقوبات والتي تنص على ما يلي:
المادة (102/ أ):
(يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك.
ويعتبر في حكم المفرقعات كل مادة يدخل تركيبها ويصدر بتحديدها قرار من
وزير الداخلية وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات التي تستخدم في صنعها أو
لانفجارها).
3 - أركان الجريمة:
ظاهر من تلاوة هذه المادة أن للجريمة ثلاثة أركان:
( أ ) الركن المادي: وهو فعل الإحراز أو الحيازة أو الصنع أو
الاستيراد بدون ترخيص فالقانون يعاقب كل من أحرز أو حاز أو صنع أو استورد،
والفرق واضح بين الحيازة والإحراز فالحيازة غير الإحراز، فالحائز مالك
للشيء سواء كان الشيء في حوزته أو حوزة غيره أما المحرز فهو ما يوجد الشيء
في حوزته.
ويعين لنا في هذا المقام أن نبحث ما إذا كان مجرد إحراز مادة يسيرة
المقدار من المفرقعات تكون الجريمة أم لا… أجابت محكمة النقض بالسلب في
عدة أحكام لها من بينها ما حكمت به بجلسة 22 إبريل سنة 1940 (مجموعة
القواعد القانونية في المواد الجنائية قاعدة 99 في الجزء الخامس) فذكرت
(أن البارود لا يعتبر من المفرقعات الوارد ذكرها في المادة (363) من قانون
العقوبات إلا إذا كان بكمية كبيرة وفي حيز مغلق لا يتسع للغازات التي
يتحول إليها عقب الاشتعال - فإذا كانت كميته يسيرة ليس من شأنها أن تحدث
عنها هذه النتيجة فإنه لا يعد من تلك المفرقعات، فإذا ضُبط بارود زنته
1060 جرامًا في كيس داخل قفة بقطار السكة الحديد فلا يمكن عده مفرقعًا
لأنه بحسب كميته والظرف الموجود فيه لا يمكن إذا ما أُشعل أن يحدث الفرقعة
ذات الخطر المعني في المادة المذكورة).
وما حكم به في 8 نوفمبر سنة 1928 (مجموعة القواعد القانونية في المواد الجنائية العدد الأول قاعدة 2 صـ 13).
(إن المقصود من عبارة مفرقعات أخرى الواردة في المادة (317) مكررة
العقوبات الخاصة بإحراز القنابل أو الديناميت إنما هي المواد التي من قبيل
القنابل والديناميت والتي من شأنها أن تُستعمل لتدمير الأموال الثابتة أو
المنقولة لأن غرض الشارع من إيراد هذا النص الذي جاء به القانون رقم (37)
سنة 1923 هو العقاب على صنع هذه المواد أو استيرادها أو إحرازها بعد أن
كان القانون قبل سنة 1923 لا يعاقب إلا على تدمير الأموال.
وعليه فالخراطيش والرصاص التي تُقذف بواسطة البنادق والطبنجات ونحوها من
الأسلحة النارية والتي تحتوي على رش أو رصاص وشيء من البارود كافٍ
لانطلاقها وإن كانت في الواقع مفرقعة إلا أنها نظرًا لقلة كمية البارود أو
المادة المتفجرة التي تكون بها قد حدد العرف موطن استعمالها وحصره في
إصابة الحيوان من إنسان وغير إنسان وطريقة صنعها يلاحظ فيها صلاحيتها لهذا
الغرض الخاص بالذات ولذلك فلا يمكن اعتبارها من قبيل المفرقعات التي
تُستعمل لتدمير الأموال ومن ثم فلا عقاب على من أحرزها ولا محل لتطبيق
المادة (317) مكررة عليه).
وكذا ما حكمت به محكمة النقض بجلسة 29 أكتوبر سنة 1934 (مجموعة القواعد القانونية في المواد الجنائية الجزء الثالث قاعدة 287).
(إذا كان الثابت أن كمية البارود المضبوطة لدى المتهم صغيرة وأنها مما
تُستعمل في ملء الخراطيش فلا يمكن اعتبارها مفرقعًا في حكم المادة (317)
مكررة من قانون العقوبات).
(ب) مفرقعات أو مواد مفرقعة والمادة المفرقعة هي كل مادة تُحدث انفجارًا بحكم خواصها الكيماوية أيًا كان نوعها.
ولقد حدد قرار وزير الداخلية الصادر في 20 سبتمبر سنة 1950 المواد التي
تُعتبر في حكم المفرقعات فنص في مادته الأولى على أنه يعتبر في حكم
المفرقعات المواد الآتية:
1 - الجلجنيت.
2 - الديناميت.
3 - 808 آمون ومشتقاته.
4 - مفرقعات نويل ومشتقاتها.
5 - قطن البارود ومشتقاتها.
6 - ثالث نترات تولين ومشتقاتها.
7 – الانوتال.
8 - حامض البكريك ومشتقاته.
9 – الكروديثار.
10 - البارود الأسود ومشتقاته.
11 - الترمايت.
ولا يعد صواريخ الأطفال من بينها فلقد حكمت محكمة النقض بجلسة 28 يناير
سنة 1935 (مجموعة القواعد القانونية في المواد الجنائية قاعدة 323 في
الجزء الثالث) من أن:
(المفرقعات المحرمة التي تشير إليها المادة (317) مكررة هي التي من شأنها
أن تُستعمل لتدمير الأموال الثابتة أو المنقولة، فلعب الأطفال (الصواريخ)
لا تدخل في عداد المفرقعات التي يتناولها حكم المادة المذكورة).
(جـ) القصد الجنائي: ولا بد أن يتوافر لدى محرز المفرقعات قصد
جنائي هو علمه بأن المادة مفرقعة، ولقد حكمت محكمة النقض بجلسة 19 فبراير
سنة 1934 (مجموعة القواعد القانونية في المواد الجنائية الجزء الثالث
قاعدة 208).
(إن المادة (317) مكررة المعدلة بالقانون (35) سنة 1932 تعاقب على إحراز
المفرقعات في كافة صوره وألوانه مهما كان الباعث على الإحراز إلا ما كان
منه برخصة أو بمسوغ قانوني والقصد الجنائي لا شأن له بالباعث على الإحراز
وهذا القصد يتحقق بمجرد علم المحرز أن المادة مفرقعة أو مما يدخل في تركيب
المفرقعات).
4 - العقاب:
ماثل من الاطلاع على التطور التاريخي أن المشرع تدرج في العقاب على هذه
الجريمة فاعتبرها في البداية جنحة، ولما جاء القانون رقم (50) لسنة 1949
اعتبرها جناية معاقبًا عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
والله ولي التوفيق،